|
|
من الحكامة إلى الإخلال الدستوري: قراءة قانونية في تعثر مشروع المؤسسة بتيزنيت
عمر أوزكان
الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 20:18
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
يشكل مشروع المؤسسة المندمج إحدى الركائز المركزية للإصلاح التربوي الذي انخرط فيه المغرب، باعتباره الآلية العملية لترجمة مقتضيات القانون-الإطار 51.17، وتنزيل أهداف خارطة الطريق 2022-2026، خاصة ما يتعلق بتحسين جودة التعلمات، تقليص الهدر المدرسي بنسبة الثلث، وتكريس مدرسة عمومية ذات جودة للجميع.
غير أن هذا البناء النظري المتماسك والاستراتيجية الوطنية المعتمدة تصطدم، على مستوى المديرية الإقليمية بتيزنيت، بواقع ميداني مقلق يكشف عن فجوة واسعة بين النص والممارسة، بين الإرادة المركزية والتنزيل المحلي. فمن أصل 87 مؤسسة تعليمية ابتدائية، لم تنفذ سوى 24 مؤسسة صرف اعتمادات مشروع المؤسسة، أي أقل من الثلث، في وقت يُفترض فيه أن يكون مشروع المؤسسة الإطار الوحيد، الملزم والموجه لتنزيل جميع البرامج الإصلاحية، بما فيها الدعم الممتد...
وقد أُحيط هذا المشروع بإطار تنظيمي ومالي صارم، من خلال مذكرات وزارية متتالية، آخرها المذكرة رقم 014x24 بتاريخ 6 فبراير 2024، إضافة إلى الدليل المسطري للتدبير المالي لجمعيات دعم مدرسة النجاح، المشترك بين وزارة التربية الوطنية ووزارة المالية، والذي جعل من الحكامة، والمراقبة، والافتحاص، شروطًا بنيوية لا مجرد توصيات.
مشروع المؤسسة بين قوة الإطار القانوني، ووضوح الالتزامات، وهشاشة التنزيل الإقليمي
يُعدّ مشروع المؤسسة المندمج حجر الزاوية في ورش إصلاح المنظومة التربوية، باعتباره الأداة العملية لترجمة مقتضيات القانون-الإطار رقم 51.17، والرافعة الأساسية لتنزيل أهداف خارطة الطريق 2022–2026، خاصة ما يتعلق بتحسين جودة التعلمات، تقليص الهدر المدرسي، وترسيخ مدرسة عمومية منصفة ودامجة. فقد انتقل المشروع، نظريًا وتشريعيًا، من مجرد وثيقة إدارية تنظيمية إلى إطار تعاقدي ملزم، يرتب مسؤوليات واضحة على مختلف مستويات التدبير، من المركز الى الإقليم فالمؤسسة، يحدد الأولويات، ويضبط الموارد، ويربط التخطيط بالتنفيذ، ويجعل من الحكامة والمساءلة شرطين بنيويين لنجاح الإصلاح.
وفي هذا السياق، لا يمكن القفز على المجهودات المهمة التي قامت بها الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، سواء على مستوى التخطيط الاستراتيجي أو برمجة اعتمادات مالية وازنة, حيث خصصت 49 مليون درهم لدعم تنزيل مشاريع المؤسسات بالجهة. وقد واكب هذا الجهد إصدار مذكرات وجهوية مؤطرة، والتي شددت على مركزية مشروع المؤسسة، وعلى ضرورة الالتقائية بين مكوناته وبرامج الإصلاح، في انسجام مع الرؤية الوطنية الشاملة.
وقد تعزز هذا التوجه، بالإطار المالي الصارم الذي أرساه الدليل المسطري للتدبير المالي لجمعيات دعم مدرسة النجاح، المشترك بين وزارة التربية الوطنية ووزارة المالية، والذي نصّ بشكل واضح على مبادئ الحكامة، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتبر المراقبة والافتحاص آليتين إلزاميتين في تدبير المال العام المخصص لمشاريع المؤسسات، وليس مجرد توصيات إدارية قابلة للتعطيل أو التأجيل.
غير أن هذا البناء القانوني والمالي المتماسك، وهذا الجهد الجهوي الواضح في التخطيط والتمويل(49مليون درهم)، اصطدم على مستوى المديرية الإقليمية بتيزنيت بهشاشة مقلقة في التنزيل، تجلت في ضعف المواكبة، وتعطيل آليات التتبع والمراقبة، وغياب الالتقائية بين مشروع المؤسسة وباقي البرامج الإصلاحية، وفي مقدمتها الدعم الممتد والتربية الدامجة، رغم كون الأخيرة حقًا دستوريًا وتربويًا للطفل، ومكونًا إلزاميًا وفق الإطار المرجعي الوطني للتربية الدامجة. وهو ما مهد لانزلاقات مالية، نتيجة تعطيل آليات المراقبة، مما تسبب في تفريغ برامج وطنية طموحة من مضمونها الإصلاحي.
24 مؤسسة من أصل 87: حين يحجب الشكل جوهر الإصلاح
وإذا كان هذا الخلل قد بدأ في مستوى التخطيط، فإن مخرجاته الميدانية تكشف حجم الاختلال بشكل أوضح. فعلى الرغم من وضوح الأهداف الوطنية المعلنة لمشروع المؤسسة، تكشف المعطيات الميدانية بمديرية تيزنيت عن تنزيل شكلي وإقصاء فعلي للتفاعل المؤسساتي. فعدد المؤسسات الابتدائية التي صرفت اعتمادات تنفيذ مشروع المؤسسة لا يتجاوز 24 مؤسسة من أصل 87، ما يطرح تساؤلات حول جدية التدبير ومصداقية متابعة الإنجاز. هذا النقص يعكس غياب تعبئة حقيقية لرؤساء المؤسسات التعليمية، وتخلي الإدارة الإقليمية عن دورها في التتبع والمواكبة والتكوين المرتبط بمشاريع المؤسسات.
وتكشف المعطيات أيضًا عن أعطاب جسيمة تم التستر عليها عمدًا: عدم تفتيش ومراقبة مالية جمعيات دعم “مدرسة النجاح” رغم اختلالات معروفة، وترك بعض رؤساء المؤسسات اختلالات مالية خطيرة دون محاسبة بمؤسسات ببلدية تيزنيت، ويتاكد ذلك في مدرسة مولاي الزين التي اختفت منها اعتمادات كبيرة من حساب الجمعية بعد وفاة مديرها.
ولم تبرمج المديرية الإقليمية أي تكوين لفائدة مدبري مالية المؤسسات التعليمية، -أعضاء مكاتب تسيير جمعيات دعم “مدرسة النجاح”- على الرغم من كونهم شركاء أساسيين وآلية لتنفيذ مشاريع الإصلاح، هذا الإغفال يعكس ضعف تقدير الإدارة للإطار المؤسساتي والتنظيمي الذي يضمن نجاح المشاريع، مما سمح بتراكم الاختلالات وإخفائها، فباتت الفجوة بين الطموح الوطني والواقع الإقليمي بتيزنيت أكثر وضوحًا وإضرارًا بالمدرسة العمومية. ويزداد هذا التعثر حدة حين ننتقل من مشروع المؤسسة كإطار عام، إلى أحد أهم مكوناته التطبيقية: الدعم الممتد.
الدعم الممتد ومشروع المؤسسة… انفصام غير مبرر يشكل مشروع المؤسسة الإطار الذي يضمن انسجام جميع البرامج المرافقة، وفي مقدمتها الدعم التربوي والممتد، باعتباره الإطار استراتيجي الذي يضمن انسجام جميع البرامج الإصلاحية، وفقًا للإطار القانوني والتنظيمي. إلا أن واقع الميداني بتيزنيت يكشف عن فجوة مقلقة بين الإطار القانوني المثين والتخطيط الإستراتيجي المركزي والجهوي الرصين والتنزيل الإقليمي المختل. فلم يتم تنشيط حصص الدعم الممتد بمؤسسات العالم القروي، و16% من المؤسسات التعليمية الإبتدائية المنخرطة في مشروع الريادة لم تنخرط أصلا في الدعم الممتد، فيما بقي انخراط المؤسسات المنخرطة جزئيا ومحدود الأثر. مما يطرح أكثر من سؤال.
هذا الانفصام بين الإطار الوطني والتنزيل الإقليمي لا يقتصر على غياب التمويل أو البرمجة، بل يمتد إلى غياب التتبع والمواكبة من قبل الإدارة الإقليمية، وهو ما يجعل من مشروع المؤسسة والدعم الممتد مجرد خطط على الورق، لا أكثر. فالمدير الإقليمي لم يقم بتنسيق منتظم مع رؤساء المؤسسات، ولم تبرمج اجتماعات تقييمية دورية لمتابعة تقدم المشروع، مما يُعد إخلالًا صارخًا بمبادئ الحكامة الجيدة، وخرقًا لمعايير النزاهة والشفافية والمساواة التي يجب أن تُطبق على جميع المؤسسات التعليمية.
ويسائل هذا التعثر وتأثيره الإدارة الإقليمية على نسب الهدر المدرسي وانخفاض مستوى التحصيل، خصوصا أن الروائز الأخيرة كشفت عن 9 بؤر في كل من تافراوت وتيزنيت والساحل... فغياب التنزيل الفعلي لمشروع المؤسسة والدعم الممتد يُمثل إخلالًا بالتزامات الدولة تجاه التعليم العمومي، ويؤكد الانفصام غير المبرر بين النص القانوني والتخطيط الجهوي الرصين والواقع الميداني المؤلم، مما يجعل مساءلة المديرية الإقليمية ضرورة، وإجراء تفرضه مبادئ الحكامة، لضمان حماية حق التلميذ في تعليم دامج ومتكافئ.
أزمة القيادة والتأطير… رؤساء مؤسسات بلا مواكبة! يُفترض في مشروع المؤسسة أن يُفعِّل دور رئيس المؤسسة كقائد تربوي، لا كمدبر إداري معزول، وأن يضعه في قلب دينامية الإصلاح عبر التأطير، والمواكبة، والتكوين المستمر. غير أن الواقع بمديرية تيزنيت يكشف عن أزمة قيادة حقيقية، حيث وجد عدد كبير من رؤساء المؤسسات أنفسهم مطالبين بتدبير مشاريع مركبة، ذات أبعاد مالية وتربوية وتنظيمية دقيقة، دون أي مواكبة فعلية أو دعم مؤسسي، في تناقض صارخ مع فلسفة الإصلاح التي تجعل من القيادة التربوية رافعة أساسية للتغيير.
ويتجلى هذا الخلل بشكل أكثر وضوحًا في تعطيل أدوار آليات المواكبة الميدانية، وعلى رأسها مجموعات عمل الأحواض المدرسية، التي تضم مفتشين تربويين ومفتشي التخطيط، والتي لم تخرج – بحسب المعطيات المتوفرة – ولا مرة واحدة لمتابعة تنفيذ مشاريع المؤسسات التعليمية بالسلك الابتدائي. إن هذا الغياب لا يمكن اعتباره مجرد تقصير تنظيمي، بل يكشف عن عجز المنظومة الإقليمية عن توفير التتبع الميداني الفعّال، ويضعف الرقابة الداخلية، ويحوّل مشروع المؤسسة من ورش إصلاحي مؤطر إلى نشاط شكلي منفصل عن واقع المؤسسات التعليمية.
وفي ظل هذا الفراغ التأطيري، وجد رؤساء المؤسسات أنفسهم يشتغلون تحت الضغط، في غياب التوجيه والدعم، وفي مناخ يسوده التخوف من الإعفاء أو المتابعة بدل التحفيز والمواكبة. هذا الواقع أفضى إلى بيئة ضغط شديد، إذ أعرب 83٪ من رؤساء المؤسسات الابتدائية عن رغبتهم في مغادرة المديرية الإقليمية بسبب ما يواجهونه من إحباط، كمؤشر مقلق على تآكل الثقة داخل المنظومة. وهنا لا يعود الإخفاق مرتبطًا بقدرات الفاعلين المحليين، بل يتحول إلى مسؤولية إدارية مؤسساتية، لأن أي إصلاح تربوي لا يمكن أن ينجح دون قيادة مؤطرة، ومواكبة ميدانية منتظمة، تضمن تحويل النصوص الوطنية إلى ممارسة فعّالة.
تعطيل آليات الحكامة..الافتحاص والمراقبة الإدارية في خبر كان!
إذا كان تعطيل آليات المواكبة الميدانية قد أفرغ دور القيادة المحلية من جدواه، فإن تعطيل الافتحاص والمراقبة الإدارية يضاعف هشاشة تنزيل مشروع المؤسسة بتيزنيت ويضعف فرص إصلاح فعلي على الأرض. فبينما يشتمل المشروع على إطار تنظيمي ومالي صارم يربط بين صرف الاعتمادات والمسؤولية، فقد عمدت المديرية الإقليمية إلى تقييد عمل لجان المفتشين والمراقبة، بما في ذلك مجموعات عمل الأحواض المدرسية، وعرقلت تنقلهم إلى المؤسسات لمتابعة التنفيذ وإجراء الافتحاص المنتظم، محوّلة بذلك آليات الرقابة من أدوات فعّالة إلى صورة شكلية عديمة الأثر.
وتتجلى مظاهر التعطيل بوضوح في أن المديرية الإقليمية لم تقم ببرمجة أي برنامج افْتحاص لتنفيذ ميزانية مشاريع المؤسسات التعليمية، ما ترك العملية المالية عرضة للاختلالات وسوء التدبير، كما تم تهميش موضوع مشروع المؤسسة في الاجتماعات الرسمية للمديرية مع هيئتي الإدارة والتفتيش، مما حرَم رؤساء المؤسسات من أي توجيه أو متابعة ممنهجة، وفي الوقت نفسه لم يتم الافتحاص أو التفتيش عند انتقال أو وفاة المديرين، ما مهد لتراكم الاختلالات وإخفاء المخالفات المالية والإدارية، في ظل تعطيل اللجان المختصة من الانتقال للمؤسسات لإجراء التتبع.
ساهم تعطيل عملية افتحاص مالية المؤسسيات التعليمية الإبتدائية إقليميا، وغياب المواكبة الفعلية والتكوين المرتبط بمشاريع المؤسسات في تحويل مشروع المؤسسة إلى وثيقة شكلية لا ترتبط بالواقع المدرسي، بينما استُغل الإضراب الذي خاضه المتصرفون التربويون أحيانًا لخلط الأوراق وإخفاء الاختلالات، مما أدى إلى تعطيل فعالية المشروع على الأرض. مما يؤكد أن الإخفاق الإقليمي ليس مجرد قصور تنظيمي، بل مسألة منهجية في التدبير المحلي، وأن التنزيل الميداني لمشروع المؤسسة في تيزنيت لا يعكس الأهداف الوطنية المعلنة، بقدرما يشوّه الرؤية الوطنية للإصلاح، محوّلًا المشروع من أداة لتحسين التعلمات إلى ثقب أسود يبتلع المالية العمومية بدون أي أثر أو جدوى في الواقع.
إن تعطيل المديرية لهذه الآليات لا يمثل مجرد تقصير إداري، بل انحرافًا خطيرًا عن روح الإصلاح، لأنه يحوّل مشروع المؤسسة من أداة إصلاحية إلى نشاط شكلي، ويقوّض المصداقية الوطنية للإصلاح على المستوى الإقليمي. وهنا تتضح المسؤولية المباشرة للمديرية الإقليمية، التي لم تقتصر على إهمال الرقابة، بل قامت بتكبيل لجان المفتشين، وعرقلت الحضور الميداني، وأوقفت الافتحاص قبل أن يبدأ، وحرمت الفاعلين المحليين من أي تواصل أو توجيه مؤسساتي، وسمحت لتراكم الاختلالات وإخفائها، فباتت الفجوة بين الطموح الوطني والواقع الإقليمي أكثر وضوحًا وإضرارًا بالمدرسة العمومية.
التربية الدامجة: حق الطفل أم متغير مهمل في التخطيط الإقليمي ومشاريع المؤسسات؟
التربية الدامجة: حق الطفل أم متغير مهمل في التخطيط الإقليمي ومشاريع المؤسسات؟ تشكل التربية الدامجة أحد الأعمدة الحقوقية والبيداغوجية للإصلاح التربوي بالمغرب، باعتبارها مدخلًا أساسيًا لضمان الحق في التعليم المنصف والمتكافئ لجميع الأطفال، دون تمييز بسبب الإعاقة أو الوضعية الاجتماعية أو النفسية. وقد نص الدستور المغربي على هذا الحق في الفصل 31، كما أكده القانون-الإطار رقم 51.17، الذي جعل من الإنصاف وتكافؤ الفرص مبادئ مؤسسة للمدرسة العمومية، ملزمة وواجبة التطبيق، لا اختيارًا تنظيميًا ثانويًا أو برنامجًا قابلاً للتأجيل. وبناءً عليه، فإن إدماج التربية الدامجة في التخطيط الإقليمي ومشاريع المؤسسات التعليمية لا يُعد ترفًا تدبيريًا، بل التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا يهم مستقبل فئات واسعة من الأطفال في وضعية هشاشة.
وعلى المستوى التنظيمي، وضعت وزارة التربية الوطنية إطارًا مرجعيًا وطنيًا للتربية الدامجة، حدد مجالات التدخل، وأدوار الفاعلين، وآليات التشخيص، والتخطيط، والدعم، والتتبع. كما أكد على ضرورة إدراج التربية الدامجة كمكون أساسي داخل مشروع المؤسسة، مرتبط بالدعم التربوي والدعم الممتد، ومترجم إلى إجراءات عملية تشمل تهيئة الفضاءات، وتوفير الوسائل الديداكتيكية، وتأهيل الموارد البشرية، وبرمجة الاعتمادات المالية اللازمة. وقد شددت المذكرات الوزارية، وعلى رأسها المذكرة رقم 014x24 بتاريخ 6 فبراير 2024، على هذا الإدماج باعتباره شرطًا لتحقيق مدرسة عمومية دامجة ذات جودة.
غير أن الواقع الميداني بمديرية تيزنيت يكشف عن تجاهل عملي للتربية الدامجة، إذ جرى التعامل معها كعنصر ثانوي في التخطيط الإقليمي، دون انعكاس فعلي في مشاريع المؤسسات أو في برمجة الاعتمادات وآليات التتبع والمواكبة. ففي مدرسة المختار السوسي، جرى تكديس 36 تلميذًا في وضعية إعاقة داخل الفصول الدراسية، دون تفعيل المذكرة الإقليمية عدد 23/6255 أو القرار الوزاري رقم 19/047 المتعلق بالبرنامج الوطني للتربية الدامجة، ما حوّل هذا الورش الحقوقي إلى شعار بلا مضمون. ويعكس هذا الوضع ضعفًا في التخطيط الإقليمي وسوء توزيع الموارد البشرية، إضافة إلى غياب مقاربة استباقية لتفعيل الدعم الموجه للفئات الأكثر هشاشة.
ويتعزز هذا الاختلال بنقص حاد في التكوين، حيث لم تتجاوز المديرية الإقليمية خلال السنوات الثلاث الأخيرة ثلاث تكوينات فقط في مجال التربية الدامجة، استفاد منها 25 إطارًا تربويًا بالسلك الابتدائي كمعدل سنوي. ويأتي ذلك في إقليم يضم ما مجموعه 560 متعلمًا في وضعية إعاقة، موزعين على 392 بالسلك الابتدائي عبر 71 مؤسسة تعليمية، و83 بالسلك الإعدادي عبر 12 مؤسسة، و65 بالسلك الثانوي التأهيلي عبر 12 مؤسسة. ولم تتمكن سوى 20 حالة فقط من الولوج إلى التعليم الخصوصي، وبشق الأنفس. هذا الخصاص في التكوين ينعكس مباشرة على جودة الإدماج التربوي، ويُفرغ الالتزامات القانونية من مضمونها العملي.
ويزداد الوضع تعقيدًا بتهميش المفتش التربوي الدامج ع.أ، بصفته منسقًا إقليميًا للتربية الدامجة، حيث تُقيد تدخلاته وتُهمّش توجيهاته وملاحظاته من قبل الإدارة الإقليمية، ولا يتم التفاعل مع مقترحاته وخططه لمعالجة الوضع. وقد بلغ هذا التهميش حد حرمانه مما يستحق من تعويضات مرتبطة بمهام الاضطلاع بتتبع جميع المتعلمين في وضعية إعاقة بالإقليم والمؤسسات التي تحتضن قاعات الموارد للتأهيل والدعم.
هذا التجاهل الممنهج انعكس مباشرة على أوضاع 560 متعلمًا، وحوّل التربية الدامجة من حق دستوري إلى متغير مهمل في التخطيط والتنزيل. وفي هذا السياق، يطرح سؤال جوهري لا يحتمل التأجيل: هل غابت التربية الدامجة بتيزنيت بسبب نقص الإمكانات، أم نتيجة اختلال في الإرادة التدبيرية والتخطيط الإقليمي؟ وفي ظل استمرار حرمان مئات التلاميذ من حقهم الدستوري في تعليم منصف ودامج، هل ستتحمل المديرية الإقليمية مسؤولياتها القانونية والأخلاقية لتفعيل الإطار المرجعي الوطني للتربية الدامجة، أم سيظل هذا الحق رهين الانتظار إلى أن تتدخل جهة أخرى لتدارك اختلالات كان من الممكن تفاديها؟
حين يتحول الصمت الإداري إلى إخلال دستوري
لم يعد تعثر تنزيل مشروع المؤسسة بمديرية تيزنيت مجرد عطب تقني في مسار تنفيذ برنامج إصلاحي، ولا يمكن اختزاله في صعوبات ظرفية أو نقص في الموارد، بقدر ما أضحى وضعًا إداريًا شاذًا يطرح سؤال الالتزام الدستوري نفسه. فاستمرار تعطيل آليات الحكامة، والتتبع، والمراقبة، والافتحاص، في ظل توفر إطار قانوني وتنظيمي ومالي واضح، يجعل الصمت الإداري شكلًا من أشكال الإخلال بالواجب، لا حيادًا مؤسساتيًا.
إن الفصل 154 من الدستور يُلزم المرافق العمومية، ومنها الإدارة التربوية، بتقديم خدماتها وفق مبادئ الجودة، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والاستمرارية، والإنصاف، وتكافؤ الفرص. كما ينص الفصل 156 صراحة على خضوع المرافق العمومية لمعايير الحكامة الجيدة، والمساءلة، والمراقبة، وتقييم الأداء. وأي تنزيل لمشروع المؤسسة خارج هذه المبادئ لا يمكن اعتباره سوى انحرافًا عن الغاية الدستورية للإصلاح، وتفريغًا لمفهوم المرفق العمومي من محتواه الوظيفي والحقوقي.
وأمام هذا الواقع، لم يعد طرح هذه الأسئلة خيارًا، بل ضرورة دستورية لا تقبل التأجيل: هل ستتحمل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين مسؤوليتها الدستورية، وتُفعّل لجان تنسيق التفتيش الجهوي، وتباشر افتحاصًا تربويًا وماليًا جديًا، يعيد لمشروع المؤسسة اعتباره كأداة إصلاحية لا كوثيقة شكلية، وينقذ ما يمكن إنقاذه من برامج وطنية أالتهمت اعتمادات عمومية ضخمة؟ أم أن منطق الانتظار سيستمر، إلى أن يتدخل المجلس الأعلى للحسابات بتقارير مساءلة، لا لتصحيح المسار فحسب، بل لتشخيص أعطاب كان يمكن تداركها لو فُعّلت آليات الرقابة في وقتها؟
إن خطورة الوضع لا تكمن فقط في تعثر مشروع المؤسسة، بل في ما يكرسه هذا التعثر من ثقافة تدبيرية تُفرغ الإصلاح من محتواه، وتُضعف الثقة في المدرسة العمومية، وتمس بحق الطفل في تعليم منصف ودامج، وتحوّل المال العام من أداة للتنمية إلى عبء بلا أثر. وعليه، فإن المساءلة اليوم ليست ترفًا سياسيًا ولا مزايدة إعلامية، بل واجب دستوري وأخلاقي، لأن الإصلاح الذي لا تُحمى آلياته، ولا يُسائل مُعطلوه، يتحول من وعد جماعي إلى مسؤولية ضائعة، وحقوق مهدورة، وثقة عمومية تتآكل بصمت.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدعم التربوي الممتد بتيزنيت: نجاح وطني يتعثر محليا!
المزيد.....
-
السعودية.. الشيخ السديس يعلق على إلقاء شخص لنفسه من صحن المط
...
-
العاهل السعودي ومحمد بن سلمان يبعثان برقيتي عزاء بمقتل رئيس
...
-
اليابان: إصابة 14 شخصًا في هجوم بسكين ومادة سائلة داخل مصنع
...
-
حمص.. تفاصيل التفجير في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في سوريا
...
-
قتلى في انفجار بمسجد علوي في حمص وتنديد رسمي وعربي واسع
-
عشرات بين قتيل وجريح في انفجار داخل مسجد في ثاني أكبر حاضنة
...
-
ثمانية قتلى بتفجير داخل مسجد في حي ذي غالبية علوية بحمص و-سر
...
-
الاحتلال يسيطر على 80% من غزة ويواصل الحصار ومنع المساعدات
-
نتنياهو يعلن الاعتراف بجمهورية أرض الصومال
-
الانتقالي الجنوبي يتحدث عن قصف سعودي بحضرموت ويؤكد التزامه ب
...
المزيد.....
-
أساليب التعليم والتربية الحديثة
/ حسن صالح الشنكالي
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
المزيد.....
|