أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الناصر حنفي - شذرات حول فينومينولوجيا الوصف: 2- عن مناورات الفلسفة، واشكالية الوصف















المزيد.....

شذرات حول فينومينولوجيا الوصف: 2- عن مناورات الفلسفة، واشكالية الوصف


عبد الناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 04:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1- من أجل الاستجابة الفلسفية لسؤال "ما هو الوصف؟" فنحن بحاجة إلى وضع أقواس أو أطر عامة ومجردة تشمل كل ما يخص ظاهرة الوصف قدر الإمكان، بحيث نتمكن بعدها من اقتراح تحديدات أو تعريفات تنطبق على جميع ما قد يقع داخل تلك الأقواس، ولكن المفارقة أن المضي في هذا المسار وتحقيق تلك الإجراءات يتطلب تمييزا ولو أوليا لـ "ما هو الوصف"، وهو ما يجعلنا بحاجة إلى "تحديد ما" نتكئ عليه بحيث نبدأ مسعانا من عنده، بمعنى أنه إما أن نترك سؤال الوصف على حاله ونظل واقفين خارجه، أو أن نناور منهجيا عبر المغامرة بالرهان على تكريس "تمييز ما" ينطوي بالضرورة على "وصف" ضمني لماهية الوصف، ونرى بعد ذلك إلى أين ستذهب بنا تلك المناورة!
2- وصحيح أن الاتكاء على مثل هذه المناورات قد يجلبنا؛ أو يلقي بنا في خضم محيط "ما يخص" ظاهرة الوصف، ولكنه في نفس الوقت قد يقودنا إلى إجابات أو مناطق وصفية بعينها ويعزلنا عن إجابات ومناطق أخرى.
وهو ما يضعنا أمام أعتاب هذا السؤال: هل يمكننا أن نصف "الوصف" دون ان نبدأ بمناورة تحدد مسبقا ما يمكن أن نصل إليه؟
وإذا ما لاحظنا أن صعودنا إلى "وصف" الموضوعات المجردة لا يتم عادة إلا عبر مناورات منهجية مماثلة على أمل أن تتابعها سيصحح بعضه بعضا، وبالتالي لا بأس من استخدام تلك المناورات طالما كانت متاحة!
ولكن من جهة أخرى فقد نواجه مشكلة استثنائية في استخدام هذه المناورات في وصف "الوصف" نفسه، وذلك لأن فعاليتها تأتي من قدرتها على منحنا سبل للحركة في فضاء الوصف بحيث نصل إلى مقاربة الموضوعات المجردة، أي أنها تتيح انفتاح الوصف على غيره باعتباره أداة تحديد وتمييز كل ما عداه، فكيف يمكن إذا ان نستخدم مناورة ما بحيث تجبر الوصف على أن يرتد إلى نفسه وينكشف أمامها؟
3- هاهنا إذا نضع أيدينا على ما يجعل مقاربة "إشكالية الوصف" باعتباره وصفا، بمثابة مسألة فلسفية أكثر استعصاء من مثيلاتها، وأشد زيغا وانفلاتا على نحو ينزلق بها دائما خارج متناولنا، وبالطبع فهذا لا يعني أن الفلسفة لم تحاول بكل طاقتها أن تتجاوز تلك الصعوبة، وأن تكثف مناوراتها المنهجية أمامها، ولكن يبدو أن تلك المحاولات قد ذهبت دائما في الاتجاه نفسه، أو انصاعت أكثر مما ينبغي لاستراتيجية منهجية ظلت سائدة لفترة طويلة دون تعديلات جذرية في افتراضاتها ومقتضياتها.
وإذا حاولنا تلخيص تلك الاستراتيجية في ايجاز بسيط، فيمكننا القول إنها تعتمد على التسليم بأن الوصف هو منصة لانكشاف غيره، وبالتالي يمكن استخدام هذا "الغير" بدوره كمنصة مقابلة نقف عليها بحيث تكشف عن فعاليات الوصف أثناء عملها على هذا الغير. أو بعبارة أخرى، فإذا كان الوصف هو الأرض التي تحمل فوقها كل "الموصوفات" فإن فحص تلك الموصوفات في علاقتها بأرضها سينبئنا بكل ما قد نحتاجه حول طبيعة هذه الأرض.
وقد أدت التراكمات الفلسفية التي صاحبت تلك الاستراتيجية في التعاطي مع الوصف؛ إلى أن يبدو ما يخص الوصف وكأنه جزر مغمورة دائما أسفل مياه تخص غيرها، بحيث أصبحت إحدى المهام الكبرى للفلسفة هي الغوص داخل تلك المياه إلى أقصى عمق ممكن في كل مرة من أجل استخراج معالم الأرض الوصفية التي قد تقع هناك.
وهكذا بتنا لا نجد ما يخص الوصف إلا عبر ما يمكن استخراجه منهجيا من مناطق بعينها مثل اللغة والحواس والعقل، أو حتى "المعطى التجريبي"، وباتت فعالية الوصف وما تفضي إليه من تطورات موزعة على أضلاع مثلث حالات "المعنى والتعرف والحكم".
4- ولو افترضنا للحظة أن تلك المصادر التي يستخرج منها الوصف، والتوزيعات التي تتفرع إليها فعالياته؛ قد تكون غير كافية بذاتها للإحاطة أو لتأطير ما يخص الوصف باعتباره وصفا، فإن هذا قد يعطينا لمحة خاطفة حول مدى تجذر إشكالية الوصف وتوغلها إلى مدى أبعد مما نعتقد أنها تصله. فالفلسفة -ومعها كافة مناحي الفكر النظري- لا تكاد تنشغل إلا بالوصف وما يقدم من خلاله، ولكنها في الوقت نفسه ستبدو وكأنها تتبع استراتيجية تحرص على ألا يتم مواجهة الإشكاليات التي تخصه إلا عبر غيره.
وبقدر ما قد تبدو هذه الفرضية بالغة الغرابة لدرجة قد تدفعنا إلى تجاهلها فورا بمنتهي الأريحية، إلا أنه يمكننا تدعيمها ولو قليلا بشيء من الرصد السطحي لحالات توزع بعض أنماط النصوص الفلسفية، لأنه إذا ما نظرنا مثلا إلى أغلب الموسوعات الفلسفية المتاحة، فسنجد أنها نادرا ما تخصص مدخلا مستقلا لعمليات الوصف المحض باعتبارها وصفا وحسب، بقدر ما تقدم دائما تلك العمليات في سياق اشتغالها على؛ أو عبر؛ شيء آخر، أو باعتبارها مجرد سبل أو درجات سلم نرتقيها لاقتناص مطالب أكثر أهمية.
ومن جهة أخرى فإذا ما نظرنا إلى تيار فلسفي واسع التداول مثل "الفينومينولوجيا"، والذي يقدم نفسه باعتباره ممارسة وصفية بالمقام الأول، فلن نجد ضمن مباحثه –على تعددها المفرط- مبحثا يخص "فينومينولوجيا الوصف" ()، وإذا ما ذهبنا مع ما يستطيع محرك البحث جوجل رصده، فيمكننا القول أن هذا المصطلح نفسه قليل الاستخدام للغاية، وحتى في المرات النادرة التي ورد فيها ببعض النصوص سنجد أنه تم استخدامه بمعنى "الوصف الفينومينولوجي" وكأنه مجرد عبارة بديلة، أو وكأن ليس ثمة فارق بين العبارتين أو المصطلحين!
وإذا ما سلمنا بدلالة هذا الرصد البسيط باعتباره مؤشرا على ما قد تبلغه حدود تعاطي الفلسفة مع موضوعة بعينها، فهذا يعني أن الفلسفة تتعاطى بالفعل مع موضوعة الوصف باعتبارها مطلب يحتل عادة موقعا شبه ثانوي داخل البرامج المنهجية التي تخص مباحث أخرى.
وبوصولنا إلى هذه النقطة فقد نجد أنفسنا في مواجهة حالة من الاضطراب المحير، فكيف يمكن الجمع بين تلك الإشارة إلى حدود التناول الفلسفي للوصف؛ وبين الاستغراق شبه الكامل للفلسفة في التعاطي مع الوصف ومحاولة مقاربته؟
ويبدو أن هذا يعني أن الفلسفة –ونحن معها بالضرورة- تفكر بالوصف وتستخدمه، أكثر مما تفكر "فيه"، وهي نتيجة قد تبدو مدهشة أو حتى صادمة أكثر من اللازم، ولكنها لا تختلف كثيرا عما نجده في حالة اللغة مثلا والتي ظللنا نفكر بها ونستخدمها منذ آلاف السنين ولم نبدأ التفكير "فيها" إلا بعد ذلك بدهور طويلة، أو مثل حالة الأسماء التي ظهرت قبل ظهور اللغة باعتبارها كانت أحد أهم البوابات التي أدت إلى تحول الفعل الصوتي إلى فعل لغوي، ولكننا لم نبدأ في التفكير "في" ما يخص الاسم باعتباره اسما إلا منذ عدة قرون، ولا زلنا نشهد محاولات وتنظيرات معاصرة تحاول الذهاب إلى مدى ابعد في الكشف عن طبيعة وخصائص الأسماء.
وانطلاقا من هذا المنظور، فقد يبدو أن ثمة سلم تطوري تفصل درجاته دائما بين حالة التفكير بالشيء، أو استخدامه للتفكير في غيره، وحالة التفكير في الشيء نفسه، وبرغم أنه يمكننا القول أن تطور عمليات الوصف هو ما يستحدث أو يخلق درجات هذا السلم، إلا أنه إذا افترضنا أننا لا زلنا نقطع طريق الصعود إلى التفكير "في" الوصف، فإن هذا يعني أن الوصف نفسه لا يفلت مما تفرضه مقتضيات ما قد يستحدثه!



#عبد_الناصر_حنفي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات حول فينومينولوجيا الوصف 1- كيف نبدأ في فحص سؤال: -ما ه ...
- هامش حول فرضية التحقيب الابستمولوجي
- الهولوجرام والمسرح والعالم
- الترجمة ولعنة -تانتالوس-: شوية ملاحظات حول ترجمة -فتحي إنقزو ...
- استطرادات حول تعريف هوسرل للظاهرة بوصفها حضورا
- الكذب ووقع الحقيقة - 2004
- عن دوار الترجمة وإفساد المبتدئين - ملاحظات حول ترجمة كتاب -ج ...
- من ثقب العبارة: تأملات أولية في بعض سياقات أعمال إريكا فيشر
- -نحو تأسيس فينومينولوجيا المسرح- :عن ظاهرة المسرح بوصفها مما ...
- تأملات أولية في حدث ظهور ما هو موسيقى
- نحن، والآخر في العالم!
- شذرة حول الصخب الهيجلي وعماء الزمن
- الدمى والوعي والعالم
- عن إشكاليات التأطير الجمالي في عرض: عاصفة رعدية
- تساو يو والروح الصيني القلق - تحليلات أولية حول الإطار الدرا ...
- تأملات تمهيدية حول ظاهرة المهرجان التجريبي
- عن ظاهرة المسرح والمسابقات التنافسية
- تقرير فني حول عرض -قول يا مغنواتي-
- عن الشوق الاجتماعي للمسرح .... ومخاطر خيانته!
- عن الأمل الهيجلي .. ورهاناته


المزيد.....




- بعد هدية قطر لترامب.. سلاح الجو الأمريكي يعلن عزمه شراء طائر ...
- الشرطة الأسترالية توجه 59 تهمة للمشتبه به بهجوم شاطئ بوندي
- معاناة سكان غزة بسبب الأحوال الجوية.. ونتنياهو يبحث المرحلة ...
- مباشر: روسيا تعلن تحفظها على دور الأوروبيين في مفاوضات أوكرا ...
- أستراليا: الشرطة توجه تهم الإرهاب وقتل 15 شخصا لمنفّذ اعتداء ...
- هجوم سيدني: ترامب يدعو إلى شن حرب دولية على -الإرهاب الإسلام ...
- ما دور المشاعر في مرض التهاب الأمعاء؟
- رويترز: لقاء مرتقب بين قائد الجيش الباكستاني وترامب بشأن قوة ...
- الذكاء الاصطناعي يقدم معلومات زائفة حول هجوم سيدني
- ترامب يقرّ بتراجع نفوذ إسرائيل بأميركا ويدعو لحرب ضد -التطرف ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الناصر حنفي - شذرات حول فينومينولوجيا الوصف: 2- عن مناورات الفلسفة، واشكالية الوصف