أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبدالباسط الجبوري - لماذا أقصت العولمة فكر اليسار الاشتراكي؟














المزيد.....

لماذا أقصت العولمة فكر اليسار الاشتراكي؟


عبدالباسط الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 00:01
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


قراءة فكرية في جدلية العدالة والهيمنة

منذ سقوط الاتحاد السوفييتي مطلع التسعينيات، دخل العالم في مرحلة جديدة سمتها الأساسية هي "العولمة". لم تعد الدولة القومية وحدها مركز الفعل، بل صعدت قوى السوق والشركات العابرة للقارات، وأصبحت الثقافة والاقتصاد والسياسة تدور في فلك رأس المال العالمي. في هذا المناخ، بدا أن اليسار الاشتراكي – الذي كان ذات يوم القوة الفكرية الأوسع حضوراً في العالم – تراجع إلى الهامش، وكأن العولمة أعلنت نهايته أو على الأقل تجريده من قدرته على التأثير.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا أقصت العولمة الفكر اليساري رغم أن هذا الفكر يطمح إلى العدالة والمساواة وتذويب الفوارق الطبقية؟ أليس في العدل والمساواة ما يتوافق مع روح الإنسانية؟
أولاً: العولمة كآلية رأسمالية ناعمة
العولمة ليست مجرد انفتاح اقتصادي أو تقارب ثقافي كما يُروَّج لها، بل هي في جوهرها آلية رأسمالية لإعادة تشكيل العالم وفق مصالح السوق.
ففي حين كانت الاشتراكية تنادي بسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج لتحقيق العدالة، جاءت العولمة لتفكك دور الدولة وتستبدله بسلطة السوق.
النتيجة: تحولت الحرية الاقتصادية إلى دين جديد، وأصبحت العدالة الاجتماعية تُصوَّر على أنها عائق أمام “النمو”.
الشركات العملاقة اليوم تملك من النفوذ ما يفوق نفوذ كثير من الدول. هذه الشركات لا ترى في المساواة هدفاً، بل ترى في التفاوت الطبقي ضرورة “تحفيزية” للإنتاج، فصارت الفوارق الطبقية جزءاً بنيوياً في النظام العالمي الجديد.
ثانياً: اليسار بين الجمود الأيديولوجي والتكيف

لم يكن اليسار بريئاً تماماً من تراجعه. فالكثير من أحزابه التقليدية ظلت أسيرة لخطابات الخمسينيات والستينيات، ولم تستطع أن تطور أدواتها الفكرية والاقتصادية لتواكب التحولات الجديدة.
حين دخلت الرأسمالية مرحلة ما بعد الصناعة (اقتصاد الخدمات والتكنولوجيا والمعلومات)، بقي اليسار مشدوداً إلى لغة “البروليتاريا” والمصانع والطبقة العاملة الكلاسيكية.
وبينما كان رأس المال يتكيف مع الثورة الرقمية ويستثمرها، كان اليسار يفقد جمهوره تدريجياً.

مع ذلك، ظهرت تجارب حاولت التوفيق بين الاشتراكية والديمقراطية، أبرزها في أوروبا الشمالية، حيث نجحت السويد، النرويج، الدنمارك وفنلندا في بناء نموذج خاص يُعرف بـ"الاشتراكية الديمقراطية".
ثالثاً: التجربة السويدية نموذجاً
تُعد السويد نموذجاً بارزاً لما يمكن تسميته بـ الاشتراكية المنفتحة أو “اليسار الواقعي”.
فهي لم تلغِ السوق، لكنها وضعت له ضوابط صارمة تضمن عدم تحوله إلى أداة استغلال.
في السويد:
الدولة تضمن التعليم والرعاية الصحية للجميع مجاناً.
الفوارق في الدخل محدودة نسبياً بفضل نظام ضريبي تصاعدي.
النقابات العمالية قوية وممثَّلة في صنع القرار.
ورغم ذلك، يوجد قطاع خاص نشط ومبتكر.
بهذا التوازن، حققت السويد ما عجزت عنه الكثير من الدول الرأسمالية: اقتصاد تنافسي دون سحق الإنسان.
لكن حتى هذا النموذج لم يسلم من ضغوط العولمة. فالمنافسة العالمية أجبرت السويد وغيرها من الدول الاسكندنافية على تخفيف الضرائب وتقليص بعض الخدمات للحفاظ على جاذبيتها الاستثمارية. أي أن العولمة نجحت جزئياً في "تليين" اليسار الأوروبي وإدخاله في منطق السوق العالمي.
رابعاً: الإعلام والثقافة كسلاح للعولمة
من أبرز أدوات إقصاء الفكر اليساري هو الهيمنة الثقافية والإعلامية.
فالإعلام العالمي المهيمن – الذي تسيطر عليه شركات رأسمالية – أعاد تشكيل الوعي العام بحيث بات الناس ينظرون إلى الاشتراكية على أنها “فشل اقتصادي” و“قمع للحريات”.
في المقابل، يُقدَّم النموذج الرأسمالي كرمز للحرية والإبداع، رغم أنه في الواقع يعمّق الفوارق ويجعل الغني أكثر غنى والفقير أكثر تبعية.
العولمة هنا لم تكتفِ بإقصاء اليسار من السياسة، بل أقصته من الخيال الجمعي، من فكرة “ما هو ممكن”، إذ جعلت العدالة نفسها تبدو حلماً رومانسياً لا مشروعاً واقعياً.
خامساً: الحاجة إلى يسار جديد
رغم كل ذلك، لم تمت الفكرة الاشتراكية، بل هي في حالة تحولٍ عميق.
فاليوم نرى حركات يسارية جديدة في أمريكا اللاتينية وأوروبا، تركّز على:
العدالة البيئية (اليسار الأخضر)،
المساواة الرقمية،
مقاومة احتكار التكنولوجيا،
والدفاع عن الفئات الهشة ضد تغوّل رأس المال.
العالم في ظل الأزمات الاقتصادية والمناخية يعود شيئاً فشيئاً للبحث عن بدائل إنسانية، ما يعني أن فكر اليسار لم يُقصَ نهائياً، بل أُجبر على التكيف وإعادة الصياغة.



#عبدالباسط_الجبوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار الجديد: محاولة فلسفية لتجديد المعنى


المزيد.....




- -أب وابنه-.. أستراليا تعلن تفاصيل جديدة عن مشتبه بهما والسلا ...
- وفاة إيمان شقيقة -الزعيم- عادل إمام وأرملة الراحل مصطفى متول ...
- مسلم أعزل ولا يمتلك خبرة في الأسلحة.. من هو الرجل الذي انت ...
- المغرب: قتلى جراء -تدفقات فيضانية استثنائية- في آسفي جنوب ال ...
- نيوزويك: اليابان تكشف عن سلاح ليزر سيغير قواعد الحرب
- مصر.. أسعار السيارات مُرشحة لتراجع جديد في عام 2026
- سوريا تعتقل 5 مشتبه بهم بعد مقتل جنديين أمريكيين ومترجم في ه ...
- السلطات السورية تُعلن توقيف خمسة أشخاص وتكشف خلفية منفّذ هجو ...
- -استيقظت فوجدت ضلعي مكسورًا-.. عشرات المعارضين خارج السجون ا ...
- -غير قانوني-.. حكم قضائي يُبطل قرار الحكومة الإسرائيلية إقال ...


المزيد.....

- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ... / أحمد الجوهري
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبدالباسط الجبوري - لماذا أقصت العولمة فكر اليسار الاشتراكي؟