اليسار الجديد: محاولة فلسفية لتجديد المعنى

عبدالباسط الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 15:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

لم يعد اليسار، في صورته الكلاسيكية، قادراً على إقناع الأجيال الجديدة بخطابه الجامد حول الصراع الطبقي وحده، ولا بالتركيز الأُحادي على الملكية وعلاقات الإنتاج. لقد تغيّر العالم، تغيّرت أدواته وقيمه، تغيّرت المعرفة ذاتها، وبات الإنسان يعيش في فضاء رقمي – تواصلي – هوياتي أكثر تعقيداً من أن يختزل في جدل اقتصادي صرف. من هنا يطلّ ما يُسمّى بـ اليسار الجديد، كدعوة فلسفية – سياسية لإعادة التفكير في جوهر المشروع اليساري لا بوصفه تكراراً لأساطير الماضي، بل محاولة لإحياء ما هو إنساني وتحرّري في صميم التجربة
من الأيديولوجيا إلى الإنسان
الميزة الأولى لليسار الجديد هي الانتقال من لغة الأيديولوجيا المغلقة إلى لغة الإنسان المفتوحة. فالماركسية التاريخية، وإن أنارت عصوراً من النقد والوعي، وقعت في فخّ تحويل النظرية إلى عقيدة. أما اليسار الجديد فيسعى إلى أن يكون مشروعاً أخلاقياً، تحررياً، ينطلق من حاجات الإنسان اليومية: المساواة، الكرامة، الحرية، العدالة البيئية، حقوق المرأة، حماية التنوع، وصون الفضاء الرقمي من الاستبداد.
نقد التمركز والهرمية
الفكر التطويري لليسار الجديد يقوم على تفكيك الهرمية التقليدية. لم يعد التنظيم الحديدي، ولا المركزية الحزبية، قادراً على مواكبة زمن الشبكات المفتوحة. الفلسفة هنا أن الوعي الجمعي ليس ملكاً لصفوة أو نخبة، بل هو طاقة موزّعة تتجسّد في الحوار والمشاركة والتجربة المشتركة. إنها عودة إلى مبدأ “الناس تصنع تاريخها” لكن بأدوات تفاعلية تتجاوز الانغلاق.
القضايا الجديدة: ما بعد الاقتصاد
ليس المقصود التخلي عن نقد الرأسمالية، بل إدراك أن الظلم لم يعد اقتصادياً فقط. هناك ظلم بيئي يهدد الحياة، وظلم هوياتي يُقصي المختلف، وظلم رقمي يتحكم بالمعلومة والذاكرة. اليسار الجديد يوسّع مفهوم الصراع ليشمل كل هذه الأبعاد، ويرى أن العدالة مشروع متكامل يربط الاقتصاد بالثقافة، التكنولوجيا بالأخلاق، والسياسة بالبيئة.
التطوير كمنهج
فلسفة التطوير تعني تحريره من جمودية اليسار الجديد لا ينكر ميراث الماركسية ولا إنجازات الحركات العمالية، لكنه يرفض أن يُسجن فيها. إنه يدعو إلى عقل نقدي، مرن، يعيد إنتاج المفاهيم بما يناسب التحولات: من مفهوم “الطبقة” إلى مفهوم “الهوية المتعددة”، من “العمل المأجور” إلى “اقتصاد المعرفة”، من “المركزية الثورية” إلى “الديمقراطية التشاركية فاليسار الجديد، بهذا المعنى، ليس حزباً ولا تنظيماً، بل روح نقدية تسعى أن تجعل الإنسان في قلب مشروع التطوير، وأن تعيد للفكر اليساري جوهره الأول: الانحياز إلى الإنسان حيثما كان، ضد كل أشكال الاستغلال، وبأدوات تفكير تناسب زمننا.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل