أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسين علي حياوي المؤذن - الأَغتيال الذي تم داخل الجسد .















المزيد.....

الأَغتيال الذي تم داخل الجسد .


حسين علي حياوي المؤذن

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 22:00
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن في الغرفة صليل سيوف، ولا صراخ جنود، ولا خيول تركض في الساحات. كان كل شيء هادئًا على نحوٍ مرعب. إناء شراب، أو ملعقة عسل، أو جرعة لا لون لها ولا رائحة تُذكر. لحظة قصيرة تبتلعها المعدة في سكون ثم تبدأ المعركة الأعنف في التاريخ معركة الكيمياء داخل الخلايا.
الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) لم يُغتل في ساحة حرب، بل اغتيل داخل جسده. اغتيال لا يُرى، لا يُسمع، ولا يترك دمًا على الأرض، لكنه يدمّر الأعضاء عضوًا عضوًا. وهنا، لا يعود السيف هو أداة القتل، بل الذرّة. لا تصبح السياسة صراع جيوش، بل صراع معادلات كيميائية ، و من اليقين التأريخي أن الإمام الحسن " عليه السلام" استشهد مسمومًا
حيث أجمعت الروايات الكبرى، من المدارس التاريخية المختلفة، على أن الإمام الحسن (عليه السلام) قُتل بالسم سنة 50 للهجرة. وهذا الإجماع نادر في القضايا الخلافية الكبرى حيث استور معاوية بن أبي سفيان السم من خلال سفراءهِ في روما حيث منشى السموم النادرة هنالك . و من أوضح النصوص ما قاله الشيخ المفيد في الإرشاد " سُقي السمّ، فلبث أيّامًا يتوجّع وجعًا شديدًا، حتّى مات" و الطبري في تأريخ الأمم و الملوك " إنما كانت وفاته من سمّ دُسّ له " و المسعودي في مروج الذهب " كان السمّ يُفتّت أحشاءه تفتيتًا" وفي بعض الروايات " كان يتقيّأ قطعًا من كبده" هذه العبارات ليست وصفًا أدبيًا فقط، بل تقارير سريرية بلغة القرن الأول الهجري. علماء ذلك الزمن لم يكونوا يعرفون مصطلح “النخر الكبدي” أو “الفشل المتعدد للأعضاء”، لكنهم وصفوا أعراضه بدقة حسية.
و يأتي السؤال الجوهري في محور مقالنا كيف يشخص العلم اليوم نوع السم ؟ التاريخ يخبرنا بأن هناك سمًّا ، لكن الكيمياء تطالبنا بسؤال أدق " أيّ سمّ هذا؟ " لدينا مفاتيح تشخيصية ثلاثة ( القيء المتكرر ، تفكّك الأحشاء ، الموت المتدرّج خلال عدّة أيام ) هذه الثلاثية هي بصمة السموم الثقيلة ذات التأثير الخلوي العميق. ومن بين هذه السموم، تبرز فرضيتان كبيرتان: فرضية أن السم هو مركب زرنيخ ثلاثي الأكسيد (As₂O₃) أو فرضية أن السم هو مركب كلوريد الزئبق الأحادي (Hg₂Cl₂) وسنشرّحهما تشريحيًا و كيميائيًا .
اولًا : زرنيخ ثلاثي الأكسيد – سمّ الطاقة المكسورة
هويته الكيميائية الزرنيخ عنصر شبه فلزي . و يعد أخطر مركّباته السامة تاريخيًا هو زرنيخ ثلاثي الأكسيد و الصيغة الكيميائية له As₂O₃ حيث يتحوّل في الوسط المائي داخل الجسم إلى صورة حمضية نشطة وهنا تبدأ الكارثة البيوكيميائية ، كيف يقتل الزرنيخ على مستوى الخلية ؟
لكي نجيب على هكذا تساؤل لابد أن نفهم عمل الخليّة الحيّة التي تقوم على تفاعل واحد محوري هو إنتاج الطاقة (ATP) داخل الميتوكوندريا و هنا الزرنيخ يقوم بثلاث ضربات قاتلة حيث الضربة الأولى : شلّ إنزيمات الطاقة عندما يرتبط الزرنيخ الثلاثي مع مجموعات الكبريت (-SH) في الإنزيمات
خاصةً الإنزيمات المرتبطة بـ حمض الليبويك داخل معقّد نازعة هيدروجين البيروفات و تكون النتيجة تتوقف حلقة التحويل بين " بيروفات ← أستيل-CoA" فتنهار سلسلة إنتاج الطاقة. أما الضربة الثانية، تجويع الخلية من الداخل
حيث الخليّة لا تموت فورًا، بل تدخل في مجاعة طاقية.
تبدأ الأغشية بالانهيار، ثم تموت الخلايا بالنخر. و الضربة الثالثة ، الكبد أولًا حيث الكبد هو مصنع إزالة السموم.
كل الجزيئات السامة تمرّ به. لذلك يتراكم الزرنيخ فيه
فتنهار خلاياه أولًا ثم يحدث نخر كبدي واسع و تمزّق في الأنسجة و نزف داخلي وهنا نفهم عبارة "كان يتقيأ قطعًا من كبده " هذا ليس مجازًا، بل وصف تشريحي دقيق لانهيار النسيج الكبدي. و من خلال ما أستعرضنا من مقالنا الكيميائي حول السم الذي تناوله الإمام الحسن " عليه السلام" يمكننا تتبع السلسلة السريرية للتسمم بالزرنيخ
من خلال إمكانية إعادة رسم أيام الإمام الأخيرة طبيًا على النحو الآتي – كنموذج علمي ترجيحي حيث :
اليوم الأول ( ألم بطني حارق ، غثيان وقيء ، اضطراب عام)
اما اليوم الثاني ( قيء متكرر ، بداية نزف معوي ، تدهور حاد في الشهية والقوة)
اليوم الثالث–الرابع ( اصفرار الجلد والعينين - فشل كبدي-،
ضعف شديد، اضطراب وعي ، خروج نسيج متحلّل مع القيء) أما اليوم الأخير ( فشل كلوي ثانوي ، اضطراب كهربائية القلب ، فشل متعدد الأعضاء) ثم الوفاة .
وهذه الصورة الزمنية تتطابق تطابقًا عجيبًا مع الروايات التاريخية.
ثانيًا :كلوريد الزئبق الأحادي – سمّ الكلية والعصب
هويته الكيميائية - Mercurous Chloride – Calomel
و صيغتهُ الكيميائية ( Hg₂Cl₂) حيث يتحول جزئيًا داخل الجسم إلى Hg²⁺ (الزئبق الثنائي) وهو شديد الارتباط بالبروتينات. و آلية سميته للزئبق الثنائي يرتبط بقوة مع الثيولات (-SH) مما يعطّل إنزيمات ( الكلية، الجهاز العصبي، الغشاء المخاطي للفم) و من خلال ذلك يمكننا تتبع الصورة السريرية للزئبق حيث تقرّحات فموية شديدة و نزف لثوي و رائحة معدنية نفاذة و فشل كلوي واضح و أعراض عصبية في بعض الحالات ، لكنّه لا يُحدِث ذلك النمط من التفكّك الكبدي العنيف الذي وصفته الروايات. و من خلال ذلك فأننا نتوصل إلى أن الاستنتاج العلمي النهائي نحن أمام يقينين:
١. تاريخيًا : الإمام الحسن " عليه السلام" قُتل بالسم يقينًا.
٢. تشخيصيًا : فإن زرنيخ ثلاثي الأكسيد (As₂O₃) هو الأقرب للأعراض و الأوضح في تفسير النخر الكبدي والأدق في مطابقة زمن التدهور و الأوسع استخدامًا قديمًا في الاغتيالات السياسية أما كلوريد الزئبق الأحادي فيبقى فرضية ثانوية ضعيفة الترجيح لا يعضدها الوصف النسيجي الوارد في النصوص ، و السؤال المهم " لماذا الزرنيخ بالذات دون غيره من السموم؟" علميًا، الزرنيخ يتميز بأربع صفات جعلته "سمّ الملوك " عبر التاريخ " عديم اللون والطعم تقريبًا عند إذابته ،
، لا يُسبّب موتًا فوريًا، فيُبعد الشبهة الآنية ، يُحدث تآكلًا ونخرًا داخليًا واضحًا ، كان متوفرًا في البيئة الطبية والصيدلانية القديمة " أما سموم مثل الشوكران أو الأكونيت أو الزئبق فإما تقتل خلال ساعات. أو لا تُسبّب هذا النمط من النخر الكبدي العنيف. ولهذا تُستبعد علميًا عند المقارنة السريرية. و حين تقتل الكيمياء باسم السياسة يكون دافع الاغتيال سياسي واضح في الروايات، وهو ما يجعل استخدام سمٍّ قابل للإخفاء (عديم الطعم، يسبب وفاة غير فورية) منطقيًا من منظور التاريخ السياسي. هكذا انتهت حياة الإمام الحسن " عليه السلام" لا بطعنة، ولا بسهم، بل بذرة سمٍّ تمشي في الدم كتوقيعٍ صامت على جريمة سياسية.
الكيمياء هنا لم تكن علمًا بريئًا، بل كانت أداة اغتيال ناعمة.
وحيث تخجل السيوف، تتكفّل الذرّات بالباقي.



#حسين_علي_حياوي_المؤذن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة نقدية حول بحث - العولمة الاجتماعية و المجتمع المدني - ...
- دراسة نقدية في - كتاب الشيخ عبد الحسين القرملي - حياته و شعر ...
- الإطارات المعدنية العضوية: الجيل الجديد من المواد الذكية في ...
- حياة علم الكيمياء | الصادق مؤسسها الأَول


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة انفجار خط غاز في كاليفورنيا
- فلسفة خاصة لمصمم هندي في تنظيم الحفلات الضخمة وتقديم الهدايا ...
- غارة بطائرة مسيّرة أوكرانية في تفير الروسية تُسفر عن إصابة 7 ...
- أسبوع -حاسم- لكييف.. وخطة أوروبية لإرسال قوات ومعدات مراقبة ...
- تايلاند: رئيس الوزراء يحل البرلمان وسط تواصل الاشتباكات الحد ...
- عقيدة ترامب للأمن القومي.. من أكثر المتضررين في العالم؟
- طوكيو وواشنطن: التصرفات الصينية تضر بالسلام الإقليمي
- منخض جوي فوق غزة.. وفاة 12 شخصا وانجراف وغرق 27 ألف خيمة
- إسرائيل تستهدف تدريبات -قوة الرضوان- في جنوب لبنان
- إسرائيل لن تتوقف عن تنفيذ عمليات ما لم ينزع سلاح حزب الله


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حسين علي حياوي المؤذن - الأَغتيال الذي تم داخل الجسد .