أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخزاعي - حين يتحدث الجميع باسم الشعب














المزيد.....

حين يتحدث الجميع باسم الشعب


أحمد الخزاعي

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 19:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الخطاب الشعبوي ظاهرة متجددة تتسلل إلى المجتمعات في لحظات القلق الجماعي والاضطراب السياسي، حيث يقدم كحل سهل لمشكلات معقدة، ويروج له باعتباره صوت الشعب الحقيقي في مواجهة النخب الفاسدة. ورغم جاذبيته اللحظية، فإن الشعبوية تحمل في طياتها مخاطر بنيوية تهدد استقرار المجتمعات على المدى الطويل، وتضعف مؤسساتها، وتقوض ثقافتها السياسية.

تتعدد أنواع الخطاب الشعبوي، وإن كانت تتقاطع جميعها في اعتمادها على الاستقطاب العاطفي وتبسيط الواقع. النوع الأول هو الشعبوية السلطوية، حيث يقدم الزعيم نفسه كمخلص أو منقذ، ويشيطن خصومه السياسيين والمؤسسات الديمقراطية. ويعد أدولف هتلر مثالا صارخا لهذا النوع، إذ استخدم خطابا شعبويا قوميا متطرفا، مزج فيه بين العداء للسامية، والوعود بإحياء المجد الألماني، وتقديم نفسه كمنقذ من إذلال معاهدة فرساي، مما مهد الطريق لصعود النازية وتدمير أوروبا.

أما النوع الثاني فهو الشعبوية القومية أو الطائفية، التي تبنى على إستثناء جماعة معينة، وتستخدم لتبرير الإقصاء أو العنف ضد الآخر. وقد وظف صدام حسين هذا النوع من الخطاب لتكريس سلطته، حيث روج لفكرة القومية العربية في مواجهة التهديدات الخارجية، وصور إيران وأمريكا كأعداء دائمين، كما استخدم الخطاب الطائفي لتبرير قمع الأكراد والشيعة، مما أدى إلى تفكك النسيج الوطني وتدهور العلاقات الإقليمية.

أما النوع الثالث، فهو الشعبوية الثقافية أو الإعلامية، التي يمارسها أفراد أو مؤسسات تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وتتبنى نبرة هجومية ضد التخصص والمعرفة. ويبرز هذا النوع من خلال ظاهرة مدعي الثقافة، الذين يتحدثون في كل شيء دون خلفية علمية، ويؤثرون في الرأي العام عبر منصات التواصل، مما يخلق بيئة من التضليل ويضعف الثقة في الخبراء والمؤسسات الأكاديمية. هؤلاء لا يكتفون بتبسيط القضايا، بل يهاجمون كل من يحاول تعقيدها أو تحليلها بعمق، مما يرسخ ثقافة سطحية ويضعف التفكير النقدي.

وينجذب المجتمع إلى الخطاب الشعبوي لأسباب متعددة، أبرزها القلق الجماعي في أوقات الأزمات، حيث يبحث الناس عن إجابات بسيطة وسريعة. كما أن ضعف الثقة بالمؤسسات، وتراجع أداء النخب، يفتح المجال أمام الشعبويين لتقديم أنفسهم كبديل صادق وقريب من الناس. وتسهم المنصات الرقمية في تعزيز هذا الخطاب، إذ تتيح له الوصول المباشر للجمهور دون وساطة أو تدقيق، وتُغذّي الانفعالات على حساب العقلانية. كذلك، يعزز الخطاب الشعبوي شعور الانتماء عبر خلق ثنائية نحن في مقابل هم، ما يمنح الأفراد شعورا بالقوة والتميز، حتى لو كان وهميا.

لكن الخطاب الشعبوي، رغم جاذبيته، يحمل مخاطر جسيمة على المدى الطويل. فهو يفكك المؤسسات عبر مهاجمة القضاء والإعلام والبرلمان، ويقسم المجتمع إلى فئات متناحرة، ويغذي الكراهية والتمييز. كما يضعف العقلانية، ويهمش الخبراء لصالح الشخصيات الكاريزمية، ويختزل العمل السياسي في الولاء الشخصي. والأسوأ من ذلك، أنه يقوض الثقافة السياسية، ويفرغ الديمقراطية من مضمونها، ويحولها إلى مسرح للشعارات بدلًا من أن تكون ساحة للنقاش العقلاني.

إن مقاومة الخطاب الشعبوي لا تكون بالرد العاطفي، بل بإعادة الاعتبار للمعرفة، وتعزيز الثقة بالمؤسسات، وتقديم خطاب عقلاني يراعي تعقيدات الواقع دون أن يفقد صلته بالناس. فالمجتمعات التي تنجرف وراء الشعبوية، قد تجد نفسها بعد سنوات أمام مؤسسات منهارة، ونسيج اجتماعي ممزق، وذاكرة مثقلة بالندم. ومن هنا، فإن الابتعاد عن الشعبوية ليس خيارًا نخبويًا، بل ضرورة وطنية لحماية المستقبل.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعددية العرقية في إيران


المزيد.....




- محاولات لنقل حوت عنبر نافق طوله 50 قدمًا.. شاهد صعوبة العملي ...
- سفير طهران في السعودية يكشف تفاصيل رسالة الرئيس الإيراني إلى ...
- الخطة الأميركية بشأن أوكرانيا على طاولة قمة العشرين.. والكرم ...
- خطة السلام الأمريكية ـ موسكو تدعو للتفاوض وكييف تتمسك بوحدة ...
- قادة أوروبا يؤكدون دعمهم الثابت لأوكرانيا ويبدون تحفظات على ...
- تونس: احتجاجات على التضييق الإعلامي
- هل تتحول بوصلة العقوبات الغربية إلى جورجيا؟
- الغزيون يواجهون أزمة نقص الوقود والغاز ببدائل ضارة بالصحة
- أوضاع إنسانية قاسية للنازحين من الفاشر لبلدة طويلة
- نص خطة ترامب لوقف الحرب الروسية الأوكرانية


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخزاعي - حين يتحدث الجميع باسم الشعب