التعددية العرقية في إيران

أحمد الخزاعي

الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 15:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يخطئ الكثير من المحللين الاستراتيجيين عند اختزالهم إيران من خلال هويتها الفارسية، في عدم ابراز التنوع العرقي فيها وتأثيره على استقرارها الداخلي وعلاقاتها الإقليمية من خلال التفريق بين بلاد فارس والجمهورية الاسلامية في ايران. فإيران ليست دولة متجانسة تهيمن عليها الثقافة الفارسية كما نتخيل، فبينما يشكل الفارسيون حوالي نصف السكان، تضم إيران مجموعات عرقية متنوعة مثل الأذريين، الأكراد، العرب، البلوش، اللور، والتركمان. وتتركز هذه المجتمعات في المحافظات الحدودية -أي في الاطراف-، وتحتفظ بلغاتها وثقافاتها وعاداتها وتقاليدها الخاصة، مع روابط تاريخية وثقافية بدول مجاورة مثل العراق وتركيا وأذربيجان. وتجاهل هذه الحيثية يعتبر تجاهلا لواقع مهم جدا يحول دون تحليل الأمور بشكل صحيح في فهم الداخل الايراني يشابه لحد كبير تحليل الدول الغربية للاتحاد السوفييتي ابان الحرب الباردة.

وتفرض سياسات الحكومة الإيرانية المركزية، التي تعزز اللغة والثقافة الفارسية، قيودًا على الأقليات، مثل منع تدريس لغاتها في المدارس. هذه السياسات، التي بدأت في عهد البهلويين واستمرت في الجمهورية الإسلامية، ما أثار استياءً واسعًا بين الأقليات، وغذى لاحقا التوترات الاجتماعية والسياسية.
وتعاني مناطق الأقليات مثل خوزستان (أسمها الأصلي المحمرة وهي موطن العرب الأحواز) وسيستان وبلوشستان تحديات كبيرة من قبيل الفقر، التدهور البيئي، ونقص الطاقة والمياه، مما يفاقم شعور الأقليات بالتهميش وتنامي المشاعر الانفصالية بينهم. على سبيل المثال، خوزستان، رغم أنها مركز إنتاج النفط، الا انها تعاني من سوء الخدمات والتلوث، مما يثير احتجاجات متكررة ومتزايدة.

تتراوح هذه الاحتجاجات بين مطالبات سلمية بحقوق ثقافية وانتفاضات مسلحة ضد النظام، خاصة في مناطق الأكراد والبلوش. وتشكل هذه التوترات تهديدًا لاستقرار النظام، خاصة في أوقات الأزمات، حيث قد تستغل الأقليات الظروف للمطالبة بحقوقها أو حتى الانفصال. ولا تقتصر تداعيات هذا التنوع العرقي على الشأن الداخلي فحسب، فالأقليات الإيرانية، مثل الأذريين والأكراد، لها روابط مع مجتمعات في دول مجاورة، مما يؤثر على العلاقات الإقليمية. على سبيل المثال، قمع الثقافة الأذرية قد يزيد التوتر مع أذربيجان، خاصة في ظل نزاعات مثل ناغورنو-كاراباخ. كذلك، يمكن أن تؤدي الاضطرابات بين الأكراد أو البلوش إلى تعقيد العلاقات مع العراق وباكستان، وهو المتحقق اليوم على أكثر من صعيد.

هي أمور ستسهل دعم الأقليات من دول خارجية أو من خلال الشتات الذي قد يعزز مطالبهم، مما يجعل السياسات العرقية لإيران قضية أمنية إقليمية ودولية. ومع ذلك، فإن تحقيق تغيير سياسي شامل يتطلب وحدة بين هذه المجموعات، وهو أمر لم يتحقق بعد. مما يعكس وجود فجوة بين الأقليات العرقية وحركات المعارضة الإيرانية. فالعديد من هذه الحركات، مثل الملكيين والديمقراطيين، تتبنى رؤية قومية فارسية، رافضة مطالب الأقليات بحقوق لغوية أو إدارة ذاتية. هذا الموقف يُنفر الأقليات بطبيعة الحال، فهم لايرون في المعارضة بديلاً يلبي تطلعاتها. على سبيل المثال، تصر بعض الحركات على أن الفارسية يجب أن تظل اللغة الوطنية الوحيدة، مما يحد من قدرتها على بناء تحالف واسع.

هنا يجب أن تستوعب المعارضة الإيرانية أهمية توحيد صفوفها مع الاقليات و أن تتبني مطالبهم وهو ما يمكن أن يعزز شرعيتها ويوسع قاعدتها الشعبية، بما يساهم في تحقيق تغيير ديمقراطي شامل. كما يجب على المجتمع الدولي إعادة تقييم نظرتها تجاه إيران وبالتالي سيؤدي ذلك لتغيير اسلوب التعامل، فبدلاً من التركيز على النخبة الفارسية في طهران، يجب أن تأخذ السياسات الغربية في الاعتبار التنوع العرقي ودوره في الديناميكيات الداخلية. كما أن تعزيز التفاعل مع الشتات -بتنوعه العرقي- وإدراج قضايا الأقليات في المناقشات السياسية، مثل جلسات الكونغرس الأمريكي، والاتحاد الاوربي.

مع أن ماسبق قد يستخدم لتبرير سياسات تهدف إلى زعزعة استقرار إيران، بما يخدم مصالح أمريكية أو إسرائيلية بشكل رئيس، واذربيجان بشكل ثانوي الا أن وضع إطار لتطوير سياسات أكثر فعالية بالنسبة للمعارضة الإيرانية، فيشير إلى ضرورة تبني رؤية شاملة لتوحيد الشعب الإيراني. في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية والسياسية التي تواجهها إيران، والشرق الأوسط بشكل عام يظل العامل العرقي عنصرًا حاسمًا في تشكيل مستقبلها. كما أن تحفيز النقاش في الأمور الحيوية يعد ضروريًا لضمان التعامل البناء مع إحدى أكثر دول الشرق الأوسط تعقيدًا.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل