أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عمر احمد التباوي - التعليم في العالم العربي: أزمة مناهج أم أزمة قيم؟















المزيد.....


التعليم في العالم العربي: أزمة مناهج أم أزمة قيم؟


عمر احمد التباوي

الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 21:29
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


# التعليم في العالم العربي: أزمة مناهج أم أزمة قيم؟

---

## مقدمة: سؤال الأزمة في التعليم العربي

يُعد التعليم حجر الزاوية في بناء المجتمعات وتشكيل مستقبلها، وهو في العالم العربي موضوع جدل متجدد بين من يرى أن الأزمة تكمن في المناهج التعليمية ذاتها، وبين من يعتقد أن جوهر المشكلة هو أزمة القيم التي تُغرس في نفوس الطلاب. هذا الجدل لا ينفصل عن السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي تعيشه المنطقة، حيث تتداخل العوامل البنيوية مع التحولات العالمية، وتبرز الحاجة إلى إصلاحات جذرية تضع الإنسان وحقوقه في صلب العملية التربوية.

في هذا المقال التحليلي، سنسعى إلى تفكيك أبعاد أزمة التعليم في الدول العربية، من خلال مقارنة أزمة المناهج بأزمة القيم، وتحليل محتوى المناهج، واستعراض أثر السياسات الحكومية والبيئة الاجتماعية، مع تقديم أمثلة من دول عربية متعددة، ومقارنة النماذج التقليدية بالإصلاحية، وإبراز البعد الحقوقي والإنساني في التربية. كما سنناقش كيف يمكن للتعليم أن يكون أداة للتحرر أو وسيلة للتلقين والسيطرة، مع تقديم مقترحات إصلاحية تستند إلى تجارب محلية ودولية.

---

## أولاً: أزمة المناهج في التعليم العربي – تحليل المحتوى والوظيفة

### 1.1. طبيعة المناهج: بين الجمود والتكرار

تعاني المناهج التعليمية في معظم الدول العربية من جمود واضح، إذ تقتصر غالبًا على نقل المعرفة بشكل تقليدي، مع التركيز على الحفظ والتلقين، وإهمال تطوير المهارات العليا مثل التفكير النقدي، الإبداع، وحل المشكلات. هذا النمط من التعليم يُشعر الطلاب بالملل وفقدان الشغف، ويؤدي إلى ضعف الدافعية، وتزايد ظواهر الغش والانقطاع المبكر عن الدراسة.

تشير دراسات تحليلية إلى أن المناهج العربية غالبًا ما تفتقر إلى التنوع، وتعيد إنتاج نفس الموضوعات دون مراعاة التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، كما أنها لا تشجع على الاختلاف أو الإبداع، بل تكرس نموذج "الطالب المطيع" الذي يُقاس نجاحه بقدرته على استظهار المعلومات.

### 1.2. تحديث المناهج وارتباطها بسوق العمل

من أبرز الإشكاليات أن المناهج العربية لا تواكب التطورات السريعة في سوق العمل، ولا تجهز الطلاب بالمهارات المطلوبة في الاقتصاد الرقمي والمعرفي الحديث. يظل التركيز منصبًا على الشهادات الأكاديمية، بينما تُهمل المهارات العملية، والتدريب الميداني، والتعليم المهني والتقني، ما يؤدي إلى فجوة متزايدة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين.

تؤكد تقارير دولية أن تحديث المناهج يجب أن يكون عملية مستمرة، تشمل إشراك القطاع الخاص، وتطوير برامج التدريب العملي، وتعزيز المهارات الشخصية مثل القيادة والعمل الجماعي والتواصل. ومع ذلك، تظل هذه المبادرات محدودة في معظم الدول العربية، وغالبًا ما تصطدم بعوائق بيروقراطية أو نقص التمويل.

### 1.3. محتوى المناهج: الهوية الوطنية والقضايا الكبرى

من الملاحظ أن المناهج العربية غالبًا ما تتجاهل القضايا الوطنية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، أو تكتفي بتناولها بشكل هامشي أو تقليدي. هذا الإغفال يُضعف الوعي الوطني لدى الطلاب، ويقلل من قدرتهم على المشاركة الفعالة في قضايا مجتمعهم، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى ترسيخ الهوية والانتماء.

كما أن المناهج كثيرًا ما تفتقر إلى معالجة قضايا التنوع الثقافي والديني والاجتماعي، ولا تبرز قيم التسامح والانفتاح على الآخر، ما يكرس أحيانًا النزعات الانغلاقية أو الأحادية.

### 1.4. أساليب التدريس والتقويم

لا تقتصر أزمة المناهج على المحتوى، بل تشمل أيضًا أساليب التدريس والتقويم، حيث يظل المعلم في كثير من الأحيان محور العملية التعليمية، ويُنظر إليه كمصدر وحيد للمعرفة، بينما يُهمش دور الطالب كمشارك نشط في التعلم. أما التقويم، فيعتمد غالبًا على الامتحانات التقليدية التي تقيس الحفظ والاستظهار، دون الاهتمام بقياس المهارات العليا أو التفكير النقدي.

---

## ثانياً: أزمة القيم في المنظومة التربوية – الواقع والتحديات

### 2.1. القيم المغروسة: بين الخطاب والممارسة

تنص معظم الوثائق التربوية العربية على أهمية التربية على القيم، مثل الحرية، التفكير النقدي، احترام التنوع، والانفتاح على الآخر. إلا أن الواقع يكشف عن فجوة كبيرة بين ما يُعلن في الخطاب الرسمي وما يُمارس فعليًا في المدارس. فغالبًا ما تظل القيم مجرد شعارات، دون أن تتحول إلى ممارسات يومية أو ثقافة مدرسية حية.

تشير دراسات ميدانية إلى أن الطلاب يعيشون "فتقًا معرفيًا وقيميًا" بين ما يدرسونه وما يعيشونه، إذ لا يتمثلون القيم التي يتلقونها، بسبب ضعف القدوة، أو غياب البيئة الداعمة، أو تناقض الرسائل بين المدرسة والمجتمع.

### 2.2. أزمة القيم: مظاهرها وأسبابها

تتجلى أزمة القيم في مظاهر متعددة، منها ضعف الضمير الأخلاقي، انتشار الغش، العنف المدرسي، ضعف احترام الآخر، وتراجع روح المسؤولية والانتماء. وتعود هذه الأزمة إلى عدة عوامل متداخلة:

- **تغيرات اجتماعية واقتصادية سريعة** أدت إلى تمزق النسيج القيمي، وتضارب المرجعيات بين الأجيال.
- **تأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي** التي تروج أحيانًا لقيم مادية أو استهلاكية أو سلوكيات منحرفة.
- **ضعف دور الأسرة** في التنشئة القيمية، نتيجة الضغوط الاقتصادية أو غياب الوعي التربوي.
- **غياب القدوة في المدرسة والمجتمع**، وضعف مكانة المعلم، وتراجع احترامه الاجتماعي.
- **تناقض الخطاب القيمي بين المدرسة والمجتمع**، ما يخلق صراعًا داخليًا لدى الطلاب.

### 2.3. القيم والتربية على حقوق الإنسان

رغم التقدم النسبي في بعض الدول العربية في إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج، إلا أن التطبيق العملي يظل محدودًا، وغالبًا ما يُنظر إلى التربية على الحقوق باعتبارها ترفًا أو تهديدًا للاستقرار السياسي والاجتماعي. كما أن التربية على التسامح وقبول الآخر تظل محصورة في دروس نظرية، دون أن تتحول إلى ممارسة يومية في المدرسة.

### 2.4. التفكير النقدي: بين التلقين والتحرر

يُعد التفكير النقدي من أهم القيم التي يحتاجها الطلاب في عالم متغير، إلا أن المناهج العربية غالبًا ما تهمشه لصالح الحفظ والتلقين. ويُنظر إلى التفكير النقدي أحيانًا بعين الريبة، باعتباره تهديدًا للسلطة أو للنظام الاجتماعي، ما يؤدي إلى قمع المبادرات الفردية، وتكريس ثقافة الطاعة والانصياع.

---

## ثالثاً: مقارنة بين النماذج التعليمية التقليدية والإصلاحية في الدول العربية

### 3.1. التعليم التقليدي: سماته وحدوده

يرتكز التعليم التقليدي في العالم العربي على نقل المعرفة من المعلم إلى الطالب، مع التركيز على الحفظ، والتكرار، والاختبارات الموحدة. هذا النموذج يكرس التبعية، ويضعف روح المبادرة، ويُهمش التفكير النقدي، ويُقصي القيم الإنسانية لصالح الامتثال والانضباط.

من جهة أخرى، يُنظر إلى التعليم التقليدي كوسيلة للحفاظ على الهوية والثقافة، ونقل القيم الدينية والاجتماعية، إلا أنه غالبًا ما يفشل في مواكبة متطلبات العصر، أو في إعداد الطلاب لمواجهة تحديات الحياة والعمل.

### 3.2. النماذج الإصلاحية: تجارب عربية متنوعة

شهدت بعض الدول العربية محاولات إصلاحية لتحديث المناهج وأساليب التدريس، مع التركيز على المهارات العليا، والتعلم النشط، والتربية على القيم وحقوق الإنسان. من أبرز هذه التجارب:

#### مصر

أطلقت مصر منذ 2018 خطة شاملة لتطوير المناهج، مع التركيز على المفاهيم الكبرى، وربط المحتوى الرقمي بالكتاب المدرسي، وتدريب المعلمين على استراتيجيات التدريس الحديثة. كما تم إدماج مفاهيم التفكير النقدي، وقبول الآخر، واحترام التنوع، مع الحفاظ على الهوية الثقافية. إلا أن التحديات تظل قائمة، خاصة فيما يتعلق بضعف التمويل، واكتظاظ الفصول، وتفاوت جودة التعليم بين المناطق.

#### تونس

اعتمدت تونس منذ سنوات على إصلاحات تربوية تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي، والانفتاح على القيم الكونية، مع التركيز على القضايا الوطنية والهوية. إلا أن هذه الإصلاحات تواجه مقاومة من بعض القوى الاجتماعية، وتظل محدودة التأثير في ظل غياب رؤية شاملة للسياسة التعليمية.

#### الأردن

شهد الأردن إنشاء المركز الوطني لتطوير المناهج، كمؤسسة مستقلة تعمل على تحديث المناهج بعيدًا عن التدخلات الأيديولوجية، مع التركيز على المهارات الحياتية، والتعلم النشط، والتربية على المواطنة. إلا أن التحديات الاقتصادية، ونقص الكفاءات، وضعف التدريب المستمر للمعلمين، تظل عوائق أمام نجاح الإصلاحات.

#### المغرب

أطلق المغرب برامج لتطوير المناهج، مع التركيز على القيم الوطنية، والانفتاح على اللغات الأجنبية، وتعزيز التعليم المهني والتقني. إلا أن ضعف التمويل، وتفاوت جودة التعليم بين المناطق الحضرية والريفية، يحد من فعالية هذه الإصلاحات.

#### السعودية

في إطار رؤية 2030، شرعت السعودية في إصلاحات جذرية شملت تحديث المناهج، وإدخال مواد الفلسفة والتفكير النقدي، وربط التعليم بسوق العمل، والانفتاح على المناهج الدولية. كما تم تعزيز مكانة المعلم، وتطوير برامج التدريب المهني، إلا أن التحديات الثقافية والاجتماعية تظل قائمة.

#### لبنان

رغم الأزمات السياسية والاقتصادية، شهد لبنان مبادرات مجتمعية لإصلاح التعليم، مثل مشروع "تمام" الذي يعتمد مقاربة تشاركية، ويركز على بناء القدرات المحلية، وتطوير المناهج في سياق ثقافي محلي.

### 3.3. التحديات المشتركة للنماذج الإصلاحية

رغم التقدم النسبي في بعض التجارب، تظل الإصلاحات التربوية في العالم العربي تواجه تحديات بنيوية، منها:

- **تسييس عملية الإصلاح**، وغياب المشاركة المجتمعية الحقيقية.
- **ضعف البحث التربوي**، وغياب التقييم المستقل لفعالية الإصلاحات.
- **التبني غير النقدي للنماذج الغربية**، دون مراعاة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.
- **غياب خطط واضحة للتنفيذ والتقييم**، وضعف المتابعة والمساءلة.
- **نقص التمويل، وضعف البنية التحتية، وتفاوت الموارد بين المناطق**.

---

## رابعاً: أثر السياسات الحكومية والبيئة الاجتماعية على التعليم

### 4.1. السياسات الحكومية: التمويل، الحوكمة، والرقابة

يُعد ضعف التمويل من أبرز معوقات تطوير التعليم في العالم العربي، حيث تظل الميزانيات المخصصة للتعليم دون المستوى المطلوب، مع تفاوت كبير بين الدول والمناطق. كما أن توزيع الموارد غالبًا ما يكون غير عادل، ما يؤدي إلى تفاقم الفوارق بين الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية.

تعاني السياسات التعليمية أيضًا من ضعف الحوكمة، وضبابية الرؤية، وتداخل الصلاحيات بين الجهات المختلفة، وغياب آليات فعالة للمتابعة والتقييم. وغالبًا ما تُتخذ القرارات بشكل مركزي، دون إشراك المعلمين أو المجتمع المحلي، ما يحد من فعالية الإصلاحات.

### 4.2. البيئة الاجتماعية: الأسرة، الإعلام، والمجتمع المدني

تلعب الأسرة دورًا محوريًا في غرس القيم لدى الأبناء، إلا أن ضعف الوعي التربوي، وضغوط الحياة الاقتصادية، وتغير أنماط التنشئة، تؤدي إلى تراجع دور الأسرة في التربية القيمية. كما أن وسائل الإعلام، خاصة الرقمية، أصبحت تنافس المدرسة والأسرة في تشكيل القيم، وغالبًا ما تروج لقيم مادية أو استهلاكية أو سلوكيات منحرفة.

من جهة أخرى، يظل دور المجتمع المدني محدودًا في معظم الدول العربية، بسبب القيود القانونية أو ضعف التنظيم، ما يحد من قدرته على التأثير في السياسات التعليمية أو مراقبة تنفيذها.

### 4.3. أثر النزاعات وعدم الاستقرار السياسي

تعاني بعض الدول العربية من النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي، ما يؤدي إلى تدمير البنية التحتية التعليمية، وحرمان ملايين الأطفال من حقهم في التعليم، وتفاقم أزمة القيم نتيجة العنف والتشرد وفقدان الأمل. كما أن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين يمثل نموذجًا صارخًا لانتهاك الحق في التعليم، وتدمير المدارس، وتشويه المناهج.

---

## خامساً: التعليم التحرري والتربية على حقوق الإنسان – بين الطموح والواقع

### 5.1. التعليم التحرري: المفهوم والرهانات

يرتكز التعليم التحرري على تحرير العقول من القيود الفكرية والاجتماعية، وتحفيز التفكير النقدي، وتمكين الأفراد من اتخاذ قراراتهم بحرية ووعي. هذا النهج يتجاوز التعليم التقليدي القائم على التلقين، ويهدف إلى بناء مواطنين أحرار قادرين على المشاركة الفعالة في المجتمع، والدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين.

في السياق العربي، يُنظر إلى التعليم التحرري أحيانًا بعين الريبة، باعتباره تهديدًا للاستقرار السياسي أو الاجتماعي، ما يؤدي إلى مقاومته من قبل بعض الأنظمة أو القوى التقليدية. ومع ذلك، تبرز مبادرات مجتمعية ومؤسساتية تسعى إلى تعزيز هذا النهج، رغم التحديات البنيوية والثقافية.

### 5.2. التربية على حقوق الإنسان: الواقع والتحديات

رغم التقدم النسبي في إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج العربية، يظل التطبيق العملي محدودًا، وغالبًا ما يُنظر إلى التربية على الحقوق باعتبارها ترفًا أو تهديدًا للسلطة. كما أن التربية على التسامح وقبول الآخر تظل محصورة في دروس نظرية، دون أن تتحول إلى ممارسة يومية في المدرسة.

تشير توصيات المنتديات الإقليمية إلى ضرورة مراجعة التشريعات، وتدريب المعلمين على التربية الحقوقية، وإشراك المجتمع المدني في تطوير المناهج، مع التركيز على الفئات الهشة والضعيفة، وضمان العدالة والمساواة في التعليم.

### 5.3. التفكير النقدي كأداة للتحرر

يُعد التفكير النقدي من أهم أدوات التعليم التحرري، إذ يمكن الطلاب من تحليل الواقع، ونقد الأفكار السائدة، واتخاذ قرارات مستنيرة. إلا أن المناهج العربية غالبًا ما تهمش التفكير النقدي لصالح الحفظ والتلقين، وتُقيد حرية التعبير والنقاش، ما يحد من قدرة الطلاب على الإبداع والمبادرة.

تشير الدراسات إلى أن تعزيز التفكير النقدي يتطلب تغييرًا جذريًا في فلسفة التعليم، وتدريب المعلمين على أساليب التدريس التفاعلية، وتطوير بيئة مدرسية آمنة تشجع على الحوار واحترام الاختلاف.

---

## سادساً: دور المعلم والتكوين المهني والتطوير المستمر

### 6.1. المعلم بين التحديات والفرص

يُعد المعلم العنصر الحاسم في جودة التعليم، إلا أن مكانته الاجتماعية والمهنية تراجعت في معظم الدول العربية، نتيجة ضعف التدريب، وانخفاض الأجور، وغياب الدعم المهني، وتزايد الأعباء الإدارية. كما أن برامج إعداد المعلمين غالبًا ما تركز على الجوانب النظرية، وتهمل التدريب العملي، والتطوير المستمر.

تشير الدراسات إلى أن تطوير برامج إعداد المعلمين يجب أن يقوم على ثلاثة أبعاد: اختيار الطلبة الملتحقين بكليات التربية وفق معايير واضحة، إعدادهم وفق معايير المعلم المتميز مع التركيز على التربية العملية، وتوفير برامج تنمية مهنية مستمرة مع تقييم الأداء بشكل دوري.

### 6.2. التطوير المهني المستمر

تتجه بعض الدول العربية إلى تعزيز برامج التطوير المهني المستمر للمعلمين، مع التركيز على التدريب التفاعلي، وتبادل الخبرات، واستخدام التكنولوجيا في التعليم. إلا أن هذه المبادرات تظل محدودة في ظل ضعف التمويل، وغياب الحوافز، وتفاوت الموارد بين المناطق.

---

## سابعاً: اللامساواة، التمويل، والبنية التحتية – أثرها على القيم والمناهج

### 7.1. اللامساواة في التعليم

تعاني معظم الدول العربية من تفاوت كبير في جودة التعليم بين المناطق الحضرية والريفية، وبين الفئات الاجتماعية المختلفة، نتيجة تفاوت التمويل، وضعف البنية التحتية، ونقص الموارد البشرية والمادية. هذا التفاوت ينعكس سلبًا على فرص التعلم، ويكرس الفوارق الاجتماعية، ويضعف العدالة التربوية.

### 7.2. أثر التمويل على جودة التعليم

يُعد ضعف التمويل من أبرز معوقات تطوير التعليم في العالم العربي، حيث تظل الميزانيات المخصصة للتعليم دون المستوى المطلوب، مع تفاوت كبير بين الدول والمناطق. كما أن توزيع الموارد غالبًا ما يكون غير عادل، ما يؤدي إلى تفاقم الفوارق بين الفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية.

تشير تقارير اليونسكو إلى أن تحقيق جودة التعليم يتطلب زيادة الاستثمار في التعليم، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتوزيع الموارد بشكل عادل، مع التركيز على الفئات الأكثر هشاشة.

### 7.3. البنية التحتية وتأثيرها على القيم والمناهج

ضعف البنية التحتية، من اكتظاظ الفصول، ونقص المختبرات والمكتبات، وضعف التجهيزات التكنولوجية، يؤثر سلبًا على جودة التعليم، ويحد من قدرة المدارس على تطبيق المناهج الحديثة، أو تعزيز القيم الإنسانية، أو تطوير المهارات العليا لدى الطلاب.

---

## ثامناً: المناهج والهوية الوطنية والقضايا الوطنية

### 8.1. المناهج والهوية الوطنية

تلعب المناهج دورًا محوريًا في تشكيل الهوية الوطنية، إلا أن كثيرًا من المناهج العربية تفتقر إلى معالجة القضايا الوطنية الكبرى، أو تكتفي بتناولها بشكل هامشي أو تقليدي. هذا الإغفال يُضعف الوعي الوطني لدى الطلاب، ويقلل من قدرتهم على المشاركة الفعالة في قضايا مجتمعهم.

### 8.2. القضية الفلسطينية في المناهج العربية

تشير دراسات تحليلية إلى أن هناك ضعفًا وعزوفًا في المناهج المدرسية في أغلب الدول العربية عن تناول القضية الفلسطينية، بسبب العوائق السياسية، والضغوط الخارجية، والجنوح نحو التطبيع. وتوصي هذه الدراسات بضرورة تضمين القضية الفلسطينية في المناهج بشكل واضح وصريح، بما يعزز الوعي بمظلومية الشعب الفلسطيني، ويبين حقيقة قضيته وتاريخها وتفاصيلها.

---

## تاسعاً: آليات قياس جودة التعليم وتأثيرها على السياسات

### 9.1. المؤشرات الدولية: اختبار PISA والتصنيفات العالمية

تُعد اختبارات PISA من أهم المؤشرات العالمية التي تقيس جودة التعليم، من خلال تقييم مهارات الطلاب في القراءة والرياضيات والعلوم. وتظهر نتائج الدول العربية في هذه الاختبارات معدلات أقل من المتوسط العالمي، ما يعكس ضعف المناهج، وأساليب التدريس، والتدريب المهني للمعلمين.

تشير التقارير إلى أن الدول الأعلى أداءً في هذه الاختبارات تتميز باستقرار السياسات التعليمية، وفعالية المناهج، وكفاءة تدريب المعلمين، وهو ما لا يزال يشكّل تحديًا في السياق العربي.

### 9.2. أثر القياس على السياسات التعليمية

يسهم قياس جودة التعليم في توجيه السياسات التعليمية، وتحديد نقاط القوة والضعف، ووضع خطط علاجية لتحسين الأداء. إلا أن الاعتماد المفرط على الاختبارات الموحدة قد يؤدي إلى تهميش القيم الإنسانية، والتركيز على النتائج الكمية على حساب الجودة الشاملة.

---

## عاشراً: مقترحات إصلاحية حقوقية وسياسية

### 10.1. إصلاح المناهج: نحو تعليم متجدد ومرتبط بالحياة

- تحديث المناهج بشكل دوري، مع إشراك المعلمين والطلاب والمجتمع المدني في عملية التطوير.
- التركيز على المهارات العليا، مثل التفكير النقدي، الإبداع، وحل المشكلات، وربط المعرفة بالحياة الواقعية.
- إدماج القضايا الوطنية والهوية الثقافية في المناهج، مع تعزيز قيم التسامح والانفتاح على الآخر.
- تطوير أساليب التدريس والتقويم، والانتقال من الحفظ والتلقين إلى التعلم النشط والتفاعلي.

### 10.2. تعزيز التربية على القيم وحقوق الإنسان

- إدماج مفاهيم حقوق الإنسان، والمواطنة، والتسامح، وقبول الآخر في المناهج، وتحويلها إلى ممارسات يومية في المدرسة.
- تدريب المعلمين على التربية الحقوقية، وأساليب التدريس التفاعلية، وتعزيز مكانتهم الاجتماعية والمهنية.
- إشراك الأسرة والمجتمع المدني في التربية القيمية، وتعزيز الشراكة بين المدرسة والمجتمع.

### 10.3. تطوير برامج إعداد المعلمين والتطوير المهني المستمر

- إصلاح برامج إعداد المعلمين، مع التركيز على التدريب العملي، والتربية العملية، والتطوير المهني المستمر.
- توفير حوافز مادية ومعنوية للمعلمين، وتحسين ظروف العمل، وتعزيز مكانتهم الاجتماعية.

### 10.4. تعزيز العدالة والتمويل العادل في التعليم

- زيادة الاستثمار في التعليم، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتوزيع الموارد بشكل عادل، مع التركيز على الفئات الأكثر هشاشة.
- تطوير البنية التحتية التعليمية، وتوفير التجهيزات التكنولوجية، وتحسين بيئة التعلم.

### 10.5. إشراك المجتمع المدني والطلاب في صنع القرار التعليمي

- تعزيز المشاركة المجتمعية في تطوير السياسات التعليمية، وإشراك الطلاب في صنع القرار، وتطوير آليات المساءلة والشفافية.

---

## خاتمة: نحو تعليم تحرري وإنساني في العالم العربي

إن أزمة التعليم في العالم العربي ليست مجرد أزمة مناهج أو أزمة قيم، بل هي أزمة بنيوية شاملة تتداخل فيها العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ولا يمكن تجاوز هذه الأزمة إلا من خلال إصلاحات جذرية تضع الإنسان وحقوقه في صلب العملية التربوية، وتعيد الاعتبار للقيم الإنسانية، وتربط التعليم بالحياة والعمل، وتحرر العقول من القيود التقليدية.

التعليم يمكن أن يكون أداة للتحرر، إذا ما ارتكز على التفكير النقدي، والتربية على القيم، والمشاركة المجتمعية، والعدالة الاجتماعية. ويمكن أن يكون وسيلة للتلقين والسيطرة، إذا ظل أسير المناهج التقليدية، والتلقين، والانغلاق. الخيار أمام المجتمعات العربية واضح: إما تعليم يكرس الجمود والتبعية، أو تعليم يفتح آفاق الحرية والإبداع والمواطنة الفاعلة.

إن بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة يقتضي شجاعة في مواجهة الواقع، وجرأة في طرح الأسئلة الصعبة، وإرادة سياسية ومجتمعية لإحداث التغيير المنشود. فهل نحن مستعدون لثورة فكرية وتربوية تعيد للتعليم دوره كرافعة للتحرر والنهضة؟






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تداول فيديو لـ-تطويق قوات سورية لمركز حدودي لبناني-.. ما حقي ...
- ترامب يوبخ مراسلة بعد سؤال عن خاشقجي ومحمد بن سلمان يعقب.. ش ...
- بلجيكا: ثمانية موقوفين بشبهة التخطيط لاستهداف المدعي العام ف ...
- بريطانيا تعلن الحرب على -التجسس الصيني- بحزمة إجراءات طارئة ...
- -عقيدة دونرو-: كيف يعيد ترامب رسم خريطة أميركا الجنوبية؟
- بن سلمان: نعمل على تطبيع العلاقات مع إسرائيل -في أقرب وقت مم ...
- غزة : ماذا بعد خطة ترامب ؟
- أمريكا - السعودية : بين السياسة والمصالح المشتركة ؟
- الرئيس الفرنسي يبدي استعداده للحوار مع نظيره الجزائري حول ال ...
- زعيمة المعارضة: فنزويلا على أعتاب عهد من دون مادورو


المزيد.....

- أساليب التعليم والتربية الحديثة / حسن صالح الشنكالي
- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عمر احمد التباوي - التعليم في العالم العربي: أزمة مناهج أم أزمة قيم؟