أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهر التمران - صراع الانتماء بين الهويات الذاتية














المزيد.....

صراع الانتماء بين الهويات الذاتية


ماهر التمران

الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 18:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صراع الانتماء بين الهوية الوطنية والهوية العرقية والهوية الدينية

تُعدّ الهوية من أكثر المفاهيم تعقيدًا في العلوم الاجتماعية والسياسية، فهي الإطار الذي يحدد علاقة الفرد بذاته وبالآخرين، وتشكل الأساس الذي تُبنى عليه الانتماءات الاجتماعية والسياسية. وفي المجتمعات المتعددة الأعراق والطوائف، يظهر ما يمكن تسميته بـ"صراع الانتماء"، حيث يجد الفرد نفسه ممزقاً
بين الانتماء إلى الأمة والدولة (الهوية الوطنية)، والانتماء إلى جماعته الأصلية، سواء كانت قومية أو دينية.

أولاً : مفهوم الهوية وأبعادها

1. الهوية الوطنية

الهوية الوطنية هي إحساس الأفراد بالانتماء إلى دولة أو وطن، تقوم على فكرة المواطنة، والمشاركة في التاريخ والمصير المشترك، واحترام القوانين والمؤسسات. تتأسس الهوية الوطنية عادة على مفاهيم المساواة والولاء للوطن، بعيداً عن الانتماءات الدينية أو العرقية.

2. الهوية العرقية

الهوية العرقية تشير إلى انتماء الأفراد إلى جماعة قومية أو إثنية تتشارك أصلاً تاريخياً أو لغوياً و ثقافياً محدداً. وغالباً ما تكون هذه الهوية راسخة في الوعي الجمعي منذ قرون، وقد تتحول من مكوّن ثقافي إلى أداة سياسية عند الشعور بالتهميش أو الإقصاء.

3. الهوية الدينية

الهوية الدينية تعكس انتماء الأفراد إلى جماعة دينية معينة، ترتبط بمعتقدات روحية و شعائر وممارسات طقسية. في بعض الحالات، تصبح الهوية الدينية عاملاً رئيسياً في تشكيل المواقف السياسية والاجتماعية، خصوصاً في الدول التي لم تنجح بعد في ترسيخ مبدأ الدولة المدنية.

جذور الصراع بين الهويات

يعود الصراع بين الهوية الوطنية والعرقية والدينية إلى مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية:

1. الإرث الاستعماري وتقسيم المجتمعات:
العديد من الدول الحديثة وُلدت من رحم الحدود التي رسمها الاستعمار دون مراعاة للتنوع الإثني أو الديني، ما جعل الولاء للدولة هشّاً أمام الولاءات التقليدية.

2. ضعف مفهوم المواطنة:
في الدول التي لم تنجح في ترسيخ المساواة القانونية والسياسية بين المواطنين، تصبح الهوية الوطنية مجرد شعار رسمي، بينما يظل الانتماء الحقيقي مرتبطاً بالعشيرة أو الطائفة أو القومية.


3. استغلال السلطة للانقسامات:
غالباً ما تستخدم الأنظمة السياسية الهويات الفرعية لتقسيم المجتمع وضمان السيطرة، عبر تغذية الطائفية أو العرقية، ما يعمّق الانقسام ويضعف الولاء للوطن.

4. العولمة وتراجع الدولة القومية:
أدت العولمة والفضاءات الرقمية إلى إعادة تعريف الانتماء، حيث بات الأفراد أكثر ارتباطاً بهويات عابرة للحدود (دينية، لغوية، أو ثقافية).


مظاهر الصراع في الواقع المعاصر

1. في العالم العربي:
تُظهر الحالة السورية والعراقية واللبنانية بوضوح تعقيدات صراع الهوية، حيث تصطدم الهوية الوطنية بمحاور طائفية وعرقية. فالحرب السورية مثلاً أبرزت هشاشة الانتماء الوطني أمام العصبيات الدينية والعرقية، في ظل غياب دولة عادلة.

2. في أفريقيا:
الصراع بين الهويات القبلية والوطنية أدى في بلدان مثل السودان ونيجيريا إلى انقسامات عميقة، بلغت حد الحروب الأهلية والانفصال.


3. في الغرب:
حتى في الدول الديمقراطية، تتجلى تحديات الهوية في تصاعد النزعات القومية المتطرفة مقابل التعددية الثقافية، كما في صعود اليمين الشعبوي في أوروبا والولايات المتحدة.

الآثار المترتبة على صراع الهويات

تفكك النسيج الاجتماعي:
يؤدي الصراع بين الهويات إلى إضعاف الثقة بين المكونات، وتفكك الروابط الوطنية.

تعطيل التنمية السياسية:
حين تُبنى الولاءات على أسس دينية أو عرقية، تتراجع الكفاءة وتُقصى الكفاءات لصالح المحاصصة.

إضعاف الدولة ومؤسساتها:
الدولة تصبح رهينة لتوازنات الهوية بدلًا من أن تكون حَكَمًا فوق الجميع.

إحياء النزعات الانفصالية:
كما في حالة كتالونيا في إسبانيا، حيث يتحول الإحساس بالتمييز إلى مطالبة بالانفصال.

كيف نتجاوز صراع الانتماء؟

1. ترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية:
لا يمكن تجاوز الصراع إلا ببناء دولة القانون، التي تساوي بين المواطنين دون تمييز.
2. تعزيز الهوية الجامعة:
الهوية الوطنية لا تُبنى على نفي الهويات الأخرى، بل على دمجها ضمن مشروع وطني جامع يحتضن التنوع.
3. إصلاح الخطاب الديني والسياسي:
ضرورة تحويل الدين إلى إطار أخلاقي جامع لا إلى أداة صراع سياسي.
4. التربية والتعليم:
يلعب التعليم دوراً حاسماً في تشكيل وعي وطني مدني، عبر مناهج تُرسخ قيم المواطنة والانفتاح.
5. العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية:
ضمان التمثيل العادل لمختلف المكونات يقلل من احتمالات الصراع ويعزز الانتماء للدولة.
يُعدّ صراع الانتماء بين الهوية الوطنية والعرقية والدينية من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، خاصة تلك الخارجة من أزمات سياسية أو حروب أهلية.
ولعل الحل لا يكمن في إلغاء الهويات الفرعية، بل في إعادة ترتيبها داخل منظومة وطنية تتيح التعدد وتمنع التناحر.
إن بناء هوية وطنية جامعة ليس مهمة الدولة وحدها، بل هو مشروع اجتماعي وثقافي طويل الأمد، يتطلب وعيًا جماعيًا بأن التعددية ليست تهديداً بل مصدر قوة وغنى حضاري.



#ماهر_التمران (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدلية الحرية و الامن و بناء الدولة الحديثة
- مستقبل التنوير الغاية و الأثر
- الاستراتيجية الدولية في تقليم مخالب إيران في سورية


المزيد.....




- افتتاح منتزه -بيست لاند- الترفيهي في السعودية
- ميشيل يوه تلفت الأنظار بإطلالة -مستقبلية- في سنغافورة
- رغم تدمير معظم مستشفيات غزة.. إسرائيل تخطط لترحيل مرضى فلسطي ...
- الإمارات تعلن نتائج تحقيقات بقضية محاولة -تمرير عتاد عسكري- ...
- نائب رئيس -المؤتمر-: التاريخ يبرر -مخاوف التطرف- في السودان ...
- إحباط محاولة اغتيال مسؤول روسي رفيع في مقبرة.. أجهزة الأمن ا ...
- اقتحم السجادة الحمراء.. معجب يندفع فجأة نحو أريانا غراندي وس ...
- كيت بلانشيت تدعم الموضة المستدامة بإطلالة -ريش نباتي- في ميو ...
- سامي حمدي الصحفي البريطاني الذي احتجزته دائرة الهجرة بأمريكا ...
- ليس عملاً سهلاً… لماذا قد يرغب أي شخص في أن يصبح المدير العا ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ماهر التمران - صراع الانتماء بين الهويات الذاتية