أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جعفر جوقي - الديمقراطية السائلة: ما وراء الاستهلاك الانتخابي














المزيد.....

الديمقراطية السائلة: ما وراء الاستهلاك الانتخابي


جعفر جوقي

الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 21:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في الأنظمة الديكتاتورية، تنزل الحقائق على الناس من الأعلى، من الله أو من القائد، فتبدو متعالية ومحايثة في آن، إذ لا يُسمح للعالم السفلي — عالم الشعب — بمناقشة حقيقتها أو مساءلتها، لأن ذلك يُعد نوعًا من الكفر أو الخيانة. أما في الأنظمة الديمقراطية، فتصنع الحقائق في الأسفل، في الظاهر على الأقل، وتستمد مشروعيتها من إرادة الشعوب. تعد الانتخابات أحد أبرز تجليات هذا النظام وآلته الدعائية الأشد فاعلية، فهي تمنح الناس الشعور بأنهم يصنعون حقائقهم وقوانينهم بحرية تامة. غير أن فشل هذه الحقائق لا يُحمل للنظام، بل يُحمل للناس أنفسهم، لأنهم هم من "اختاروا". لكن عند التمعن في آلية الانتخابات والسرديات التي تحيط بها، يتضح أن دور الناس محدود في مطبخ صناعة الحقيقة الديمقراطية. إنهم لا يضعون الوصفات، بل يطبخون وفق ما أُعد لهم سلفًا. كيف يحدث ذلك؟ تجنبًا للانزلاق في الأحكام المسبقة والانحيازات المعرفية، سأحاول الانطلاق من مقدمات منطقية.

هل يفكرون حقًا؟
مبدئيًا نقول إن الإنسان يفكر، أي إنه يتلقى ما يحيط به من أمورٍ وأحداث، ويتفاعل معها ليصدر حكمًا أو موقفًا. فالتفكير لا يكون إلا بوجود موضوعٍ يُفكر فيه، وقوة التفكير وصحة الحكم تتناسبان طرديًا مع وضوح هذا الموضوع. وعندما يكون التصويت حكمًا، تكون الانتخابات بما تتضمنه من مرشحين ومشاريع ومصالح عامة هي موضوع التفكير. وهنا يبرز السؤال الحقيقي: هل يفكر الناس حقًا حين يصوتون، أم أن فعل التصويت يتم غالبًا بغياب التفكير؟
فإذا تأملنا الحملات الانتخابية من جهة، ووصف الوظيفة البرلمانية من جهة أخرى، نجد أن حقيقة الانتخابات وأهدافها تختلف باختلاف العالمين: عالم الشعب وعالم السلطة. فما يتخيله الناس عن الانتخابات لا يمت بصلةٍ إلى ما يجري فعلاً في مطبخ صناعة القوانين والحقائق داخل البرلمان. ولأن شيئًا ما دائمًا يحجب ذلك العالم عن الناس، ولأن لا هرمس يعبر بين العالمين، فإن التفكير يصبح مستحيلًا، إذ إن موضوع التفكير نفسه زائف.

هل الناس حقًا أحرار؟
تؤكد الدراسات العلمية — ومنها الدراسة التي نُشرت عام 2008 في مجلة Nature Neuroscience من قبل باحثين في معهد ماكس بلانك — أن الإنسان لا يختار ما يختاره بوعيٍ كامل أو بحريةٍ تامة. لكن حتى لو تجاوزنا هذا الجدل العلمي والفلسفي، وسلّمنا بأن للإنسان حريةَ اختيار ما، فإن هذه الحرية نادرة الحضور في الانتخابات لأسباب عدة، منها:
الانحياز العقدي: تظهر الانتخابات تعددًا ظاهريًا في الخيارات، لكنها في حقيقتها تخضع لعمليات فلترة عقدية، ثم مناطقية، فحزبية وعشائرية. وهكذا يجد الناخب نفسه أمام خيارات محدودة جدًا، مسيجة بعقيدته وانتمائه لا بعقله وإرادته.
المواطنة غير الناضجة: تعني المواطنة مساواة الأفراد أمام الدولة وتجاوز الهويات الضيقة لصالح هوية جامعة. غير أن الواقع العراقي يُظهر عكس ذلك: لدينا نحو 46 مليون "عضو جماعة"، لا 46 مليون مواطن. فالعضو يرى في الجماعات الأخرى تهديدًا لا امتدادًا، كما يظهر جليًا في الخطابات السياسية. وغياب المواطنة هذا يُقزّم الحرية، والحرية الناقصة وجه آخر للعبودية.
دائرة اليأس الانتخابي: منذ عقدين، يعيد الناخب العراقي بناء الدائرة ذاتها: ينتخب، ثم يشكو، ثم يعيد انتخاب من شكا منه، ليعود إلى الشكوى من جديد. دائرة مغلقة لا تكسر، لأن التفكير غائب والحرية مصادرة.

هل هناك برلمان عراقي حقًا؟
هناك بناية تُسمى "البرلمان"، ونواب، وجلسات، وقوانين تُقر. ففي الدورة الخامسة مثلًا، عُقدت 148 جلسة، وأُقر 69 قانونًا نهائيًا. لكن لو تأملنا آلية طبخ القوانين، لوجدنا أن معظمها لا يُشرع لجوهره أو ضرورته، بل لأن إرادة الأغلبيات تمنحه المشروعية. وهكذا يصبح البرلمان العراقي مجرد ظل لمكاتب الأحزاب العقدية الكبرى، لا أكثر.

بمثابة نتيجة:
الديمقراطية السائلة، في تجلياتها الراهنة، تتيح للناخبين خيارات وهمية، فيشاركون في العملية الانتخابية دون وعيٍ حقيقي بها أو حرية فعلية داخلها. يقفون خلف الكابينات وهم يظنون أنهم يغيرون، فيما الحقيقة أن الديمقراطية السائلة ليست سوى الامتداد الحداثي للديكتاتورية. فالحقائق أو القوانين ما تزال تُصنع في الأعلى، من قبل إله السلطة، ثم تُنزّل على الشعب. لقد تغيّر شكل الإله، لا جوهره.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأفق للشاعر الكوردي تنگزار ماريني - مترجمة عن الكوردية
- الولادة الأولى، الفناء الحتمي
- تفاحة فوق الصليب
- حيث يبتسم الغياب للشاعر الكوردي تنگزار ماريني- عن الكوردية
- لم يصغي لصوتي احداً للشاعر الكوردي تنغزار ماريني- عن الكوردي ...
- سيرة المكان الأخير
- لماذا مات الله؟!


المزيد.....




- أحمد الشرع وما يحتاج لتأمينه في سوريا وتعليق عقوبات -قانون ق ...
- فرنسا تحيي الذكرى السنوية الـ107 لهدنة عام 1918 التي أنهت ال ...
- سوريا.. صورة مريض ملقى أمام مستشفى تثير الغضب
- تايلاند تنوي تعليق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع كمبوديا ال ...
- تحقيق: أوكرانيا صنعت صاروخا يتفوق على صاروخ توماهوك الأمريكي ...
- منذ أحداث 13 نوفمبر وحالة الطوارئ... تراجع مستمر للحريات الف ...
- مليشيات ومجموعات مدعومة من إسرائيل وغيرها... من هم أعداء حما ...
- -قطر للتنمية- يوقّع منحة لدعم مستشفى فلسطين في بيت لحم
- توبيخ نتنياهو خلال محاكمته بتهم فساد
- نتنياهو ينفي التعهد بخروج مقاتلي حماس العالقين بأنفاق رفح


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جعفر جوقي - الديمقراطية السائلة: ما وراء الاستهلاك الانتخابي