أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد زناز - رهاب الحرية أصل الأصولية














المزيد.....

رهاب الحرية أصل الأصولية


حميد زناز

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 02:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في زمن تصاعد الأصوليات، لم يعد الإيمان رحلة بحث عن المعنى، بل تحوّل إلى جدار يحمي من القلق والضياع. يجد كثيرون في العقيدة الصارمة ملاذًا من حيرة الأسئلة وصعوبة الحرية. فحين يتعب الإنسان من التفكير، يصبح مستعدًا لتسليم عقله لمن يمنحه شعورًا بالأمان. الأصولية لا تبدأ في النصوص، بل في الخوف من الضياع، في تلك اللحظة التي يختلط فيها الإيمان باليقين، والمعنى بالهوية.

تعرف الحركات الأصولية كيف تستثمر هذا الاضطراب النفسي. فهي لا تقدم فكرة بقدر ما تقدم طمأنينة. تمنح أتباعها يقينًا جاهزًا، ونظامًا مغلقًا يريحهم من عناء الشك والاختيار. إذ لا يحتاج المرء داخل الجماعة إلى التفكير، فالعقيدة تختار مكانه، والزعيم يفسر له العالم، والمقدس يبرر كل شيء. وهكذا يجد الفرد نفسه في حضنٍ جماعي يمنحه شعورًا بالانتماء ويخفف من هشاشته.

بهذه الطريقة، تتكوّن سيكولوجية الطاعة. فالخضوع ليس مجرد سلوك سياسي، بل حالة نفسية عميقة. تبحث الجماهير عن قائد لأنها تخاف مواجهة نفسها. القائد في المخيال الأصولي ليس مجرد زعيم، بل رمز للخلاص، امتداد للأب الغائب وللإله البعيد. من هنا تتحول الطاعة إلى عبادة، والعنف إلى طقس جماعي مبرر باسم “الحب” — حب الجماعة، وحب الله، وحب النقاء.

تتحرك الأصولية بين قطبين متناقضين: الخوف والأمل. الخوف من الآخر، من الغرب، من المرأة، من الفكر الحر؛ والأمل في استعادة مجدٍ مفقود أو هوية ضائعة. هذا التوتر يولّد حماسةً واستعدادًا للتضحية. فكلما زاد الخوف، زادت الحاجة إلى يقين بسيط يقدمه القائد أو النص، حتى لو كان زائفًا. فالعقل المذعور لا يبحث عن الحقيقة، بل عن الطمأنينة.
تبني الأصولية قوتها على فكرة التفوق والاصطفاء. فهي تُقنع أتباعها بأنهم “خير أمة”، وبأن العالم خارجهم تهديد أو نجاسة. إنها نرجسية جماعية تتغذى من الشعور بالاضطهاد. لذلك يصبح النقد خيانة، والاختلاف كفرًا، والسؤال مؤامرة. وهكذا يُغلق الأفق، ويُختزل العالم إلى نحن وهم، مؤمن وكافر، طاهر ونجس. يبدو هذا العالم متماسكًا من الخارج، لكنه في العمق هش، لأن ما يمسكه ليس الإيمان بل الخوف.

تاريخيًا، ظهرت الأصولية كردّ فعل على الهزيمة أمام الحداثة. بعد فشل مشاريع النهضة في بناء ذاتٍ واثقة، لجأت الجماهير إلى الماضي تبحث عن هوية وأمان. لم تكن العودة إلى التراث بحثًا عن فهم، بل عن طمأنينة. فالإنسان الأصولي لا يريد أن يعرف، بل أن يطمئن. إنه ابن الخيبة أكثر من ابن الفكرة. وهنا مأساة الفكر الديني حين يتحول إلى عقيدة جامدة تعيد الإنسان إلى طفولته النفسية، إلى الحاجة إلى أب قوي يأمر ويحمي ويعاقب.

الأصولية ليست خطابًا دينيًا فقط، بل حالة جماعية تنشأ من الإحباط والاغتراب وفقدان المعنى. ومواجهتها لا تكون بالقمع أو التجريم، بل بإعادة بناء العلاقة بين الإنسان والحرية، بين الإيمان والعقل. فالإيمان الحقيقي لا يخاف من الشك، بل يتغذى منه. وحين يدرك الفرد أن السؤال لا يهدد إيمانه، بل يعمّقه، يبدأ تحرره من الخوف ومن سلطة المقدس الزائف.

تسقط الأصولية عندما يعود السؤال، فهو أول خطوة نحو الحرية، وأول كسر لحاجز الخوف. كل إصلاح يبدأ من تلك الجرأة على قول: “لماذا؟” — الكلمة التي تخيف كل سلطة لأنها تهدم الأسطورة وتعيد الإنسان إلى مركز التفكير.

تحرير الجماهير لا يعني محاربة إيمانها، بل إنقاذ الإيمان من الاستغلال السياسي والسلطوي، وإعادته إلى مجاله الطبيعي: مجال المعنى. حين يتقبل الإنسان هشاشته ويتخلى عن وهم اليقين المطلق، يصبح قادرًا على العيش في عالم متنوع بلا خوف ولا كراهية. عندها فقط يمكن للجماعة أن تتحول من قطيعٍ مطيع إلى مجتمعٍ عاقل، ومن يقين مغلق إلى إيمان حيّ يرى العالم كما هو، لا كما يُملى عليه.



#حميد_زناز (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميشال فوكو في طهران: حين يعانق الفكر جلاده
- إلى متى نتجاهل الفيلسوف السعودي عبدالله القصيمي
- أنا أو الطوفان.. وجه أردوغان الحقيقي
- في استحالة النصر العسكري اليوم
- ماذا تبقى من جان ماري لوبان
- هل خوفًا من -ما بعد الأسد- تريدون سوريا ما قبل الأسد.. إلى ا ...
- لماذا سيفوز دونالد ترامب على كامالا هاريس
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
- لا حل في حل البرلمان.. فرنسا نحو المجهول
- لهذه الأسباب سيحكم حزب مارين لوبان فرنسا
- مؤسسة تكوين/ الازهر ذراع داعش الايديولويجية
- الأمم المتحدة: لماذا تعادي العلمانية
- سقوط الغرب.. ذلك الوهم المزمن
- كيف يتفلسف اليابانيون
- الغرب.. المرض العضال للشرق الإسلامي
- الفريق الوطني الجزائري، ذلك الفشل المبرمج
- لماذا نحن شعوب انتحارية تمجّد الموت ؟
- ما يؤخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة .. تلك الاكذوبة الكبرى
- رسالة من المثقفين العرب إلى مثقفي الغرب.. سطحية و أصولية مست ...
- أخطار بقاء حماس في السلطة بعد الحرب


المزيد.....




- سيطبق على العرب دون اليهود.. الكنيست يقر القراءة الأولى لمشر ...
- محافظة القدس: اقتحام مقبرة باب الرحمة محاولة لطمس الهوية الإ ...
- تفاقم الصراع بين الكنيسة والحكومة إلى أين يقود أرمينيا؟
- فتوى للتعامل مع أمريكا.. مفتي هيئة تحرير الشام: داعش خوارج و ...
- حرس الثورة الإسلامية يعرض انجازاته في مجال الجوفضاء
- سلفيت: إطلاق الفعالية المركزية لإحياء الذكرى الـ21 لاستشهاد ...
- مجلس الإفتاء يدعو لتحرك عاجل لحماية مقبرة باب الرحمة بالقدس ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى ويدنسون باحاته
- -المسجد الأزرق- تحفة العمارة الإسلامية في أفغانستان
- واشنطن تعيد فتح سفارة سوريا وتعلن انضمامها للتحالف الدولي ضد ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد زناز - رهاب الحرية أصل الأصولية