أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - دارا كيلو - سليمان يوسف يوسف من أوهام الحوار الوطني إلى حقائق الإقصاء والتفتيت















المزيد.....


سليمان يوسف يوسف من أوهام الحوار الوطني إلى حقائق الإقصاء والتفتيت


دارا كيلو

الحوار المتمدن-العدد: 550 - 2003 / 8 / 1 - 04:38
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 


       لاشك أنها فكرة نبيلة أن تطرح قضية تخلي جميع السوريين عن جزء من مشاريعهم السياسية, (أساطيرهم السياسية وأوهامهم الأيديولوجية) حسب تعبير الأستاذ سليمان يوسف يوسف في مقاله المنشور في (أخبار الشرق) والمعنون ( سوريا والحوار الوطني في مواجهة الأساطير السياسية والأوهام الأيديولوجية ), والتحاور والعمل من أجل تقوية الانتماء الوطني السوري والهوية السورية, وفكرة العيش المشترك ضمن هذا الإطار. بتقديري أن الوصول بهذا الطرح إلى نهايته المنطقية, يمكن أن يجعلنا نستغني عن الكثير من الصراعات, وتوفير التكاليف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الناتجة عن ذلك, وتوجيه تلك الطاقات لخدمة تقدم ورفاهية مواطني الوطن السوري. لقد ثبت أن المجتمعات التي تتجاوز إطار الانتماء القائم على العائلة والعشيرة والدم وغيرها من الانتماءات ما قبل المدنية- وهذا يشمل الانتماء الديني والقومي - وتستطيع بناء وتنمية انتماءات مدنية, هي الأكثر قدرة على تحقيق التقدم بشكل عام. ونبالة فكرة الهوية السورية والحوار حولها, هي دافعي للكتابة.
        باعتبار الحوار وطنيا لا بد أن نفهم أو نتفق على ما نعنيه بالحوار  وما نعنيه بالوطن, رغم أن البعض قد  يعتبر المعنى واضحا, لكن المشكلة أن ما نعتبره واضحا وذو مدلول قطعي, نكتشف عند ظرف ما أنه غامض وربما مقلوب . فماذا نعني بالحوار؟ إن الحوار في أساسه تبادل للأفكار بين شخصين أو أكثر بهدف التعارف بينهما أو تغيير صورة أحدهما في ذهن الآخر, من ثم قد تبنى مشاريع اجتماعية من نمط ما على نتائج الحوار, لكن حتى يكون حوارا بكل معنى الكلمة لابد من شروط أساسية لذلك الحوار. من هذه الشروط : وجود لغة مشتركة بين المتحاورين, تكافؤ المتحاورين من جميع النواحي , الصدق في التعبير عن الأفكار أو المصالح, الثقة بين المتحاورين, بالإضافة إلى استعداد المتحاورين لتغيير مواقفهم ورؤاهم بتوفر معطيات جديدة  . هذا ما يتعلق بالحوار أما الوطن ..ما هو الوطن ؟ وهل هناك من لا يعرف الوطن ؟! مع كل هذه الثقة لا بد من تعريف المقصود به, لكي نبي على ذلك صفة الوطنية. للوهلة الأول قد يبدو الوطن جغرافيا مؤطرة بإطار سياسي ما, بمعنى أن الوطن إقليم جغرافي ذو سيادة سياسية معترف بها دوليا , أي حدود وسلطة. ولكن هل هذا كاف للحديث عن وطن, وبناء عليه , عن وطنية ومواطنين ؟ ألا يستحق الأمر إعادة النظر؟ بتقديري إن الوطن حتى يكون وطنا يجب إن يبنى على وجود مواطنين أحرار , أي على مفهوم أقرب إلى العقد الاجتماعي, بما يعبر عن رغبة في العيش المشترك , يٌتبادل في إطاره, أي الوطن, ومعه الحقوق والواجبات , يقول ميلتون فريدمان: (بالنسبة للإنسان الحر , فإن الدولة هي مجموعة من الأفراد دون وجود لأي شيء يسيطر عليها, والإنسان الحر يفاخر بتراث ثقافي مشترك وهو مخلص للتقاليد المشتركة ويعتبر الحكومة وسيلة, أي آلية, وليس كمانحة للهدايا والخدمات أو كسيدة أو آلهة وتعبد عبادة عمياء, وهو لا يعترف بأي غاية وطنية إلا بما يقره الإجماع ويكافح لأجله المواطنون), والخلاصة أن الوطن في جذره  إجماع المواطنين. وبالتالي فإن الوطني هو من يلتزم بمتطلبات هذا الإجماع. وعليه فإن الحوار الوطني يجب أن تتوفر فيه الحدود  الدنيا من شروط الحوار المذكورة سابقا, وأن يجري ضمن إطار المفهوم الذي ذكرناه للوطن, أو يستهدف بناء أو ترميم إطار جغرافي سياسي موجود في الواقع بتضمينه مستلزمات الوطن .
      هل تنطبق شروط الحوار الوطني التي ذكرناها على ما طرحه الأستاذ سليمان؟  أعتقد أنه وإن كانت تنطبق في بعض الحالات , ولكنها في حالات أخرى لم تنطبق, وهذه ستكون محور نقاشنا مع الأستاذ سليمان. لقد أشار الأستاذ سليمان إلى أن الأساطير السياسية والأوهام الأيديولوجية للتيارات العربية الثلاث, القومية (الأمة العربية) , الإسلامية (الأمة الإسلامية) , الشيوعية ( ديكتاتورية البروليتاريا ) , بالإضافة للقومي السوري (الأمة السورية) , والكرد ( كردستان) , الأرمن ( أرمينيا) , الآشوريين (الوطن التاريخي ), وأن هذه الأساطير والأوهام بخطوطها الحمراء تشكل كابحا مانعا لقيام حوار وطني. فيما يتعلق بالتيار القومي العربي أو الإسلامي أو الشيوعي - لن أتحدث عن القومي السوري لضعف معلوماتي عنه وعدم وضوح الكاتب في حديثه عنه- فإنه من حق الكاتب أن يشير إلى أوهام أو أساطير يمكن التخلي عنها لسببين : الأول هو أن التيارات الثلاثة أو أوهامها هي مشاريع سياسية من نوع ما , وبالتالي فإنه يمكن التخلي عن جزء من المشروع بهذا الاتجاه أو ذاك, خلال عملية الحوار مع الأطراف المختلفة, للوصول إلى إجماع وطني عن طريق التنازلات المتبادلة. وثانيا إن المشاريع الثلاثة ذات طابع شمولي إقصائي حيث يحاول أحدها فرض الخيار العروبي على المحتمع رغم وجود قوميات أخرى ورغم وجود تيارات سياسية أخرى , والآخر يحاول فرض المشروع الإسلامي رغم وجود غير المسلمين والعلمانيين في المجتمع , والثالث يحاول فرض الخيار الاشتراكي البروليتاري محاولا حصر خيارات المجتمع في هذه الفئة ويقصي بقية الفئات .....هذه التيارات في إطار أوهامها لا تعترف بوجود الآخر, وبالتالي من الطبيعي أن تمنعها أوهامها , أو على  الأقل تعرقل , القيام بالحوار الوطني , نظرا لأن الحوار يجري مع آخر متكافئ . 
      أما بالنسبة للقوميات الأخرى في البلد فإن الأستاذ سليمان يتخلى عن دعوته الحوارية, ويستبطن وهما أيديولوجيا أطنه قوميا عربيا, ويفبرك الوقائع والشواهد لكي يركب لهذه القوميات أوهاما لكي يستقيم طرحه أو لكي يرضي وهمه الخاص الذي لا يريد إظهاره, وهذه الحالة أسوأ من إظهار الوهم, فقد قلنا أن من شروط الحوار هو الصدق في التعبير عن الأفكار, مع الإشارة  إلى أن الأستاذ سليمان متقدم في موقفه من القوميات غير العربية على الكثيرين فهو يعترف بوجودها ويطالب لها ببعض الحقوق.
      عندما تطرق إلى الوهم الأرمني أشار إلى مساهمة الأرمن في الحركة الوطنية السورية, ليستدرك ويختلق للأرمن وهما يطعن في انتمائهم السوري, باعتبارهم يشعرون بالانتماء إلى أرمينيا. وهذا يجعلنا نتساءل هل تضر بوطنية الأرمن أنهم سوريون, وأنهم في الأصل ينتمون إلى أرمينيا, ويشعرون بروابط خاصة بها, أو حتى الشعور بأنهم جالية؟ ما المانع في ذلك إذا كانوا قد قدموا للوطن السوري ما يترتب عليهم ؟ هل ينبغي أن نصادر مشاعرهم؟ هنا نجد أن الكاتب اشترط على الأرمن التخلي عن مشاعرهم, وهم أصحاب التجربة الخاصة والمريرة. وهذا يعني معاملة تمييزية تخل بشرط الحوار الذي هو التكافؤ, لأنه لم يطالب القوميين العرب بالتخلي عن تعاطفهم مع بقية العرب, وكذلك الإسلاميين وغيرهم. ربما أمكن اعتبار ما يدعيه الأستاذ يوسف معقولا لو كان لدى الأرمن مشروعا لإلحاق سوريا بأرمينيا أو فرض اللغة الأرمنية كلغة رسمية وحيدة في سوريا, وهذا كلام يمكن أن يقال كنكتة ليس إلا. هنا لا نجد أي وهم سياسي أرمني إلا في أيديولوجيا الأستاذ يوسف.
       بالنسبة للآشوريين تعرض الكاتب لهم بأنهم لم يتخلصوا بعد من عقدة سقوط الدولة الآشورية,وأنهم يعانون كحركة سياسية من انفصام سياسي واغتراب فكري, نظرا لأنهم يطالبون بـ(الحفاظ على الوجود القومي للشعب الآشوري وتحقيق تطلعاته القومية المشروعة " السياسية , الثقافية, الإدارية" في وطنه التاريخي بلاد ما بين النهرين). في الحقيقة لا أعرف ما الذي يضير الأستاذ سليمان أو غيره من فئات المجتمع السوري حصول الآشوريين على حقوقهم, وكون الآشوريين مقيمين في وطنهم التاريخي فهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان. لو أن الطرح الآشوري كان عن إقامة دولة آشورية خالصة اللغة والقومية في طول وعرض بلاد الرافدين, لكان مبررا الحديث عن أوهام سياسية وأيديولوجية, وهذا ما لم أسمع به ولم يذكره الكاتب. هنا مرة أخرى اختلق الكاتب وهما من بنات أفكاره وربما من نظرية المؤامرة التي تسكن أيديولوجيته, وهذا يخل بأحد شروط الحوار الذي هو الثقة المتبادلة.
      وانتقل إلى الوهم الكردي (كردستان) , وسيأخذ نصيبا أكبر من النقاش نظرا لكثرة المغالطات فيها, وكون الأكراد القومية الثانية في البلاد بعدد يقارب المليونين, وربما لكوني أنتمي لهم . إن الوهم الكردي ( كردستان ) يشكل مانعا لقيام حوار وطني, حسـب رأي الكاتب , حيث يقول( إن مجرد ترديد مصطلح كردستان سوريا هو استفزاز سياسي وطني , ليس للسلطة فحسب, وإنما لجميع القوى الوطنية والحركات السياسية ) و يتابع :(على جميع القوى الوطنية بمن فيها الأحزاب الكردية في سوريا أن تتنبه لمخاطر طرح مصطلح كردستان سوريا, وتأثيراته السلبية على مسألة الحوار الوطني المطروح, إذ أن ترديد مثل هذا التعبير كفيل أو كاف لبتر أو نسف أي حوار وطني جاد وشفاف بين مختلف القوى الوطنية من جهة والحركة الكردية من جهة ثانية , وكل حزب لا يصارح الحركة الكردية عن مشاعر الخطر والقلق من طرح مفهوم كردستان سوريا فهو إما يجامل أو يخادع , يخدع نفسه ويخدع الحركة الكردية ويخدع وطنه سوريا), وسأجمل الأسباب التي جعلت الكاتب يعتقد بل يجزم بطرحه حول كردستان سوريا :
1- إن هذا المصطلح يتعرض ويتناقض مع التاريخ والواقع الديمغرافي القديم والحديث .
2- ينطوي هذا المصطلح على نزعة انفصالية , وخصوصا عند ربطه بمفهوم كردستان الكبرى .
3- إن استخدام هذا المصطلح يأتي في إطار سياسة التكريد لجغرافية وتاريخ المنطقة التي يمارسها الأكراد.
4- إن هذا المصطلح جديد في الخطاب القومي الكردي .
سأحاول أن أناقش بعض النقاط التي  طرحها الاستاذ سليمان :
1) فيما يتعلق بمصطلح كردستان سوريا, لن نغرق في التاريخ البعيد, كما نصح الأستاذ سليمان, سنتعامل مع الحاضر والتاريخ المعاصر. السؤال البسيط الأول الذي يطرح هنا هو هل هناك أكراد في سوريا ؟ والجواب هو نعم وعددهم حول المليونين.السؤال الثاني هو أين يعيش الأكراد ؟ والجواب هو فئات صغيرة في المدن الكبيرة دمشق وحلب وغيرها وريف حماة واللاذقية, لكن التركز الأساسي هو في محافظة الحسكة ومنطقتي عين العرب ( كوباني ) وعفرين . ومنطقتي كوياني وعفرين كرديتين أما محافظة الحسكة فتتوزع بين مناطق كردية ومناطق مختلطة بين العرب والأكراد والأشوريين وغيرهم , ومناطق لا يوجد فيها أكراد , لكن هناك أكراد في الغالبية . إذا هناك مناطق يعيش فيها الأكراد, وهنا لن أدخل في جدل تاريخي مع السيد سليمان كما أسلفت, ولكن فليجد شخصا سوريا يقول أنه طرد من أرضه في المناطق التي يسكنها الأكراد أو طرد أجداده خلال القرن الماضي من قبل الأكراد وسكنوا في مكانهم, أي أنني أجزم أن الأكراد يقيمون على أرض هي لهم, على أقل تقدير منذ مئتي عام, أي قبل أن تكون هناك دولة اسمها سوريا بأكثر من مائة سنة. لغويا ماذا نسمي المناطق التي يسكنها الأكراد؟ أفترض أن الأستاذ يوسف يعرف, باعتباره مهتما بشؤون الأقليات كما عرف عن نفسه, أن الاسم هو كردستان, فهذه الكلمة تعني باللغة الكردية (وطن الأكراد), وإذا كان هذا لا يرضي الاستاذ يوسف, فليس علينا إلا أن نفترض أن المنطقة كانت خلاء وأن الأكراد هبطوا عليها بالمظلات من كوكب آخر. النقطة الأخرى التي تثبت أصالة الأكراد في أرضهم هي أنه يمكن لكل مهتم بهذه القضية أن يستفسر عمن يسكن في تركيا في المناطق التي تقابل المناطق التي يسكنها الأكراد في سوريا , وسيجد أنهم من الأكراد, أي أن مناطق سكن أكراد سوريا امتداد للمناطق الكردية المقابلة في تركيا. إن مصطلح كردستان يشير إلى الوجود وأصالته, الذي تبنى عليه المشاريع السياسية , ولكن نمط الوجود وأصالته ليس مشروعا سياسيا بحد ذاته, وبالتالي فإن الاستاذ سليمان يساوم الكرد على وجودهم, أو يحاول إنكاره بطريق ملتوية. إن الحوار يكون حول المشاريع السياسية وأي مشروع سياسي كردي يمكن التنازل عنه بدرجة أو بأخرى , لكن الوجود ليس مطروحا للنقاش إلا عن طريق الاقصاء والإبادة ....الخ.
2) إن حق تقرير المصير حتى الانفصال حق مشروع لكل شعوب الأرض بموجب الشرائع الدولية, وهذا الحق يجب الاعتراف به من قبل الجميع, من منطلق الحق والعدالة والحرية والديمقراطية, ومن منطلق مشروع الحوار أيضا, بغض النظر عن المشاعر الشخصية أو الأوهام الإيديولوجية, والشعب صاحب العلاقة هو الذي سيقرر صورة مستقبله السياسي وليس الآخرون, وبالتالي فإنه ليس من حق الاستاذ يوسف أو غيره أن يفعلوا ذلك إذا كانوا يتحدثون عن الحوار , نظرا لأن الحوار ينطلق التكافؤ والاعتراف بوجود طرف يمكن التحاور معه. إن حق تقرير المصير حق ثابت بغض النظر عن هذه التسمية أو تلك , كردستان أو غيرها , وبغض النظر عن المشروع السياسي للحركة الكردية السورية. ولكن هنا قد أتفق مع الكاتب في أن شعار كردستان الكبرى ربما كان وهما سياسيا أو أيديولوجيا, وبالرغم من ذلك فإن الحركات السياسية الكردية لم تطرحه , باستثناء حزب العمال الكردستاني (pkk) الذي تراجع عنه فيما بعد . ومعظم أطروحات الحركة الكردية السورية تتمحور حول حقوق قومية ثقافية وسياسية واجتماعية ضمن الإطار السوري, وهذه ليست مزاودة على أحد , وإنما تعبير عن فهم هذه الحركة لواقعها.
3) المضحك المبكي أن تسمع كاتبا يتحدث عن الحوار, يخلط الحق بالباطل, والمجرم بالضحية, ونتيجة هذا الخلط معروفة طبعا, وذلك من خلال الحديث عن سياسة التكريد التي يمارسها الأكراد. إن القارئ الذي لا يعرف واقع الحال, سيظن أن هناك دولة كردية يعيش فيها مواطنون غير أكراد, وتقوم هذه الدولة بمحاولة إجبار هؤلاء على التخلي عن قوميتهم أو أرضهم بالقوة, والمفارقة هنا أن الأكراد ليس لهم أي دولة أو سلطة, إلا إذا كان المريخ مسكونا, وهم في سوريا ضحايا لعمليات التعريب والتهجير , فقد جرد عشرات الألوف منهم من الجنسية السورية بموجب احصاء  1962, وتم مصادرة أراضي الكثيرين منهم  وسلمت لعربٍ تم جلبهم من المحافظات الأخرى وأسكنوا فيها ضمن إطار مشروع الحزام العربي, و كذلك لا زالت سياسية تعريب أسماء المدن والقرى مستمرة, و قد لا يصدق الكثير من القراء أنني عندما أذهب إلى منطقتي لا أستطيع الاسترشاد بشاخصات الطرق للاستدلال على قرية ما نظرا لأنني أعرفها باسمها التاريخي المتداول بين السكان بينما الشاخصة باسم آخر ولا بد أن يكون عربيا أصيلا. وفيما يخص تكريد التاريخ رغم أن الكاتب يطلب الابتعاد عن هذا الموضوع, ولكن أتذكر أنني أعرف منذ أيام الدراسة الابتدائية  أن هناك شخص اسمه البطل العربي صلاح الدين الأيوبي, ولم اكتشف كرديته إلا في فترة متأخرة, هل هذه حالة تكريد أم ماذا ؟
4) إن دخول المصطلح إلى الاستخدام حديثا لا يطعن في صحته إلا لدى أصحاب نظرية المؤامرة, الذين يدعي الأستاذ سليمان ابتعاده عنهم , وكما أسلفت فإن مصطلح كردستان يعبر عن واقع, وإذا كان قد ضعف استخدامه فلا يعني عدم وجوده, ومرة أخرى أرجو  أن لا يخلط  الأستاذ سليمان بين الوجود والمشروع السياسي. ومع ذلك فإن الحزب الذي خرجت أو انفصلت عنه كافة فصائل الحركة الكردية الحالية, والذي تأسس عام 1957 كان اسمه الحزب الديمقراطي الكردستاني, وقد غير اسمه فيما بعد لأسباب سياسية ظرفية, والأمر لا يتعلق بالوجود. وكذلك فإن كافة فصائل الحركة الكردية لا تستعمل هذا المصطلح باستثناء فصيلين أو ثلاثة, وهذا لا يعني إنكاره, نظرا لأن هذه الفصائل تتعامل بالمطلب السياسي .
5) إن أسوأ أنواع الأوهام والأساطير السياسية والأيديولوجية التي يمكن التعامل معها هي تلك التي لا تظهر للعلن. وقد ظهر من خلال ما كتبه الأستاذ سليمان أنه يستند إلى أيديولوجيا ما, قد يعي ذلك أو لا ,  لم يظهرها بل ادعى العكس, حين ساوم الأكراد  على الوجود وحاول إنكاره بطريقته الخاصة , في حين تعامل مع العرب من خلال مشاريعهم السياسية. وطلب من الأكراد أن يتصرفوا , سياسيا, بطريقة محددة , حتى لا يزعجوا السلطة والقوى التي سماها وطنية وجميع الحركات السياسية, واللافت للنظر أن الكاتب لا يريد للأكراد أن يزعجوا أو يستفزوا السلطة, التي رأى أنه لا يمكن قيام حوار في ظل ممارساتها السياسية حيث يقول : ( لا يمكن أن يقام في سوريا حوارا وطنيا ديمقراطيا صريحا وشفافا, في ظل احتكار حزب واحد ....للحياة السياسية ......وفي ظل الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ ..) , وأتساءل  هنا ألن تنزعج السلطة من مقالة الأخ سليمان بدرجة أو بأخرى؟ وأرى أنها ربما تنـزعج , وعليه يطرح سؤال لماذا يسمح الأخ سليمان لنفسه بإزعاج السلطة ولا يسمح للأكراد بفعل ذلك ؟ ربما لأنهم أكراد, ودرجتهم أقل في تصنيفه. وفيما يتعلق بإزعاج القوى الوطنية وجميع الحركات السياسية, لابد من طرح سؤال مفاده هذا الكلام حقيقي ؟ قبل معالجة هذا السؤال هناك سؤال آخر يطرح نفسه هو ما المعيار الذي حدد به الأستاذ يوسف وطنية القوى ؟!! وبالعودة إلى إجماع القوى السياسية على أنها تستفز من كلمة كردستان , إن هذا الكلام اختلاق بحت لسببين : الأول أنه لو كان ذلك صحيحا لما كان هناك ضرورة أن يدعو الاستاذ القوى الوطنية ويحشدها وينبهها  إلى مخاطر هذا المصطلح - كما أوردت النص في بداية هذه المادة- فإذا كانت هذه القوى تستفز من هذا المصطلح, هل هناك داع لتحذيرات الأستاذ يوسف ؟ الثاني هو أن هناك قوى سياسية عربية وغير عربية في سوريا تتقبل حتى انفصال الأكراد, واللافت للنظر أن الأستاذ يوسف يجهل أو يتجاهل ذلك, أو أنه يحذرها من فعلتها تلك ,  وما يمكن استنتاجه هنا أنه يحرض السلطة والمعارضة على  الأكراد ولا يبحث عن الحوار معهم. إن الكاتب يدعو للتشكيك بنوايا  الأكراد, إلا إذا أصبحوا على الشاكلة التي يتصورها سليمان يوسف, رغم أن من يدعو للحوار يفترض صدق النوايا, لكن الأستاذ سليمان لا يثق بالشعارات التي ترفعها الحركة السياسية الكردية, إلا إذا تخلت عن الوجود الكردي, والنتيجة الطبيعة لهذا المنطق, هو ربما كان الأكراد بمجملهم أعضاء في محفل ماسوني ما أو أنهم جزء من مؤامرة عالمية .......الخ , رغم أنه هو نفسه يدعو القوميين العرب إلى التخلي عن نظرية المؤامرة . إن كاتبنا لا يثق بنوايا الأكراد فلماذا يثق بنوايا الآخرين,؟أي كيف يضمن نوايا البعثي والإسلامي والشيوعي؟ وكيف سيثق الأكراد بنواياه إذا كان هو يجاهر بعدم الثقة بهم؟ وكيف يمكن أن يتعامل الأكراد معه كمحاور أو داعية للحوار إذا كان سلفا يشكك بتاريخ الأكراد؟ رغم أنه لم يكن يكتب موضوعا تاريخيا ولم يقل أنه باحث في التاريخ, حيث يقول:(لا أريد أن أدخل مع الأخوة الأكراد في سجال أو جدال حول تاريخ الأكراد وكردستان الذين حولهما الكثير من إشارات الاستفهام)  . وتظهر الأيديولوجيا العروبية للكاتب بوضوح- رغم أنه قد لا يكون عربي الأصل وذلك ليس مهما - عندما يقطع بعدم قبول أسطورة كردستان سوريا, ويحرض على ذلك , وكذلك فإنه يأسف لنجاح أكراد العراق في ( تمرير أسطورة كردستان العراق على الرأي العام العراقي والعربي ), وهنا الحالة واضحة لا تقبل التأويل, فهو في كل مواقفه يعاني من الازدواجية التي هي سمة الأيديولوجيا التي تعاني عدم التطابق مع الواقع , فهو يدعو إلى الاهتمام بالوطن السوري والتخلي عن الوهم البعثي القومي العربي, في حين أنه يعطي لنفسه الحق أن يتدخل في شأن العراق ويفكر عن العراقيين, باعتبارهم قاصرين لا يدركون مخاطر المؤامرات التي يتصورها الأستاذ يوسف واهما. إن كردستان العراق حقيقة بحكم كونها كردستان العراق , بحكم الدستور العراقي , بحكم الواقع السياسي للعراق, بحكم أن الرأي العام العراقي تقبل ذلك , وبحكم التاريخ العراقي, وفقط أشير إلى حقيقة تاريخية قد يعرفها أو يجهلها الأستاذ يوسف ومفادها أن كردستان ضمت إلى العراق في عام 1926. والنقطة الأخرى هنا هي أن مسألة إدخال الرأي العام العربي, كعنصر مقرر,في الشأن الكردي العراقي, لا تنسجم مع دعوته للتخلي عن الأوهام القومية, وأعتقد أنه ليس وراء ذلك إلا وهم أيديولوجي , ومرة أخرى أدعو الاستاذ يوسف أن ينسى المؤامرة للحظة واحدة لكي يستطيع أن يفكر بصفاء أكبر, فكردستان العراق حقيقة وحق وليست مؤامرة صهيونية أو إمبريالية كما في أوهامه .
      إن الوطن لايبنى فقط على تجانس قومي وخصوصا إذا تمت محاولة الوصول إليه قسرا, إن الحوار الحقيقي هو الطريق للوطن , وأولى الخطوات في الحالة السورية هو الاعتراف بالمكونات القومية والأثنية والدينية والطائفية لسوريا واعتبارها جزءا من الهوية السورية, وإقامة حوار بين كافة المشاريع السياسية التي تبنى على أساس هذه المكونات أو غيرها, وليس بين المكونات كما يختلط الأمر على الأستاذ يوسف, ومن خلال ذلك حصول كل طرف على ما لا يضر بمصالح الأطراف الأخرى, وفي حال تناقض المصالح يكون الحوار كفيلا بتبادل التنازلات للوصول إلى إجماع يشمل الجميع ليكون الأساس المتين للوطن السوري. لا أعتقد أن هذا ما دعا إليه الأستاذ يوسف , وإن كان أقرب إلى ذلك في تناوله للتيارات القومية العربية والإسلامية والشيوعية, ولكن حين تعامل مع القوميات الأخرى اشتعلت لديه الإقصائية, وحاول أن يسبكهم على مقاس أيديولوجيته, ونتيجة هذا النمط من التفكير أو التعامل هو التفتيت في تماسك النسيج السوري, لأن كل فعل إقصائي قوميا له رد فعل معاكس باتجاه تعصب قومي مقابل, وكذلك الأمر في الشأن الديني والطائفي. وأورد هنا للأستاذ يوسف كلاما معبرا للكاتب اللبناني "ريمون جبارة " يوجهه لمواطن سويسري : (  انبسطتُ كثيرا منكم عندما علمتُ أن بلادكم مجموعة كانتونات أثنية وطائفية تشكل شعبا واحدا لا يتعايش بالمظاهر بل بالجوهر. على عكسنا تماما نحن الذين نؤمن بوطن ابدي سرمدي إنما "نتعايش" من وقت إلى وقت لنشعر أننا أبناء وطن واحد ونحن نرفض الكانتونات لأنها ليست من تراثنا العظيم. ونحن نرفضها علنا في حين أن الواقع هو العكس. فنحن كانتونات، وكل كانتون يحكمه أمير من القرون الوسطى)
       أقول للأستاذ يوسف كفانا تهربا من مواجهة الحقائق, كفانا مجتمع الأشباه, فقد حولنا القومية إلى شبه قومية أقرب إلى العشيرة, والاشتراكية إلى شبه اشتراكية أقرب إلى الإقطاع, والوطن إلى شبه وطن أقرب إلى المزرعة, والسلسلة طويلة, كل ذلك من خلال التأكيد الزائد على فكرة وتمجيدها نظريا, وفعل عكس ذلك في الواقع . إن الخطوة الأولى في الطريق الصحيح هي عرض الحقائق والأفكار كما هي, وليس كما نحب أن تكون , ومواجهة المشاكل أيضا كما هي وليس كما نتخيل أو نتوهم . ما أخشاه أن يحول نمط الحوار الذي يتصوره الأستاذ يوسف عملية الحوار الوطني إلى شبه حوار أقرب إلى الإقصاء والتفتيت .
 



#دارا_كيلو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل دشن البراعم عودة الحركة الكردية إلى السياسة ؟!
- نعم مولانا الخزنوي إنها متاهة ....ولكن......
- لا فرق بين أموات لالش و مكة إلى الكاتب هوشنك بروكا
- ماذا تريد الولايات المتحدة من الحرب على النظام العراقي ..؟


المزيد.....




- بعد تقرير عن رد حزب الله.. مصادر لـRT: فرنسا تسلم لبنان مقتر ...
- شاهد: حريق هائل يلتهم مبنى على الطراز القوطي إثر ضربة روسية ...
- واشنطن والرياض تؤكدان قرب التوصل لاتفاق يمهد للتطبيع مع إسرا ...
- هل تنجح مساعي واشنطن للتطبيع بين السعودية وإسرائيل؟
- لماذا يتقارب حلفاء واشنطن الخليجيين مع موسكو؟
- ألمانيا ترسل 10 مركبات قتالية وقذائف لدبابات -ليوبارد 2- إلى ...
- ليبيا.. حكومة الدبيبة تطالب السلطات اللبنانية بإطلاق سراح ها ...
- -المجلس-: محكمة التمييز تقضي بإدانة شيخة -سرقت مستنداً موقع ...
- الناشطة الفلسطينية ريما حسن: أوروبا متواطئة مع إسرائيل ومسؤو ...
- مشاهد حصرية للجزيرة من تفجير القسام نفقا في قوة إسرائيلية


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - دارا كيلو - سليمان يوسف يوسف من أوهام الحوار الوطني إلى حقائق الإقصاء والتفتيت