أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فرهاد دريعي - المغالاة في اشهار الذات بين النرجسية والدوبامين















المزيد.....

المغالاة في اشهار الذات بين النرجسية والدوبامين


فرهاد دريعي

الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 02:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم تعد هذه الظاهرة مجرد سلوك عرضي، بل تحولت إلى نمط حياة يمزج بين الرغبة الطبيعية في التقدير والحاجة المَرضية المستمرة للإشهار .
فهل هي مجرد عقدة عابرة ناتجة عن ضغوطات المجتمع أم اضطراب نفسي عميق يهدد الصحة العقلية والعلاقات الإنسانية؟.
وبالعودة إلى الخلف فإننا نجد هذه الظاهرة ليست حديثة العهد إنما بدأت من الأسطورة إلى الإنستغرام
حيث تبدأ قصة المغالاة في حب الذات مع " نركيسوس" الشاب اليوناني الذي غرق في انعكاس صورته في بركة ماء حتى الموت فكانت النرجسية رمزاً أسطورياً للحب المدمر للذات .
ما دعاني لكتابة هذا المقال هو مشاهدتي لعشرات الاصدقاء والصديقات ومثله من غير الأصدقاء والصديقات الذين يعتقدون أنهم وجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الإجتماعي فباتوا يستخدمونها بشكل مفرط حتى باتت نفوسهم أسيرة للشاشة ،ولعل الفيسبوك هو أقل هذه الوسائل مقارنة بالانستغرام والتيك توك .
حيث تتجسد في بعض اولئك نشر عشرات الصور يومياً مع عشرات التعليقات في غلو فاحش يسمح للبصير قراءة مستواهم الهش بغض النظر عما يدعونه من ثقافة أو علم أو معرفة .
في الماضي كانت المغالاة تقتصر على الطبقات العليا أو الشخصيات العامة ، أما اليوم فقد دمقرطتها وسائل التواصل الاجتماعي حيث أصبح كل فرد نجماً في عالمه الافتراضي .
وخوارزميات أنستغرام وتيك توك تكافئ المحتوى المثير كالصور المعدلة أو القصص المبالغة فيها أو الإنجازات المزيفة ، مما يخلق حلقة إدمانية تعتمد على الدوبامين الناتج عن عدد الإعجابات الكثيرة .
فالدراسات تشير الى ان الذين يكثرون من المنشورات والصور التي يهدفون فيها الى إشهار أنفسهم يظهرون ارتفاعاً كبيراً في نسبة النرجسية مقارنةبغيرهم.
كما أن ظاهرة الخوف من تفويت الفرص تدفع الأفراد للمبالغة في تقديم حياتهم بهيئة مثالية خوفاً من أن يَنظر إليهم المجتمع كـأشخاص عاديين.
ولا شك إن الثقافة الإستهلاكية تلعب دوراً محورياً في ذلك أيضاً فشعار "أنت ما تملك" يربط القيمة الذاتية بالمظهر الخارجي ، أو كما يقولونها بالعامية قيمتك بقدر قيمة ما عندك .
لكن ليس كل من يبالغ في تقديم ذاته مريض نفسياً، فالتمييز بين السلوك الطبيعي والعقدة النفسية يعتمد على شدة التكرار والمبالغة في الإشهار كرد فعل على إنتقاد أو أزمة هوية مثلاً وهذه من صفات الشخصية المضطربة التي تعودت على الكذب المزمن بدواعي التفاخر بانجازات وهمية و بدوافع الغيرة المَرضَية أو الحسد أو استغلال الآخرين .
هذا الاضطراب في الشخصية النرجسية يوهم صاحبها بشعور مبالغ فيه بالعظمة في الخيال أو السلوك ، كانشغاله بأوهام النجاح غير المحدود أو الجمال( وبذكر الجمال نلاحظة الاهتمام المفرط وقضاء أوقاتٍ طويلة أمام المرآة او أمام الشاشة لتعديل الصور وتجربة الفلاتر ، من الإناث أكثر من الذكور ولو بفارق بسيط ) اعتقاداً منه بأنه خاص ولا يُفهم إلا من قبل أشخاص خاصّين. ولهذا فهو في حاجة دائمة للإعجاب به ليشعر بالإستحقاق كتوقّع معاملة خاصة من الآخرين أو حتى الغيرة من الآخرين و الاعتقاد بأنهم يغارون منه .
لكن ليس كل من ينشر صوراً معدلة أو يتباهى هو نرجسي فالتشخيص يتطلب تأثيراً سلبياً مستمراً على الحياة، وديمومة في ممارسة السلوك المتعجرف وقد تلعب العوامل البيولوجية أحياناً دوراً في خلل نظام الدوبامين أيضاً .
وكمثال، فإن الإعجابات تُفعّل مراكز المكافأة في الدماغ مما يخلق إدماناً مشابهًا للمخدرات.
وللتعريف بالدوبامين : هو هرمون السعادة الذي يطلقه الدماغ من مركز المتعة بعد كل إنجاز يقوم به الشخص المغالي ويحصل بنتيجته على كثير من الثناءات أو بعد مشاهدة الكثير من اللايكات على منشورات او صور قام بنشرها او مشاركتها، أو يستقبل العبارات التي تثير فيه رغبة التميّز وربما العظمة ، فيقرأ ردودا من قبيل : (يا إلهي .. ما كل هذا الإبداع) أو (واو ..أنا لم أقرأ أو لم أشاهد مثل هذا في حياتي أبداً إنه في منتهى الروعة) أو (عظييييم ..أيها الشاعر أو الفنان الشهير الكبير الـ الـ ) .. الخ ، وكذلك ردود الآخرين على صوره / صورها . ( عين الله تحرسكي ، ملكة جمال بحق وحقيقي) ، ( قرباني من وين جبتي كل هالحلا ) أو ( أمّورة أمّورة ، دقو ع الخشب وصلو ع النبي ) وما إلى ذلك من عبارات الإستحسان المحكي والمبالغ ، وبنتيجتهِ يطلق الدماغ مقداراً معيناً من هرمون الدوبامين الذي يمنح النفس الشعور بالمتعة أو الخدر اللذيذ يعادل جرعة مكافئة من الكوكايين .
ومرة بعد مرة يجد نفسه أمام حاجتهِ إلى مزيد من الثناء أو المديح أو لايكات الإعجاب لأنه بفعل الممارسة المستمرة وصل إلى مرحلة الإدمان والدماغ بات يطلب من صاحبه المزيد من أسباب التباهي والتفاخر حتى يطلق المزيد من الدوبامين لتلبية حاجة الخلايا للوصول إلى النشوة .
وهنا المرحلة الأسوأ ..
إنه سيشرب القهوة أكثر ، يحتار ماذا سينشر غدا ، أو يقول لنفسه : ماذا لو نشرت ولم أحصل على الكثير من الإعجابات ، ثم يتتبع الإعجابات كل عشر دقائق وقد يصاب بالإكتئاب و يعمد إلى إجراء التعديلات على صوره/ صورها مراتٍ عديدة قبل نشرها وغالباً يعمد إلى إدمان الكذب أيضاً حتى يظهر للآخرين بأنه الأفضل أو الأجمل ويختلق قصصاً عن السفر أو الثراء أو الإنجازات وهذه كلها أعراض سلوكية تعكس الوجه المظلم للإشهار .
إن المغالاة في تقديم الذات بشكل متكرر ليست موضة عابرة، بل صرخة نقصٍ مدفونٍ تحت طبقات الفلاتر ، والحل لا يكمن في حذف وسائل التواصل (فهي مجرد أداة أو أدوات) ، بل في إعادة برمجة العقل بحيث يتحول من البحث عن الإعجاب الخارجي إلى بناء القيمة الداخلية : "فالإنسان الذي يحتاج إلى مرآة ليرى قيمته، سيظل عبداً لانعكاسه" كما يقول كارل يونغ والأجدر بنا أن ننظر الى داخلنا لا الى الشاشة .
أنا لا أشخّص بل أدعو للتأمل في مخاطر دور الدوبامين في الإدمان من المتعة العابرة إلى التبعية المدمرة ، وهنا الضرر واضح وكبير بسبب تغيّرات في نظام المكافأة في الدماغ والدوبامين هو اللاعب الرئيس والوسيط معاً.
وإذا أسلمنا أن جميع أنواع الأدمان خطيرة وذات نتائج مدمرة فإن الإدمان على السوشيال ميديا أخطرها على الإطلاق لأنه متكرر وفوري ، بخلاف الإدمان على الكحول أو الإباحية أو الأقراص والحقن المخدرة او استنشاق المذيبات المتطايرة أو لعب القمار والتي كلها قد تحتاج زمناً يطول أو يقصر حتى ينطلق الدوبامين .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثنائية العجز : الوطن و المنفى
- عامودا لن تحترق


المزيد.....




- قائد الجيش الأوكراني يقر -بظروف صعبة- في الدفاع عن مدينة بوك ...
- بعد أن كان مناسبة للوحدة، ذكرى اغتيال رابين تتحول إلى انقسام ...
- ظهور أول وشق أبيض إيبيري في جنوب إسبانيا
- أوكرانيا تصادر جملا يستخدمه الجيش الروسي
- النرويج: روسيا تُعيد بناء واحدة من أكثر قواعدها استراتيجية م ...
- حكومة غزة: الاتهامات الأميركية لحماس بنهب مساعدات تضليل ممنه ...
- هيغسيث: نبحث مع الصين إقامة -قنوات اتصال- عسكرية
- هجوم أوكراني يستهدف منشآت نفطية في ميناء روسي استراتيجي
- مقتل 4 بغارة إسرائيلية وكاتس يؤكد: لن نوقف الهجمات بلبنان
- صورة متداولة لـ-انتشار جثث القتلى في شوارع الفاشر-.. ما صحته ...


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فرهاد دريعي - المغالاة في اشهار الذات بين النرجسية والدوبامين