|  | 
                        
                        
                        
                            
                            
                                
                             
                                
                                    «أَيْسَ غِلٌّ بِذِي ﭐلْيُدِيِّ لَبِيدُ / لَيْسَ كُلٌّ وَذُو ﭐلْرَّدِيِّ عَبِيدُ» (4)
                                
                            
                               
                                    
                               
                                
                                
                                   
                                     
 
                                        غياث المرزوق
 (Ghiath El Marzouk)
 
     الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 18:23
 المحور:
                                            مواضيع وابحاث سياسية
 
 
 
 
 
                                   
                                        
                                            
                                              ﭐَلْعَبْـــدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَـــالِحٍ بِـــأَخٍ/... لَوْ أَنَّهُ فِي ثِيَابِ ﭐلْحُرِّ مَوْلُودُ،
 لَا تَشْـتَرِ ﭐلْعَبْـــدَ إِلَّا وَﭐلْعَصَا مَعَهُ
 /... إِنَّ ﭐلْعَبِيــدَ لَأَنْجَاسٌ مَنَــاكِيدُ!
 اَلْمُتَنَبِّي –
 
 
 (4)
 
 لَاحِقًا كَذَاكَ لِلْقَوْلِ عَنْ تَمْثِيلِ القَصِيدِ السَّاخِرِ تحتَ العنوانِ المُتَنَاصِّ، «خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ»، وعَنْ تِبْيَانِ القَصْدِ مِنْ إِيرَادِ مُفْرَدَةِ ‹العَبْدِ› والمُرَادِفَاتِ كـ‹القِنِّ› و‹القَيْنِ› و‹العَسِيفِ› و‹النَّقِيطِ› و‹المَاهِنِ› و‹المَمْلُوكِ› وغَيْرِهَا، فَإنَّ المَرَامَ تعيينٌ مِرَانِيٌّ لِذٰلك ‹الدُّرْغُمِيِّ› وَاطِئًا دَنِيئًا دَنِيًّا مُحْتَقَرًا مُزْدَرًا كحَدٍّ تنعيتِيٍّ أدنى، وإِنَّهُ بِالتَّالِي تَجَنُّبٌ قِرَانِيٌّ لِأَيِّ التباسٍ مِنْ لَدُنِ السَّطْحِيِّينَ والمُغْرِضِينَ عَلَى اختلافِ سُمُومِهمْ في هٰذا الزَّمَانِ الرَّقَمِيِّ. فَلَا بدَّ إذن من التأكيدِ بأنَّ ذاك ‹الدُّرْغُمِيَّ› الوَاطِئَ الدَّنِيءَ الدَّنِيَّ إنَّمَا هو ‹عبدٌ› عَتُوفٌ يُوحي سِيمَاؤُهُ الزَّرِيُّ بـ‹وَغْبٍ ذكوريٍّ› مُخَنَّثٍ (كَبَغِيٍّ مُسْتَرْجِلٍ) غيرِ قَمِينٍ بأيِّمَا تثمينٍ في سوقِ النِّخَاسَةِ حتى في أَزْهَى أحْوَالِهِ. ولَا بدَّ أيضًا من التذكيرِ بأنَّنَا لسنَا بَتَاتًا ضِدَّ أَيٍّ من أشكالِ تحريرِ العبيدِ، وبِخَاصَّةٍ شُرَفَاءَ الكادحينَ والمتمرِّدينَ الذينَ أشارَ إليهِمْ بَنَانُ الناشطِ السياسيِّ الفَذِّ مالكولم X إجلَالًا بـ‹عبيد الحقول›، على النقيضِ من حُقَرَاءِ المَائِنِينَ والمتملّقينَ بِلَعْقِ النِّعَالِ والأَسْتَاهِ الذينَ أشارَ إليهِمْ ذاتُ البَنَانِ إِذْلَالًا بـ‹عبيد المنازل›. وبإيجَازٍ شَدِيدٍ، هٰذا العبدُ العَتُوفُ الدنِيُّ النَّقِيطُ الدُّرْغُميُّ الزرِيُّ لا يعدو أن يكونَ أَزْرَى مِنْ ‹عَبْدٍ منزلِيٍّ› لَا يُجيدُ كَإمَّعٍ جَاهِلٍ حَاسِدٍ سِوَى كَيْلِ المديحِ والنفاقِ تبعًا للمبدأِ البَخْسِ، «لَا مَوَدَّةٌ بِعَلِيٍّ، بَلْ غَيْرَةٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ». مِنْ هُنَا، يُقَرِّرُ الكاتِبُ الصِّحَافِيُّ، محمد حسام الدين، سِجَالَ الاِرْتِئَاءِ في المُتَنَبِّي كَشَاعِرٍ أَكْسَبَهُ الاِمتيازُ البَلاغِيُّ تَسَامُحًا إزاءَ كِبْرِيَائِهِ المُفْرِطِ إلى حَدِّ الادِّعَاءِ بِـ‹النُّبُوَّةِ›، فَغُضَّ الطَّرْفُ عَنْهُ وَاقِعًا رمزيًّا مُسَلَّمًا بِهِ عَلَى مَضَضٍ نفسَانِيًّا مِنْ مَنْظُورِ ‹عقدةِ الإخْصَاءِ› Castration Complex. وتبقَى المُفَارَقةُ المِلْحَاحُ جَرَّاءَ التَّجَلِّي خَيَاليًّا كَإِيرَادِ الكاتِبِ الصِّحَافِيِّ حَادِثَ قَتْلِ أَحَدِهِمْ لأختِهِ ‹مُتَأَثِّرًا› بِشِعْرِ المُتَنَبِّي، وحِينَمَا سُئِلَ القَاتِلُ قُدَّامَ القَضَاءِ عَنْ مَدْعَاةِ جُرْمِهِ أَجَابَ بالبَيْتِ، «لَا يَسْلَمُ ﭐلْشَّرَفُ ﭐلْرَّفِيعُ مِنَ ﭐلْأَذَى / حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ ﭐلْدَّمُ». لٰكِنَّ هٰكذا حَادِثًا لَا يُبَيِّنُ إِلَّا شَيْئًا مُحَفَّزًا مِنَ البُعْدِ الأَخْلَاقِيِّ، مَعَ أَنَّ لِلْقَصِيدِ المَعْنِيِّ أَبْعَادًا سياسيَّةً دَالَّةً على تَشَوُّفِ النَّفْسِ لِأَعْلَى المَرَاهِصِ في عَالَمِ التَّسَيُّسِ، بَدْءًا بِالمَطْلَعِ، «لِهَوَى النُّفُوسِ سَرِيرَةٌ لَا تُعْلَمُ / عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أَنِّي أَسْلَمُ»، ونَهْيًا بِالهِجَاءِ البَاغِزِ لِوَالِي سَاحِلِ الشَّآمِ، إِسْحٰقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَيْغَلَغَ (الأَعْجَمِيِّ)، مِمَّا أَسْخَطَهُ واسْتَحَثَّهُ عَلَى تدبيرِ مَكِيدَةٍ لِاغْتِيَالِ المُتَنَبِّي (إِذْ تَعَرَّضَ مِرَارًا لِمُحَاوَلَاتِ اغتيالٍ بَاتَتْ بِجُلِّهَا لأسبابٍ سياسيةٍ). وهٰكذا، يَتَبَيَّنُ أَنَّ البَيْتَ المُورَدَ شَاهِدًا عَلَى التَّأْثِيرِ في ارتِكَابِ القَتْلِ ظَنًّا لَبَيْتٌ يَنْضَوِي تَحْتَ ‹الحِكْمَةِ› و‹المُسْكَةِ› بِالمَغْزَى التَّفَكُّرِيِّ والتَّدَبُّرِيِّ، ويَنْطَوِي عَلَى ‹الإِكْبَابِ› و‹الإِلْهَاجِ› بالفَحْوَى التَّعَلُّقِيِّ والتَّعَشُّقِيِّ. ولٰكِنْ ثَمَّةَ مَائِنُونَ مُتَأَسْلِمُونَ يَدَّعُونَهُ شَاهِدًا سَافِرًا عَلَى ‹التَّوَحُّشِ الثَّقَافِيِّ›، نَظَرًا لِاتِّخَاذِهِ مَدْعَاةَ سَفْكِ الدِّمَاءِ حَلًّا نَجِيعًا لِمُشْكِلٍ أَخْلَاقِيٍّ (وهَيْهَاتَ لذاك ‹العبدِ› العَتُوفِ الدُّرْغُمِيِّ الدَّنِيِّ أَنْ يَتَتَرَّفَ ولَوْ بِمِثَقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ هٰكذا شَرَفٍ). هٰذا فَضْلًا عَنِ الفَارِقِ الجَوْهَرِيِّ بَيْنَ الفَحْوَى الحَرْفِيِّ لِلْمَدْعَاةِ جَاعِلًا مِنَ الشَّرِيفِ آثِلًا فَرْضًا وحَامِيًا عِرْضًا وبَيْنَ الفَحْوَاءِ المَجَازِيِّ مُصَيِّرًا مِنَ ذَاتِ الشَّرِيفِ بَاذِلًا جُهْدًا وقَاضِيًا سُهْدًا، خَاصَّةً وأَنَّ النَّبَالَةَ مَنْقَبَةٌ تَسْتَلْزِمُ كَدًّا دَؤُوبًا لِصَوْنِهَا سَلِيمَةً مَهْمَا طَالَ زَمَانُهَا المُسَمَّى. فَقَدْ كانتْ مَأْثَرَةٌ كَهٰذِهِ، ولَمَّا تَزَلْ، تَنْمَازُ أَخْلَاقِيًّا بِالتَّثْمِينِ ‹الدَّالِّيِّ› والتَّضْمِينِ ‹المَدْلُولِيِّ› على المُسْتَوَى السِّيَاسِيِّ حتى بَعْدَ مُضِيِّ قُرَابَ أَحَدَ عَشَرَ قَرْنًا على قَصِيدِ المُتَنَبِّي في هِجَاءٍ بَاغِزٍ لِلِوَالِي ابْنِ كَيْغَلَغَ (الأَعْجَمِيِّ). مِنْ هُنَا، يَسْتَبِينُ أَنَّ المَأْثَرَةَ عَيْنَهَا مَا فَتِئَتْ تُعْلِنُ عَنْ أَهَمِّيَّتِهَا وعَنْ رَاهِنِيَّتِهَا إعْلَانًا بَاهِرًا في المُجْتَمَعِ البَشَرِيِّ أَنَّى تَوَاجَدَ، وأَنَّ القَصِيدَ ذَاتَهُ مَا انْفَكَّ يُثِيرُ الجِدَالَ السِّيَاسِيَّ مُقْتَرِنًا بالجِدَالِ الأَخْلَاقِيِّ أو الثَّقَافِيِّ، مِمَّا جَعَلَهُ حَظِيًّا باهْتِمَامِ كِبَارِ الشُّعَرَاءِ ونُقَّادِ الأَدَبِ وعُلَمَاءِ اللِّسَانِ وأَهْل السِّيَاسَةِ، سَعْيًا حَثِيثًا وَرَاءَ اسْتِقلَابِ تِيكَ المَعَانِي الكَنِينَةِ في تيكَ المَأْثَرَةِ القَمِينَةِ. وفي هٰذا مَا يُبْرِزُ القَصِيدَ مُتَخَطِّيًا حُدُودَ النَّصِّ الشِّعْرِيِّ ومُنْطَويًا على فَلْسَفَةٍ عَمِيقَةٍ في قِيَمِ المَآثِرِ، بالأَخَصِّ في نَظَرِ الإِنْسَانِ العربيِّ زَمَانَئِذٍ مُسْقَطًا على هٰذا الزَّمَانِ فِيمَا لَهُ مِسَاسٌ بِالغَرَضِ الشِّعْرِيِّ قَصْدِيًّا أو لَاقَصْدِيًّا. وفي هٰذا أَيْضًا مَا يُبَيِّنُ أَنَّ القَصِيدَ لَأَكْثَرُ مِنْ مَنْظُومَةٍ لَافِتٍ مِنْ أَبْيَاتٍ تَهْجُو حَاكِمًا (أَعْجَمِيًّا) أَيَّمَا هِجَاءٍ، بَلْ يَتَجَلَّى سَجَنْجَلًا لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَعْكِسَ مَنْظِمًا أَشَدَّ إِلْفَاتًا مِنْ مَدَيَاتِ الغَوْرِ الإِحْسَاسِيِّ والإِدْرَاكِيِّ أَنَّى تَمَثَّلَتْ في حَنَايَا هٰذا الكَوْنِ الفَسِيحِ. بَيْدَ أَنَّ أَشْكَالَ التَّفْسِيرِ والتَّأْوِيلِ، مَهْمَا اعْتَرَاهَا الاِخْتِلَافُ الحَدْسِيُّ وَ/أَوِ العَقْلِيُّ، تَظَلُّ شَوَاهِدَ رَأْيٍ دَامِغَاتٍ على ‹سُلْطَانِ› الكَلَامِ الشِّعْرِيِّ العَتِيدِ وعلى ‹طُغْيَانِ› وَقْعِهِ في الضَّمِيرِ الإِنْسَانِيِّ على وَجْهِ التَّحْدِيدِ. ومِنْ هٰهُنَا، يَبِينُ مَعْنِيُّ الرَّسِيلِ الاِسْتِشْرَافِيِّ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ القَرِينَةُ أو القَرِينَةُ الضِّدُّ، مِثْلَمَا يَبُثُّهُ البَيْتُ الوَارِدُ للهِجَاءِ، «وَٱحْذَرْ مُنَاوَأَةَ ٱلْرِّجَالِ فَإِنَّمَا / تَقْوَى عَلَى كَمَرِ ٱلْعَبِيدِ وَتُقْدِمُ»، يَبُثُّهُ كَتَحْذِيرٍ هَوَانِيٍّ لِأَمْثَالِ ذٰلك الحَاكِمِ (الأَعْجَمِيِّ)، إِذْ يَزْدَادُ ذُلًّا كَحَالِ ‹عَبِيدِ المَنَازِلِ› الأَدْنِيَاءِ ذَوَاتِهِمْ، وإِذْ يَزِيدُ عَلَيْهِ كَذَاكَ مَا هو أَشَدُّ إِذْلَالًا وأَحَدُّ إِهَانَةً – أو، على النَّقِيضِ، مِثْلَمَا يُرْسِلُهُ البَيْتُ المُورَدُ للقَتْلِ، «لَا يَسْلَمُ ﭐلْشَّرَفُ ﭐلْرَّفِيعُ مِنَ ﭐلْأَذَى / حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ ﭐلْدَّمُ»، يُرْسِلُهُ كَتَنْذِيرٍ أَوَانِيٍّ لأَيِّمَا ‹رَعِيَّةٍ› لَا يَسْعَى إلى البُلُوغِ مِنْ مَرَاتِبِ العِزِّ إِلَّا إلى المَرْتَبَةِ الأَسْمَى والأَرْقَى مَا دَامَ المَوْتُ الحَتْمِيُّ وَاحِدًا ووَاحِدًا فَحَسْبُ. ذَانِكَ، إِذَنْ، مِثَالَانِ يَقِفَانِ على طَرَفَي نَقِيضٍ بَيْنَ تَحْذِيرِ الحَاكِمِ العُمَيِّ (الأَعْجَمِيِّ) مِنَ الاِسْتِسْلَامِ لنِيرِ الذُّلِّ بالذاتِ وبَيْنَ تَنْذِيرِ الرَعِيَّةِ الأَبِيِّ (العَرَبِيِّ) في الاِرْتِسَامِ بنُورِ العِزِّ بالعَيْنِ. عِلَاوَةً عَلَيْهِ، يَتَجَلَّى وهٰذِهِ القَرِينَةَ الضِّدَّ وُقُوفٌ ثًانٍ على طَرَفَي نَقِيضٍ كَذَاكَ بَيْنَ تَفَاؤُلِ المُتَنَبِّي في الاِرْتِسَامِ بنُورِ العِزِّ هٰذا وبَيْنَ تَشَاؤُمِ هايدغر في الاِمْتِثَالِ بِدَيْجُورِ الخَسْفِ طَالَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ لَا يَحْيَا إِلَّا في ظِلِّ المَوْتِ، وبِالنَّأْيِ عَنْ سُوءِ تَفْسِيرِ الكَاتِبِ الصِّحَافِيِّ الآخَرِ، محمد جميح، كَمَا سَبَقَ الذِّكْرُ تَفْصِيلًا بَعْضَ الشَّيْءِ في القسمِ الثالثِ. بِوَجِيزِ الكَلَامِ، هايدغر، خِلَافًا لِـ‹تَفْسِيرِ› ذٰلك الكاتبِ الصِّحَافِيِّ الآخَرِ، لَا يَرَى أَنَّ المَوْتَ يَأْتِي كَحَافِزٍ يَحُثُّ الإِنْسَانَ على التَّسْآلِ المُسْتَدَامِ عَنْ فَحْوَاءِ الحَيَاةِ وعَنْ غَائِيَّةِ الوُجُودِ وعَنْ جَدْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا (إِنْ كَانَ المَآلُ إلى المَوْتِ حَتْمِيًّا دُونَمَا تَوَلُّهٍ بِهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ)، بَلْ يَرَى أَنَّ المَمَاتَ في حَدِّ ذَاتِهِ لَيْسَ مُنْتَهَى الإِنْسَانِ بِهٰكذا بَسَاطَةٍ وهٰكذا سُهُولَةٍ لِأَنَّ مَقُولَةَ هايدغر الشَّهِيرَةَ هُنَا، ‹الكَيْنُونَةَ نَحْوَ المُنْتَهى› Sein zum Ende، إِنَّمَا تَدُلُّ على الكَيْفِيَّةِ التي يُمْكِنُ لِلْكَائِنِ المَوْجُودِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا، فَالإِنْسَانُ بِهٰذَا مَالِكٌ لِمَمَاتِهِ أَصْلًا وهٰذا المَمَاتُ لَا يُشَارَكُ فَصْلًا، بِقَدْرِ مَا يَقْبَعُ قُدَّامَ الإِنْسَانِ كَشَيْءٍ وَشِيكِ الحُدُوثِ أو يَكَادُ. وهٰكذا، تَبْرُزُ لِلْعِيَانِ مَقُولَةُ هايدغر الأَشْهَرُ هٰهُنَا، ‹الكَيْنُونَةُ نَحْوَ المَمَاتِ› Sein zum Tode، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ وُجُودُ الإِنْسَانِ مُتَنَاهِيًا، وهو كذٰلك، فَإِنَّ الحَيَاةَ لَنْ تَتَوَاجَدَ إِلَّا مِنْ خِلَالِ مُوَاجَهَةِ هٰذا التَّنَاهِي وكذٰلك مِنْ جَرَّاءِ ابْتِكَارِ المَعْنَى مِنْ حَقِيقَةِ مَمَاتِهِ ذَاتِهَا – ومَا تَفَلْسُفُ هٰذا الإِنْسَانِ، تِبْعًا لِمَا تُدْلِي بِهِ المَقُولَةُ المُوغِلَةُ في القِدَمِ، سِوَى أَنْ يَتَعَلَّمَ في الأَخِيرِ تَعَلُّمًا كَيْفَ يَمُوتُ ‹مِيتَةَ إِنْسَانٍ› بِحَقٍّ لَيْسَ إِلَّا!
 
 يَسْتَتْبِعُ مِنْ هٰذا التَّلْمِيحِ المَلِيحِ إلى تَجَلِّي القَصِيدِ المَعْنِيِّ تَجَلِّيًا مُزْدَوَجًا في كُلٍّ من الجَنَانِ الاِخْتِيَارِيِّ والوِجْدَانِ الاِسْتِبْشَارِيِّ، إِذْ يَتَبَدَّيَانِ هُنا مَاثِلَيْنِ بِمَثَابَةِ دَالَّيْنِ ‹سِيَادِيَّيْنِ› مِنْ دَوَالِّ فَلْسَفَةِ المُتَنَبِّي السِّيَاسِيَّةِ والأَخْلَاقِيَّةِ في الحَيِّزِ الأَوَّلِ – دَالِّ ‹الاِخْتِيَارِ الأَفْضَلِيِّ› Optimal Selectiveness مِنْ بَيْنِ الغَرَائِبِ إِنْ تَأَلَّقَتْ حَقًّا، ودَالِّ ‹الاِسْتِبْشَارِ المُسْتَقْبَلِيِّ›Eventual Propitiousness  مِنْ بَيْنِ الرَّغَائِبِ إِنْ تَعَلَّقَتْ حَقِيقًا، يَسْتَتْبِعُ أَنَّ هٰكذا ‹مُتَنَبِّيًا› مُتَرَبِّيًا شِعْرِيًّا ذَا فَرَادَةٍ لَمْ تَكُنْ كَأيِّمَا فَرَادَةٍ في وَاقِعِ الشَّأنِ إِنَّمَا هو أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ كَذَاكَ مِنْ مُجَرَّدِ شَاعِرٍ مُوَصَّفٍ بهٰكذا تَوْصِيفٍ مَائِزٍ أو مُنْمَازٍ حتى، لَا بَلْ هو أَوَّلًا وآخِرًا شَاعِرٌ ذُو حَوْزَةٍ ثَقَافِيَّةٍ شَآمِيَّةِ الفِطْرَانِ والخِبْرَانِ في جُلِّهَا أسَاسًا في الجَدَارِ والجَدَارةِ، حَوْزَةٍ ثَقَافِيَّةٍ شَآمِيَّةٍ كَانَ قَدْ بَلَغَ بِهَا الغَايَاتِ كُلَّهَا مِسَاسًا في النُّدُورِ والنَّدَارَةِ – على النَّقِيضِ الكَامِلِ، هٰهُنَا، مِنَ الكَثِيرِ الجَمِّ مِنْ أُولٰئك الشُّعَرَاءِ (أو المُتَشَاعِرِينَ) في هٰذا العَصْرِ ‹الجَهَالِيِّ› الحَدِيثِ بالذَّاتِ، وبِخَاصَّةٍ ذٰلك ‹العبدَ› العَتُوفَ العَسِيفَ المَعْنِيَّ، ذٰلك ‹القِنَّ› الدُّرْغُمِيَّ الرُّغَامِيَّ الرَّغَامِيَّ الذي لَا يَمْلُكُ مِنَ الثَّقَافَةِ، وهو ‹المَمْلُوكُ› أَصْلًا، أَيَّ شَيْءٍ خَلَا قُشُورِ قُشُورِهَا حتى في أَبْهَى سَرَابِيلِهِ كَافَّةً مُتَخَفِّيًا تَمَامًا كَتَخَفِّي الرَّعَادِيدِ مِنْ زَوَاحِفِ الجَعْرُورِيَّاتِ أو الحِرْذَوْنِيَّاتِ كَعَادَتِهِ في اجْتِرَارِ الكَلِمِ المَسْرُوقِ مِنْ وَرَاءِ اِسْمٍ مُزَيَّفٍ ومُهَيَّفٍ ومُحَيَّفٍ بِلَقَبِ ‹الشَّاعِرِ›. ويَسْتَتْبِعُ مِمَّا تَقَدَّمَ، فَضْلًا عَنْ ذٰلك، أَنَّ تِيكَ المُسْتَوَيَاتِ المَعْرِفِيَّةَ الاِسْتِثْنَائِيَّةَ التي كَانَ المُتَنَبِّي يَمْتَازُ بِهَا كُلَّ الاِمْتِيَازِ في السَّائِرِ مِنْ عُلُومِ اللِّسَانِ العَرَبِيِّ وآدَابِهِ وأّسْرَارِهِ، وذاك بِإزَاءِ مُجْتَمَعٍ عَرَبِيٍّ ‹شَرْقِيٍّ› جِدِّ غَارِقٍ في ظُلُمَاتِ الجَهْلِ المُطْبِقِ والفَقْرِ المُدْقِعِ والفَسَادِ المُرَوِّعِ، كَانَتْ قَدْ جَعَلَتْ مِنْهُ كَائِنًا إِنْسَانِيًّا مُتَفَرِّدًا بِالتَّفَرُّدِ العَيْنِيِّ، ولَا رَيْبَ فِيهِ، كَائِنًا ذَا تَكْوِينٍ ‹نَفْسَانِيٍّ› مُتَسَامٍ بِسُمُوِّ السَّمَاءِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ. واسْتِنَادًا إلى ذٰلك، فَإِنَّ هٰذا التَّكْوِينَ ‹النَّفْسَانِيَّ› المُتَفَرِّدَ المُتَسَامِيَ في حَدِّ ذَاتِهِ لَيْسَ لَهُ، والحَالُ هٰذِهِ، إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى تَعْضِيدِ نِيَابَةِ ‹الأَنَا› بهٰكذا أُحَادِيَّةٍ في سَرِيرَةِ المُتَنَبِّي دُونَ سِوَاهُ، تَعْضِيدِهَا تَدَرُّجِيًّا إلى حَدِّ الكَمَالِ، أو بالكَادِ، وذٰلك وَسْطَ احْتِشَادٍ مُحْتَشَدٍ مِنْ نِيَابَاتِ ‹أَنَوَاتٍ› أُخْرَى تَتَبَدَّى في أَغْلَبِهَا مُهَشَّمَةً أَيَّمَا تَهْشِيمٍ مِنْ لَدُنْ أَنْيَابِ تِيكَ الظُّلُمَاتِ الآنِفَةِ الذِّكْرِ لِلْتَّوِّ، مِمَّا يُصَيِّرُ ‹أَنَا› المُتَنَبِّي ذَاتَهَا كَنِيَابَةٍ نَفْسَانِيَّةٍ آخِذَةٍ في التَّفَرُّدِ والتَّسَامِي أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ، ومِمَّا يُسَيِّرُ هٰذِهِ ‹الأَنَا› المُتَفَرِّدَةَ المُتَسَامِيَةَ مِنْ ثَمَّ نَحْوَ تَنْضِيدِ نِيَابَتَيِ ‹الأَنَا، والآخَرِ› بهٰكذا ثُنَائِيَّةٍ في بَصِيرَةِ المُتَنَبِّي دُونَ سِوَاهُ كَذٰلك، تَنْضِيدِهَا تَبَرُّجِيًّا مِنْ طَرَفِهِ هو الآخَرُ في مِيدَاءِ الفَارِقِ المَعْرِفِيِّ (وكَذَاكَ العِرْفَانِيِّ) اللَّافِتِ بَيْنَ هٰتَيْنِ النِّيَابَتَيْنِ المَاثِلَتَيْنِ، بِحَيْثُ إِنَّ نِيَابَةَ ‹الأَنَا› تُمَارِسُ دَوْرَ ‹السَّيِّدِ› إِزَاءَ كُلِّ التَّقْدِيرَاتِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ في المَبْدَأِ المَاثِلِ، وإِنَّ نِيَابَةَ ‹الآخَرِ› تُزَاوِلُ دَوْرَ ‹العَبْدِ› جَرَّاءَ جُلِّ التَّخْمِينَاتِ مَعَ اسْتِثْنَاءٍ أو أَكْثَرَ في المَبْدَأِ المُقَابِلِ. وأَيَّا كَانَ مَنْطِقُ التَّعَالُقِ الجَدَلِيِّ أو ‹التَّنَافَوِيِّ› مَا بَيْنَ ذَاتَيِ السَّيِّدِ والعَبْدِ عَلَى حَدِّ ارْتِئَاءِ فريدريك هيغل (1770-1831)، ذٰلك المَنْطِقُ الذي يَقْتَضِي مِنْ بَيْنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنَ الذَّاتَيْنِ يَسْعَى إلى ابْتِنَاءِ الآخَرِ وانْتِقَاضِهِ في آنٍ وَاحِدٍ، فَإِنَ نِيَابَةَ ‹الأَنَا› في دَخِيلَةِ المُتَنَبِّي، بِوصْفِهَا نِيَابَةً مُتَفَرِّدَةً مُتَسَامِيَةً بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ، في وَاقِعِ الخَطْبِ، ‹انْطِبَاعًا› نَفْسِيًّا أو حتى ذِهْنِيًّا عَنْ كُلٍّ مِنْ طَبِيعَةِ وتَرْكِيبَةِ المُجْتَمَعِ العَرَبِيِّ ‹الشَّرْقِيِّ› الذي عَاشَ فِيهِ الشَّاعِرُ المَعْنِيُّ عَصْرَئِذٍ، أَيْ في القَرْنِ العَاشِرِ لِلْمِيلَادِ – وحتى بِقُرَابِ عَيْنِ الفَحْوَاءِ الفَنِّيِّ وَ/أَوِ الأَدَبِيِّ الخَاصِّ الذي يَبْتَنِيهِ ذٰلك الاِصْطِلَاحُ المُسَمَّى بـ‹الاِنْطِبَاعِيَّةِ› Impressionism، وعَلَى الأَخَصِّ فِيمَا لَهُ مِسَاسٌ بِاسْتِنْسَاخِ الإِحْسَاسَاتِ العَفْوِيَّةِ واللَّاإِرَادِيَّةِ حَدْسِيًّا، مِنْ جَانِبٍ أَوَّلَ، وبِاسْتِنْكَارِ التَّنْمِيطَاتِ العَمْدِيَّةِ والإِرَادِيَّةِ عَقْلِيًّا، مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. وبِمَا أَنَّ المُجْتَمَعَ العَرَبِيَّ ‹الشَّرْقِيَّ› ذَاك الذي عَاشَ فِيهِ المُتَنَبِّي إِبَّانَ العَصْرِ العَبَّاسِيِّ (الثَّانِي) لَمُجْتَمَعٌ في غَايَةِ الاِنْهِبَاطِ السِّيَاسِيِّ والثَّقَافِيِّ والأَخْلَاقِيِّ قَبْلَ أَيِّمَا شَكْلٍ مُغَايِرٍ مِنْ أَشْكَالِ الاِنْهِبَاطِ، فَلَا غَرَابَةَ إِذَنْ أَنْ تَكُونَ نِيَابَةُ ‹الأَنَا› في طَوِيَّتِهِ (طَوِيَّةِ المُتَنَبِّي) مَصْدَرًا مَحْمُومًا لاسْتِهْجَانِ وازْدِرَاءِ الأَفْرَادِ في أَغْلَبِهِمْ، أَفْرَادِ ذٰلك المُجْتَمَعِ العَرَبِيِّ ‹الشَّرْقِيِّ› المُنْهَبِطِ حَقًّا عَلَى تلك الأَصْعِدَةِ المَذْكُورَةِ بِالذَّوَاتِ، مِمَّا يَعْنِي بِجَلَاءٍ هٰهُنَا أَنَّ نِيَابَةَ ‹الآخَرِ› في نَاظِرَيِ نِيَابَةِ ‹الأَنَا› في طَوِيَّةِ المُتَنَبِّي إِنْ هي إِلَّا نِيَابَةٌ مُسْتَهْجَنَةٌ ومُزْدَرَاةٌ في أَغْلَبِ الظَّنِّ، ومِمَّا يُؤَكِّدُ القَوْلَ الوَاردَ أَعْلَاهُ بِجَلَاءٍ أَشَدَّ (لِكَيْ نُعِيدَ هُنَا) بِأَنَّ نِيَابَةَ ‹الأَنَا› في بِطَانَةِ المُتَنَبِّي إِنَّمَا تُمَارِسُ دَوْرَ ‹السَّيِّدِ› إِزَاءَ كُلِّ التَّقْدِيرَاتِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ في المَبْدَأِ المَاثِلِ، وإِنَّ نِيَابَةَ ‹الآخَرِ› في مُجْتَمَعِ هٰذا المُتَنَبِّي إِنَّمَا تُزَاوِلُ دَوْرَ ‹العَبْدِ› جَرَّاءَ جُلِّ التَّخْمِينَاتِ مَعَ اسْتِثْنَاءٍ أو أَكْثَرَ في المَبْدَأِ المُقَابِلِ. وفي هٰذا مَا يُفَسِّرُ كَيْفَ أَنَّ صُورَةَ العَبْدِ في ذٰلك المُجْتَمَعِ العَرَبِيِّ ‹الشَّرْقِيِّ› المُنْهَبِطِ حَقًّا، وبِخَاصَّةٍ نِتَاجَ أُولٰئِكَ الحُقَرَاءِ المَائِنِينَ والمتملّقينَ بِلَعْقِ النِّعَالِ والأَسْتَاهِ الذينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بَنَانُ النَّاشِطِ السِّيَاسِيِّ مالكولم X إِذْلَالًا بـ‹عَبِيدِ المَنَازِلِ› كَمَا ذُكِرَ قَبْلًا، كَانَتْ قَدْ بَاتَتْ في حَقِيقَةِ الأَمْرِ صُورَةً مُنَمَّطَةً، لَا بَلْ صُورَةً جِدَّ مُنَمَّطَةٍ، في كُلٍّ مِنْ ظَاهِرِهَا البَائِنِ وبَاطِنِهَا الكَنِينِ عَنْ نِيَابَةِ هٰذا ‹الآخَرِ›. وفي هٰذا أَيْضًا مَا يُعَلِّلُ كَيْفَ أَنَّ المُتَنَبِّيَ ذَاتَهُ كَانَ قَدْ قَالَ الشِّعْرَ مِرَارًا في هِجَاءٍ جِدِّ سَاخِرٍ وجِدِّ هَازِئٍ مِنْ ذٰلك العبدِ العَتُوفِ الدنِيِّ النَّقِيطِ الدُّرْغُميِّ الزرِيِّ، لَا بَلِ الأَزْرَى مِنْ ‹العَبْدِ المَنْزِلِيٍّ› مَاثِلًا في نِيَابَةِ هٰذا ‹الآخَرِ›، كَذَيْنِكَ البَيْتَيْنِ الشَّهِيرَيْنِ المُورَدَيْنِ في مَتْنِ العِبَارَةِ التَّصْدِيرِيَّةِ هٰكذا، «ﭐَلْعَبْـــدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَـالِحٍ بِـأَخٍ / لَوْ أَنَّهُ فِي ثِيَـابِ ﭐلْحُرِّ مَــوْلُودُ / لَا تَشْتَرِ ﭐلْعَبْدَ إِلَّا وَﭐلْعَصَا مَعَهُ / إِنَّ ﭐلْعَبِيــــدَ لَأَنْــجَاسٌ مَنَــاكِيدُ». فَقَدْ يَصِحُّ صُحًّا أَنَّ مَا جَرَى اسْتِنْبَاطُهُ، أو حتى سُوءُ اسْتِنْبَاطِهِ، مِنْ فَحْوَى هٰذَيْنِ البَيْتَيْنِ الشَّهِيرَيْنِ قَدْ أَفْسَحَ المَجَالَ فَسِيحًا وَسِيعًا في ذٰلك المَنْظِمِ القِيَمِيِّ الذي يَتَبَنَّاهُ العَدِيدُ مِنَ الشُّعَرَاءِ العَرَبِ أَنْفُسِهِمْ، وذاك تَمَثُّلًا بِالمُتَنَبِّي وامْتِثَالًا لَهُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ – وهٰذا وَارِدٌ وحتى جَائِزٌ بِطَبِيعَةِ الحَالِ، إلَّا أَنَّ القَوْلَ بِأَنَّ الفَحْوَى المَعْنِيَّ وَلِيدُ نَزْعَاتٍ عُدْوَانِيَّةٍ وعُنْصُرِيَّةٍ مَكْنُونَةٍ في نَجْوَى المُتَنَبِّي بِالذَّاتِ، إِضَافَةً إلى القَوْلِ بِمَخْبُوءِ نَرْجِسِيَّةٍ مُفْرِطَةٍ إلى حَدِّ الادِّعَاءِ بِـ‹التَّأَلُّهِ›، مِثْلَمَا يَقُولُ الكَاتِبُ الصِّحَافِيُّ، حسام الدين محمد، مُعْتَدَّا بِنَفْسِهِ في تَقرِيرِهِ الآنِفِ الذِّكْرِ، إِنْ هو إِلَّا قَوْلٌ تَعَسُّفِيٌّ اعْتِسَافِيٌّ يَنِمَّ في أَزْهَى هَيْئَاتِهِ عَنْ رَثِيَّةِ بَصَرٍ وانْثِمَامِ بَصِيرَةٍ ولَا رَيْبَ في هٰذا بَتًّا. ذٰلك لِأَنَّ المُتَنَبِّيَ، لَدَى قَوْلِهِ ذَيْنِكَ البَيْتَيْنِ الشَّهِيرَيْنِ في هِجَاءٍ لَاذِعٍ لَاسِعٍ لِوَالِي مِصْرَ (الأَعْجَمِيِّ) آنَئِذٍ، كَانَتْ لَهُ أَسْبَابٌ ذَاتِيَّةٌ ومَوْضُوعِيَّةٌ هي أَبْعَدُ مَا تَكُونُ عَنْ أَسْبَابٍ عُدْوَانِيَّةٍ وعُنْصُرِيَّةٍ كَمَا زَعَمَ الكَاتِبُ الصِّحَافِيُّ ذاك. لَقَدْ قَالَ المُتَنَبِّي قَصِيدَ الهِجَاءِ المَعْنِيَّ في كَافُورِ الإِخْشِيدِيِّ (الأَعْجَمِيِّ) بِالذَّاتِ، ذٰلك العَبْدِ الخَصِيِّ (الحَبَشِيِّ) الذي نُصِّبَ حَاكِمًا لِمصْرَ جَرَّاءَ التَّمَلُّقِ والنِّفَاقِ ولَعْقِ نِعَالِ أَسْيَادِهِ وَقْتَهَا – نَاهِيكُمَا، طَبْعًا، عَنْ حَقِيقَةِ أنَّ هٰذا الـ‹كَافُورَ› اللَّكِيعَ قَدْ غَدَرَ مُسْتَغْيِبًا بِالمُتَنَبِّي أَيَّمَا غَدْرٍ كَعَلَامَةِ فَارِقٍ يَتَكَشَّفُ عَنْهَا كُلُّ مَاهِنٍ عَتُوفٍ غَايَةٍ في السَّفَالَةِ والفَسَالَةِ والمَهَانَةِ والجَبَانَةِ.
 
 وفي هٰذا كَذَاكَ، وفَوْقَ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ إِذَّاكَ، مَا يُبَيِّنُ كَيْفَ أَنَّ عَيْنَ المُتَنَبِّي، بِوَصْفِهِ شَاعِرًا إِنْسَانِيًّا لَا بَلِ ‹انْطِبَاعِيًّا› بِفَحْوَاءِ الاِصْطِلَاحِ المَذكُورِ أَعْلَاهُ شَاءَ مَنْ شَاءَ وأَبَى مَنْ أَبَى، كَانَ يَحْتَقِرُ احْتِقَارًا شَدِيدًا مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ هٰكذا نَوْعًا مِنَ العَبِيدِ الآفِكِينَ والأَفَّاكِينَ مِنْ أَمْثَالِ ذٰلِكَ الـ‹كَافُورِ› الإِخْشِيدِيِّ (الأَعْجَمِيِّ) بِالعَيْنِ، أُولٰئِك العَبِيدِ الكَاذِبِينَ والكَذَّابِينَ مِنْ مُيَّالِ التَّغَلُّفِ والتَّزَلُّفِ ومِنْ كُيَّالِ التَّمَلُّقِ والتَّلَهْوُقِ لُهَاثًا ولَهَثَانًا عَلَى الهَوَامِشِ لَا في المُتُونِ، وذَاكَ بُغْيَةَ الاِنْتِهَازِ النِّكْسِ وبُغْيَةَ الوُصُولِ البَخْسِ تَلْبِيَةً لِمَآرِبَ حتى أَنْكَسَ أَبْخَسَ في الحَيِّزِ الأَوَّلِ. عِلَاوَةً عَلَى ذٰلك، وهُنَا تَتَبَدَّى النُّقْطَةُ الأَهَمُّ بِمَثَابَةِ ‹رَدٍّ› لَامُبَاشِرٍ عَلَى ذٰلِكَ الوَصْمِ ‹العُنْصُرِيِّ› أو شِبْهِهِ، فَإِنَّ ذَاتَ الشَّاعِرِ (العَرَبِيِّ الكِنْدِيِّ) المُتَنَبِّي، بِمَأْتَى احْتِقَارِهِ الشَّدِيدِ لِهٰذَا النَّوْعِ (الأَعْجَمِيِّ الحَبَشِيِّ) الدَّنِيِّ الزَّرِيِّ مِنَ العَبِيدِ، لَا يَخْتَلِفُ في هٰذا، مِنْ حَيْثُ المَبْدَأُ، عَنِ ذَاتِ الثَّائِرِ (الأَفْرُو-أَمْرِيكِيِّ) مالكولم X الآنِفِ الذِّكْرِ، هٰذا النَّاشِطِ السِّيَاسِيِّ الثَّائِرِ الذي كَانَ يَحْتَقِرُ احْتِقَارًا مُشَابِهًا أو حتى أَشَدَّ مِنْهُ، بِدَوْرِهِ هو الآخَرُ، أُولٰئِكَ العَبِيدَ الأَدْنِيَاءَ الأَزْرِيَاءَ الذينَ سَمَّاهُمْ إِذْلَالًا بـ‹عَبِيدِ المَنَازِلِ›، وذٰلِكَ لِلْأَسْبَابِ التَّغَلُّفِيَّةِ والتَّزَلُّفِيَّةِ والتَّمَلُّقِيَّةِ والتَّلَهْوُقِيَّةِ ذَاتِهَا، في مُقَابِلِ احْتِرَامِهِ الضِّدِّ أو الضَّدِيدِ لِأُولٰئِكَ العَبِيدِ الشُّرَفَاءِ النُّزَهَاءِ الذينَ سَمَّاهُمْ عَلَى النَّقِيضِ إِجْلَالًا بـ‹عَبِيدِ الحُقُولِ›، والذينَ كَانُوا يَتَمَرَّدُونَ كُلَّ التَّمَرُّدِ مُذَّاكَ عَلَى أَسْيَادِهِمْ نُفُورًا بَيْنَ الحِينِ والحِينِ، وذاك سَعْيًا حَثِيثًا إلى إِعْمَالِ تَغْيِيرٍ جَذْرِيٍّ في عَالَمِ المَقْهُورِينَ ودَأْبًا دَؤُوبًا عَلَى إِشْغَالِ تَحْقِيقٍ قَهْرِيٍّ لِحَيَاةٍ أَحْسَنَ مِنْهَا في دُنْيَا المُعْدَمِينَ – كَافِيكُمَا، بِالطَّبْعِ، مِنْ حَقِيقَةِ أَنَّهُ يُمْكِنُ لِلْنَّاظِرِ اللَّبِيبِ أَنْ يَسْتَشِفَّ اسْتِشْفَافًا بِيُسْرٍ وهَوْنٍ ذٰلِكَ الجَانِبَ الإِيجَابِيَّ في شَخْصِيَّةِ المُتَنَبِّي عَيْنِهِ مِنْ حَيْثُ سِمَاتُهُ التَّقَدُّمِيَّةُ والتَّمَرُّدِيَّةُ الخَبِيئَةُ أو حتى غَيْرُ المُعْلَنَةِ في جُلِّهَا فِيمَا يَبْدُو، سَوَاءً عَنْ طَرِيقِ مُيُولِهِ المِلْحَاحِ نَحْوَ انْعِتَاقِ العَبِيدِ المُضْطَهَدِينَ أَيَّمَا اضْطِهَادٍ في دَوْلَةِ بَنِي العَبَّاسِ عَلَى غِرَارِ ‹عَبِيدِ الحُقُولِ› ذَوَاتِهِمْ، أَمْ حتى مِنْ سَبِيلِ نُزُوعِهِ اللَّحُوحِ نَحْوَ ‹إِنْكَارِ› ذاك الفَخْرِ بِقَوْمِهِ وأَجْدَادِهِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ حَقِيقَةِ أَنَّ بِهِمْ فَخْرَ كُلِّ الأَنَامِ والآنَامِ زَمَانَئِذٍ حِينَ قَالَ قَوْلَتَهُ الأَشْهَرَ في أَشْتَاتِهِمْ، «لَا بِِقََوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي / وَبِنَفْسِي فَخَرْتُ لَا بِجُدُودِي / وَبِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ ٱلْضَّا / دَ وَعَوْذُ ٱلْجَانِي وَغَوْثُ ٱلْطََّرِيدِ». مِنْ هُنَا إِذَنْ، وفي سِيَاقِ ذٰلِكَ التَّأْثِيرِ السِّيَاسِيِّ الذي مَارَسَهُ المُتَنَبِّي عَلَى وَجْهِ العُمُومِ مُقْتَرِنًا بِنَزْعَةِ الفَخَارِ ‹النَّفْسِيِّ› هٰذِهِ كَانْعِكَاسٍ حَتْمِيٍّ لِأَنَاهُ المُتَفَرِّدَةِ المُتَسَامِيَةِ أَصْلًا، يُمْكِنُ أَيْضًا لِلْنَّاظِرِ اللَّبِيبِ إِيَّاهُ أَنْ يُدْرِكَ إِدْرَاكًا بِذَاتِ اليُسْرِ وذَاتِ الهَوْنِ مَدَيَيِ اتِّجَاهَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ بَلْ مُتَوَازِيَيْنِ فِكْرِيًّا وشِعْرِيًّا (أو حتى فَنِّيًّا) عَلَى أَدْنَى تَقْدِيرٍ فِيمَا يَتَبَدَّى: أَحَدُهُمَا ‹اِتِّجَاهٌ ذَاتِيٌّ› Subjective Orientation، إِذْ يَتَمَثَّلُ في دَوَافِعِ ذَيْنِكَ التَّفَرُّدِ والتَّسَامِي الأَنَوِيَّيْنِ المُنَوَّهِ عَنْهُمَا قَبْلًا، وكَذٰلِكَ في دَوَافِعِ ذَيْنِكَ التَّشَوُّفِ والتَّطَلُّعِ المُنْيَوِيَّيْنِ المُلَمَّحِ إِلَيْهِمَا فَضْلًا – كُلُّ هٰذَا وذَاكَ إِنَّمَا يُفْضِي إلى تَكْوِينِ نَزْعَاتٍ نَقْدِيَّةٍ وثَوْرِيَّةٍ وحتى عَرَبِيَّةٍ (وبِخَاصَّةٍ إِزَاءَ هَيْمَنَةِ الحَاكِمِ الأَعْجَمِيِّ مِنْ أَشْكَالِ ابْنِ كَيْغَلَغَ والإِخْشِيدِيِّ الآنِفَيِ الذِّكْرِ)؛ وثَانِيهُمَا ‹اتِّجَاهٌ مَوْضُوعِيٌّ› Objective Orientation، إِذْ يَتَجَسَّدُ، والحَالُ هٰذِهِ، في بَوَاعِثِ تِيكَ المُنَاظَرَاتِ الشِّعْرِيَّةِ الأَخْلَاقِيَّةِ وهي الحَامِيَةُ الوَطِيسِ في ذٰلِكَ الحِينِ، وكَذَاكَ في بَوَاعِثِ تِيكَ المُجَادَلَاتِ الشِّعْرِيَّةِ السِّياسِيَّةِ وهي الأَحْمَى وَطِيسًا بِكَثِيرٍ حتى في ذٰلِكَ الحِينِ ذَاتِهِ – كُلُّ هٰذَا وذَاكَ، بِدَورِهِ إِذَّاكَ، إِنَّمَا يُؤَدِّي إلى تَرْسِيخِ مَنَاهِجَ عِلْمِيَّةٍ وفَلْسَفِيَّةٍ في كَيْفِيَّةِ اسْتِخدَامِ النَّصِّ الشِّعْرِيِّ (في قَصِيدِ المُتَنَبِّي تَحْدِيدًا)، وذَاكَ مِنْ أَجْلِ التَّعْبِيرِ عَنْ كُلٍّ مِنَ الرَّأْيِ السِّيَاسِيِّ والرَّأْيِ الأَخْلَاقِيِّ وعَنِ التَّدَاخُلِ اليَقِينِ مَا بَيْنَهُمَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، مِنْ جِهَةٍ أُولَى، وكَذَاكَ مِنْ أَجْلِ التَّأْثِيرِ في الرَّأْيِ العَامِّ المُتَجَسِّدِ في آرَاءِ النَّاسِ (بِقَصْدِيَّةِ المُتَنَبِّي دُونَ سِوَاهُ) حتى قَبْلَ التَّأْثِيرِ في الرَّأْيِ الخَاصِّ المُتَجَسِّمِ في آرَاءِ الوُلَاةِ أو الحُكَّامِ أو المُلُوكِ أو حتى الأُمَرَاءِ والوُزَرَاءِ، مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. ومِنْ هٰهُنَا مَرَّةً أُخْرَى، وفي قَرِينَةِ هٰذَيْنِ الاِتِّجَاهَيْنِ المُتَقَابِلَيْنِ بَلِ المُتَوَازِيَيْنِ فِكْرِيًّا وشِعْرِيًّا (أو حتى فَنِّيًّا) ولَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ حَظِيَا بِشَيْءٍ مِنَ البَيَانِ والتِّبْيَانِ لِلْإِنَارَةِ والإِفَادَةِ فِيمَا يَتَبَدَّى، يُمْكِنُ عِنْدَئِذٍ لِلْنَّاظِرِ اللَّبِيبِ عَيْنِهِ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا وَاثِقًا أَيَّمَا وُثُوقٍ وآمِنًا أَيَّمَا أَمَانٍ بِأَنَّ عَيْنَ المُتَنَبِّي الفَذِّ هٰذا قَدْ كَانَ شَاعِرًا سِيَاسِيًّا وأَخْلَاقِيًّا بِامْتِيَازٍ وتَفَوُّقٍ نَادِرَيْنِ بِالفِعْلِ، هٰذا إِضَافَةً إلى تَوَصِيفِهِ آنِفًا بِذَاتِ الوُثُوقِ وذَاتِ الأَمَانِ شَاعِرًا إِنْسَانِيًّا لَا بَلِ ‹انْطِبَاعِيًّا› بِامْتِيَازٍ وتَفَوُّقٍ مُمَاثِلَيْنِ ولَا رَيْبَ في هٰذَا بَتَاتًا – يُمْكِنُ إِذَنْ لِهٰذَا النَّاظِرِ اللَّبِيبِ عَيْنِهِ أَنْ يُؤَكِّدَ تِأْكِيدًا في القَرِينَةِ هٰذِهِ، أَوَّلًا وآخِرًا، بِأَنَّ هٰكَذَا تَوْصِيفَاتٍ فَرِيدَةً لِهٰكَذَا شَاعِرٍ فَرِيدٍ أَيَّمَا فَرَادَةٍ (وثَمَّ تَوصِيفَاتٌ بِذَاتِ الفَرَادَةِ أُخْرَيَاتٌ كًذًاكَ، بِطَبِيعَةِ الحَالِ) إِنَّمَا هي مُشْتَقَّةٌ ومُشْتَفَّةٌ مِنْ نُصُوصِهِ الشِّعْرِيَّةِ ذَاتِهَا عَلَى نَحْوٍ مُبَاشِرٍ أو لَامُبَاشِرٍ كَمَا رَأَيْتُمَا (أو، بِالحَرِيِّ، كَمَا تَرَيَانِ) في مُتُونِ أَقْسَامِ هٰذَا المَقَالِ بِشَيْءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ والتَّمْثِيلِ، أَقُولُ هُنَا مُشْتَقَّةٌ ومُشْتَفَّةٌ مِنْ نُصُوصِهِ الشِّعْرِيَّةِ ذَاتِهَا ولَيْسَ مِنْ أَيَّتِمَا نُصُوصٍ نَقْدِيَّةٍ أو شِبْهِ نَقْدِيَّةٍ غَيْرِهَا، وبِالأَخَصِّ ذٰلِكَ النَّوْعَ مِنَ النُّصُوصَ التي تَكْتَظُّ مِنْ بَيْنِ مَا تَكْتَظُّ بِسَائِرِ الإِسْهَابَاتِ والإِطْنَابَاتِ مِنْ تَلْفِيقِ واخْتِلَاقِ العَدِيدِ مِنَ النُّقَّادِ الأَدَبِيِّينَ أو أَشْبَاهِهِمْ مِثْلَمَا يَحْلُو لَهُمْ حَلَاوَةً في السَّرَّاءِ، أو حتى عَلَى الضِّدِّ مِنْ هٰذَا مِثْلَمَا يَمُرُّ لَهُمْ مَرَارَةً في الضَّرَّاءِ، وهٰذَا ولَا شَكَّ لَشَأْنٌ شَائِنٌ مَرْفُوضٌ رَفْضًا بَاتًّا وقَاطِعًا مِنْ لَدُنْ أَيِّمَا شَاعِرٍ حَقِيقِيٍّ قَدِيمٍ أو حَدِيثٍ، عَلَى حَدِّ تَعْبِيرِ نِزَارِ قَبَّانِي ذَاتِهِ سَائِرًا بِالحِذْفَارِ والحُذْفُورِ هٰكَذَا: «أُرِيدُ أَن أَكْتُبَ قِصَّتِي مَعَ ٱلْشِّعْرِ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَهَا أَحَدٌ غَيْرِي. أُرِيدُ أَنْ أَرْسُمَ وَجْهِي بِيَدِي، إِذْ لَا أَحَدَ يَسْتَطيعُ أَنْ يَرسُمَ وَجْهِي أَحْسَنَ مِنِّي. أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْ نَفْسِي بِنَفْسِي، قَبْلَ أَنْ يَقُصَّنِي ٱلْنُّقَّادُ وَيُفَصِّلُونِي عَلَى هَوَاهُمْ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَرِعُونِي مِنْ جَدِيدٍ [عَلَى أَهْوَائِهِمْ]. ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ٱلْشُّعَرَاءِ مِنْ ڤِيرْجِيل، إِلَى شِكْسْپِير، إِلَى دَانْتِه، إِلَى ٱلْمُتَنَبِّي، [إنَّمَا هُمْ] مِنِ اخْتِرَاعِ ٱلْنُّقَّادِ، أَوْ مِنْ شُغْلِهِمْ وَتَطْرِيزِهِمْ عَلَى ٱلْأَقَلِّ. وَمِنْ سُوءِ حَظِّ ٱلْقُدَامَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَمْتَلِكُونَ دَفَاتِرَ مُذَكَّرَاتٍ» (انظرا، هٰهُنَا، كتاب نزار قباني، «قِصَّتِي مَعَ ٱلْشِّعْرِ»، 1970). وهٰكَذَا في حَيِّزِ مَا قَبْلَ الاِخْتِتَامِ إذنْ، وعَلَى أَثَرِ اتِّضَاحِ الكَثِيرِ مِنْ خَفَايَا نِيَابَةِ ‹الأنَا› في سَرِيرَةِ المُتَنَبِّي وكَذَاكَ انْجِلَاءِ العَدِيدِ مِنْ خَبَايَا تَوْصِيفَاتِ شِعْرِيَّتِهِ الأَرْبَعِ تلك، فَإِنَ هٰذَا الشَّاعِرَ الفَذَّ مَعْنًى ومَبْنًى كَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ في ‹سَمَاءِ الخَيَالِ› قَوْلًا، مِنْ طَرَفٍ أَوَّلَ، ويَعْمَلُ بِهِ بِكُلِّ صِدْقٍ ونَزَاهَةٍ وحتى بِكُلِّ اسْتِمَاتَةٍ عَلَى ‹أَرْضِ الوَاقِعِ› فِعْلًا، مِنْ طَرفٍ آخَرَ، عَلَى النَّقِيضِ التَّامِّ مِنْ أُولٰئِكَ الحُقَرَاءِ الجُبَنَاءِ المَهَنَةِ العُتْفِ الذينَ يَدَّعُونَ الشِّعْرَ ادِّعَاءً ولَا يَعْمَلُونَ بِهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا قَوْلَهُ مِنْ قَرِيبٍ أَو مِنْ بَعِيدٍ. وعَلَى الأَقَلِّ فِيمَا لَهُ مِسَاسٌ بِتَوْصِيفَيْهِ الأَخِيرَيْنِ كَشَاعِرٍ سِيَاسِيٍّ وأَخْلَاقِيٍّ بِامْتِيَازٍ وتَفَوُّقٍ نَادِرَيْنِ، كَانَ المُتَنَبِّي يُشَارِكُ في الصِّرَاعِ السَّيَاسِيِّ وَ/أَوِ الأَخْلَاقِيِّ بِبَالِغِ الحَمَاسَةِ والشَّجَاعَةِ، وقَدْ أَثَّرَ هٰذا أَيَّمَا تَأثِيرٍ عَلَى قَصِيدِهِ المُتَمَيِّزِ أَصْلًا، مُخْضِعًا بِذَاكَ كُلَّ مَا يُبْدِعُهُ من شِعْرٍ لِسُلْطَةِ العَقْلِ والضَّمِيرِ كَغَايَتَيْن مُثْلَيَيْنِ، لِكَيْ يَبْقَى شَامِخًا كَمَا النَّسْرِ فَوْقَ أَعَالِي الجِبَالِ وأَمْوَاجِ البُحُورِ، ولَكَيْ يَتْرُكَ أَمْثَالَ ذٰلِكَ العَبْدِ السَّافِلِ الفَسْلِ الدَّنِيِّ النَّقِيطِ الدُّرْغُمِيِّ الزَّرِيِّ يَقْتَاتُ عَلَى خُرْئِهِ في حَضِيضِ الجُحُورِ!
 
 وَكَذَاكَ مَرَّةً أُخْرَى، وهُنَا في الأَخِيرِ بَعْدَ كُلِّ هٰذَا، وليسَ في الآخِرِ بَتًّا عِنْدَ كُلِّ ذٰلِك (ولَوْ كانَ ذاكَ على شَاكِلِ إِنْهَاءٍ إِجْرَائِيٍّ أو إِرْجَائِيٍّ إلى هٰكذا مَدًى أو هٰكذا مَدَيَاتٍ)، ومَهْمَا يكُنْ مِنْ شَأْنٍ شَائِنٍ مِنْ حَالِ إِزْرَاءِ وازْدِرَاءِ أولٰئك ‹العَبيدِ المنزليِّينَ› بالذاتِ، أو أَنَّى يَكُنْ مِنْ حِينٍ حَائِنٍ مِنْ أَحْوَالِ إِكْرَامِ واحْتِرَامِ أولٰئك ‹العَبيدِ الحقليِّينَ› بالذَّوَاتِ، سَتَسْتَمِرُّ وتَسْتَمِرُّ الكتابةُ مَعَ ذَاكَ بالقصِيدِ المقصُودِ مِنْ «خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعِينَ» اِسْمًا ومُسَمًّى هٰكذا عِبْرَ الأثيرِ، سَتَسْتَمِرُّ في قَوْلِ الحَقِّ سَاخِرًا وهَازِئًا ولَاذِعًا بِالرَّغْمِ عَنْ أُنُوفِ أَعْدَاءِ قَوْلِ الحَقِّ كَافَّتِهِمْ سَائِرًا على هٰكذا تَسْيَارٍ وعلى هٰكذا تَسْيِيرٍ، سَتَسْتَمِرُّ على الأقلِّ إلى أَنْ تبلغَ تيك التَّمْثِيلَاتُ مِمَّا تحتَ العُنْوَانِ المُتَنَاصِّ ذاك في كَيْلِ العِدَادِ، إلى أَنْ تبلغَ هٰذَا الرقمَ حَدًّا مَحْدُودًا على أقلِّ تقديرٍ، ولٰكِنْ قَدْ تتخطَّاهُ حَدًّا في الإِفَْرَادِ أو حتى حُدُودًا في الإِيرَادِ حَسْبَمَا تَبْتَنِيهِ عَيْنُ القرينةِ أو حتى أَعْيَانُ القرائنِ إِنْ فَاضَ صَحْنُ ‹العَيْنُ› فَيْضًا مِنْ فَيْءٍ إلى فَيْءٍ، فهي ليستْ بِذاكَ ولَا بِهٰذَا مِنْ حيثُ تَعْدَادُ العَدِّ والمَعْدُودِ أَصْلًا مِنْ «قَوَاعِدِ ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعِينَ» ذَوَاتِهَا في شَيْءٍ بَتَاتًّا قبلَ كُلِّ شَيْءٍ – العَبْدُ النَّجِسُ المَنْكودُ ‹الشَّرْغَمِيُّ› الدُّرْغُمِيُّ الجَاهِلُ الحَاسِدُ المَهِينُ ذَاكَ لَهْوَ ‹حَاسِدٌ› بِصَوْغِ ‹الفَاعِلِ› صَرْفًا حَدِّيًّا لِأَنَّهُ مَطبُوعٌ طَبَعًا أُحَادِيًّا إِذَّاكَ عَلَى تَمَنِّي الأَذِيَّةِ للآخَرِ أو زَوَالِ العَطِيَّةِ عَنْ هٰذَا الآخَرِ أو حتى كِلَيْهِمَا مَعًا، والعَبْدُ النَّجِسُ المَنْكودُ ‹الشَّرْغَمِيُّ› الدُّرْغُمِيُّ الجَاهِلُ الحَاسِدُ المَهِينُ المَشِينُ هَذَاكَ لَهْوَ ‹حَسُودٌ› بِصَوْغِ ‹الفَعُولِ› صَرْفًا أَحَدَّ لِأَنَّهُ مَطبُوعٌ طَبَعًا ثُنَائِيًّا بِذَاكَ عَلَى ذَاتِ المَعْنَى مُؤَكَّدًا تَأْكِيدًا مُؤَتْمَتًا هُنَا، والعَبْدُ النَّجِسُ المَنْكودُ ‹الشَّرْغَمِيُّ› الدُّرْغُمِيُّ الجَاهِلُ الحَاسِدُ المَهِينُ المَشِينُ المَخِينُ هٰذَاكَ لَهْوَ ‹حَاسُودٌ› بِصَوْغِ ‹الفَاعُولِ› صَرْفًا أَحَدَّ أَشَدَّ لِأَنَّهُ مَطبُوعٌ طَبَعًا ثُلَاثِيًّا كَذَاكَ عَلَى عَيْنِ المَعْنَى مُؤَكَّدًا تَأْكِيدًا جِدَّ مُؤَتْمَتٍ هٰهُنَا، وكُلُّ هٰذَا كُلًّا مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالتَّدْلِيلِ المُدِلِّ هِلْكَةً بَعْدَ هِلْكَةٍ أو بَجَاجَةً أو غَضِيضًا أو حتى زَنِيمًا في بَيْتٍ أَوَّلَ في ذَاكَ المُتَنَاصِّ من عَيْنِ ذَاكَ العُنْوَانِ وفي بَيْتٍ آخَرَ في هٰذا المُتَرَاصِّ مِنْ أَيْنِ هٰذَا الأَوَانِ –
 
 «أَيْسَ غِلٌّ بِذِي ﭐلْيُـدِيِّ لَبِيدُ / لَيْسَ كُلٌّ وَذُو ﭐلْـرَّدِيِّ عَبِيدُ»
 «ذَاكَ حَاسُودٌ جَاهِلٌ وَعَتِيهٌ / وَعَتُوفٌ فِي ﭐلْآسِنَاتِ رَبِيدُ»
 «ثَــمَّ صُهْيُونٌ جَافِلٌ بِعَتَــادٍ / ‹أَمْرِيكِيٍّ› مُسْتَذْئِبًا يَسْتَبِيدُ»
 «ثَــمَّ شَـرْغَــامٌ دَافِلٌ بِٱَتِّــئَادٍ / يَتَمَـادَى مُسْتَكْلِبًا أَوْ سَـبِيدُ»
 
 [انتهى القسم الرابع والأخير، لا الآخر، من هذا المقال]
 
 *** *** ***
 
 لندن (إنكلترا)،
 29 تشرين الأول 2025
 
 #غياث_المرزوق (هاشتاغ)
      Ghiath_El_Marzouk#       
 
 ترجم الموضوع 
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other 
languages
 
 
 
الحوار المتمدن مشروع 
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم 
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. 
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في 
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة 
في دعم هذا المشروع.
 
       
 
 
 
 
			
			كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية 
			على الانترنت؟
    
 
 
 
                        
                            | رأيكم مهم للجميع
                                - شارك في الحوار
                                والتعليق على الموضوع للاطلاع وإضافة
                                التعليقات من خلال
                                الموقع نرجو النقر
                                على - تعليقات الحوار
                                المتمدن -
 |  
                            
                            
                            |  |  
                    
                    
                                
                                    الكاتب-ة لايسمح
                                        بالتعليق على هذا
                                        الموضوع | 
                        نسخة  قابلة  للطباعة
  | 
                        ارسل هذا الموضوع الى صديق  | 
                        حفظ - ورد   | 
                        حفظ
  |
                    
                        بحث  |  إضافة إلى المفضلة
                    |  للاتصال بالكاتب-ة عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
 
 | - 
                    
                     
                        
                    «أَيْسَ غِلٌّ بِذِي ﭐلْيُدِيِّ لَبِيدُ / لَيْسَ كُلٌّ
                        ... - 
                    
                     
                        
                    «أَيْسَ غِلٌّ بِذِيْ ﭐلْيُدِيِّ لَبِيدُ / لَيْسَ كُلّ
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    «أَيْسَ غِلٌّ بِذِي ﭐلْيُدِيِّ لَبِيدُ / لَيْسَ كُلٌّ
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    «أَيْسَ غِلٌّ بِذِي ﭐلْيُدِيِّ لَبِيدُ / لَيْسَ كُلٌّ
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 - 
                    
                     
                        
                    خَفَايَا ٱلْعِشْقِ ٱلْأَرْبَعُونَ: «خَفِيَّةُ 
                        ...
 
 
 المزيد.....
 
 
 
 
 - 
                    
                     
                      
                        
                    إحابة -غامضة- من ترامب على سؤال بشأن ما يعنيه بـ-استئناف- ال
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    البنتاغون يمنح الضوء الأخضر لتزويد أوكرانيا بصواريخ -توماهوك
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    دليلك لفهم ما يجري في السودان، منذ انقلاب عام 1989 حتى الآن
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    -ما وراء الخبر- يناقش التطورات في لبنان ورسائل التصعيد الإسر
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    هل ينجح تصعيد إسرائيل في إشعال أزمة داخلية بلبنان؟
 - 
                    
                     
                      
                        
                    إسرائيل تتسلم 3 جثث وتحيلها للفحص الشرعي
 - 
                    
                     
                      
                        
                    هل الولايات المتحدة وفنزويلا على مشارف حرب؟ خبير عسكري يجيب
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    الكشري والحشيش في -الشبكة- ونتنياهو يُعالج بجلسات فساد
 - 
                    
                     
                      
                        
                    قرد يهرب في متجر هالوين من مالكته ويتعلق بالسقف.. شاهد ما حد
                        ...
 - 
                    
                     
                      
                        
                    -حضور غير مسبوق-..مصر تكشف عن قائمة الدول المشاركة بحفل افتت
                        ...
 
 
 المزيد.....
 
 - 
                    
                     
                        
                    تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
                     / غنية ولهي-	  - -  سمية حملاوي
 - 
                    
                     
                        
                     شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان 
                        ...
                    
                     / غيفارا معو
 - 
                    
                     
                        
                    حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
                     / د. خالد زغريت
 - 
                    
                     
                        
                    التاريخ يكتبنا بسبابته 
                     / د. خالد زغريت
 - 
                    
                     
                        
                    التاريخ يكتبنا بسبابته
                     / د. خالد زغريت
 - 
                    
                     
                        
                    جسد الطوائف
                     / رانية مرجية
 - 
                    
                     
                        
                    الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
                     / كمال الموسوي
 - 
                    
                     
                        
                     الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
                     / د. خالد زغريت
 - 
                    
                     
                        
                    المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
                     / علي عبد الواحد محمد
 - 
                    
                     
                        
                     شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
                     / علي الخطيب
 
 
 المزيد.....
 
 
 |