ثقافة التطوع والمبادرات التطوعية… روح العطاء وبناء المجتمع

سامح سعيد عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 20:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

يُعدّ التطوع من أسمى القيم الإنسانية التي تُجسّد معاني الرحمة والتكافل بين البشر، فهو سلوك نابع من ضمير حيّ وشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين والمجتمع. وقد حثّ الإسلام على التطوع والعمل الخيري، إذ يقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، كما قال النبي ﷺ: "أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس."
إنّ هذه التوجيهات الربانية لا تترك مجالًا للشك في أنّ خدمة الناس والعطاء بلا مقابل هما من أعظم القربات وأجلّ الأعمال.

التطوع ليس مجرد جهد يُبذل في وقت فراغ أو عمل عابر، بل هو أسلوب حياة يعكس مدى رقيّ الفرد ووعيه، ويمثل صورة حضارية للمجتمعات المتقدمة. فالمجتمع الذي تسوده روح التطوع هو مجتمع قوي متماسك، يدرك أفراده أنّ المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها، بل على الجميع دون استثناء.

وتكمن أهمية ثقافة التطوع في كونها تزرع في النفوس حبّ الخير والانتماء، وتعلّم الإنسان العطاء دون انتظار المقابل. فالمتطوع يكتسب من تجربته خبرةً حياتيةً، ومهارات اجتماعية، وإحساسًا عميقًا بقيمة العمل الجماعي، بينما يستفيد المجتمع من جهوده في ميادين كثيرة، سواء في التعليم أو الصحة أو البيئة أو التنمية الاجتماعية.

وتُعد المبادرات التطوعية الوجه العملي للتطوع، فهي التي تحوّل الفكرة إلى فعلٍ مؤثرٍ على أرض الواقع. فقد نرى مبادرات بيئية تهدف إلى تنظيف الشواطئ وزراعة الأشجار، وأخرى تعليمية لتقوية الطلاب أو محو الأمية، وثالثة صحية لتنظيم حملات التبرع بالدم أو القوافل الطبية في القرى النائية. وكل مبادرة صادقة تحمل في طيّاتها رسالة إنسانية سامية، تدعو إلى التراحم والمشاركة والإيجابية.

ومن أبرز ما يميز المبادرات التطوعية الناجحة أنها تقوم على وضوح الهدف وحسن التنظيم وروح الفريق، وتحرص على الاستدامة لا على الفعل المؤقت. كما أنها تسعى إلى إشراك مختلف فئات المجتمع من شباب ونساء وأطفال، ليصبح التطوع ثقافة عامة وسلوكًا جماعيًا.

ولقد أثبتت تجارب كثيرة في مصر والعالم العربي أن العمل التطوعي قادر على إحداث تغيير حقيقي. فهناك مبادرات شبابية أنقذت آلاف الأسر من الجوع والبرد، وأخرى أسهمت في بناء مدارس ومستشفيات، وغيرها نشرت الوعي الصحي والثقافي بين الناس. إن هذه النماذج المشرقة تؤكد أن التطوع ليس رفاهية، بل هو ضرورة تنموية تسهم في نهضة الأوطان.

ويبرز دور الشباب بوصفهم عماد المجتمع ومحرك طاقاته. فهم أصحاب الفكر المتجدد، والحماس المتقد، والإيمان بالقدرة على التغيير. وإذا تمّ توجيه هذه الطاقات في قنوات التطوع والمبادرات الإيجابية، فإنّ المستقبل سيحمل ملامح مجتمع أقوى وأكثر تماسكًا.

إنّ ثقافة التطوع والمبادرات التطوعية ليست مجرد شعارات نرددها، بل هي سلوك ينبغي أن يتجذر فينا منذ الصغر، وأن يُغرس في المدارس والجامعات والمؤسسات، ليصبح العطاء سمةً يوميةً في حياتنا. فالمجتمع الذي يعطي دون انتظار المقابل هو مجتمع يسير بخطى ثابتة نحو التقدم والازدهار.

وفي الختام، يبقى التطوع رسالة إنسانية خالدة، تُعبّر عن أنبل ما في الإنسان من مشاعر الرحمة والمسؤولية. وإذا أردنا لمجتمعنا أن ينهض ويزدهر، فعلينا جميعًا أن نؤمن بأن العطاء هو الطريق إلى البقاء، والتطوع هو الجسر نحو التنمية والسلام الاجتماعي.

#سامح_سعيد_عبد_العزيز (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل