أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - الطّالبي وبورمانس من الوفاق إلى الفراق















المزيد.....

الطّالبي وبورمانس من الوفاق إلى الفراق


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 14:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الطّالبي وبورمانس
من الوفاق إلى الفراق
عزالدّين عناية
خصّت مجلّة "إسلاموكريستِيانا" (دراسات إسلامية مسيحية)، الصادرة عن المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية (بيزاي) بروما، في عددها الأخير، عَلَمين من أعلام الحوار الإسلامي المسيحي، بتناول أثرهما في المجال، وهما راهب تنظيم الآباء البيض الفرنسي موريس بورمانس والمؤرّخ التونسي الأستاذ محمد الطالبي، اللذيْن رحلا عن دنيانا خلال العام 2017، بعد مسيرة حوارية حافلة. فقد شغلت قضايا الحوار الرجلين، على مدى نصف قرن، من الستينيات إلى مطلع الألفية الثالثة، سواء عبر صفحات المجلّة المذكورة، أو عبر المنشورات المشتركة أو الأعمال المنفردة. صاغا خلالها تقليدا حواريا عميقا داخل الثقافتين الكاثوليكية والإسلامية، حتى صار ذكر الواحد مدعاة لاستحضار الآخر.
قضى الراهب بورمانس ردحا طويلا من حياته بين تونس والجزائر، لمّا كان مقرّ معهد الآباء البيض (إبْلا) في تونس وإلى غاية نقله إلى مدينة روما في إيطاليا سنة 1964، ليتّخذ مسمى "بيزاي" ويتولى بورمانس فيه السهر على تكوين الرهبان والراهبات المتخصّصين في الشأن العربي والدين الإسلامي. وأمّا قرينه الطالبي فقد كان اتّصاله بعالم المسيحية يافعا، إبان الحقبة الاستعمارية في تونس، تلت ذلك إقامة في فرنسا أثناء الدراسة الجامعية، ثم انغماس في الشأن المسيحي بوساطة نسج علاقات متشابكة مع طائفة واسعة من اللاهوتيين والمفكرين الغربيين. فقد أُطلق على بورمانس "عالِم الإسلاميات الملتزم" لاشتغاله الدؤوب بقضايا الإسلام الفقهية والعقدية أو كذلك انغماسه في قضايا الحوار؛ ويمكن بالمقابل أن نطلق على الطالبي المؤرّخ المكافح، لِما تميّز به من حسّ نقدي ومنزع تجديدي تجاه الموروث الإسلامي، ردَفَه حرص على تطوير وعي معمَّق بالآخر المسيحي.
والسؤال المطروح لدينا ونحن نستعيد سيرة الرجلين: ماذا تُعلّمنا خمسة عقود من التواصل بين الطالبي وبورمانس رغم ما شابها من جفاء في طورها الأخير؟ وفيمَ تتمثّل تركة الرجلين لجيل الحوار اللاحق؟
لقد مثّل الثنائي طليعة التقارب الإسلامي المسيحي في تمثّلاته الشاملة، حتى خيّم ظلّ الرجلين على تقليد الحوار طيلة عقود. كان بورمانس والطالبي يعبّران عن مشاغل نخبة مستنفَرَة تستحضر قضايا اجتماعية وسياسية ودينية تشغل قطاعات واسعة من الرأي العام، العربي والغربي، فكانا خير مثال للمحاور الحريص على الاهتمام بقضايا العصر. فعلى مدى سنوات أبرز الطالبي حاجة المسلمين إلى وعي علمي بالمسيحية، أي إلى دراية بقضايا اللواهيت المسيحية وبالمثل إلى إحاطة بمؤسسات الغرب الدينية وما لهما من حضور فاعل في ساحة الاجتماع. أيقن فيها الطالبي أنّ الحوار معنيّ بتخطّي المستوى العاطفي إلى التأسيس العلمي، والخروج من محدودية الأفراد إلى رحابة المؤسسات حتى يتحوّل إلى فعل مؤثر. وبالمقابل وجد الأب بورمانس نفسه، منذ صدور قرارات مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965)، معنيّا مباشرة بقضايا الحوار مع المسلمين. وقد بدا مقاله الصادر في "إسلاموكريستيانا" (4، 1978) "ما الذي بوسع المسيحيين والمسلمين قوله أو فعله في عالم اليوم؟" بمثابة المانفستو التأسيسي لمشروع الحوار المنشود.
فقد كان الرجلان -بورمانس والطالبي- على دراية معمَّقة باستراتيجيات بعضهما البعض. يتابع كلاهما عن كثب ما يعتمل في الواقع العربي الإسلامي وفي الأوساط الغربية من طروحات وتيارات ورؤى على صلة بالحوار، وما يحول دون دون تحقيق وعوده.
لا يخفي الطالبي ما كان يحزّ في نفسه من وجود علماء إسلاميات مسيحيين وغياب علماء مسيحيات مسلمين، وساحة الحوار في أمسّ الحاجة إلى تلك الفئة. وتبدو تلك الحسرة متأتّية جراء إدراك أن خطاب الإسلام الواعي مع العالم المسيحي لن ترسى دعائمه إلا عبر إلمام علمي بتلك الديانة. فإن تكن كلّيات اللاهوت والكليات المدنية في الدول الغربية، تولي عناية لتدريس الإسلام وتاريخه وتشريعاته، فضلا عن الاهتمام بتدريس لغة الضاد ولهجاتها، فحريّ بأبناء الثقافة الإسلامية أيضا أن يُولوا الدين والاجتماع المسيحيين العناية اللازمة لرصد التحوّلات والتطوّرات.
إذ في ظلّ موجة الانجذاب المبكرة نحو "حوار الأديان"، من الجانب العربي، جرى خوض العملية بمعزل عن متطلّباتها المعرفية وشروطها العلمية، أي دون التعويل على الشروط اللازمة لبلوغ النتائج المرجوة، وبقاء العملية في حيز الخطابات الدعائية. وسواء تعلّق الأمر بمجال الوعي بالمسيحية أو بمجال الحوار مع المسيحيين، أمام الدارس المسلم حقلٌ رحبٌ ينطلق من البلاد العربية ويمتدّ إلى أصقاع عدّة في العالم، ما عادت الثقافة التقليدية قادرة على استيعابه.
لماذا نقول ذلك؟ نستحضر مدخلا مستعادا يتمثّل في باب الردّ على النصارى وهو بابٌ لا يزال شقٌّ واسع يعوّل عليه في الإحاطة بالمسيحية، والحال أن المسيحية قد أضحت مسيحيات واللاهوت قد أضحى لواهيت شتّى. فنحن أمام مستجدّات تحثّ على تطوير أدوات الوعي، بما يستجيب لتنوّع الطروحات اللاهوتية ويقدّر التحولات التي تسري في المجتمعات في شمال العالم وجنوبه.
وفي واقع الأمر تظلّ الأدوات الموظَّفة في المؤسسات الجامعية العربية هزيلة، ولا تفي بوعي المسيحية في بعديها الداخلي والخارجي. إذ عادة ما تطغى في الدراسة قضايا عقدية (مثل التثليث، والتجسّد، والنظر في كتابة الأناجيل، فضلا عن قضايا أخرى مثل مفاهيم الفداء والخلاص وفي أحسن الأحوال تتسلّط مقارنات ليتورجية باهتة تقنع بترصيف الطقوس من الجانبين) وهي محاور أقرب إلى التناول الردودي منه إلى المواكَبة الحيّة لما يعيشه العالم المسيحي. وتكاد تغيب من تلك المعالَجة جلّ المدارس الفكرية واللاهوتية التي طبعت مسارات المسيحية خلال الفترة الحديثة. وهذا المدخل الحيّ والمستجدّ في المسيحية هو ما نحن في أمسّ الحاجة إليه.
صحيح نحن نقف على ميراث هائل بخصوص المسيحية، سواء في بلاد المشرق أو في بلاد المغرب، ولكن السؤال المطروح هو كيف نستعيد تلك المعارف بشكل يواكب بنية الفكر الحديث ويستفيد من المناهج الحديثة؟ وبوجه عام، في دراساتنا المعاصرة نحن معنيون بالخروج من الطابع الجدلي مع المسيحية، إلى إرساء تقليد فهمي يُقدّر الأمور حقّ قدرها ويبوّئ المتابَعة العلمية المنزلة التي تستحقّها. وبما يعني لدينا، التحول بدراسة المسيحية من الاهتمام العمودي إلى الاهتمام الأفقي، والنظر إلى الدين كمعطى حياتي وليس كمعطى ما فوق تاريخي، أي الانزياح باتجاه الانشغال بالإنساني في مختلف أبعاده السوسيولوجية والفلسفية والتاريخية.
بشكل يُفترض فيه أن تكون الأوساط الأكاديمية، المعنية بالشأن الديني في البلاد العربية، مبادِرة إلى ترسيخ تقاليد علمية جديدة في مقارَبة المسيحية، بما يقلّص من أجواء الانكماش السائدة في الأوساط اللاهوتية المسيحية، ويهفت من حالات الاغتراب في الأوساط الإسلامية في تناولها للمغاير الديني، وإرساء مقاربات علمية وتقاليد حداثية تتناول قضايا فكرية بخصوص المسيحية، تعيد ترتيب العلاقات في الداخل العربي وتتواصل مع العالم برؤى حداثية معنية بالدراسات الدينية عامة.
الملاحظ أن القراءة العربية للمسيحية لا تزال رهينة نظرة قديمة في مجملها، في وقت شهدت فيه المسيحية تبدلات هائلة بدت جلية في الحضور النافذ في السياسة والاجتماع (قوى "التحالف المسيحي" و"الصهيونية المسيحية"، في الأوساط الأمريكية، و"سانت إيجيديو" و"فوكولاري" في أوروبا الغربية، وحركات الإنجيليات الجديدة في شتى أنحاء العالم)، وهو ما يتطلب تنبّها لما يجري في الساحة الدينية العالمية.
صحيح تعكّرَ صفو الحوار بين الطالبي وبورمانس في آخر مطافاته، وبلغ درجة القطيعة بين الرجلين، ولعلّ الأسباب متنوّعة في ذلك، ولكن الحوار الإسلامي المسيحي يظلّ مطلبًا لا غنى عنه.
أستاذ تونسي بجامعة روما، إيطاليا



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سوسيولوجية في تطوّر العلوم لدى المسلمين
- التراث والوعي التاريخيّ
- نحن والفكر النقديّ
- الغرب كسرابٍ بِقِيعةٍ
- الفكر المستقيل
- عرب أوروبا وبؤس الثقافة
- العقل الدّيني الغربي كتاب جديد لـ عزالدّين عناية
- المثقّف الهشّ والاستشراق البشع
- أوروبا تعيد النظر في علاقة الدّين بالسياسة
- القوانين والحضارات.. القانون الدولي تاريخه وفلسفته
- الترجمة وقضايا العالم
- تقفّي آثار الاستعراب الإيطالي
- دور النشر العربية متلهّفة على الربح ولا يعنيها تطوير الوعي ا ...
- الإمام والكردينال ومعارج الإيلاف - جدل الشرق والغرب
- الإمام والكردينال
- غرشوم شوليم والصهيونية الثقافية
- في وداع المترجم العراقي الذي تعامل مع العربية بقداسة ورشاقة
- البابا فرنسيس في عزلته
- الكنيسة في العراق
- حوار حول علم الاستهواد العربي


المزيد.....




- خطيب الأقصى يحذر من تداعيات خطيرة للحفريات الإسرائيلية أسفل ...
- فرنسا: بدء محاكمة المتهمين في قضية -الأيادي الحمراء- على نصب ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الاقصى
- الاحتلال يعتقل أسيرًا محررًا ونجله أثناء قطف الزيتون غرب سلف ...
- حنين من غزة.. حين تبتر الروح قبل الجسد
- حملة عنصرية معادية للإسلام تستهدف ممداني في الأيام الأخيرة ق ...
- بابا الفاتيكان: أرض العراق وسمت بالألم والرغبة بالنهوض من جد ...
- كيف أثرت حرب غزة على الحالة الدينية داخل دولة الاحتلال؟
- محافظة سلفيت والبعثة الكندية في القدس تشاركان المزارعين في ق ...
- قلاع وحصون مدينة نابل: شهادة على تاريخ الإسلام في تونس


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - الطّالبي وبورمانس من الوفاق إلى الفراق