أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - المناضل-ة - تعقيدات الوضع اللبناني في حوار مع كميل داغر















المزيد.....



تعقيدات الوضع اللبناني في حوار مع كميل داغر


المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 1831 - 2007 / 2 / 19 - 12:42
المحور: مقابلات و حوارات
    


تابعت قطاعات واسعة جدا من الجماهير الشعبية بالمغرب حرب إسرائيل على الشعب اللبناني في يوليو –غشت 2006، وذلك بمشاعر المساندة للمقاومة اللبنانية، التي قام فيها حزب الله بدور رئيس.ومن جديد لفت الوضع بلبنان الأنظار منذ بدأت المعارضة تعبئتها ضد حكومة السنيورة.
بقصد إيضاح تعقيدات ما يجري بالساحة اللبنانية، وطبيعة القوى الفاعلة بها، وتفاعلها مع محيطها الإقليمي، استجوبت «المناضل-ة» ، الكاتب كميل داغر، المناضل منذ عقود من أجل بديل تحرري اشتراكي ثوري بلبنان وبالمنطقة العربية.
--------------------------------------------------------------------------------

ما خصوصيات الوضع السياسي في لبنان بعد حرب الـ 33 يوماً؟

إن الوضع السياسي في لبنان بعد الحرب المشار إليها مرتبط عميق الارتباط بحقيقة المواقف التي جرى اتخاذها خلالها من جانب الأطراف المختلفة في الساحة السياسية اللبنانية. ذلك أن تلك المواقف هي التي لعبت الدور الأساسي في إطلاق الصراع التناحري الدائر، في الأشهر الأخيرة، ولا سيما منذ بدء الاعتصام الجماهيري في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في أول ديسمبر 2006 الماضي، تحت شعار حكومة الوحدة الوطنية. وبالطبع، يضاف إلى تلك المواقف، لأجل فهم صورة الوضع السياسي الراهن، التحولات والنتائج التي ترتبت على الحرب الأخيرة، فضلاً عن عوامل إقليمية ودولية مرتبطة بالصراع على المنطقة.
هكذا، وعلى رغم أن البيان الوزاري الذي أخذت حكومة السنيورة الثقة على أساسه، في صيف العام 2005، يشدد على مشروعية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى إنهاء هذا الاحتلال بالكامل وذيوله ونتائجه، أياً تكن أشكال هذه المقاومة، بما فيها المسلحة منها، فلقد سارع رئيس هذه الحكومة إلى التنصل من العملية التي قام بها حزب الله وأدت إلى أسر جنديين إسرائيليين، وحمَّل الحزب وحده مسؤولية عمل كان الهدف منه استعادة الأسرى اللبنانيين. ولقد كشف رئيس وزراء العدو، إيهود أولمرت، منذ الأيام الأولى للحرب التي شنها جيشه على لبنان، أنه تلقى رسائل من مسؤولين عديدين في الحكومة اللبنانية يدعونه فيها إلى مواصلة حربه على حزب الله حتى القضاء عليه. وقد اتهم الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، في كلمة له بتاريخ 7 ديسمبر الماضي 2006، «قسماً من الحكومة» بالطلب إلى الإدارة الأميركية أن تشن إسرائيل حرباً على لبنان خلال الصيف، والسنيورة «بمحاولة مصادرة أسلحة المقاومة خلال الحرب»، واسترجع كلام أولمرت مؤكداً أنه يعرف أسماءهم. أكثر من ذلك، اتهم أحد الأجهزة الرسمية التابعة للفريق الحاكم بأنه كان يعمل خلال الحرب للبحث عن أماكن قادة «حزب الله»، وبوجه خاص «لتحديد المكان الذي كنت فيه شخصياً – يقول نصرالله – خلال مرحلة الحرب»، وبالطبع، لأجل إرشاد الطائرات الإسرائيلية المغيرة وتسهيل تصفيته جسدياً.
هذا ولا يمكن نسيان كيف لبّى كامل فريق ما بات يُعرف بفريق 14 آذار/مارس دعوة وزيرة الخارجية الأميركية، رايس، إلى لقاء معها في سفارة بلدها، في عوكر، في حين كان واضحاً تماماً أن الإدارة الأميركية تدعم الحرب الإسرائيلية بالكامل، وتزود الجيش الصهيوني بالأسلحة الأكثر تدميراً، لإنجاح مغامرته الإجرامية وتحقيق أهدافها.
كما أن حزب الله كشف أيضاً، في الأشهر الأخيرة، كيف أن الفريق الحكومي الذي أشرف على المفاوضات معه، برئاسة السنيورة بالذات، حاول الحصول منه حتى على أكثر مما كانت تطالب به إسرائيل والإدارة الأميركية لأجل وقف النار، في مسعاه لنزع سلاحه بالكامل وتسهيل تصفيته، وأنه شارك بصورة وثيقة في وضع مسودة القرار 1701 الأولى، التي رفضها حزب الله بصورة حاسمة.
باختصار، كان كل ذلك كافياً للقضاء على أبسط مقوِّمات الثقة بهذا الطرف، في الوقت ذاته الذي يتمتع فيه هذا الأخير بالغلبة داخل السلطة السياسية، ما يتيح له تمرير قرارات مصيرية لصالح مشروع الإدارة الأميركية الراهنة لما يسمى «الشرق الأوسط الجديد»، ودور إسرائيل الراجح، لا بل المسيطر، في هذا المشروع.
عدا ذلك، فإذا كانت حرب يوليو – أغسطس الأخيرة على لبنان فشلت في تحقيق أهدافها الأصلية، وخلقت أزمة عميقة في الدولة الصهيونية ومؤسستها العسكرية بوجه أخص، فقد كانت لها بالمقابل عواقب لا يمكن تجاهلها بخصوص موضوع المقاومة، وقدرة حزب الله على مواصلة الدور الذي كان يضطلع به على هذا الصعيد، ولا سيما أن القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن قد ألزمه بالابتعاد عسكرياً عن الحدود الإسرائيلية، إلى ما بعد نهر الليطاني، بحيث حل محله في القطاع الواقع جنوبي النهر الجيش اللبناني وقوات الفينول (FINUL) الدولية، التي بات عددها يزيد عن الأحد عشر ألفاً، عدا سيطرة البوارج الأوروبية على المياه الإقليمية اللبنانية، ومنع وصول أسلحة إلى غير الجيش اللبناني، والحكومة اللبنانية، وإصرار وزارة الدفاع الحالية على تطبيق هذا المنع بحذافيره، كما حصل أخيراً مع شاحنة الأسلحة التي صادرها الجيش ورفض تسليمها لحزب الله.
ومن بين نتائج حرب الصيف الماضي، لا يمكن أن نتجاهل واقع الدمار الكثيف الذي لحق بمساكن عشرات الألوف من السكان، سواء في الجنوب أو في ضاحية بيروت الجنوبية، أو في البقاع، بوجه خاص (حيث أن هناك دماراً في مناطق عديدة أخرى، وصولاً إلى الشمال)، وفي الوقت عينه بالجسور والطرقات ومحطات الكهرباء، وغير ذلك من البنى التحتية. وهو دمار يرتِّب أعباء كبيرة على الجهة الأساسية المستهدفة من تلك الحرب، أي على حزب الله، وذلك في وقت بات فيه واضحاً أن الأكثرية الحاكمة الراهنة كشفت منذ فترة الحرب بالذات نيتها للتلاعب بموضوع المساعدات إلى المتضررين من العدوان الصهيوني، وتهريب قسم هام منها لمصلحة قاعدتها السياسية والمذهبية، وذلك على حساب المتضررين الفعليين، والغالبية الساحقة من هؤلاء هم من قواعد الأطراف المنتمية حالياً إلى المعارضة، ومن ضمنها حزب الله. ويسهِّل هذا التلاعب إلى حد بعيد احتكار رئيس الحكومة الحالية، المطعون في شرعيتها، فؤاد السنيورة، لسلطة التصرف بتلك المساعدات.
ولقد بدأت تبرز نذائر الانقسام العميق داخل الحكم منذ الأيام الأولى للحرب. ولكنها راحت تتفاقم بعد انتهائها، وصولاً إلى الاحتفال الجماهيري الحاشد، الذي أقامه حزب الله في الضاحية الجنوبية في 22 سبتمبر الماضي، وتكلم خلاله الأمين العام للحزب، ملمِّحاً في مقاطع عديدة من خطابه إلى المواقف الملتبسة والمشبوهة للطرف المسيطر في الحكومة، وداعياً إلى استبدال هذه الأخيرة بحكومة وحدة وطنية يكون لفريقه فيها وزن مؤثِّر، بحيث يؤمِّن ذلك نوعاً من المشاركة ويحول دون تفرد الفريق المقابل بسلطة القرار فيها.

ما دلالات ومقاصد التعبئة الراهنة ضد الحكومة؟

لقد كانت الأمور تتجه بوضوح نحو القطيعة. والمسعى الجدي الأخير للحيلولة دون هذا المآل تمثل في اجتماعات التشاور التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، وانعقدت في النصف الأول من شهر نوفمبر الماضي، في وقت كان قد توصلت فيه الأمم المتحدة إلى وضع مسودة وجد فيها حزب الله وحلفاؤه اتجاهاً واضحاً إلى استخدام المحكمة لغايات سياسية لا علاقة لها بالضرورة باكتشاف الحقيقة وراء مقتل رفيق الحريري وباقي الاغتيالات التي تلته، طالبين إعطاءهم الوقت الكافي لوضع اقتراحاتهم بالتعديلات عليها، ولا سيما بخصوص مسؤولية الرؤساء عن أعمال مرؤوسيهم الواردة في المسودة المشار إليها.
ومن اللافت أن رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، وهو القيادي الأهم في فريق 14 آذار/مارس، عمد في اليوم ما قبل الأخير لجلسات التشاور إلى عرض مقايضة حكومة الوحدة الوطنية ومطلب الثلث المعطل للمعارضة (الثلث زائد واحد)، أو الثلث الضامن، بالمحكمة الدولية. وهو ما وعد ممثلو الفريق المقابل بدرسه بجدية وإعطاء جواب سريع بخصوصه، ليتفاجأوا يوم السبت 11 نوفمبر بسحب جماعة 14 آذار/مارس لعرضهم، زاعمين أن هذا العرض جاء من الفريق الآخر، ومعبِّرين عن رفضهم له. فضلاً عن ذلك فلقد أكد السنيورة دعوته الوزراء لاجتماع يوم الاثنين 13 نوفمبر لأجل بت مسودة المحكمة الدولية. وهو ما رد عليه وزراء حركة أمل وحزب الله الخمسة بتقديم استقالتهم، وحذا حذوهم في ذلك وزير البيئة يعقوب الصراف، المقرَّب من رئيس الجمهورية. ومذاك بات خصوم الأكثرية الحكومية (والنيابية) يعتبرون حكومة السنيورة فاقدة للشرعية، بسبب الإخلال بما يسمَّى «الديمقراطية التوافقية»، وبعد خروج كل ممثلي مذهب أساسي من الحكومة – وذلك استناداً إلى مقدمة الدستور (النقطة ي)، والمادة 95 منه، بوجه خاص – ويتعاملون معها على هذا الأساس. وهو ما أدى عملياً إلى شلل حقيقي في المؤسسات الرسمية.
وفي تصعيد لافت لموقف حزب الله وحلفائه (ومن بينهم بوجه أخص التيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون)، الذين باتوا يشكلون المعارضة الجديدة، بدأ منذ أول ديسمبر الماضي اعتصام جماهيري حاشد في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، في وسط البلد التجاري، ليشكل ضغطاً سياسياً مؤثراً على حكومة السنيورة، بهدف دفعها إلى الاستقالة. ولكن، إذا كانت المعارضة نجحت في حشد مئات الألوف من المواطنين في الساحتين وحولهما، في اليوم الأول من ديسمبر، فيما بلغ عدد المحتشدين في العاشر منه ما يزيد على المليون ونصف، ونقلت وكالة «فرانس برس» عن ناطق باسم الجيش اللبناني أن «حشداً بشرياً غير مسبوق في تاريخ لبنان» تجمع في ذلك اليوم، في وسط بيروت والشوارع المحيطة به، فإن ذلك أخفق في إجبار السنيورة على التنحي، وذلك لسببين أساسيين اثنين، بوجه أخص، هما:
أولاً: الدعم الذي حصلت عليه حكومته من الإدارة الأميركية والرئيس الفرنسي شيراك، وباقي الحكومات الأوروبية، من جهة، والحكومات العربية المرتبطة بالغرب الإمبريالي، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي تعمَّد ملكها الاتصال، في اليوم الأول من الاعتصام الجماهيري، بالسنيورة بالذات، ومن ثم بباقي وزرائه، فرداً فرداً، لإبلاغهم بمساندته وتشديد عزمهم على الصمود في وجه المعارضة. وقد ترافق الدعم السياسي من جانب هؤلاء، الذي يتكرر باستمرار، وأحياناً بصورة يومية، بالدعم المالي والاقتصادي، كما سيظهر في مؤتمر باريس 3، الذي نجح في 25 يناير الماضي في رصد حوالي سبعة مليارات وستمئة مليون دولار، وهي في غالبيتها على شكل قروض ميسرّة، وذلك لمساندة الحكومة اللبنانية الحالية.
ثانياً: المراهنة، بالمقابل، على تعبئة جزء أساسي من القاعدة الشعبية الطائفية للأكثرية، ولا سيما على نسبة عالية من جمهور المذهب السني.وفي هذا المجال، كان لافتاً استقدام تيار المستقبل للمفتي قباني، مفتي الجمهورية للمذهب المذكور، ليؤم الصلاة في السراي الكبير، مقر رئاسة الوزراء. ومن الواضح أن التعبئة المذهبية والطائفية بلغت حداً عالياً جداً، وهو ما سيعبر عن نفسه بامتياز، وبصورة خطيرة ومهدِّدةٍ جداً، في يوم الإضراب العام في 23 يناير الماضي، ومن ثم في 25 يناير في منطقة الجامعة العربية، مستعيداً أسوأ أجواء الحرب الأهلية السابقة.
لقد هدَّدت المعارضة في تاريخ سابق بالتصعيد لأجل بلوغ أهدافها، المتمثلة بحكومة الوحدة الوطنية، ثم أعلن الأمين العام لحزب الله في خطاب له في 7 ديسمبر الماضي، مخاطباً الأكثرية: «بدأنا ندرس خياراً آخر، بعد مدة لن نقبل حكومة وحدة وطنية يرأسها أحد منكم، بعد مدة سيتحول هدفنا إلى إسقاط هذه الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية تجري انتخابات نيابية مبكرة، وأنتم تعرفون لمن الأكثرية ولمن الغلبة (...)».
هذا وقد رد سعد الحريري متوعداً بتصعيد مقابل تصعيد، وهو ما حصل بالفعل. ولقد بات واضحاً أن البلد مهدد بالانزلاق إلى الفتنة والحرب الأهلية إذا استمرت الأجواء التي شهدها لبنان في العشرينيات من الشهر الماضي، وذلك مهما أكد السيد نصرالله بعدم الاستعداد للانزلاق إلى هكذا مصير مأسوي، وبعدم الرد بالعنف الدموي حتى ولو قُتل للمعارضة ألف ... وهو ما كان قد قاله المرجع الديني العراقي، السيستاني، في تاريخ سابق، ولكن كلامه ذلك لم يحل دون انخراط العراق في إحدى أبشع المجازر البشرية الأهلية في التاريخ، والتي يتبادل فيها الشيعة والسنة هناك أعمال الإبادة الجماعية نفسها!!
إن التعبئة الراهنة ضد حكومة السنيورة، التي بات من الواضح أنها تعاني من مأزق حقيقي، في ظل الانقسام الوطني (ذي الخلفية المذهبية في جانب أساسي منه) الذي يشهد درجة عالية من الاحتدام، إنما تندرج في صراع يزداد تحولاً، يوماً بعد يوم، إلى صراع تناحري على السلطة السياسية. فالمعارضة التي تسيطر إلى الآن على مؤسستين أساسيتين في الدولة اللبنانية هما رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي، والتي تطالب بالثلث المعطل، في الوقت نفسه الذي تهدد فيه بإنضاج ظروف انتخابات نيابية مبكرة، تطمح في الواقع إلى فرض هذه الانتخابات قبل موعد انتهاء ولاية أميل لحود في رئاسة الجمهورية، في الخريف القادم، وإلا الحيلولة دون أن يصل هذا الاستحقاق فيما ليس هنالك من توافق على الرئيس الجديد، وفيما لا تزال الحكومة الحالية في السلطة، جاهزةً لاستلام صلاحيات الرئاسة الأولى. وهو ما تدركه الأكثرية الحاكمة حالياً، وسوف تستشرس في مسعاها لمنع المعارضة من حسم هذا الصراع لصالحها، الأمر الذي يعني أن إمكانات التسوية بالغة الصعوبة، ولا سيما أن الإدارة الأميركية جاهزة باستمرار للحيلولة دونها، عبر ضغوطها على الفريق الحاكم، من جهة، وعلى الوسطاء العرب، من جهة ثانية، علماً بأن هؤلاء الوسطاء أقرب، في الواقع، إلى مواقع الأكثرية الحالية، كما إلى مواقف واشنطن. وبالتالي فإن الوضع الراهن للبلد مفتوح على شتى الاحتمالات، وهي احتمالات محفوفة بمخاطر كثيرة، إلا إذا برزت معطيات جديدة تجعل هذه التسوية ممكنة.

ما طبيعة القوى السياسية في كلا المعسكرين المتصارعين؟

سوف نكتفي بتناول القوى السياسية الأهم في كلا المعسكرين، وبالتالي التي تحدد، في الواقع، أو تشترك جدياً في تحديد سياسة هذا المعسكر أو ذاك، عارضين أولاً لقوى الأكثرية، ومن ثم للمعارضة.
أولاً: قوى الأكثرية الأساسية في 14 آذار/مارس

تيار المستقبل، بقيادة آل الحريري، ولا سيما النائب سعد الدين الحريري. ومن الواضح أن هذا التيار يشكل من حيث انتماؤه الطبقي جزءاً وازناً من البرجوازية المالية، والعقارية أيضاً، في جانب أساسي منه، إذا أخذنا بالاعتبار، بوجه أخص، الأوساط القيادية العليا فيه، المتمثلة بعائلة رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، ورموز أساسية مرتبطة بالمشروع الذي لازم توجهات الرئيس الراحل المشار إليه، من بينها الرئيس فؤاد السنيورة، على سبيل المثال، علماً أنه يضم أيضاً رموزاً من البرجوازيات الأخرى، التجارية والصناعية وإن لم يكن لها الغلبة في هذا اللقاء الواسع بين مصالح الأطراف المختلفة في الطبقة السائدة اللبنانية.
وعلى الرغم من أن هذا التيار يضم أعضاء من طوائف ومذاهب متنوعة، إلا أن الغالب عليه إنما هو الاهتمام بأن تكون له قاعدة سنية واسعة، لا بل أن تكون له الغلبة ضمن جماهير السنة، مستعيناً لأجل ذلك بشتى وسائل الإغراء، ومن ذلك شراء الولاءات سواء بالمال وغير ذلك من الرشوات العينية، أو بالخدمات التي يمكِّنه من تقديمها وجوده المسيطر، على مدى الخمس عشرة سنة الأخيرة، في السلطة. ولكن أيضاً عن طريق الشحن والتعبئة المذهبيين، مع الاستعانة في كل ذلك بالمؤسسة الدينية، من مفتي الجمهورية في أعلى الهرم، وصولاً إلى آخر إمام مسجد في أقصى الأرياف. وهو يستفيد لتعميق هذه التعبئة وتكريسها بواقع النظام اللبناني القائم إلى الآن على أساس الطائفية السياسية، في الوقت نفسه الذي يعمل فيه على تثبيت دعائم هذا النظام، بشتى الوسائل، كما يظهر ذلك عبر كل فترة وجوده في السلطة، وإلى الآن. ومن ذلك امتناعه عن تنفيذ الجانب من اتفاق الطائف الذي ينص على إلغاء الطائفية السياسية، وإحباطه مشروع رئيس الجمهورية السابق، الياس الهراوي، لإقرار الزواج المدني الاختياري.

الحزب التقدمي الاشتراكي
وهو حزب إذا كان قد حاول، في ظل الأب المؤسس، كمال جنبلاط، أن يوحي، على الأقل، بتجاوز ولو نسبي للأصول الإقطاعية للمذكور ، ولواقعه الرأسمالي (معمل سبلين بوجه أخص)، وبالاقتراب في برنامجه، وأحياناً في ممارساته، ولو جزئياً، من الوصف الملازم للحزب (تقدمي اشتراكي)، فقد نجح الابن، وليد، بعد مصرع والده في أن ينزع بالكامل اللباس شبه التنكري الذي كان يرتديه أبوه.
هكذا فمنذ حصول الوليد على عباءة القيادة، في ربيع 1977، وإحكام سيطرته على كامل مفاصل الحزب، الذي تغيب عنه مذاك أي من عناصر الحياة الديمقراطية الجدية، ينخرط هذا الأخير كلياً في تمثيل مصالح البرجوازية المحلية، والارتباط بمشاريع الجناح المسيطر فيها، أي المالي والمصرفي، وذلك منذ انعقاد تحالفه الوثيق مع الحريري الأب، المتواصل بعد مجيء الحريري الابن إلى السلطة. هذا فضلاً عن إخلاصه العميق للبنية الطائفية للنظام اللبناني، وتعميق التعبئة المذهبية لقاعدته الشعبية الأساسية، أي القاعدة الدرزية، التي انخرطت، بوجه أخص منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وحتى انتهاء الحرب اللبنانية في خريف 1990، في معارك يغلب عليها الوجه الطائفي بوجه عام.

القوات اللبنانية
لا تنفي الأصول البرجوازية الصغيرة لقيادة القوات، ولا سيما لزعيمها الأعلى، سمير جعجع، اندراجها بالكامل في تمثيل مصالح البرجوازية الكبرى، ودعم برنامج آل الحريري الرأسمالي النيوليبرالي المتوحش، من ضمن التحالف الحالي المندرج في حركة 14 آذار/مارس. وبالطبع، فإن الميزة الأخرى الأساسية التي تطبع القوات، فضلاً عن ذلك، إنما هي السعار الطائفي الذي لازم تاريخها إجمالاً (والذي يتم تلطيفه ومحاولة تمويهه حالياً، بسبب التحالف الذي تدخل فيه منذ خروج جعجع من السجن صيف عام 2005)، هذا السعار الذي عبر عن نفسه، سواء بالمجازر الطائفية المسؤولة عنها خلال الحرب اللبنانية، أو بمشروع الفدرالية الذي كانت تعلنه آنذاك، ولا يزال جاهزاً بالفعل في أدراجها، لإبرازه مجدداً إذا نشأت ظروف مناسبة لاحقاً.

ثانياً: قوى المعارضة
وتضم هذه المعارضة تركيبة واسعة من القوى والأحزاب والحركات، المتنوعة جداً من حيث هوياتها الاجتماعية والسياسية وتوجهاتها، جامعة ً إلى نواتيها الأساسيتين، المتمثلتين بحزب الله والتيار الوطني الحر، كتلة متنوعة من المجموعات السياسية المتفاوتة جداً من حيث الحجم، والانتماآت، والتمثيل الطائفي والاجتماعي والسياسي؛ من حركة أمل، الطائفية اليمينية المتمثلة في البرلمان اللبناني بكتلة نيابية هامة وذات القاعدة الاجتماعية الواسعة نسبياً وسط الطائفة الشيعية على وجه الحصر، مروراً بقوى قومية شتى، تتراوح في توجهاتها العامة بين مواقع أقرب إلى اليمين بالنسبة لبعضها، كالحزب القومي الاجتماعي، وحزب البعث بجناحيه السوري والعراقي، وأقرب إلى اليسار، بالنسبة لبعضها الآخر كحركة الشعب، والتنظيم الشعبي الناصري، وصولاً إلى القوة الثالثة بقيادة الرئيس الأسبق للوزراء، سليم الحص، فإلى مجموعة واسعة من رموز الإقطاع الانتخابي، من شتى الطوائف، والمناطق، المتحالفة إلى هذا الحد أو ذاك مع دمشق، كسليمان فرنجية، وعمر كرامي ... الخ.
أما النواتان الأساسيتان المذكورتان أعلاه، حزب الله، والتيار الوطني الحر، فنتناولهما بتفصيل أكثر، وإن باقتضاب أيضاً، في ما يلي:

حزب الله
وهو بدأ في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي كانشقاق عن حركة أمل، شكَّل حالة من التجذر آنذاك تحت تأثير الثورة الإسلامية في إيران، وبدعم منها، وانخرط بصورة جدية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، تحت يافطة المقاومة الإسلامية، بالتوازي والتنافس، عملياً، مع جبهة المقاومة الوطنية التي كان يشكل قوامها الأساسي الشيوعيون. هذا وقد نجح، في فترة قياسية، في توسيع قاعدته الجماهيرية، في الوسط الشعبي الشيعي، بسبب التفاني الذي أبداه مقاتلوه في المعركة ضد الاحتلال، لكن أيضاً بسبب المؤسسات الاجتماعية التي كان يبنيها، بتمويل أساسي من إيران، وتوثق علاقاته بتلك القاعدة. وقد انضم إليه، في غضون ذلك، عديدون ممن كانوا في مواقع يسارية، سواء على الصعيد الفلسطيني، كالكتيبة الطلابية في حركة فتح، ذات الأصول الماوية، أو على الصعيد اللبناني، بما يخص عناصر غير قليلة في أكثر من تنظيم يساري أعادوا قراءة الإسلام على ضوء التجذر الذي مثلته الثورة الإيرانية، وبوجه خاص في مواجهة الإمبريالية الأميركية، وضد إسرائيل، وفي آن معاً على ضوء التراجع الكبير الذي عاشته الحركة الشيوعية العالمية في تلك الأثناء.
وفي الواقع، إذا كان الحزب قد انخرط، في مرحلة أولى، وبالأخص في أوائل النصف الثاني من الثمانينيات، في صراع دموي مع الشيوعيين، كان من نتائجه إخراج جبهة المقاومة الوطنية من ساحة العمل المقاوم واحتكار الحزب لهذا العمل مذاك، فلقد مرّ هذا الأخير في تحول حقيقي، بعد انخراطه في الحياة السياسية العامة منذ أوائل التسعينيات، وتخليه نهائياً عن هدف البدايات المتمثل بإقامة جمهورية إسلامية في لبنان. والتجلي الأوضح لهذا التحول يبدو الآن في التحالفات الواسعة، التي دخل فيها، بعد الخروج السوري من لبنان في ربيع 2005، وكان أحد تجلياتها ورقة التفاهم التي وقعها مع حركة غير إسلامية، هي التيار الوطني الحر، بقيادة ميشال عون، ومن ثم الجبهة القتالية الفعلية التي كان هو عمودها الفقري، ولكن التي كان فيها إلى جانبه، بوجه أخص، خلال حرب الصيف الأخيرة، الحزب الشيوعي اللبناني بالذات.
ولا ريب بأن قاعدة الحزب الجماهيرية الأساسية، مع كونها من لون مذهبي واحد، وتنحكم إلى حد كبير بالإيديولوجيا الدينية الإسلامية، في نسختها الشيعية، إلا أن واقعها الاجتماعي، بما هي تتشكل إجمالاً من أوساط طبقية أقرب إلى الفقر والحرمان، لعب دوراً هاماً في تشجيع التجذر الذي عاشه الحزب، والذي سوف يشكل المزيد منه، نحو التبني غير المشروط لمصالح الطبقات الدنيا في المجتمع اللبناني، من جميع الملل والطوائف، المخرج الوحيد الحقيقي من المأزق الراهن الذي يعيشه الحزب، ولكن أيضاً البلد ككل، وسط الانشطار الوطني المخيف، الذي وصل إليه الواقع السياسي الموصوف أعلاه.
ولكن هذا الأفق يتعرض لإعاقة حقيقية، ليس فقط من الإيديولوجيا الدينية المشار إليها، التي تدعو إلى معالجة الظلم الاجتماعي بأعمال البر والإحسان، بل أيضاً من حقيقة مصادر تمويل حزب الله، وهي بالإضافة إلى الدولة الإيرانية – المتناقضة جداً من حيث التطلعات الاجتماعية والسياسية للشريحة الحاكمة فيها، والمفتوحة على تطورات محتملة شتى في ظل الصراع الراهن مع الغرب الإمبريالي، بما فيها الوصول إلى تسوية معه – ، أوساط مؤثرة في البرجوازيتين العليا والوسطى الشيعيتين، أشار إليها أحمد نزار حمزة، في كتابه الصادر بالإنكليزية عام 2004، بعنوان، «في طريق حزب الله»، حين ذكر اعتماد الحزب أيضاً على «هبات من أفراد، وجماعات تجارية، وشركات، ومصارف تعمل كشبيهاتها في الولايات المتحدة، وكندا، وأميركا اللاتينية، وأوروبا وأستراليا».

التيار الوطني الحر
في الحديث عن التيار المذكور، لا بد من تمييزه عن الكتلة النيابية التي يقودها مؤسسه العماد عون، والتي تحمل اسم «تكتل التغيير والإصلاح». وإذا كنا نعرف بوضوح أن قاعدة التيار الشعبية تشمل شرائح وفئات طبقية متفاوتة، ضمن الوسط المسيحي بشكل أساسي، يغلب عليها الانتماء إلى البرجوازية الصغيرة والطبقات الوسطى، فإن التيار يحظى بالولاء والتمويل أيضاً من عناصر غير قليلة في البرجوازية المسيحية المحلية، وبرجوازية الاغتراب.
هذا ومن الواضح أيضاً أنه إذا كان برنامج التيار المعلن منذ عودة العماد عون، تقريباً، إلى لبنان في ربيع 2005، يشدد على مطالب متقدمة، من بينها القضاء على الفساد في الدولة، وعلمنة هذه الأخيرة وفصل الدين عنها، بما فيه على صعيد قانون الأحوال الشخصية، وإقرار قانون انتخابات ديمقراطي، وما إلى ذلك، فهو في الوقت عينه لا يخرج من مواقع البرنامج البرجوازي، ولا سيما في تبنيه لمطلب الخصخصة، حصان السباق الأساسي للغالبية المنضوية في فريق 14 آذار/مارس.
بيد أن التيار، المنحكم من حيث الجوهر، ببراغماتية زعيمه السياسية الغالبة، يمكن أن يتبنى أيضاً، في الممارسة، وفي مواجهة الفريق المذكور، توجهات شعبوية معاكسة، كما حصل حين شارك بكثافة في مظاهرة 10 مايو الماضي ضد ورقة حكومة السنيورة الموصوفة بالإصلاحية، ومن ثم خلال الإضراب الجماهيري الأخير في 23 يناير الماضي ضد البرنامج عينه، وعملياً أيضاً ضد مؤتمر باريس 3، وما قد يتمخض عنه لاحقاً من تضخيم كبير للديون الخارجية، في حال تمكن الفريق المذكور من الانتقال بمقرراته إلى التنفيذ.
في كل حال، وعلى الرغم من عدم القدرة على المراهنة إطلاقاً، انطلاقاً من ذلك، على ما يمكن أن يأخذه التيار من مواقف، ضمن ظروف لاحقة، لا بد من التنويه بالدور الذي لعبه خلال حرب الصيف الماضي مع إسرائيل، في دعم العمل المقاوم واحتضان الجماهير المهجَّرة بسبب القصف الإسرائيلي الشامل للجنوب وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع، وبالموقف الذي وضعه في السنتين الأخيرتين، وحتى إشعار آخر، ليس فقط في مواجهة إسرائيل بل أيضاً في مواجهة مشاريع الإدارة الأميركية للبنان والمنطقة، وساهم في الحد من الانشطار الطائفي القديم، عبر التحالف المعقود بينه وبين حزب الله، وبالتالي من الانشطار الوطني الشامل الذي ينخرط البلد أكثر فأكثر في مسالكه الخطيرة.

هل يمثل حزب الله حالة خاصة ضمن الحركة السلفية بالمنطقة؟ كيف ولماذا؟

كان يمكن أن تكون الإجابة عن هذا السؤال، في المقطع الذي جرى فيه، أعلاه، تحديد طبيعة الحزب المذكور. ولكننا سوف نلتزم بترتيب الأسئلة الأساسي، ولا سيما بسبب الأهمية القصوى لتمييز حزب الله عن باقي الحركات السلفية بالمنطقة، مبينين، ولو باختصار، ما يجعله يشكل حالة على حدة، في هذا السياق، علماً بأن جانباً من الوصف الذي سبق أن قدمناه لمسيرته يساهم، هو أيضاً، في إبراز هذا الواقع.
فعلى الرغم من أطنان الكلمات الكاذبة، على لسان الساسة والإعلاميين، في الغرب الإمبريالي وإسرائيل، على كون الحزب المذكور حركة إرهابية، كان واضحاً باستمرار، في المعركة التي خاضها ضد الاحتلال الإسرائيلي، حتى التحرير في 25 مايو 2000، امتناعه بصورة مطلقة عن أي عمليات ضد المدنيين الإسرائيليين، لا بل بقيت تلك العمليات حتى داخل الأراضي اللبنانية المحتلة واستهدفت الجنود والضباط الصهاينة وعملاءهم العسكريين في الشريط الحدودي. وكان لافتاً جداً أنه، بعد التحرير، امتنع كلياً عن ممارسة أي أعمال انتقامية ضد المتعاملين في ذلك الشريط مع الاحتلال، وحتى ضد أولئك من بينهم المسؤولين عن جرائم حقيقية بحق الوطنيين وأقربائهم هناك. وهو في ذلك يتميز بصورة فاقعة عن تنظيمات إرهابية حقاً، كالقاعدة، وأمثالها.
أكثر من ذلك، فعلى عكس تلك التنظيمات التي تقدس الأعمال الفردية وتزدري العمل الجماهيري بالكامل، فالحزب مشهور بمدى إيلائه الأهمية للنشاط وسط الجماهير وكسب ثقة هذه الأخيرة وتقديم أوسع الخدمات إليها. وكان لذلك دور حاسم في إنجاح مساعيه لتصفية الاحتلال، وللمرة الأولى في تاريخ المنطقة، من دون قيد أوشرط.
كما أن خطابه السياسي، وعلى رغم تأثره العميق بالتأكيد بالخلفية الإيديولوجية الدينية، إلا أنه نجح أيضاً في الابتعاد، قدر الإمكان، عن الاتسام بالعنصرية، التي تطبع بشكل ساحق، على سبيل المثال، خطاب الحركات السلفية الإرهابية، كالقاعدة. علماً بأن خطاب هذه الأخيرة لا يقتصر على الموقف من اليهود، بل ينسحب أيضاً ليشمل المسيحيين، بشكل عام، في وقت نعرف فيه أن حزب الله يدخل في تحالفات، ولا سيما الآن، مع قوى يغلب عليها الطابع المسيحي، كما رأينا بخصوص علاقته بالتيار الوطني الحر. وفي موقفه من الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، يمتنع حزب الله عن استعداء الشعب الأميركي ككل، مكتفياً بالتنديد بالإدارة الأميركية بالذات.
فضلاً عن ذلك، فإن الحزب بات يهتم في السنوات الأخيرة بالانخراط في الحركة العالمية ضد العولمة الرأسمالية النيوليبرالية، حيث يشارك منذ العام 2003 في المنتديات العالمية الاجتماعية، كما في مؤتمرات عديدة عبر العالم للتضامن مع قضايا العالم الثالث، ومن ضمنه القضية الفلسطينية، والعراق، والمقاومة في لبنان، ويدخل في علاقات متوسعة باستمرار مع اليسار الثوري عبر العالم.

كيف هي حالة اليسار في لبنان: الحزب الشيوعي وما إلى يساره؟

ينبغي التوضيح بادئ ذي بدء أنه لا يوجد اليوم إلى يسار الحزب الشيوعي في لبنان أي حركة منظمة فاعلة. ولمزيد من الدقة فإن المجموعة الوحيدة التي يمكن اعتبارها إلى يسار الحزب، في الساحة اللبنانية، هي مجموعة صغيرة جداً، على صلة بالأممية الرابعة، لا تزال تعمل باسم التجمع الشيوعي الثوري، ويقتصر تأثيرها على الصعيد الدعاوي، وفي أوساط محدودة.
أما بخصوص باقي قوى اليسار، خارج الحزب الشيوعي، فتجدر الإشارة بصددها إلى حالتين اثنتين:

الحزب الديمقراطي الشعبي
وهو حزب من أصول قومية عربية يعتنق الماركسية بنتيجة التجذر القديم، السابق لظهوره، الذي شهدته في الستينيات حركة القوميين العرب. وهو أقرب في فهمه للماركسية إلى الأفكار والمفاهيم الستالينية. ويشارك حالياً في اعتصام المعارضة الجماهيري في الوسط التجاري لمدينة بيروت.

حركة اليسار الديمقراطي
وهي انشقاق سابق عن الحزب الشيوعي اللبناني، ملتحق عملياً، وبالكامل، بفريق 14 آذار/مارس وبرنامجه وسياسته الموالية للإدارة الأميركية. وقد وصل أحد قيادييه الأساسيين، الياس عطالله إلى البرلمان، على لائحة تيار المستقبل (الذي يقوده سعد الحريري)، ويتلقى الدعم المالي من هذا التيار. وهو يلعب دوراً مؤثراً في تعزيز حركة الانشقاق المتمادية عن الحزب الشيوعي، الحاظية بقوةٍ بتشجيع الحريرية السياسية وجماعة 14 آذار/مارس.
في كل حال، لقد أوردنا هذه الحركة ضمن منظومة اليسار اللبناني فقط من حيث الشكل (الإسم الذي تحمله)، ولكن أيضاً لأن هناك تناقضات عديدة في توجهات أعضاء عديدين في القيادة كما القاعدة قد تؤدي إلى مغادرة بعضهم لصفوفها، بعد أن تنضج لديهم القناعة بأن الحركة تخدم إجمالاً توجهات اليمين وأقصى اليمين اللبنانيين، سواء على صعيد البرنامج الداخلي المنحكم بمصالح البرجوازية المالية، أو على صعيد المواقف من الصراع الإقليمي والدولي.

الحزب الشيوعي اللبناني
لا يمكن الحديث عن الحزب الشيوعي اللبناني، اليوم، من دون رؤية الأخطار الكبيرة التي تواجهه، وبوجه أخص مخاطر الانشقاقات المتواصلة.
فبعد الانشقاق الذي قاده الياس عطالله قبل سنوات قليلة وأدى إلى ظهور ما يسمّى حركة اليسار الديمقراطي، التي سبق الحديث عن توجهاتها اليمينية البائسة، تتواصل الخطوات الانشقاقية، التي بلغت أوجها أخيراً بظهور ما بات يُعرف بمجموعة المئة، التي اجتمعت قبل أسابيع في منطقة عين الدلب وشهَّرت بالقيادة الحالية للحزب واعتبرتها فاقدة للشرعية، داعية إلى انعقاد المؤتمر العاشر، بعد إطاحة القيادة الحالية، واستبدالها بما سمَّته «هيئة قيادية انتقالية (...) تتحمل مسؤولية التحضير لانعقاد المؤتمر العاشر».
وواضح من البيان الذي وزعته المجموعة في 14 يناير الماضي 2007 ووقعته باسم «كوادر وقيادات في الحزب الشيوعي اللبناني» أنها تتبنى بالكامل الفهم الذي يروِّج له فريق 14 آذار/مارس، والذي يُرجع مأساة لبنان ومخاطر وضعه الحالي إلى ما يسميه «المحور الإيراني-السوري»، والمتعاونين مع هذا المحور في لبنان. وفي هذا السياق يتهم البيان القيادة الحالية للحزب بالالتحاق بالمحور المذكور ويدعو إلى عزلها «سياسياً وتنظيمياً عزلاً كاملاً من جميع مسؤولياتها»، من دون أن يحدد أي طريقة دستورية لإتمام هذا العزل. الأمر الذي يعطي انطباعاً واضحاً بأنها دعوة انقلابية من جهة، وانشقاقية من جهة أخرى، ليس معروفاً إلى الآن ما تحظى به من إمكانات النجاح.
وفي الواقع، لا بد من الاعتراف بأن ما يسهِّل مرور الدعوات الانشقاقية، التي ثمة مستفيدون أساسيون في النظام القائم من تشجيعها وإنجاحها، إنما هو استمرار الحزب في تغييب ديمقراطية تنظيمية متقدمة تسمح بحق الاتجاه بكامل أبعاده، وحتى بحرية تشكيل التكتلات العلنية، في الحالات القصوى، التي تشتغل تحت إشراف القيادة وتجتمع بحضور ممثلين لها، ويتاح لها الدفاع عن وجهات نظرها في القنوات الداخلية، في الوقت نفسه الذي تلتزم فيه بالعمل خارج تلك القنوات على أساس الخط المقر في المؤتمرات الحزبية.
إلا أنه لا يمكن إطلاقاً الوقوف على الحياد إزاء الصراع الراهن. ولن يكون من الصعب إطلاقاً رؤية مكامن الخطأ والخطر في الدعوات الصادرة عن المجموعة المذكورة أعلاه، وفي الموقف السياسي الذي تتخذه من الصراع الإقليمي والدولي على الساحة اللبنانية، وبالتالي مع الصراع الداخلي. وهو موقف متضامن ولو بصورة غير مباشرة، مع الهجمة الأميركية-الإسرائيلية الراهنة، وداعم لأحصنتها المحليين في فريق 14 آذار/مارس، في حين نعتقد أن القيادة الحالية للحزب، في الوقت نفسه الذي حددت فيه موقفاً سليماً من الصراع المذكور، بدعمها لمقاومة الهجمة المشار إليها، بما فيه بالسلاح خلال حرب الـ 33 يوماً الإسرائيلية، المدعومة أميركياً، في الصيف الماضي، حافظت على قدر مقبول من الاستقلالية تجاه فريقي الصراع المحليين، منذ اغتيال رفيق الحريري، قبل عامين. وقد كان ذلك واضحاً حين رفضت الالتحاق بأي منهما، ودعت إلى مظاهرة للحزب وأنصاره، على أساس برنامج اجتماعي وسياسي مفصّل، وقيِّض لها أن تجمع أكثر من خمسة عشر ألف متظاهر في 13 مارس 2005، كما أنها امتنعت عن المشاركة في الاعتصام الجماهيري القائم منذ أول ديسمبر الماضي في ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وإن كان يقال إن ثمة جناحاً في هذه القيادة ضغط لهذه الغاية ولكنه أخفق في ذلك. وهي لا تزال تشدد على برنامج خاص بها متمايز بوضوح عن برنامج المعارضة، من ضمنه فصل الدين عن الدولة، وقيام حكومة انتقالية تضع قانوناً للانتخابات يقر النسبية ولبنان دائرة واحدة وإلغاء القيد الطائفي وتجري انتخابات نيابية مبكرة على أساسه.

هل يخدم تحالف الحزب الشيوعي وحزب الله مصالح كادحي لبنان وقضية النضال ضد الإمبريالية؟

بمقدار ما يبقى هذا التحالف، إذا أمكن أن نضفي هذا الوصف على العلاقة القائمة إلى الآن مع حزب الله، مقتصراً على دعم دور هذا الأخير المقاوم لإسرائيل والغرب الإمبريالي، والتلاقي معه في خطوات عملية ضد مشاريع حكومة السنيورة لاستكمال عملية إخضاع لبنان لوصفات النيوليبرالية ولقيود العولمة الرأسمالية، كما الحال في مظاهرة 10 مايو الماضية، يمكن اعتبار أن ذلك يلبي تلك المصالح ولا سيما أن قيادة الحزب تشدد على وعيها حدود ما يمكن أن تصل إليه معركة حزب الله وتضحياته طالما عجز عن تجاوز سياسته الراهنة، على المستوى الداخلي، لصالح السعي لتصفية النظام الطائفي، وهو مطلب تحاول اجتذابه إليه. ويمكن اعتبار الاتفاق الذي أعلنته هذه القيادة مع قيادة التيار الوطني الحر، في 7 ديسمبر الماضي، في مركز الاعتصام الجماهيري وأمام حشود المعتصمين (الذين يشكل جمهور حزب الله نسبة عالية منهم)، وذلك بخصوص السعيالجدي، ولو التدريجي لفصل الدين عن الدولة، إنما يصب في هذا الاتجاه.

ما تأثير الوضع في المنطقة على وضع لبنان والعكس؟

ربما يكون من الأفضل أن نجيب عن هذا السؤال من آخره، أي بالحديث عن تأثير وضع لبنان على الوضع في المنطقة، وذلك انطلاقاً من حرب إسرائيل الأخيرة عليه. فلا ريب أن الكثيرين يذكرون حالة الرعب والغضب التي امتلكت آنذاك الحكام العرب، من عبدالله السعودي إلى مبارك المصري، مروراً بعبدالله الأردني. وبالطبع، لم يكن الغضب على إسرائيل، بل على ... حزب الله! فمثلما تنصل من أي تضامن مع هذا الأخير رئيس الحكومة اللبناني، السنيورة، فعل أيضاً أولئك الحكام، ولا سيما الملك السعودي، الذي حمَّل المقاومة الإسلامية «المسؤولية الكاملة» (!!!) عما رأى فيه «مغامرات غير محسوبة»، معتبراً أنه «يقع عليها وحدها عبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها»!!
بمعنى آخر، كانت تلك دعوة غير مباشرة (والوزير الأول الإسرائيلي تحدث آنذاك حتى عن دعوات مباشرة، من وراء الستار، ليس فقط من جانب مسؤولين لبنانيين، بل أيضاً مسؤولين عرب) لكي تجهز إسرائيل بشتى الوسائل على تلك المقاومة! وفقط بعد أن صمد حزب الله في وجه العدوان وكبد الصهاينة خسائر جسيمة، بدأ الحكام المذكورون يضغطون لوقف الهجوم الإسرائيلي، ولا سيما حين رأوا مدى تعاطف الشارع العربي مع المقاومة، وبدأوا يخشون أن ينقلب ذلك التعاطف عليهم ويهدد عروشهم وكراسيهم. إن الصمود الأسطوري لآلاف قليلة من المقاومين، المجهزين بأسلحة لا تمكن مقارنتها من قريب أو من بعيد بتلك التي تملكها إسرائيل، كان يكشف بوضوح نزعة الاستسلام المخزية لدى الأنظمة العربية حيال الدولة الصهيونية، ويساعد الجماهير الشعبية الواسعة في بلدانها على إدراك حقيقة تلك الأنظمة ووعي الحاجة لإطاحتها. ولا ريب في أن الحرب الأخيرة على لبنان ونتائجها ودروسها لا بد أن تكون تركت أثراً لا يمحى في وعي الكثير من الناس في المنطقة العربية قد تكون له مفاعيل بالغة الأهمية في السنوات القادمة، ليس فقط بخصوص مستقبل تلك الأنظمة بل أيضاً بخصوص مستقبل إسرائيل.
أما التأثير المعاكس فهو حقيقة أيضاً، أي أن أي تطور يطرأ لاحقاً على الوضع في بلد عربي أساسي، أو أكثر، في هذا الاتجاه أو ذاك، لا بد من أن تكون له مفاعيله الموازية في لبنان، مثلما كانت للتطورات السلبية التي طرأت على الواقع العربي في السبعينيات من القرن الماضي تأثيراتها المدمرة في الوضع اللبناني، ولا سيما بعد الصلح الذي عقده أنور السادات مع إسرائيل، وتبعه عن كثب الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وسط صمت عربي مخجل، مع مفاعيل ذلك الاجتياح المدمرة على موازين القوى السياسية والاجتماعية في بلدنا، لصالح سيطرة اليمين الطائفي الموالي للغرب الإمبريالي، والجاهز إلى هذا الحد أو ذاك للتفاهم مع إسرائيل.
وبالمقابل، بقدر ما قد تتعمق أكثر ورطة الإدارة الأميركية في العراق، وتتراجع قدرتها على تغذية الاقتتال المذهبي هناك (وهذا احتمال جدي، ولا سيما إذا زاد الإيرانيون من دعمهم لمقاومة الشعب العراقي بصورة مؤثرة، مع تنامي التناقض بينهم وبين الإدارة المشار إليها)، فإن ذلك سينعكس إيجاباً على الوضع اللبناني، ويساعد في كسر الهجمة الأميركية في هذه الساحة أيضاً. والعكس صحيح.



#المناضل-ة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غينيا نصر شعب برمته
- صحتنا وأرواحنا أهم من أرباحهم...مسيرة شعبية ضد فرض التسعيرة ...
- استشهاد المناضل مصطفى العرج...سنوات الرصاص ليست ماضيا انقضى ...
- عاملات وعمال شركة بروسيت بتارودانت يناضلن ضد الهشاشة ويخضن ا ...
- الفروع النقابية المناضلة في ك د ش تدعو الى اضراب وطني في قطا ...
- إطلاق سراح المناضلين العماليين الحيدر عبد الكريم ووحيد بن يو ...
- بولونيا قبل 25 سنة سحق نقابة تضامن
- جائزة نوبل للنيوليبرالية ؟ خرافة القروض الصغيرة
- البطالة: من المعني؟
- فندق كنزي بوغافر في تنغير: قبول فرط الاستغلال أو الطرد، لا م ...
- فنزويلا: ضربة صاعقة للمعارضة
- الإيكواتور: نصر تاريخي
- عمال ضيعة الكليتة بتارودانت يواجهون الوحش الرأسمالي
- مقابلة مع ادغاردو لانجر (*) فنزويلا: أسبوعان قبل الانتخابات
- لبنان، الهجوم النيوليبرالي و المقاومة بالشرق الاوسط
- إيران: شبح حرب أم حرب أشباح؟
- حصيلة حركة النضال ضد غلاء المعيشة و مقترحات للسير بها قدما
- غلاء المعيشة: هجوم على العمال وكل الكادحين لن يوقفه غير نضال ...
- غلاء المعيشة هجوم على العمال وكل الكادحين لن يوقفه غير نضاله ...
- نار الأسعار ستشعل نار الاحتجاج الشعبي


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - المناضل-ة - تعقيدات الوضع اللبناني في حوار مع كميل داغر