أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جلبير الأشقر - حوار حول الوضع في العراق:الولايات المتحدة الامريكية والانهيار العراقي















المزيد.....



حوار حول الوضع في العراق:الولايات المتحدة الامريكية والانهيار العراقي


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 1829 - 2007 / 2 / 17 - 07:14
المحور: مقابلات و حوارات
    


تبرز استطلاعات الرأي نفاذ صبر سكان العراق بشأن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يبدو القادة المنتخبون بالعراق رافضين بشدة هذا المطلب. ماذا يجري بنظرك؟

جلبير الأشقر : أرى وجوب إيضاح نقطة بصدد استطلاعات الرأي. يبدو غير قابل للجدال أن غالبية عظمى من العراقيين تطالب بتحديد جدول زمني لسحب القوات الأمريكية. وجلي أن الأمر لا يعني تمني جلاء قوات التحالف على نحو فوري ومتسرع، في بضعة أيام، دون حصول اتفاق بين القوى العراقية الرئيسية. فقد يفضي ذلك، في ظل الشروط الراهنة، إلى حرب أهلية معلنة بالبلد. لكن أغلبية العراقيين الكبرى تعي في الآن ذاته أن بقاء تلك القوات نفسه يؤجج تدهور الوضع، إذ يذكي منذ وقت طويل تنامي الانتفاضة المسلحة، وها هو الآن يوقد نار الحرب الأهلية. وفي الواقع تتغذى المعارك الطائفية باستمرار من وجود القوات الأمريكية ومن السلوك السياسي لسلطات الاحتلال. لهذا السبب يعتبر مؤيدو انسحاب تلك القوات أنه إحدى الشروط الأساسية لإعادة السلم بالبلد، إذا ما زال ذلك ممكنا. يعتقد كثيرون أن تحديد أجل وجدول زمني لسحب القوات قد يخلق الشروط المساعدة على تسريع العملية السياسية، مما قد يتيح للعراقيين عقد اتفاق سياسي وإيجاد سبل تثبيت الوضع وعكس دينامية الحرب الراهنة.

وهذا رأي يشاطره حاليا قسم كبير من المؤسسة الحاكمة بالولايات المتحدة الأمريكية. فعندما يقول أعضاء المؤسسة:"يجب علينا تحديد أهداف، و إنذار حكومة المالكي بأننا سنسحب قواتنا إذا لم تتحقق"، يدل الأمر جيدا على أنهم يدركون أن منظور مغادرة قوات التحالف كفيل بحد ذاته بأن يمارس ضغطا قويا على العراقيين في اتجاه إبرام اتفاق. وهذا بالضبط ما يقوله مناضلو الحركة المناوئة للحرب بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد بعيد، أي أن انسحاب قوات الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف أحد الشروط الرئيسية لأي سعي جدي للخروج من الوضع الكابوسي المتنامي بالعراق. لكنه ليس بطبيعة الحال غير شرط لازم ضمن شروط أخرى، وغير كاف بمفرده. ليس ثمة من يعتقد أن انصراف القوات، أو تحديد جدول زمني للانسحاب، كاف لتحدث معجزة ويصبح كل شيء على ما يرام بالعراق. لكن أمرا بات جليا، ألا وهو أن وجود تلك القوات يفاقم الوضع. والمفارقة أن وجود القوات يمد مختلف القوى الطائفية بغطاء لشن هجماتها، حيث أنها تعلم أن وجود قوات التحالف يحول إلى حد ما دون حصول رد عراقي كثيف على هجماتها، ويتيح لها نوعا من الدرع إزاء معارضيها الطائفيين. هو ذا الوضع القائم حاليا. عودةً إلى السؤال، يمثل جدول زمني لانسحاب الولايات المتحدة وقوات التحالف أمنية غالبية العراقيين الكبرى، ومطلب مختلف القوى المعارضة لاحتلال العراق منذ عهد بعيد. يطالب به الشيعة الصدريون ( أنصار مقتدى الصدر) ويناضلون سياسيا من اجله، كما تطالب به منذ أمد طويل جمعية العلماء المسلمين السنة.

ما رأيك في الوزير الأول العراقي نوري المالكي؟ هل تمثل خلافاته مع واشنطن إخراجا مسرحيا بقصد نيل دعم شعبي أم انها تضارب حقيقي للمصالح؟

جلبير الأشقر : لا أرى في الأمر إخراجا مسرحيا، لأن المالكي ليس تماما ممثلاً من النوع الذي قد ُيخاطر أحد بإخراج مسرحي معه، لا سيما إذا كان جورج بوش هو بطل المسرحية! اعتقد أن ثمة تضارب مصالح حقيقي. إن لديهم طبعا أهدافا مشتركة، وبعبارة أدق، يعتقد المالكي أنه يشاطر الإدارة الأمريكية بعضا من مراميها. إنه يظن أن واشنطن تشاطره مشروع بناء قوات عراقية رسمية وترك العراقيين يتحكمون بالتدريج بوضع بلدهم. كان ذلك منذ عهد بعيد هدف إدارة بوش المعلن، وجلي أن المالكي يقبل إعلان النوايا هذا، وإن مع قسط من الارتياب. فحكومة المالكي تشتكي، مثلا، من بقاء القسم الأعظم من القوات المسلحة العراقية خارج تحكمها، ومن نقص تجهيزها بالسلاح الضروري. لكن ثمة أيضا الكثير من الخلافات الأساسية بدرجة اكبر، منها بوجه خاص كون المالكي، عضو الائتلاف الشيعي بالعراق، غير مرتاح لما تمارس إدارة بوش من ضغوط دائمة عليه من أجل تنازلات لصالح القوى السنية أو أعضاء سابقين بحزب البعث. كما ينزعج الوزير الأول من ضغط إدارة بوش عليه كي لا يعرقل هجوما على ميليشيات مقتدى الصدر، بينما يعتمد هو على الصدر حليفا لحزبه [حزب الدعوة الإسلامية، حزب يعود تأسيسه إلى عام 1958 وكان قادته في المنفى في ظل النظام البعثي] داخل الائتلاف الشيعي. أعيد إلى الأذهان أن المالكي اختير لمنصبه على اثر صراع سياسي مرير داخل الائتلاف الشيعي بين حزبه والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق الذي كان يؤيد مرشحه الخاص، عادل عبد المهدي. كان الصراع في الواقع بين إبراهيم الجعفري، زعيم حزب الدعوة، وعبد المهدي عضو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. كان الجعفري مدعوما من الصدر ومرفوضا بشدة من واشنطن. و في نهاية المطاف، أبرمت مساومة تحفظ ماء وجه الإدارة الأمريكية والصدر على السواء، تقضي بإسناد المنصب إلى المالكي الذي كان نائبا للجعفري. هكذا ما يزال المالكي يستند على تيار الصدر ويحتاج إلى دعم منه لتفادي إزاحته لصالح عبد المهدي.

وبالطبع تتمثل نقطة خلاف أخرى بين إدارة بوش وما يمثله المالكي في مسألة العلاقات مع البلدان المتاخمة للعراق، ومنها إيران بوجه خاص. يمثل المالكي تحالف قوى قريبة جدا من إيران. وطبيعي تبعا لذلك ألا يشاطر معسكره المواقف السائدة في إدارة بوش، والتي ترى في إيران وسوريا شريرتي المنطقة، والعدويتين الرئيسيتين ومصدري المصاعب الأولين. إن وجود خلافات حقيقية بين المالكي وما يمثل من جانب وواشنطن من جانب آخر إنما هو الذي يدفع في واشنطن وداخل المؤسسة إلى ذلك القدر من الشكاوى بصدد المالكي، ومنها دعوات إلى إزاحته. وقد سبق أن تصاعدت نفس الشكاوى ضد سلفه الجعفري، و حدت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى محاربة ضارية لتجديد انتدابه بعد أن مهدت انتخابات ديسمبر 2005 طريق تشكيل حكومة جديدة.

كما أن ثمة طبعا تواطؤا بين المالكي والاحتلال الأمريكي، ويوجد فرق جلي بصدد هذه النقطة بين تواطؤ المالكي، من جهة، وما يبديه حلفاؤه بالتيار الصدري من معاداة للاحتلال، من جهة أخرى. لكن، ورغم هذا التواطؤ، ليس ثمة تطابق للمصالح. ليس المالكي مجرد دمية كما يدعي البعض، ففي هذا تبسيط مفرط لوضع بهذه الدرجة من التعقيد.

تضغط إدارة بوش بقوة لاستصدار قانون جديد بصدد البترول من الجمعية الوطنية العراقية. و يبدو أن بعض التقارير تدل أن القانون سيكون مفيدا جدا لشركات البترول الأجنبية. هل يستعد المجلس التشريعي العراقي لبيع الاقتصاد لشركات متعددة الجنسيات بأبخس ثمن؟

جلبير الأشقر : "بيع الاقتصاد لشركات متعددة الجنسيات بأبخس ثمن" توصيف مبالغ فيه. لا بد من الاطلاع على صيغة القانون النهائية التي ستعرض على المصادقة بالبرلمان. قدمت الصحافة فعلا بعض الإشارات بصدد مختلف المشاريع، لكن لم يدّع أي تقرير معرفة دقيقة بمضمون الصيغة النهائية.

الأمر الأكيد على ما يبدو أن أي قانون مقبل سيمهد طريق عقود مع شركات أجنبية، وهذا لسبب بسيط وجلي يتمثل في عجز العراق بمفرده، تكنولوجيا وماليا، على إصلاح بنيته التحتية وصناعته البترولية، ناهيكم عن إنمائهما. وتكمن العقدة الحقيقية في الشروط أو التنازلات التي ستقدم للشركات الأجنبية. الأمر كله وقف على مدى قيام نقاش حقيقي حول المسألة بالمجلس التشريعي. لذا يظل الأمر مفتوحا وثمة طبعا تيارات تعارض منح تنازلات هامة لشركات البترول الأجنبية على حساب مصالح العراق. فقد نظم إتحاد نقابات النفط ( الذي كان اسمه سابقاً النقابة العامة لمنتسبي القطاع النفطي في البصرة) حملات عديدة ضد أي خصخصة مقنعة لإنتاج البترول ومن اجل حفظ المكاسب العمالية القائمة و زيادتها، لا سيما مشاركة ممثلي العمال في إدارة الصناعة النفطية.

يجب رصد ما سيجري عند وصول المشروع النهائي إلى البرلمان. وبعد ذلك يتعين النظر في كيفية تطبيق القانون، أيا كان، ومع أي من الشركات الأجنبية وبأية شروط، على سبيل المثال. هذا لأنه سيبقى ثمة حيز للاختيار: هل سيكون بوسع واشنطن فرض شركاتها أم ستشرع الحكومة العراقية في تنويع شركائها في قطاع البترول بالتفاوض مع شركات روسية وصينية وحتى إيرانية؟

اعتبر تقرير حديث للبنتاغون ميليشيا مقتدى الصدر خطرا أعظم على القوات الأمريكية من قوات المقاومة، وقد وصفت نيوزويك الصدر بكونه "أخطر رجل بالعراق". ما رأيك؟

جلبير الأشقر : ذلك عين الصواب لسبب واضح. ليس لأن مقتدى الصدر وقواته يكبدون قوات الاحتلال خسائر أكبر من تلك التي تكبدها إياها مجموعات "المقاومة" السنية. ليس لهذا السبب بالرغم من أن الصدريين يمارسون بإستمرار عمليات عسكرية ضد الإحتلال. ليس السبب الحقيقي عسكرياً صرفاً بل هو تركيب لاعتبارات سياسية وعسكرية.

الصدر عدو كبير للاحتلال بفعل قوة شعبيته. إنه يمثل، بين القوى ذات الموقف الجذري ضد الاحتلال، القوة الوحيدة التي تحظى بشعبية واسعة وتستطيع تنظيم هذا الدعم. علاوة على أن هذا الدعم صادر عن الطائفة الشيعية التي تشكل الأغلبية بنسبة 60% من سكان العراق.

أضف إلى ذلك أن مقتدى الصدر أبرم تحالفاً مع إيران، مما فاقم خطره بنظر واشنطن. لذا تجمع المؤسسة الأمريكية على اعتباره "اخطر رجل بالعراق" ، وهو كذلك فعلا. ولهذا سيسعون بكل السبل إلى التخلص منه. وهو يدرك تمام الإدراك انه هدف أول. ويسعى إلى الاحتماء مدركا أنهم لن يترددوا في اغتياله حالما يتمكنون من ذلك. كما تمثل ميليشيات الصدر، جيش المهدي، هدفا رئيسيا وقد جرى مؤخرا اعتقال المئات من أعضائها.

يتمثل احد المرامي الرئيسية لـ"الإستراتيجية الجديدة" المزعومة لدى إدارة بوش بالعراق في إثارة شقاق داخل الائتلاف الشيعي بقصد خلق تحالف قوى يضم الأكراد وبعض القوى السنية والعرب الشيعة المستعدين للتعاون مع المحتل. ويرمون إلى عزل الصدر على نحو يتيح ضرب ميليشياته. ما لم ُيعرف بعد هو مدى قبول أعضاء آخرين من الائتلاف الشيعي لهذا المشروع. لا يبدو لحد الآن أنهم يسعون إلى استبعاد الصدريين. وتشكل إيران على الأرجح السبب الرئيسي في هذا الأمر، إذ تمسك تلك القوى، لا سيما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق، بزمام متين. طهران ساهرة وتمارس ضغطا قويا لمعاكسة السيناريو الذي تسعى واشنطن إلى تنفيذه. كما تجهد إيران لحفظ وحدة الائتلاف الشيعي، ومنع حدوث صدامات بين القوى الشيعية، وتفادي وضع يجعل الصدريين في عزلة بوجه المحتل.

ما تقييمك لمقتدى الصدر؟

جلبير الأشقر : أولا، جلي أن مقتدى الصدر سلفي إسلامي شيعي، و يكفي النظر إلى ما يفرض أنصاره من " نظام أخلاقي" حيث يسيطرون. لكن خاصيته الأساسية لا تكمن في هذا.

فثمة صنوف أخرى عديدة من السلفيات الإسلامية بالعراق. هكذا فكل المكونات الكبرى الأخرى للائتلاف الشيعي الموحد بالعراق قوى سلفية إسلامية. ما يميز في الواقع تيار مقتدى الصدر هو كونه نوعا شعبويا من السلفية الإسلامية. و يتجلى طابعه الشعبوي من جهة في معارضة صلبة للمحتل تعبّر عن تطلعات قطاعات عريضة من السكان، وبوجه خاص في بغداد حيث المواجهة مع المحتل مباشرة أكثر مما في أي مكان آخر، وفي بعض مناطق جنوب البلاد. ويتجلى طابعه الشعبوي من جهة ثانية في سعي حركته إلى التعبير عن مشاعر الجماهير في مظاهراتها ضد شروط الحياة المؤسية. فهم يحتجون وينظمون ضد نقص الخدمات العامة، وكل النواقص الأخرى، مع تحميل مسؤولية الشروط المؤسية كل مرة للمحتل، لا لحكومة المالكي أو الجعفري قبلها.

لقد تمكن التيار الصدري، بتبنيه لهكذا مطالب ومواصلة موقفه الجذري ضد المحتل، من التحول في بضع سنوات إلى قوة مذهلة. لم يكن تيار الصدر في أشهر الاحتلال الأولى غير زمرة صغيرة، وكان البعض يعتقد انه سيظل كمية غير معتبرة. لكنه تعاظم بعد أشهر قليلة ودخل في مواجهات مع المحتل في العام 2004. وجرى مذّاك الإقرار بأنه يشكل خطراً جدياً على المحتل وقد واصل التيار بناء ذاته، بوسائل سياسية بوجه خاص، محققا حضورا قويا في البلد. ويعتبر التيار المناضل الأكثر شعبية بين الشيعة.

شكّل الهجوم الطائفي ضد الشيعة في السامراء (شمال شرق بغداد، على بعد 125 كلم) في فبراير 2006، أي قبل عام تقريبا، انعطافا كبيرا في الوضع بالعراق، وساهم بقوة في تسريع الانزلاق إلى حرب طائفية. وشارك جيش المهدي، المكون من مليشيات تعلن الولاء لمقتدى الصدر، أو على الأقل شاركت قطاعات هامة منها، في أعمال الانتقام الطائفي التي تلت هجوم السامراء. ومذاك انخرطت قطاعات من جيش المهدي بقوة في الحرب الطائفية. و تبدو في نظر طائفتها كقوات دفاعية تحمي المناطق الشيعية من القوات الطائفية السنة. لكنها بنظر العرب السنة قوة طائفية شيعية وتُتهم بجرائم طائفية وانتقامات وتقتيل كثيف، وهكذا دواليك. وقد نال هذا طبعا مما كان للصدر من مصداقية في 2004 و2005 لما كان يبدو كقوة عراقية عربية وطنية معارضة للاحتلال. ويُنظر إليه حاليا كقوة طائفية شيعية، كجناح عسكري للطائفة الشيعية. جلي أن هذا الأمر أضر بمشروعه السياسي الخاص، مشروع بناء زعامته على المستوىالعراقي غير طائفي.

توحي بعض التقارير أن الصدر فقد التحكم ببعض أعضاء جيش المهدي. أترى ذلك صحيحا؟

جلبير الأشقر : اعتقد أن ذلك صحيح تماما. إن جيش المهدي، المرتبط بالصدر، مغاير كليا لمنظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية. فهذه منظمة شبه عسكرية جرى تجميعها وتدريبها بالمنفى في إيران أيام حكم صدام حسين، وقد عادت إلى العراق بعد الغزو الأمريكي. إنها منظمة ذات بينة قيادية قوية ونمط اشتغال ومركزية من الطراز العسكري، بينما جيش المهدي مكون من شرائح مفقرة،وقد تطور في ظل الاحتلال من العدم تقريبا. و كما أسلفت القول نشأت هذه القوة في البدء برفع راية مقاومة الاحتلال قبل أن تنجر إلى الحرب الطائفية. وعلى الرغم من نقص التنظيم أو البنية القيادية لديها، واصلت نموها خلال السنة الأخيرة بشكل مذهل. يصعب بالتالي جداً جداً التحكم بها.

ليس للصدر بنية ملائمة لممارسة تحكم فعلي بقوة بهذه الأهمية، وبالتالي ثمة أقسام كاملة من جيش المهدي خارجة عن تحكمه. تعتبر تلك القوى مقتدى الصدر رمزا سياسيا وقائدا ومرجعية لكنها غير مدمجة في هرم قيادي على غرار البنية العسكرية لمنظمة بدر. وبهذا المعنى، ثمة فعلا قطاعات من جيش المهدي، إن لم يكن الجيش كله، مفلتة من تحكم الصدر المباشر. يحافظ هذا الأخير على تأثيره السياسي لكنه غير التحكم بقوات عسكرية، لا سيما في خضم معركة أو بوجه ردود ثأرية.

ألا يزال آية الله السيستاني الشخصية الأقوى تأثيرا بالبلد؟

جلبير الأشقر : أجبت جزئيا على هذا السؤال فيما سلف. فإن كان مقتدى الصدر عاجزا عن التحكم بما يعتبره"جيشه"، كيف للسيستاني أن يتحكم فعلا بالسكان الشيعة قاطبة؟ لا يزال السيستاني مؤثرا ومحترما من الناحية الروحية وحتى السياسية بالمعنى الواسع. لكنه جلي أن الوضع بات منفلتا من تحكمه عندما بدأ البلد ينزلق إلى الحرب الطائفية قبل عام، أي منذ هجوم السامراء. لم يشكل هذا الحدث هزيمة لمشروع مقتدى الصدر السياسي وحسب، بل مثل أيضا فشلا كبيرا للسيستاني الذي عمل لتفادي تفجر الوضع، وبوجه خاص لاتقاء أعمال انتقام واسعة من جانب الشيعة. لقد أصدر فتاوى عديدة وتصريحات بلغت مستوى مناشدة الشيعة بالامتناع، حتى لو قُتِل الآلاف منهم في هجمات طائفية، عن الانجرار إلى منطق انتقامي والى دينامية حرب طائفية ستكون فخا للجميع. لكن ليس بوسع السيستاني أن يمارس تأثيره، مهما بلغ، سوى بتصريحات وبالنفوذ الديني. وقد بلغ تردي الوضع، في لحظة ما، درجة تردِ أبطلت ذلك التأثير.

كان هجوم السامراء القشة التي قصمت ظهر البعير، أي الحدث الذي شكل انعطافا كبيرا. وجلي أنه مُهد للحدث بتراكم مديد للإحداث التي سبقته، منها هجمات طائفية ضد الشيعة، وتفجيرات انتحارية، وسيارات مفخخة، وهكذا دواليك، قتلت مئات ومئات من الشيعة وأثارت لديهم ضغينة عميقة. اتسم الشيعة، حتى هجوم السامراء، بضبط للنفس على صعيد الجماهير، مع انه كانت تجري أعمال انتقام عديدة باستعمال قنوات أخرى، منها وزارة الداخلية التي تحكمت بها منظمة بدر. لكن هجوم السامراء شكل حدا لا رجعة فيه، وبات التحكم بعده مستحيلا سواء عبر تأثير السيستاني الروحي أو بواسطة تحكم مقتدى الصدر سياسيا بقواته.

هل تجاوز العنف الطائفي بالعراق نقطة لا رجعة فيها؟ و بالتالي باتت الحرب الأهلية حتمية؟

جلبير الأشقر : يصعب قول ذلك. بوسعنا فقط أن نأمل ألا يكون ذلك واقع الحال، وكما قلت آنفا ليس ثمة من وسيلة للتحقق من الأمر غير حل وحيد: وضع جدول زمني لسحب قوات التحالف، قد يجبر القوات العراقية الرئيسية على السعي إلى إيجاد نوع من مساومة مرضية لجميع الأطراف، أي وسيلة للعيش سوية ريثما تتبلور تسوية دائمة مستقبلا. ويتعذر أي تنبؤ غير ذلك. دعني اكرر أن لا احد بوسعه التكهن جديا بإمكان الخروج من الوضع الراهن دون انفجار كلي. الأمر الوحيد الثابت هو أن وجود القوات الأمريكية لا يساعد على اتقاء الأسوأ، وانه طالما بقيت تلك القوات يزداد الوضع سوءا على أي حال. لم ينفكّ الوضع يتردّى منذ بدء الاحتلال. ولا شك في أن زيادة أعداد القوات الذي أعلنه مؤخرا جورج بوش لن يغير الأمر على نحو سحري!

من سيستفيد بنظركم من حرب أهلية شاملة؟

جلبير الأشقر : هذا وقف أيضا على عوامل عديدة. انه وضع بالغ التعقيد. تستدعي الإجابة على هذا السؤال تخمين أي نوع من الحرب الأهلية ممكن، وبين أي أخصام. فلن تكون الحرب مجرد تقاتل بين السنة والشيعة، لان هناك العامل الكردي أيضا. وتوجد انقسامات هامة سواء بين السنة أو بين الشيعة. فيصعب معرفة من سيقاتل من في حال حرب شاملة. وطبعا ستتواصل على صعيد المناطق الطائفية/العرقية عملية "التطهير" الجارية منذ سنوات. وقد تتحول المواجهة، علاوة على هذا "التطهير" الطائفي/العرقي، من حرب مناورات إلى حرب مواقع، تكرس تقسيم البلد إلى هذا الحد أو ذاك. لن تكون لدى الشيعة دواعي هامة لمحاولة غزو المناطق السنية العربية، ناهيكم بالمناطق الكردية، وسيتحتم على السنة العرب الاعتراف بانتفاء حظوظهم في أي حرب ضد الشيعة، وهم أكثر عددا ومدعومون من إيران. هذا وتمثل كركوك المنطقة التي قد تدوم حرب مديدة بصددها أطول مدة، فقد ُيقبل العرب السنة والأكراد، الذي يتعادلون عددا بالإجمال، على القتال بوحشية للاستيلاء على هذه المنطقة أو استعادتها، إذ هي منطقة البترول الهامة الوحيدة التي يمكن لكل من الجماعتين أن تعتبرها حقاً بمتناولها.

جلي أن الاحتلال الأمريكي كان كارثة، حتى من وجهة نظر مصالح النخب الأمريكية. ثمة أناس ُكثر يتساءلون حاليا كيف أمكن وقوع هذه الكارثة. هل كان تفكيك جيش صدام والأمر بإجتثاث البعث خطأ؟

جلبير الأشقر : اعتبار الأمر خطأ متوقف على الجهة المعنية. فمن وجهة نظر المصالح الامبريالية للولايات المتحدة الأمريكية، ومن وجهة السيطرة الأمريكية على العراق، لم تقم إدارة بوش سوى بجملة خيارات فاسدة، أولها اجتياح العراق. من هذه الزاوية، يمكن القول أن قرار غزو البلد شكّل خطأ كبيرا. لكن يجوز أيضا الاعتقاد بان كانت هناك سبل فعالة لفرض السيطرة الامبريالية الأمريكية على العراق عبر تدخل عسكري، وهي سبل كانت تستتبع محاولة جدية لإبرام اتفاق مع أهم قطاعات جهاز الدولة البعثي العراقي. كان ذلك متاحا، وجرت دراسته وحتى التحضير له، لكنه نُحي قبيل الغزو. من زاوية نظر المصالح الامبريالية الأمريكية، كانت هناك فعلا إمكانية على الأقل لمحاولة حكم العراق باستعمال قطاعات واسعة من الجهاز البعثي لكن بدون صدام حسين، والاستيلاء على ذلك النحو على ما يهم الأمريكان في المقام الأول، ألا وهو نفوذ كبير على البلد والتحكم بإنتاج البترول وصادراته. من زاوية النظر هذه، كان تفكيك الجيش وإجتثاث البعث فعلا خطأين مميتين.

لكن هل أن التفكيك والإجتثاث أمرين مدانين أخلاقيا؟ هل كانا خطأين من زاوية مصالح الشيعة العرب؟ هذا ما حدا بي إلى القول إن سؤال "هل كان حل الجيش وإجتثاث البعث خطأين؟" متوقف على سؤال" من وجهة نظر من؟". لا شك أن إجتثاث البعث لم يكن قابلا للإدانة أخلاقيا، باستثناء ما شاب العملية من شطط، لأن حزب البعث كان يمارس ديكتاتورية دموية وحشية. وغير ذلك مسألة حساب متعلق بالمصالح الموضوعة في الميزان. فمن وجهة نظر مصالح الشيعة العرب، لا شك في أن تفكيكا كاملا لجهاز الدولة البعثي كان شرطا لا غنى عنه لتحقيق حكم الأغلبية الحقيقي في العراق.

أتعتقد أن انسحاب الولايات المتحدة من العراق سيؤدي إلى اشتداد العنف الطائفي ؟ و هل سيفضي الانسحاب إلى انتصار البعثيين أو السلفيين؟

جلبير الأشقر : انتصار السلفيين الإسلاميين أمر يمكن اعتباره حاصلا. و لم يبق للبعثيين ما يكفي من سلطة للتمكن من استعادة التحكم بالوضع العام، وحتى بالمناطق السنية العربية على الأرجح. إذ لا يبدو حسب المعلومات المستقاة من مصادر عراقية أن ثمة تحكما ذي شان من الجهاز البعثي بشكل ممركز ومنظم. لقد تشظت أغلب بقايا الجهاز البعثي وأصبحت مجموعات عديدة لا تدين بأي ولاء للبعث. وفي الواقع، يبدو أن قوة تنظيم القاعدة بالعراق فاقت، بقدر ما، كل ما تبقى من جهاز حزب البعث "الصدّامي". ويعيدني هذا إلى مسألة حرب أهلية شاملة: ما قد يحصل هو انفجار فعلي للبلد، مع تقسيمه إلى مناطق مختلفة ارتكازا على الفروق الطائفية الدينية أو العرقية من جهة، وعلى التيارات السياسية المختلفة من جهة أخرى وعلى الأرجح. يعني هذا انه لن تكون ثمة منطقة سنية عربية، بل بالأحرى قوى سنية مختلفة تسيطر على قطع ترابية وتتقاتل، ويصح الأمر ذاته بالجانب الشيعي. وقد تقاتلت القوتان الكرديتان الرئيسيتان بعنف قبل سنوات، وقد تعيد الكرة من جديد. هي ذي النتيجة الأكثر احتمالا لحرب أهلية معلنة. قد يشبه الوضع ما عاشه بلدي لبنان بعد العام 1975، حيث لم يكن البلد مقسما إلى معسكرين عريضين وحسب، بل وقع أيضا تحت سيطرة مختلف أمراء الحرب مع كيانات فرعية داخل كل معسكر، وقد أعيد هذا النموذج في أفغانستان لاحقا. وأُبتدع لوصف ذلك الوضع تعبير "اللبننة" نسبة إلى لبنان. إن العراق مهدد فعلا بـعملية "لبننة" شاملة.

ألقت الولايات المتحدة الأمريكية القبض على إيرانيين بالعراق، واتهمت إيران بالتدخل في شؤون البلد. وادعت إدارة بوش أن بعضا من القذائف المتطورة المستعملة ضد القوات الأمريكية بالعراق من مصدر إيراني، مع قيام حزب الله اللبناني بتدريب مقاتلين. إلى أي حد تعتقد أن لإيران يدا في الأمر؟ هل ثمة مجموعات شيعية مدعومة من إيران منخرطة في مواجهات عسكرية مع القوات الأمريكية؟

جلبير الأشقر : نعم، بلا أدنى شك. تخوض القوات الشيعية العراقية حرب مقاومة ضد قوات التحالف. و توجد على مواقع الإنترنت الخاصة بجيش المهدي و بالصدريين قائمة طويلة بالعمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال، وشكاوى بصدد التعتيم الإعلامي. إنهم يشتكون من تعتيم وسائل الإعلام على عمليات المقاومة بالمناطق الشيعية، واقتصارها على التي تقع بالمناطق السنية. لا شك أن هناك مقاومة بالمناطق الشيعية، أداتها الرئيسية "القذائف المرتجلة" وما شابه، بدلا من مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال، مع أن ثمة أنباء أيضا حول هذا النوع من العمليات. ليس محالا بأي وجه الاعتقاد بإمكان وجود مصلحة لدى إيران في دعم أعمال من هذا القبيل أو غيره، بشرط ألا يبرز هذا الدعم بوضوح ساطع. تتدخل إيران بكيفية أشبه بما يسمى في الولايات المتحدة الأمريكية بالعمليات المستورة، والتي اختص بها الأمريكيون على نحو يفوق غيرهم كما تعلمون. ماذا تريد إيران تحقيقه بهذه الطريقة؟ من جهة، إنه من مصلحة إيران طبعا أن تظل القوات الأمريكية موحلة في المستنقع العراقي في وقت تسعى فيه إدارة بوش إلى كبح إيران بممارسة ضغوط قوية عليها وتهديدها بعمل حربي، الخ.

ومن جهة أخرى دخلت إيران مواجهة إقليمية مع واشنطن، وهذه مسألة ذات وجهين. أولهما دفاعي، بالنظر إلى أن واشنطن هي المهاجمة والمستهدفة لإيران، وتتحدث عن تغيير النظام وكل ذلك. ليست إيران من يسعى إلى تغيير النظام في واشنطن، بل العكس - حتى وإن أمكن القول أن لإيران مصلحة في تسريع الهزيمة السياسية لإدارة بوش، لكنه ليس نوع " تغيير النظام" ذاته في كلتا الحالتين!

يتمثل الوجه الآخر لهذه المواجهة الإقليمية الإيرانية، والتي قد يتجاوز الطابع الدفاعي، في مصلحة إيران في توسيع نفوذها بالمنطقة بقصد تشكيل منطقة عازلة، منطقة حامية مشكّلة من دول صديقة. ولهذا أيضا أهمية اقتصادية. قلت، متحدثا عن البترول، إن بوسع العراقيين الوصول إلى اتفاق مع شركات بترول إيرانية، لان لدى إيران في هذا المضمار وسائل، رغم أنها لا تضاهي ما لدى شركات البترول الغربية.

ثمة أخيرا العامل الإيديولوجي، الذي يجب ألا يُستهان به. ثمة من جهة البعد السلفي الإسلامي المتوجه إلى كل مكونات السلفية الإسلامية، شيعية وسنية، ومن جهة أخرى البعد الطائفي. اقصد التضامن الطائفي الشيعي الممتد إلى أبعد من العراق ولبنان، إلى الشيعة المضطهدين والقاطنين بمناطق المملكة السعودية المنتجة للبترول، كما إلى الذين يشكلون الأغلبية المضطهدة بالبحرين والأقليات الشيعية العديدة بالشرق الأوسط الكبير. لو جمعنا هذه العناصر كلها لحصلنا على فكرة عامة عن جملة الأسباب والدواعي لما تقوم به إيران في المنطقة.

ما العواقب الأرجح بنظرك لمختلف المقترحات السياسية المقدمة مؤخرا: (أ) زيادة أعداد قوات بوش الذي أضاف 21500 جندي إلى القوات الأمريكية المرابطة بالعراق، (ب) توصيات لجنة بيكر-هاملتون، (ج) اقتراح بيتر غالبريث-جو بايدن- لسلي غلب بتقسيم العراق إلى ثلاث بلدان مفصولة؟

جلبير الأشقر : ليس 21500 جندي إضافي الوجه الرئيسي لتنامي لخطة بوش الجديدة. لو اقتصر الأمر على ذلك لكان سخيفا، لان وجود 130000 جندي بالعراق يجرد من أي معنى إضافة 20 ألف آخرين مع الاعتقاد أن ذلك سيغير الوضع نوعيا.

إن التعزيزات قسم من مناورة أوسع تحاول بها إدارة بوش تشكيل تحالف من قوات عراقية، تضم الأكراد وبعض القوى السنية والشيعية العربية، بقصد عزل الانتفاضة السنية المتطرفة من جهة، ومقتدى الصدر بوصفه عدوا رئيسيا من جهة أخرى. تحاول إدارة بوش القيام بهذا كله بدون أهم عناصر اقتراح بيكر-هاملتون وأكثرها طرافة، أي السعي إلى مساومة إقليمية عبر تواصل دبلوماسي مع إيران وسوريا بهدف الحصول على مساعدة منهما على تثبيت العراق تحت سيادة أمريكية. لهذا بالضبط أرى أن لا حظوظ نجاح فعلية للإستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية حاليا. إن إدارة بوش سائرة، جوهريا، في هروب إلى الأمام باتجاه الهاوية. لقد أبانت عن قصر نظر كلي وعن عجز عن استخلاص أدنى درس من تجاربها الخاصة.

أما توصيات بيكر- هاملتون، فتستند على سيناريو شبيه بالذي غادرت به الولايات المتحدة فيتنام. تمثل ذلك في عهد نيكسون في القيام بحوار مع الاتحاد السوفييتي والصين، بعد الاعتراف بعمق المستنقع الفيتنامي وضخامة الصعوبة التي تعترض الولايات المتحدة الأمريكية، مع مفاقمة الوضع التي شكلها تردي الوضع داخل الولايات المتحدة ذاتها. بوجه هذا الوضع العام وبوجه المحنة، قررت إدارة نيكسون-كيسنجر، بحس واقعي أكبر، التواصل مع من يرعى المقاومة الفيتنامية، أي الصين والاتحاد السوفييتي، واللعب على التناقضات بينهما. فحاولوا دق الإسفين بين الصين والاتحاد السوفيتي، وتلك هي المناورة الإستراتيجية التي يسعى أنصار خط بيكر-هاملتون إلى تطبيقها. إنهم يريدون فصل سوريا عن إيران وإبرام اتفاقات مع كلاهما على حدة، مع المراهنة على التناقضات الممكنة بين النظامين. وقد يكون لهذه الخطة معنى أكثر مما لموقف المواجهة الشاملة الذي اتخذه بوش بينما هو في موقع ضعف. قد تكون تلك إستراتيجية أكثر عقلانية بالنظر إلى المصاعب التي تواجه الولايات المتحدة حاليا بالعراق. لكن، وكما حصل بفيتنام، ليس هناك على الإطلاق، حتى إن سارت الأمور على هذا النحو، أي ضمانة للنجاح. قد يساعد ذلك الولايات المتحدة على التخلص من ورطة العراق، لكنه لن يضمن بأي وجه للولايات المتحدة الأمريكية تحكما ما بالعراق في الأمد البعيد. بل قد يفضي ذلك إلى فقدان كلي للبلد في أمد قصير أو متوسط كما حدث بفيتنام.

وتلك حال اقتراحات تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء، بالأقل في الشروط الراهنة. فقد يجري بلا شك التنديد بهكذا اقتراحات من قبل قطاعات عراقية رئيسية على أنها مؤامرة امبريالية لتقسيم البلد، كما حدث مرارا في التاريخ الحديث للشرق الأوسط. هذا علاوة على أن ذلك سيفضي إلى خلق دولة شيعية في جنوب العراق، وهذا أكثر المشاكل خطورة بنظر مصالح الامبريالية الأمريكية إذ أن تلك الدولة الشيعية سوف تتحكم على نحو طبيعي بالقسط الأكبر من بترول العراق الموجود بالمناطق الشيعية في جنوب العراق. ومن شأن ذلك خلق مشكل ضخم للولايات المتحدة الأمريكية لان هكذا دولة شيعية ستتحالف مع طهران وتتعارض مع المملكة السعودية - بحكم ديناميات السياسات الإقليمية ذاتها وبحكم أن القوى الشيعية الأهم حاليا قريبة من إيران. وسيفضى هذا، على ضوء ما ذكرت بشأن مناطق إنتاج البترول بالمملكة السعودية التي يسكنها شيعة، إلى أسوأ سيناريو بالنسبة لمصالح واشنطن. لكن في المقام الأول، وقبل كل شيء، سيؤدي مجرد السعي إلى نشر فكرة الكيانات الثلاث المنفصلة هذه إلى حرب أهلية معلنة، وبدل تفادي هكذا حرب سيكون ذاك السعي مصدرها! كل هذه الاقتراحات إنما تبرز مأزق المشاريع الأمريكية للتحكم بالعراق، وهو سبب ذلك القدر الكبير من المقالات بصحافة المؤسسة الأمريكية التي تؤاخذ إدارة بوش على خلق هكذا ورطة وعلى وزر ما يبدو اكبر هزيمة للمشروع الامبريالي الأمريكي، في التاريخ الحديث على الأقل.

ماذا ستفعل واشنطن، بنظرك، في الأمد القريب؟

جلبير الأشقر : سؤال لا أملك عنه جوابا، لأني لا اعتقد أن لدى إدارة بوش ذاتها جوابا. يحاولون قيادة السفينة في المدى المنظور، رافضين الاعتراف بانها تغرق.

إلى أي حد أثرت لحركة المناوئة للحرب على السياسة أو على الساسة؟

جلبير الأشقر : انتم أدرى بالجواب بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، لأنكم تعيشون بها. لكن إذا نظرنا نحو البلدان الأخرى المتدخلة في الحرب، نرى أن الحركة المناوئة للحرب سجلت فرقا حقيقيا. أفكر في أسبانيا أو ايطاليا وبلدان أخرى تمكنت بها الحركة المناهضة للحرب من فرض انسحاب بلدانها من "تحالف المتطوعين". هذا علاوة على أن الإسهام الحاسم للملف العراقي في إفقاد توني بلير مصداقيته معروف جيدا. وبالولايات المتحدة طالما كانت إدارة بوش قادرة على نيل أغلبية انتخابية، أمكنها، إلى هذا الحد أو ذاك، تجاهل ضغط الحركة المناهضة للحرب، سيما أن هذه لم تستطع إبقاء أنشطتها في مستوى مرتفع على نحو مستمر، ما عدا في لحظات ذروة.

لكن الحملة السياسية المديدة ضد الحرب، وكشف ما كان يجري بالعراق أديا إلى رفض إدارة بوش وأغلبيتها الجمهورية خلال الانتخابات الأخيرة [نوفمبر 2006].و لا يعني هذا أن الأغلبية القائمة بالكونغرس تعارض الحرب، لكن رفض سياسة بوش هو الذي دفع بهؤلاء إلى الحصول على الأغلبية، سواء سياسته الخارجية المجسدة في المغامرة العراقية، أو سياسته الداخلية المطبوعة بكارثة إعصار كاترينا [ في نيو أورلينز - اغسطس 2005]. كما أن الانقسام الحاد القائم داخل المؤسسة بصدد ملف العراق لدليل على أهمية الحركة المناوئة للحرب والضغوط التي مارستها والتي تصبح اشد فعالية عندما تميل الوقائع على نحو لا جدال فيه إلى تأكيد ما نددت به، وتلك حال العراق.

أي شعارات يتعين على الحركة المناوئة للحرب رفعها حاليا ؟

جلبير الأشقر : الشعارات ذاتها التي رُفعت - أو كان عليها أن تُرفع - منذ البدء. أقصد شعار "الانسحاب فورا"، أي مطلب وقف تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق. يعنى هذا مطالبة الإدارة الأمريكية باتخاذ قرار مغادرة العراق ووضع جدول زمني لسحب القوات الأمريكية على حقبة لا تتعدى بضعة أشهر. سيتقاطع هذا مع مطلب أغلبية سكان العراق، وكذا مع تمنيات أغلبية سكان الولايات المتحدة الأمريكية.

تعريب المناضل-ة عن موقع «A l’encontre»

أنجز المقابلة ستيفن ر. شالوم وكريس سبانوس ونُشرت بموقع ZNet يوم 22 يناير 2007



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الولايات المتحدة: الانهيار العراقي
- لبنان: المطامع الامبريالية في محك الواقع
- المطامع الإمبريالية الأميركية سفينة قيد الغرق
- الحرب في لبنان
- إسرائيل تتخذ شعبا بكامله رهينة
- العدوان المزدوج على فلسطين ولبنان
- إخفاق المشروع التنويري في المنطقة العربية وشروط استنهاضه
- همجية - الرسالة المتمدنة
- الانطباعات الأولى حول فوز -حركة حماس- الانتخابي
- إحتلال العراق في سياسة واشنطن الإمبراطورية الراهنة


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - جلبير الأشقر - حوار حول الوضع في العراق:الولايات المتحدة الامريكية والانهيار العراقي