أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - العقل في التجربة الإنسانية















المزيد.....

العقل في التجربة الإنسانية


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 17:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بكلّ وضوح، يمكنني القول: مَن لا يريد أنْ يتبنّى سؤال العقل في رؤيته لِذاتهِ ووجوده وواقعه، لا يستطيع في المقابل أنْ يؤسس موقفاً عقلياً، يرتكز عليه في نظرتهِ للأمور والوقائع والأفكار. فالعقل، يعني بصورةٍ أكثر تحديداً، أنْ ترى ذاتك المفكّرة والمتسائلة والمستنطقة تتخلّقُ فكراً وتفسيراً ومعنىً في رحابتهِ الطليقة. والعقل هنا يملكُ أنْ يمنح الفعل التفكيريّ والتساؤليّ والنّقديّ، الجدوى من بقائهِ على قيد الابتكار التفسيريّ للذات وللحياة أيضاً، من حيث أنّ العقل إنّما يبني موقفه الفكريّ على ضوء التجربة الإنسانيّة في شتّى تعالقاتها الخلاّقة مع المعاني، والأفكار، والثقافات، والتوجّهات، والوقائع، والتحوّلات التاريخيّة أيضاً.

مع العقل تأكيداً، يملك الإنسان أسباباً كثيرة، تجعله يعتني جيّداً بأسلوبه، وطريقته وتفكيره، ذلك لأنّ ما تملكه من عقلك، هو بالضبط ما تستطيع أنْ تفكّر وتبحث فيه، وتسأل عنه، وتتبنّاه أسلوباً في حياتك أيضاً، ويصبح تالياً الأساس الفعليّ في تجربتكَ الفكريّة، والمعرفيّة، والتساؤليّة. لذلك كان العقل في مختلف التجارب الإنسانيّة، الباعث على اجتراح التوجّهات الفلسفية والمعرفيّة، التي من خلالها استطاع الإنسانَ أنْ يدركَ الأهميّة الكبيرة للإرادة الإنسانية المعرفيّة، والتفكير الإنسانيّ التساؤليّ والنّقديّ، في ترسيخ مبدأ الحريّة الكاملة في آفاق التفكير، والسؤال، والنقد والاجتراح.

دائماً ما كان العقل الإنسانيّ يبحثُ عن وجوده، في مختلف مراحل التجربة المعرفيّة عبر امتداداتها الفلسفيّة والتفكيريّة، لأنّه المعنيُّ تماماً بِترسيخ حقّ الإنسان أولاً في تحقيق ذاته وفقاً لطريقته، وأسلوبه، ونظرته، وحقّه أيضاً في حريّة التفكير، والسؤال والنّقد. لذلك ليس من الغرابة أنْ نجد العقل الإنساني في أفق التجربة المعرفيّة، قد استطاع أنْ يحقق الفتوحات العلمية والفكرية والثقافية، الملهمة والخلاّقة، والتي من خلالها أثبتَ أنْ العقل يتحرك دوماً إلى الأمام، ويتّجه دوماً ناحية التقدَّم، ولا يتخلّف عن عصره، ومسكونٌ على الدوام بالانجاز والابتكار، وليس أجمل دليلٍ على ذلك سوى قدرة العقل دائماً على الإبداع. الإبداع الذي من شأنهِ أن يصنع الفارق في النظر إلى الحياة، ليس كونها ممرَّاً عابراً، بل كونها أفقاً شاسعاً يتسع لأكثر من فكرةٍ، ونظرةٍ، وحقيقةٍ، وسؤالٍ وطريقٍ، واتّجاه، ففي هذا الإبداع تكمن قيمة العقل الإنسانيّ، وهوَ يخوض تجربته المعرفيّة والفكريّة هنا وهناك، مكتشفاً في الطريق ذاته، أجمل الحقائق التي تخبره عن مدى تعلّقه البديع مع تجلّياته، واستنطاقاته، واشراقاته.

في تجربة السؤال والفكر، وحده العقل يعلمُ مَن يكون، لأنّه يملك أدوات التمكّن مِن اعتلائهِ مدارج الفهم، فالفهم في منطقه يساوي السؤال في أهميّته وحقيقته، والفهم في قانونهِ يساوي الفكر في مستوياته الخلاّقة، ويعلم العقل في الوقت ذاته كيف عليهِ أنْ يكون، لأنّه في هذه الحالة قد استحوذَ على استقلاليّته وحريّته في رحابة السؤال، والفكر والنّقد، فيكون كما يريد أنْ يكونَ دائماً، يخوض تجربته المعرفية حرَّاً، وجريئاً، ومكتشفاً ومبدعاً. لذلك كم يبرع العقل الإنسانيّ في التحرَّر من المحرَّمات الثقافية، الطافحة بقواعد تجريم التفكير النقديّ، والتساؤليّ، ويبرع العقل الإنسانيّ أيضاً في تجاوز تلك المحرَّمات، انطلاقاً من قدرتهِ على استدعاء المخزون الفلسفيّ الإنسانيّ الحر، في التعاطي الخلاّق مع تجربته المعرفية في أفق السؤال، والفكر والنقد.

نعرفُ جيّداً أنّ العقل في مدركاتهِ، وتفسيراته، وتساؤلاته وأحكامهِ، لا يتأسَّس مطلقاً على فكرة الغيب، ذلك لأنّه يدخل في صميم التجربة الإنسانيّة، من حيث كونها أفقاً تفكيريّاً، وتساؤلياً، ونقديّاً، واستنطاقيّاً وواقعياً بالضرورة، ومنطقياً بالمجمل الأعم، ولذلك نتجَ عن كلّ ذلك أنّ العقل هو الامتداد الفعليّ للوعيّ، الوعيّ الذي يمتاز به الإنسان، ويتشكّل إدراكاً، وفكراً، وسؤالاً، واختياراً في تفسيراته وأفكاره، وإبداعاته ومنطلقاته، ومن ذلك نستطيع أنْ نعرفَ أنّ الوعيّ كان الأساس في تطوّر الإنسان، وكان العلامة الدالة على أنّ العقل الإنسانيّ قد تعرَّف على حقّه الطبيعيّ في الاختيار، والتفكير، والنقد، والسؤال والتجربة.

والعقل في تجربة السؤال، والنقد والاجتراح، يقرأ، ويقرأ، ليس لأنّه يريد أنْ يقرأ، بل يقرأ لأنّه مسكون في الأساس بالفهم، يقرأ لكي يفهم، ويفهم لكي يتعلّم، فالفهم في قانونه هو تلخيص بليغ للتعلّم. إنّه التعلّم على الفهم، والبحث، والنقد والسؤال، ولا يصل العقل إلى ما يريد إلاّ حينما يعرفُ أنّ في التعلّم طريقه إلى ممارسة ذاته المفكّرة، والمتسائلة والناقدة. إنّه في الفهم والتعلّم إنّما يمارس تفكيره وسؤاله، كَممارستهِ الذاتيّة الملهمة للقراءة والنّقد. وإنّه في كلّ ذلك إنّما يحظى بتجربةٍ ثريّة، فيها من ثراء الفهم ما يجعله شغوفاً بالتعلّم والتفكّر، وفيها من جمال القراءة، ما يجعله شديد التعلّق بطريقتهِ في استحضار الأفكار الطَّليقة، وفيها من لذة الفِكر، ما يجعله وثيق الصلة دائماً بتفكيره، وسؤاله واستنطاقاته.

العقل في تجربة الإنسان المعرفيّة، يفتح نوافذه المشرعة على رحابة الحياة، فلا شيء يغريه في ذلك، سوى متعته الخلاّقة في اقتناص بدائع المعاني من نافذته الشاسعة المطلّة على آفاق التجربة الإنسانيّة، عبر امتداداتها المعرفيّة الهائلة، في فنون الأفكار والتصورات، والمفاهيم والإبداعات. إنّه في هذا الأفق الطليق، يشتهي العقل وجوده وتفتّحاته التفكيريّة، ومغامراته الفكريّة أيضاً، بعد أنْ أوصدَ من خلفهِ تماماً كلّ تلك النوافذ المعتمة، والقاتمة، والمقيّدة والضيّقة، لأنّه أصبح مغرماً باستقلاليّته، وحريّته، وتفتّحاته، وجرأته في أفق الأفكار، والتجلّيات والدهشات، وفي شساعة هذا الأفق أخذ يعي جيّداً دوره في اقتناص المعنى، والتركيز مكثقاً على الحسّ التفكيريّ، والنقديّ والتساؤليّ.

والعقل الإنسانيّ في تجربة الحقيقة، بإمكانهِ دائماً أنْ يبحثَ عن وجوده في كلّ احتمالات السؤال، وفي كلّ تموّجات التفكير، وفي كلّ آفاق الأفكار الحرَّة، وفي كلّ تدرَّجات الفهم، والاستفهام والنّقد، لأنّه يبني نفسه بنفسه، ولا يشغله سوى أنْ يكون مركّزاً على انشغالاتهِ، في خلق تصوّراته، واستنطاقاته وتفلسفاته، ولأنّه يعرفُ في الأساس أنّ الأوهام والخرافات لا تحتاج إلاّ إلى الأكاذيب والتهويمات، ولذلك لا يشغله سوى أنْ يجد نفسه في سؤال الحقيقة، الذي يتجلّى له في انشغالات التجربة، والتفكير، والاجتراح والمبادرة والممارسة، فالأوهام دائماً ما تخسر معركتها ضد العقل، ولذلك ما يشغله هو بالضبط ما يشغل تفكيره في سؤال التجربة، والحقيقة، لأنّه الانشغال الوحيد الذي يستطيع من خلاله، أنْ يبني عليه نظرته المستقلّة الحرَّة، حول كل ما يتعالق معه سؤالاً، وتفلسفاً، واجتراحاً، وإبداعاً وتفسيراً.

وتأكيداً على ما سبق، أستطيع القول، أنّ العقول الحرَّة في تجربة الحقيقة والإنسانيّة، إنّما تنتمي بالأساس إلى أولئك الذين وجدوا في التفكير، والسؤال، والنقد والاجتراح، طريقهم الأجمل إلى التقدَّم، والتطوّر، والوعيّ والفهم، فالعجز عن كلّ ذلك في نظرهم، يعتبر كارثة عليهم، وهزيمةٌ فادحة في معركة الحريّة، والسؤال والحقيقة، فمنتهى الجمال والإبداع والألق، والعلوّ والرقيّ، والضوء، معايشة العقل في تجربتهِ الإنسانية المعرفيّة الخلاّقة والملهمة، والمبدعة.



#محمود_كرم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذات في فلسفة الانعتاق
- تأمّلات في فلسفة الوحدة
- الحريّة في فلسفة التغيير
- المُحبّون يعيشونَ كثيراً
- الإنسان وفلسفة الاختيار
- رسائل عابرة
- الحالمونَ لا يفشلونَ أبداً
- فلسفة العقل ما بين الذاتِ والحقيقة
- وداعاً يا صديقي الجميل
- أنْ تحيا سعيداً في فلسفتك
- أنتِ يا سيّدة الحرف الطَّليق
- الإنسان في فلسفة التعبير
- الإنسان.. متفلسِفاً
- في أنْ يحضر الإنسان جميلاً
- الإدراك في العقل الفلسفي
- الحبُّ والمعرفة ... فلسفيّاً
- الحياة في فلسفة الذّاكرة
- المقدَّس وثقافة التّقديس
- في التّفلسفِ جوهر الخَلق
- الإنسانُ في فلسفة التّكامل


المزيد.....




- مصر: تصريح جديد للسيسي حول نشر قوات دولية في غزة
- قائد القيادة المركزية الأميركية يزور غزة لبحث سبل إرساء الاس ...
- مسؤول في حماس: نزع سلاح الحركة -غير وارد وخارج النقاش-
- رئيس وزراء فرنسا يتحدى الزمن لتشكيل حكومة
- واشنطن تايمز: طلب مثير للجدل أطاح بالاتفاق بين سوريا وإسرائي ...
- السيسي يدعو لنشر قوات دولية في غزة ويخطط لمؤتمر الإعمار
- زيلينسكي يدعو ترامب للتفاوض بشأن أوكرانيا بعد اتفاق غزة
- غارديان: الحذر واجب رغم قبول نتنياهو وقف إطلاق النار
- من يعرقل تنفيذ خارطة طريق حلّ أزمة السويداء؟
- لماذا أرسلت واشنطن 200 عسكري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - العقل في التجربة الإنسانية