رزكار عقراوي
سياسي واعلامي يساري
(Rezgar Akrawi)
الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 22:44
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
يساري مستقل
في سياق التحولات التي يشهدها اليسار العراقي والعالمي، من الضروري الجمع بين أشكال النضال اليساري التقليدية والمجالات الجديدة في الفضاء الرقمي والمؤسسات الرسمية، فالمشاركة السياسية بكل ميادينها هي إحدى أدوات الصراع الأساسية. النضال لا يقتصر على الشارع أو المصانع أو المزارع أو المكاتب أو على النقد الفكري، وإنما من الضروري أن نعمل في كافة المجالات، وأن يشمل ذلك العمل داخل مؤسسات الدولة والبرلمان والمجالس المحلية، لأنها ساحات مهمة يمكن من خلالها إيصال الصوت اليساري وصوت شغيلات وشغيلة اليد والفكر، وتوسيع التأثير الجماهيري.
نعلم جيدًا أن القوانين الانتخابية في العراق ما زالت ناقصة وتحتاج إلى إصلاحات جذرية، وأن البيئة السياسية مليئة بالمشكلات البنيوية والمال السياسي والنفوذ الطائفي والقومي وسلطة الميليشيات. لكن العراق يبقى، رغم كل ذلك، دولة من دول الشرق الأوسط، ولا يمكن مقارنته بالديمقراطيات المستقرة والمتقدمة. ومع ذلك، فإن أي مساحة محدودة من الحرية أو أي فرصة للمشاركة يجب أن تُستثمر من قبل القوى اليسارية والتقدمية لبناء حضورها والتأثير في القرار السياسي والتشريعي، وتوسيع نطاق نضالها من خلال أدوات الدولة ذاتها. فالمشاركة في الانتخابات ليست خضوعًا للواقع، وإنما محاولة لتغييره من الداخل، وهي أحد ميادين النضال المتعددة التي يجب أن يتكامل فيها العمل السياسي والتنظيمي والجماهيري والإعلامي والرقمي.
الاستفتاء والعقل الجماعي ورأي الأكثرية في تنظيمات اليسار
الحزب الشيوعي العراقي اتخذ قراره بالمشاركة في الانتخابات من خلال استفتاء داخلي شاركت فيه الرفيقات والرفاق الأعزاء من داخل الحزب، وهو قرار يعكس إرادة الأغلبية الحزبية، ويعبّر عن ممارسة ديمقراطية داخلية جماعية تستحق التقدير. إن اعتماد آلية الاستفتاء داخل الحزب في القضايا المصيرية والمهمة يمثل خطوة متقدمة نحو ترسيخ مبدأ القرار الجماعي وتوسيع المشاركة الفعلية للأعضاء في صياغة الموقف السياسي والتنظيمي، وهو ما يجب أن يصبح قاعدة ثابتة في جميع التنظيمات اليسارية، لا استثناء ظرفيًا.
من الضروري أن تتحول آلية الاستفتاء إلى ممارسة مؤسساتية دائمة داخل تنظيمات اليسار، وأن تتطور تقنيًا وتنظيميًا لتستفيد من إمكانات الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة في ضمان الشفافية، وسرعة التداول، وتوسيع دائرة المشاركة لتشمل الأعضاء، والكوادر، والمناصرين، وحتى الأصدقاء المتضامنين خارج التنظيم كآراء استشارية. إن الاستفادة من الرقمنة يجب أن تشمل أيضًا تطوير منصات رقمية للحوار والنقاش المفتوح حول المواضيع المطروحة قبل أي استفتاء أو قرار، بما يتيح مشاركة أوسع وتفاعلًا أعمق بين مختلف المستويات التنظيمية والفكرية. فاليسار المعاصر لا يمكن أن يبقى أسير البنية التنظيمية المغلقة أو الهياكل البيروقراطية القديمة، بل عليه أن يبتكر أدوات جديدة للحوار والتفاعل الديمقراطي تسمح بتعدد الآراء ونقاشها علنًا وبشفافية كاملة.
تطوير آليات الاستفتاءات الداخلية هو تعبير عملي عن احترام الرأي الجماعي، واعتراف بدور القواعد التنظيمية في صناعة القرار وليس فقط القيادات. كما أنه يشكل أساسًا لثقافة ديمقراطية يسارية حديثة تربط بين المشاركة التنظيمية والمواطنة السياسية، وتحول الحزب من جهاز قرار مركزي إلى حركة فكرية ومجتمعية حيّة تتفاعل مع بيئتها وتعبر عنها بصدق، وتعطي في الوقت نفسه انطباعًا ديمقراطيًا إيجابيًا للمجتمع عن آليات اتخاذ اليسار لقراراته المهمة، وتؤكد أن اليسار لا يطرح الديمقراطية كشعار فقط بل يمارسها فعلًا في تنظيمه وحياته الداخلية اليومية.
وبما أن الحزب الشيوعي العراقي هو أكبر أحزاب اليسار وأكثرها تنظيمًا وانتشارًا، يمكن القول إن هذا القرار الجماعي عبر الاستفتاء يعبر إلى حد بعيد عن موقف الأغلبية اليسارية العراقية. لذلك أرى أن من الضروري دعم هذا الموقف، رغم كل التحفظات المشروعة على العملية الانتخابية نفسها، أو الاختلاف في بعض التفاصيل السياسية مع الحزب الشيوعي العراقي والكردستاني، التي هي أمر عادي. وفي ظروف العراق المعقدة من الطبيعي أن تكون هناك اجتهادات يسارية مختلفة، ومن الضروري أن يستمر الحوار الرفاقي المفتوح حولها بروح ديمقراطية متمدنة مسؤولة، تعزز التنوع وليس الانقسام والتشتت.
تطور في مواقف القوى اليسارية الأخرى
إن الموقف الجديد والمهم الذي اتخذته الرفيقات والرفاق الأعزاء في الحزب الشيوعي العمالي العراقي والحزب الشيوعي العمالي الكردستاني، بإعلان قناعتهم بضرورة المشاركة في الانتخابات، يمثل تطورًا نوعيًا وإيجابيًا في مسار الحركة اليسارية العراقية. فهذا التحول يعكس إدراكًا واقعيًا ومتقدمًا لضرورة تنويع أساليب النضال، وعدم حصرها في المقاطعة أو المواقف الاحتجاجية وحدها، بل الانفتاح على كل الساحات الممكنة للتأثير في الوعي الجماهيري وفي موازين القوى السياسية، ويعكس في الوقت نفسه مرونة عالية في التعامل مع الأحداث والمتغيرات السياسية والاجتماعية، والاستفادة من التجارب السابقة في ضوء الواقع الجديد، بما يخدم مجمل الحركة اليسارية وقضايا شغيلات وشغيلة اليد والفكر في العراق وإقليم كردستان.
لقد كان موقف الحزبين من المقاطعة في المراحل السابقة مبنيًا على تحليل دقيق لظروف الاحتلال والتدخلات الخارجية والفساد والاستبداد ونواقص العملية الانتخابية، لكنه اليوم يتجه نحو مزيد من الواقعية وثقة أكبر بقدرة اليسار على الفعل والتأثير المباشر. هذا التحول لا يقل أهمية عن المشاركة ذاتها، لأنه يعكس استعدادًا للمراجعة والتجديد الفكري والعملي في ضوء التجربة والواقع. ورغم أن أسبابًا قانونية حالت دون تمكن الحزبين من المشاركة الفعلية في هذه الانتخابات، فإن إعلان الموقف المؤيد للمشاركة والانخراط في الحملة الاعلامية للانتخابات خطوة مسؤولة تعبّر عن وعي سياسي متقدم، وعن حرص على ألا يُترك الميدان البرلماني والمجالس المحلية خاليًا للقوى الدينية والقومية والرجعية.
الوصول إلى البرلمان مهم ولكن الأهم كيف نناضل من هناك
الوصول إلى البرلمان بالنسبة لقوى اليسار هو خطوة مهمة وضرورية، لكنها ليست الغاية بحد ذاتها. فالموقع النيابي أو السياسي لا يكتسب قيمته من العدد، وإنما من كيفية استخدامه كأداة نضال لخدمة شغيلات وشغيلة اليد والفكر، والنساء، والشباب، وكل الفئات المهمشة. إن المشاركة في البرلمان يجب أن تُوظف لتحويله إلى منبر لطرح الأفكار والبدائل اليسارية والتقدمية، يُعبّر عن مصالح الطبقات المستغَلة، ويكشف تناقضات النظام الرأسمالي القائم، ويفضح سياسات الأحزاب القومية والدينية الحاكمة في بغداد وإقليم كردستان.
ومن هنا تصبح المشاركة البرلمانية إحدى ساحات النضال المهمة التي ينبغي خوضها والاستفادة منها، فالهدف لا يقتصر على الوصول إلى البرلمان، بل على كيفية العمل من داخله: كيف نحول هذا المنبر إلى مساحة مواجهة ومساءلة، وإلى أن يكون ممثلو اليسار صوت مصالح شغيلات وشغيلة اليد والفكر والأفكار المدنية والتحررية. إن وجود ممثلين يساريين داخل البرلمان يجب أن يعني الدفاع الدائم عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للجماهير، وتقديم مشاريع قوانين تكرّس العدالة الاجتماعية، و للعيش الكريم، والمساواة الكاملة للنساء، وضمان الحريات العامة والنقابية والسياسية.
إن البرلمان في أي بلد من بلدان الشرق الأوسط لا يمكن أن يكون في ظل الواقع الطبقي السائد أداة تغيير جذرية بحد ذاته، لكنه يمكن أن يكون وسيلة مؤقتة وفعالة لكشف آليات السلطة والفساد، ولمخاطبة الجماهير مباشرة من داخل مؤسسات الدولة. وكلما زادت قوة اليسار وحضوره البرلماني، كلما تمكن من توسيع دائرة النضال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي، وتحويل البرلمان إلى مساحة صراع علنية مع القوى البرجوازية والطائفية والقومية. تمهيدًا لانتقال الوعي والنضال إلى المستوى الأعلى، أي نحو بناء مؤسسات جماهيرية حقيقية أكثر ديمقراطية وتمثيلًا وفق موازين القوى الطبقية ودرجة التطور الديمقراطي والمؤسساتي.
قائمة موحدة لكل اليسار العراقي: طموح مشروع مستقبلي
هذا التقارب في المواقف بين القوى اليسارية العراقية، حتى وإن كان جزئيًا، يمثل مؤشرًا مشجعًا على إمكانية توحيد الرؤى والخطاب والممارسة في المستقبل. إن ما يجمع هذه القوى أكثر مما يفرقها، وجميعها تنطلق من همٍّ واحد: بناء دولة مدنية ديمقراطية بأفق اشتراكي الآن، وإنهاء هيمنة الطائفية السياسية والمحاصصة، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة ، وإن كانت هناك اختلافات في آليات تحقيق وأفق ذلك.
ولو كان من الممكن أن تشترك كافة الأحزاب اليسارية العراقية والكردستانية في قائمة انتخابية واحدة على مستوى عموم العراق، تضم جميع القوى اليسارية والتقدمية من بغداد إلى أربيل والسليمانية والبصرة، لكانت خطوة تاريخية في توحيد اليسار في تحالف واسع متعدد المنابر وتأكيد وجوده كقوة جماهيرية موحدة. إن قائمة يسارية مشتركة لا تعني ذوبان الخصوصيات التنظيمية أو الفكرية، بل هي تجسيد عملي لمبدأ العمل الجماعي وفق نقاط التقاء كثيرة، وتعبير عن وعي سياسي جديد يدرك أن معارك اليسار الكبرى لا تُكسب إلا بالوحدة، وبالتنسيق والعمل الدائم بين القوى اليسارية والتقدمية والعمالية على اختلاف اتجاهاتها ولابد من الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال. فالتعدد في الرأي داخل الجبهة اليسارية لا يضعفها بل يقويها، طالما يجمعها هدف مشترك هو الدفاع عن مصالح شغيلات وشغيلة اليد والفكر، وعن المساواة و حرية الإنسان والمجتمع.
إن وحدة اليسار العراقي والكردستاني بكافة فصائله في عمل سياسي مشترك ستكون رسالة قوية إلى المجتمع، مفادها أن اليسار قادر على تجاوز الانقسام والتشتت، وعلى تقديم بديل تقدمي حقيقي للنظام الطائفي-القومي-النيوليبرالي القائم، وأنه قادر على الجمع بين النضال الفكري والنقابي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي في مشروع واحد تحرري وتقدمي.
دعم والتصويت للحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني
إن فهم اليسار في جوهره يجب أن يكون كحركة اجتماعية جماهيرية واسعة متعددة المنابر، تتجاوز الأطر التنظيمية والحزبية الضيقة. ومن هذا المنطلق تأتي ضرورة دعم والتصويت للحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني في الانتخابات القادمة، دون أن يعني ذلك تجاوز النقد أو إلغاء الاختلافات، أو الاتفاق الكامل مع سياسات الحزبين، وإنما هو وقوف مع القوائم الانتخابية اليسارية والتقدمية الوحيدة المتاحة، والأقرب فكريًا وسياسيًا إلى مختلف فصائل اليسار في العراق وإقليم كردستان.
من هذا المنطلق، ومع كل التقدير للنضال الطويل والمواقف القديرة للحزبين الشيوعيين العراقي والكردستاني، والحزب الشيوعي العمالي العراقي والكردستاني، ومنظمة البديل الشيوعي، وحزب اليسار الشيوعي، ولكافة الأحزاب والتنظيمات اليسارية الأخرى، ورغم الاختلافات الفكرية والسياسية بينها، أجد من المناسب أن يدعم ويصوت كل من يهمه تعزيز دور اليسار في البرلمان والمجالس المحلية وعموم مؤسسات الدولة، لمرشحي ومرشحات الحزب الشيوعي العراقي والكردستاني في هذه الانتخابات، بوصفه الموقف الواقعي التقدمي الذي من الممكن ان يخدم مسيرة بناء يسار موحد وفاعل وأكثر تأثيرًا في الحياة السياسية العراقية.
وأتطلع أن يكون هذا الموقف انطلاقة جدية وعملية لتعزيز الحوار والتنسيق والعمل المشترك بين فصائل اليسار العراقي، وكخطوة أولية نحو توحيد الطاقات و بناء تنظيم أو تحالف يساري واسع متعدد المنابر، يضم كافة الاتجاهات والتنظيمات اليسارية العراقية، ويوحّد طاقاتها الفكرية والنضالية في مواجهة طغم الفساد و الاستبداد والرجعية.
إن وجود اليسار اليوم، بكل فصائله وتنظيماته، ضرورة ملحّة في ظل هيمنة السلطة الكالحة للقوى الدينية والقومية اليمينية التي أعادت المجتمع العراقي إلى الوراء، ونشرت الفقر والرجعية والفساد والاستبداد، وعمّقت الانقسام الطائفي والقومي والتمييز الطبقي والجندري. إن غياب اليسار أو تشتته يعني ترك الساحة خالية لتلك القوى التي كرست خراب الدولة والمجتمع. اليسار، بكل تنوعه الفكري والتنظيمي، هو الأمل الحقيقي في إعادة بناء العراق على أسس العدالة الاجتماعية، والمساواة، والدولة الديمقراطية ذو الافق الاشتراكي.
كل الدعم لمرشحات ومرشحي الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني في الانتخابات العراقية القادمة – تشرين الثاني 2025.
#رزكار_عقراوي (هاشتاغ)
Rezgar_Akrawi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟