أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - لحسن المرابطي - بين الوعد الدستوري وغياب تطبيقه في الواقع: انطفأ وهج الأمل تحت رماد الفساد














المزيد.....

بين الوعد الدستوري وغياب تطبيقه في الواقع: انطفأ وهج الأمل تحت رماد الفساد


لحسن المرابطي

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 09:32
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


في البدء، كان الحلم الوطني يكبر في القلوب كغصن ربيعٍ جديد. حين أُعلن دستور 2011، خُيّل للمغاربة أن صفحةً بيضاء فُتحت بعد زمنٍ طويل من الانكسارات. دستورٌ وعد بالمساواة، وباستقلال القضاء، وبقَطع الحبل السري الذي كان يشد السلطة إلى مصالحها الضيقة. غير أن ما بين سطور النص وما يعيشه الناس اليوم، فجوةٌ لا يملؤها سوى خيبةٍ متوارثة، كأنّ الأمل خُدِع باسم الإصلاح.

فما أكثر ما رُدّدت الشعارات عن “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وما أهون أن يُسقطها الواقع من عليائها. لقد وُعد المواطن أن يكون القانون سيد الموقف، فإذا به يكتشف أن الكرامة درجات، وأن العدالة كائنٌ يُستدعى عند الحاجة فقط. فحين يُمسُّ مسؤول في سمعته، تُستنهض الدنيا وتُستنفر الأجهزة، أما حين يُهان مواطنٌ بسيط أو يُظلم في رزقه، فالأبواب موصدة، والآذان صماء.

إن المفارقة بين من كُتب لهم الدستور، ومن كُتب عليهم العيش في ظله، تختصر مأساة وطنٍ يعيش بسرعتين: مغربٌ للأضواء والافتتاحات، حيث تُشيد الأبراج العملاقة، وتُرصد الملايير لبناء أكبر ملعب، وأضخم مسرح، وأبهى الواجهات العمرانية؛ ومغربٌ آخر يتوارى خلف الجبال، قراه غارقة في الوحل، ومدنه الصغرى تفتقد المستوصفات والمدارس والطرقات، لا يسمع صوته إلا حين يُستعمل لتزيين خطاب أو تبرير حملة.

وفي قلب هذه المفارقة، يقف القضاء، الذي كان من المفترض أن يكون صمام الأمان في وجه الفساد، فإذا به يُكبل من جديد بمشروع أغلالٍ قانونيةٍ تجعل استقلاله مجرّد ذكرى. فبعدما كانت النيابة العامة أملًا في فصلها عن وزارة العدل، عادت لتُقيد بانتظار تقارير من مفتشياتٍ تابعة للسلطة التنفيذية، لا تتحرك إلا بإذنها. وكأننا عدنا إلى زمن محكمة العدل الخاصة سنة 1965، حين كانت المتابعات لا تبدأ إلا بملتمسٍ مكتوب من وزير العدل، ذاك الوزير الذي كان الخصم والحكم في آنٍ واحد.

هكذا، تُفرغ العدالة من روحها. فبدل أن تتحرك النيابة العامة تلقائيًا لملاحقة ناهبي المال العام، يُطلب منها أن تنتظر تقارير رسمية قد لا تأتي، أو تُصاغ بلغةٍ تجميليةٍ تُخفي أكثر مما تُظهر. أليس في ذلك إعدامٌ بطيء لمبدأ “استقلال السلطة القضائية” الذي نص عليه الفصل 107 من الدستور؟

أما الجمعيات الحقوقية التي نذرت نفسها لمحاربة الفساد، فقد أصبحت في مرمى النيران. فبدل أن تُشكر لأنها تفضح الاختلالات وتُبلغ عن الجرائم، صارت تُتّهم بالابتزاز وتُهدد بالتضييق. وكأن المطلوب منها أن تصمت، وأن تكتفي بدورٍ رمزيٍّ لا يزعج أحدًا. وما مشروع تقييد التبليغ عن جرائم المال العام إلا محاولة لسلخ المجتمع من حقه في الدفاع عن المال العام، وتجريده من آخر أدواته في مواجهة شبكات الريع والإفلات من العقاب.

لقد خُنق صوت المجتمع، وجُمّدت الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، وسُحب تجريم الإثراء غير المشروع من مسودات القانون، وقُزمت أدوار مؤسسات الحكامة. وفي المقابل، نمت شبكات الفساد كالفطر في المدن والجهات، تمارس سلطتها في الظل، وتنهب الأراضي والعقارات العمومية باسم الاستثمار. شبكاتٌ تتحكم في رخص التعمير، ومواقف السيارات، والصيد البحري، والسياحة، وحتى في ملاعب القرب التي أُنشئت لأبناء الشعب، فإذا بها تُدار بمنطق الربح والمحاباة.

ولأن الفساد في المغرب لم يعد انحرافًا فرديًا، بل بنيةً متكاملةً تشتغل بتواطؤٍ بين المال والسلطة، فقد أُخمدت كل محاولةٍ للإصلاح الحقيقي، وصار الإصلاح نفسه يُدار كما تُدار المسرحيات: أدوار موزعة، وأضواء مصطنعة، ونهايات معلومة.

إن الواقع اليوم يشبه مرآةً مكسورة؛ يرى فيها كل مغربي جزءًا من الأمل المهدور. فما نُصّ عليه في الدستور كحلمٍ بالعدالة الاجتماعية، تحوّل إلى شعارٍ فارغ أمام واقعٍ متخمٍ بالزبونية، والمحسوبية، وتقديس الامتياز. وفي ظل هذا المشهد، يتسع الشرخ بين دولةٍ تعيش في أبهاء الأبراج والمشاريع الضخمة، ودولةٍ أخرى تئن في أحياء الهامش وقرى النسيان.

ذلك هو "مغرب بسرعتين": مغربٌ يُراهن على البريق، وآخر يُدفن تحت غبار الفقر. مغربٌ يُشيّد رموز القوة، وآخر يُهدم فيه المعنى. وما بين الاثنين، يتهاوى حلم الدستور الذي بشّر بالمساواة، ويترسخ واقعٌ يقدّس اللامساواة باسم القانون.

إن الأمل في التغيير لن يولد من النصوص، بل من إرادةٍ صادقة تعيد إلى العدالة هيبتها، وإلى المواطن كرامته، وإلى الوطن معناه. فالقوانين مهما جُملت، لا تُثمر إن بقيت في يد من يضع فوقها سقف المصالح، ويجعل من العدالة ضيفًا موسميًا في مسرح السياسة.



#لحسن_المرابطي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الوعد الدستوري وغياب تطبيقه في الواقع: انطفأ وهج الأمل ت ...
- المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية: انتكاسة حقوقية أم ...


المزيد.....




- ردّ عليها بشيء من الطرافة.. والدة جاستن بيبر تصلّي من أجله
- إيران تُعلق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتوجه رسالة للم ...
- كأنها ليلة العيد في غزة.. فلسطينيون يحتفلون باتفاق وقف إطلاق ...
- عمر ياغي.. فلسطيني أردني سعودي أمريكي يحصل على جائزة نوبل في ...
- عمر ياغي.. ثاني عربي يفوز بجائزة نوبل للكيمياء
- تكريم شهيد ومصابي -لخويا- في قطر تقديرا لتضحياتهم عقب العدوا ...
- مواقع التواصل بين مشكك ومرحب بإعلان وقف إطلاق النار في غزة
- انتقاد وتحرك حكومي بعد تعنيف طلاب على يد مديرة مدرسة بسوريا ...
- ماذا يجري في اجتماع الكابينت بشأن اتفاق غزة؟
- ترامب: أنهينا حرب غزة وستنظم مراسم بمصر لتوقيع الاتفاق


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - لحسن المرابطي - بين الوعد الدستوري وغياب تطبيقه في الواقع: انطفأ وهج الأمل تحت رماد الفساد