أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - لحسن المرابطي - المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية: انتكاسة حقوقية أم تأميم للرقابة على المال العام؟














المزيد.....

المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية: انتكاسة حقوقية أم تأميم للرقابة على المال العام؟


لحسن المرابطي

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 19:22
المحور: حقوق الانسان
    


في خطوة وُصفت من طرف عدد من الفاعلين الحقوقيين والنشطاء بأنها "نكسة تشريعية"، صادقت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب يوم 13 ماي 2025 على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، والذي يتضمن مادة مثيرة للجدل – المادة 3 – التي تمنع جمعيات المجتمع المدني من تقديم الشكايات المتعلقة بالفساد المالي ونهب المال العام. هذه المصادقة فتحت الباب لجدل دستوري وقانوني عميق، ليس فقط حول مدى انسجام هذا النص مع المرجعية الدستورية للمملكة، بل أيضاً حول نواياه السياسية وتداعياته على مستقبل الرقابة والمحاسبة.

أولاً: البعد الدستوري – ضرب للمكتسبات

المادة 3 تبدو في تعارض مباشر مع عدة مقتضيات دستورية، في طليعتها الفصل 12 من الدستور المغربي، الذي يقر بدور الجمعيات والمنظمات غير الحكومية في المساهمة في إعداد وتقييم السياسات العمومية، بما يعزز مبدأ الديمقراطية التشاركية. فمنع هذه الهيئات من تقديم شكايات ضد الفساد يُعد تجريداً لها من إحدى أهم أدوات الفعل المدني: المراقبة والمساءلة.

أكثر من ذلك، فإن الفصل الأول من الدستور يعتبر "ربط المسؤولية بالمحاسبة" أساساً للحكم الديمقراطي. ومن دون إشراك المجتمع المدني في هذا الربط، تصبح المحاسبة حكراً على المؤسسات الرسمية، وهي ذات المؤسسات التي قد تكون في بعض الحالات طرفاً في المخالفات، مما يخلق تضارباً خطيراً في المصالح.

ثانياً: البعد القانوني الدولي – إخلال بالالتزامات الدولية

من الزاوية الدولية، تشكل المادة 3 خرقاً صريحاً للعديد من المواثيق والمعاهدات التي التزمت بها المملكة، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003)، التي تنص في مادتها 13 على "تشجيع مشاركة المجتمع" وتمكينه من "التعبير عن آرائه بحرية بشأن السياسات العامة في مكافحة الفساد".

كما أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يضمن حرية التنظيم والتبليغ عن الجرائم، بما فيها تلك ذات الطبيعة المالية. وفضلاً عن ذلك، فإن مبادئ باريس (1993) تؤكد على ضرورة دعم أدوار الفاعلين غير الرسميين في رصد انتهاكات حقوق الإنسان، ومن بينها الفساد الإداري والمالي.

ثالثاً: الأثر السياسي – تكريس الانغلاق بدل الانفتاح

رفض وزير العدل كل التعديلات المقترحة من مختلف الفرق البرلمانية، بالرغم من واقعيتها، يكشف عن توجه سلطوي مقلق نحو تضييق الحريات ومركزة القرار. وتوحي المادة 3 بأن هناك إرادة خفية في تحييد المجتمع المدني عن قضايا الفساد، وهو ما قد يُفهم كنوع من "تحصين ضمني" للمفسدين أو على الأقل، تسهيل الطريق نحو الإفلات من العقاب.

رابعاً: الآثار العملية – إفراغ الرقابة من مضمونها

إن حصر الحق في تقديم الشكايات المتعلقة بالمال العام في يد المؤسسات الرسمية فقط، هو بمثابة إغلاق لقنوات التبليغ الشعبي، وتجريد المجتمع من قدرته على المبادرة والضغط. وتجارب كثيرة في المغرب أثبتت أن عدداً من الملفات الخطيرة لم تكن لتخرج إلى العلن لولا تدخل جمعيات المجتمع المدني وفضحها للانتهاكات، خصوصاً حين تصمت المؤسسات أو تتواطأ.

خامساً: هل ما زالت الدولة تعتبر المجتمع المدني شريكاً؟

السؤال الجوهري الذي تطرحه المادة 3 هو: هل ما زالت الدولة تعتبر المجتمع المدني شريكاً في البناء الديمقراطي، أم خصماً يجب تحجيمه؟ الخطاب الرسمي طالما تحدث عن إشراك المجتمع، لكن ما جرى يُظهر تناقضاً صارخاً بين الخطاب والممارسة.

خاتمة: نحو سحب المادة 3 أو تعديلها

من الناحية الدستورية، ومن زاوية المواثيق الدولية، ومن منطق الحكامة الجيدة، فإن الإبقاء على المادة 3 بصيغتها الحالية يمثل تراجعاً خطيراً عن مبادئ الشفافية والمساءلة والمشاركة. ومن ثم، فإن المطالبة بسحب هذه المادة أو تعديلها ليس مجرد مطلب فئوي، بل ضرورة ديمقراطية لضمان احترام الدستور ولصون دور المجتمع المدني كمراقب فاعل ومؤثر.

فالمغرب الذي نريد بناءه هو مغرب العدالة والكرامة، وليس مغرب تحصين الفساد وتجريم الرقابة.



#لحسن_المرابطي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية: انتكاسة حقوقية أم ...


المزيد.....




- منها -الخيانة العظمى-.. الداخلية السعودية تعلن إعدام مواطن ا ...
- موالون لإيران يتظاهرون في بغداد دعمًا لطهران بعد الهجوم الإس ...
- -لم يُترك لنا أي خيار آخر-.. سفير إسرائيل بالأمم المتحدة يكش ...
- اعتقال 16 متهما أمنيا في أصفهان بتهمة دعم إعلامي للكيان الصه ...
- اعتقال 5 أشخاص بتهمة التجسس والتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي
- كانييه ويست يساند المغني بي ديدي المتهم بالاتجار بالبشر
- إيران.. اعتقال 19 شخصا بتهم -التعاون مع إسرائيل- و-تشويش الر ...
- سوريون ينتقدون الصمت الشعبي أمام الاعتقالات الإسرائيلية في ا ...
- الأمم المتحدة: -مؤسسة غزة- المدعومة أميركيا فشلت إنسانيا
- إصابة 22 شرطيا إثر أعمال عنف ضد المهاجرين في إيرلندا الشمالي ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - لحسن المرابطي - المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية: انتكاسة حقوقية أم تأميم للرقابة على المال العام؟