عبد الغني القباج
الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 10:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في الديمقراطية
(ليس للأفكار الثورية التي يتبناها شخص أو حزب أية قيمة إذا كانت عاجزة عن أن تصبح قوة اجتماعية واعية قادرة على تغيير النظام السياسي الرأسمالي المحلي والعالمي...)
أغلبية الشعب المغربي تشعر، في أعماقها، وفي وعيها العفوي، بالحرمان وبالعجز وبالظلم الطبقي، بالغضب وبالثورة الصامتتين، أمام سيطرة نظام المخزن وإداراته المدنية والأمنية والمخابراتية وطبقة البرجوازية الكمبرادورية واقتصادها الرأسمالي التبعي. وهي سيطرة تستمر في تحقير المواطن والمواطنة مع استمرار طبيعة النظام السياسي الاستبدادية والسلطوية، وسيطرته على الحياة السياسية، والاجتماعية والثقافية.
يتجلى هذا الشعور في الاحتجاجات العفوية التي تمارسها فئات وطبقات شعبية، من حين لآخر، للمطالبة بالكرامة والحرية والديمقراطية والتحرر. كما يتجلى هذا الشعور، في موقف جزء كبير من الشعب الذي يقاطع التسجيل في اللوائح الانتخابية (حوالي 10 ملايين مواطن ومواطنة)، وهو موقف يتأرجح بين وعي سياسي جنيني، وبين الوعي العفوي.
والدلالة السياسية لهذا الواقع، هي أن أغلبية الشعب المغربي فقدت الأمل والثقة في النظام السياسي السائد. وفقدت الثقة في جل أحزابه. لأن ممارسة "الدولة" والممارسة السياسية والحزبية السائدين في المغرب، يتناقضان مع ممارسة ديمقراطية حقيقية، اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية.
ولا يـثـيـق المواطنون والمواطنات إلا بما يُـمَارَسُ في واقعهم الاجتماعي والاقتصادي الملموس وفي معيشهم.
أغلبية الطبـقات الشعبية المـغربية تدرك، بوعـيها الحسـي، عجز "الدولة" ونخبها السائدة، عن إنتاج وتحقيق تغيير اقتصادي واجتماعي في حياتها لإخراجها من تخلف واقعها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي.
وبالتالي تدرك هذه الطبقات الشعبية، في مناطق الفقر والتهميش (مناطق الريف والغرب والشرق والحوز وجنوب مراكش وجنوب أكادير...)، أن مؤسسات "الدولة" والحكومة والبرلمان، طيلة أكثر من 40 سنة، أي منذ برلمان 1977، عاجزة عن تحقيق دولة الديمقراطية، وعلاقات اجتماعية ديمقراطية، وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتحقيق مجتمع المواطنة والديمقراطية والمساواة واحترام حقوق الإنسان.
والمشاركة الواسعة للجماهير الشعبية، في نضال "حركة 20 فبراير"، وفي جميع مناطق المغرب، طيلة شهور سنة 2011، من جهة ، واستمرار، من جهة ثانية، حركات انتفاض جماهير شعبية في عدة مناطق، يؤكد انعدام ثقة الطبقات الشعبية في دولة رافضة لأي تغيير في نظام الحكم، وفي أحزاب سياسية عاجزة عن تنظيم وتعبئة جماهير الشعب الكادحة والمحرومة.
سلطة النظام المخزني التبعي، وأحزابها الذاعنة
لا يعترفون بمواطنة الإنسان المغربي
سلطة للنظام المخزني التبعي، وأحزابها الذاعنة، لا تتعامل مع الشعب كمواطنين ومواطنات، كاملي المواطنة، لهم حقوق ومصالح؛ بل تتعامل معهم كرعايا خاضعين، وكبضاعة سياسية للانتخابات، في واقع سياسي تحكمه الأقلية طبق Pouvoir d’une classe oligarchique)).
وهذا ما جرى عندما قامت أحزاب حكومة، يرأسها سعد الدين العثماني، باتهام جماهير مدينة الحسيمة وإمزورن ومنطقة الريف، إثر انتفاضهم سلميا منذ نهاية 2016، ضد أوضاع البطالة والتخلف الاقتصادي والاجتماعي، بـ"العـمالة وتلقي أمـوال من الخارج، والمس بالمؤسسات الدستورية وبالوحدة الترابية للبلاد وبالترويج للانفصال".
السلطة السياسية تستبد .. والحكومة تتفرج..
هذا الوضع السياسي الاجتماعي الذي تناولناه بتركيز شديد، يؤكد أزمة النظام السياسي والمجتمع. أزمة سياسية، اجتماعية، اقتصادية وثقافية يعيشها المغرب. وطبيعي أن تجد المؤسسة الملكية وسلطتها السياسية، نفسها، في مـواجه نضال جماهير الريف المقهورة وجرادة زاكورة سنة 2017...
وجاءت جائحى كورونا لتعمق أزمة الأوضاع الاجتماعية للجماهير الشعبية..
والحكومة تـتـفرج؛ عاجزة عن اتخاذ أي قرار للاستجابة لمطالب جماهير الاحتجاج الاجتماعي في الريف، وجرادة، وزاكورة، وللجماهير المحرومة في المناطق الفقيرة. حكومة عاجزة، كممثلة للـ"دولة"، عن إيقاف المقاربة القمعية التي تمارسها السلطة السياسية وأجهزتها البوليسية. حكومة عاجزة عن إيجاد حلول ملموسة للأوضاع الاجتماعية المزرية، التي تعيشها ساكنة الريف وجرادة والمناطق الفقيرة.
كما ظلت الحكومة والقضاء عاجزين عن متابعة ومحاكمة الذين نهبوا مؤسسات عمومية وأموالا عمومية، رغم تقارير ادريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات. وتـقرير "الهيئة الوطنية حماية المال العام"، المال العام، الذي هو نظريا مال الشعب. وهم الآن أحرار يتمتعون بما نهبوا من المال العام.
إن السلطة السياسية تقمع، أوتعتقل، وتحاكم، كل من عارض وواجه سياستها بالفعل النضالي في الشارع، لأنها تخاف من تطور واتساع النضال الجماهيري الشعبي، على حد إسقاط الاستبداد والفساد، وفرض التغيير الذي يحقق نظاما سياسيا ديمقراطيا ومجتمعا ديمقراطيا.
ما العمل؟
ضرورة تغيير طبيعة النظام السياسي والاجتماعي
"تغيـيـر المجتمع يرجع في الأساس الى تطور التناقضات الباطنية فيه، وهي التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج، والتناقض بين الطبقات، والتناقض بين القديم والجديد. وتطور هذه التناقضات هو الذي يدفع بالمجتمع الى الأمام، يدفع المجتمع الجديد لكي يقضي على القديم".
ما العمل لتحرير الشعب المغربي من سيطرة اللاعقلانية السياسية؟
ما العمل لتحرير وعيه من سيطرة وسلطوية المخزن، ومن سيطرة التحالف الطبقي البرجوازي الكمبرادوري؟
ما العمل لتغيير وتجاوز تأثير القوى الاسلاموية الرجعية والقوى الشوفينية على حياة الشعب؟
ما العمل لتحرير الطبقات الشعبية من الثقافة التقليدية والماضوية، ومن "الديمقراطية المزيفة" ومؤسساتها السياسية الشكلية، ومن اقصاد الريع والاقتصاد الاستعماري الجديد؟
ليس للقوى الديمقراطية واليسارية الحقيقية، السياسية والنقابية والثقافية والمدنية، من خيارٍ سوى النضال السياسي المرحلي، المرتبط جدليا بالتناقض الأساسي بين العمل والرأسمال، بين الطبقات الكادحة والمحرومة وبين التحالف الطبقي البرجوازي الكمبرادوري السائد، بين القديم، المخزن الرأسمالية التبعية، وبين الجديد، ديمقراطية الاشتراكية بأفق تحقيق مجتمع لا طبقي.
إن الممارسة السياسية اليسارية الاشتراكية (بـأفـق تحقيق مجتمع لا طبقي)، الـمُؤَطـِّـرَة للطبقات الكادحة والمحرومة - عمال وعاملات، فلاحين وفلاحات فقراء، مأجورين ومأجورات، محدودي الدخل- هي التي تُـهَيِّـئُ انخراطها الواعي في النضال السياسي الديمقراطي الراديكالي، وفي النضال من أجل حقوق المواطنة، وفي النضال الاشتراكي بأفق تحقيق مجتمع لا طبقي.
وفي معمعان هذا النضال، تكتسب هذه الطبقات الكادحة والمحرومة، بالممارسة السياسية والنظرية للمناضلين وللمناضلات الديمقراطيين واليساريين العضويين، الوعي الطبقي السياسي، وضرورة التنظيم السياسي، المنظم والقائد لنضالها الديمقراطي، لتـتحرر من رهانات السلطة (Les enjeux du Pouvoir) السياسية والدينية مرحليا واستراتيجيا. فالسياسة والصراع الطبقي حاضرين، بشكل غير واعي عموما، لكن بشكل واعي أحيانا، في جوهر وجود وحياة المواطنين/المواطنات والمجتمع.
لذلك، في واقعنا السياسي والاجتماعي، لا خيار لليسار الديمقراطي الراديكالي والماركسي الحقيقي، سوى النضال الديمقراطي الراديكالي، لإعادة القيم الإنسانية والكفاحية لممارسته السياسية، وبالارتباط السياسي بالطبقات الكادحة والمحرومة، وبالمصالحها الديمقراطية.
إنه نضال ديمقراطي راديكالي، يهدف، مرحليا، إلى تغيير النظام السياسي السائد، بوضع دستور جديد ديمقراطي جديد، من طرف هيئة تأسيسية ديمقراطية، تتمثل فيها جميع القوى الديمقراطية، دستور يقطع مع المؤسسة المخزنية ويفككها، ويحرر "الدولة" والسياسة من الدين، ويبني مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ديمقراطية، تستجيب لمعايير الديمقراطية الحقيقية واحترام حقوق الإنسان.
في هذا الواقع، هل التغيير الديمقراطي الراديكالي ممكن، وما هي احتمالات نجاحه؟
إن الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في المغرب، وضعٌ يوفر، في المرحلة الراهنة، إمكانية إنجاز مهمة إنضاج سياسي للشرط الموضوعي للتغيير الديمقراطي الراديكالي.
لكن هل الشرط الذاتي لليسار الديمقراطي والماركسي، تنظيمات وأفراد، لـبناء "حركة ديمقراطية
#عبد_الغني_القباج (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟