أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزيز الديش - اختطاف عزيز غالي... حين تختبر السيادة المغربية على مذبح التطبيع.














المزيد.....

اختطاف عزيز غالي... حين تختبر السيادة المغربية على مذبح التطبيع.


عزيز الديش
باحث في العلوم الاجتماعية جامعة غرناطة - اسبانيا-

(Aziz Ddich)


الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 13:29
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


لم يعد اختطاف المناضل الحقوقي عزيز غالي من طرف الكيان الصهيوني حادثا معزولا في فضاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، بل تحول إلى مرآة سياسية حادة تعكس التحولات البنيوية التي تعرفها المنطقة، وتظهر حدود الخطاب الرسمي المغربي حول “السيادة الوطنية” و”الاحترام المتبادل” في زمن التطبيع المتسارع.

من الناحية الحقوقية البحتة، ما جرى انتهاك سافر لكل القواعد المنصوص عليها في القانون الدولي الانساني ، إذ جرى توقيف ناشطين مدنيين في عرض البحر، كانوا على متن قافلة إنسانية تحمل مساعدات لغزة، ثم جرى نقلهم إلى سجن “عوفر” في الأراضي المحتلة، حيث تؤكد الشهادات أنهم تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية ، في انتهاك صريح للمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف. ومع ذلك، فإن غياب أي رد فعل رسمي مغربي، يضع الدولة المغربية أمام سؤال أخلاقي وقانوني مزدوج: هل ما زالت قادرة على حماية مواطنيها حين يتعارض ذلك مع مصالحها الجديدة في الشرق الأوسط؟

لكن البعد الأخطر للقضية يتجاوز حدود القانون، ليمس التحول الجيوسياسي العميق الذي تعرفه المنطقة. فمنذ توقيع اتفاقيات التطبيع سنة 2020، دخل المغرب – كما غيره من دول الإقليم – في مرحلة جديدة من إعادة التموضع، تقوم على مقايضة الدعم الأمريكي لقضية الصحراء بالانفتاح السياسي والأمني والاقتصادي على إسرائيل. غير أن هذه المعادلة، التي تبدو براغماتية على السطح، تخفي في عمقها تأكلا بطيئا لمفهوم السيادة الوطنية ، إذ أصبحت القرارات الخارجية خاضعة لمنطق التوازنات الإقليمية أكثر من انبثاقها من المصلحة الوطنية المستقلة.
من هذا المنظور، يصبح صمت الدولة أمام اختطاف عزيز غالي نتيجة منطقية لمنحى التطبيع ذاته : فحين تتحول العلاقة مع الكيان المحتل إلى “شراكة استراتيجية”، يصبح من الصعب – سياسيا ودبلوماسيا – اتخاذ موقف حازم ضده، حتى لو تعلق الأمر بمواطن مغربي محتجز خارج القانون. هنا يختبر جوهر السيادة لا في الخطابات، بل في الممارسة. فالدولة التي لا تجرؤ على الدفاع عن مواطنها أمام حليفها الجديد، تكون قد تخلت ضمنيا عن استقلال قرارها الخارجي.

إن ملف اختطاف عزيز غالي يكشف بجلاء عن التناقض الصارخ بين واجب الدولة في حماية حقوق مواطنيها، وبين مصالحها الجيوسياسية المستجدة. فمن جهة، المغرب عضو في المنظومة الأممية لحقوق الإنسان، وملزم دستوريا بحماية رعاياه أينما وجدوا. ومن جهة أخرى، هو طرف في شبكة مصالح اقتصادية وأمنية مع الكيان المحتل، تشمل التعاون الاستخباراتي والعسكري، وتستند إلى دعم أمريكي صريح. وهنا يتجسد ما يمكن تسميته بـ"الانشطار السيادي ": حيث تدار السياسة الخارجية بمنطق المصلحة الاستراتيجية، بينما تهمش الاعتبارات الحقوقية والإنسانية .هذا الانشطار يطرح سؤالا سياسيا عميقا: هل يمكن أن يجتمع الدفاع عن السيادة الوطنية مع التحالف مع كيان استعماري ينتهك السيادات ؟

الإجابة واضحة في حادثة غالي. فحين يختطف مناضل مغربي لأنه شارك في قافلة تضامنية مع غزة، ولا يصدر أي رد فعل رسمي، فهذا يعني أن حدود “السيادة” باتت ترسم من خارجها، وأن الموقف من الصهيونية أصبح جزءا من هندسة التحالفات لا من منظومة القيم الوطنية.

من جهة أخرى، فإن الجانب الرمزي في هذه القضية لا يقل أهمية عن بعدها السياسي. فغالي ليس مجرد ناشط حقوقي، بل رمز لذاكرة اليسار المغربي، ولجيل آمن بأن مناهضة الصهيونية جزء لا يتجزأ من النضال ضد التبعية والاستبداد. استهدافه – وتعمد تركه في الأسر – يحمل رسالة مزدوجة: إلى الداخل، بأن زمن المقاومة المبدئية قد ولى، وإلى الخارج، بأن المغرب أصبح “شريكا موثوقا” في معادلة الشرق الأوسط الجديد، القائم على خنق كل صوت يذكر بأن الاحتلال ما زال جريمة.

لكن المفارقة الكبرى أن هذا “الاستقرار التطبيعي” الذي تراهن عليه الدولة يحمل في داخله قابلية التحول والتراجع . فحين يدرك الشارع أن السيادة تختزل في اتفاقيات أمنية، وأن الوطن لم يعد يحمي أبناءه حين يُختطفون لأنهم رفضوا الصهيونية، فإن شرعية الخطاب الرسمي نفسه تُصبح على المحك. إنّ الوعي الجمعي المغربي، الذي ظلّ متشبّعًا تاريخيًا بروح التضامن مع فلسطين، لا يمكن أن يقبل بسهولة هذه المفارقة الأخلاقية: أن تُصافح يد الدولة من يحتجز أبناءها. فهل يمكن للدولة المغربية أن تكون صاحبة قرار مستقل في ظل شبكة تحالفات تجعلها أقرب إلى منطق التبعية منه إلى الشراكة المتكافئة؟ هل يمكنها أن تبرر التطبيع كـ"خيار سيادي" وهي تعجز عن ممارسة أبسط مقتضيات السيادة: حماية مواطنها المختطف؟

إن الإجابة عن هذا السؤال لا تتعلق فقط بغالي ورفاقه، بل بمستقبل المغرب كدولة تحاول أن توازن بين براغماتية الجغرافيا وذاكرة التاريخ. فالتطبيع، في جوهره، ليس مجرد اتفاق دبلوماسي، بل تحول في البنية الاخلاقية للسياسة . وحين يصبح الصمت عن الظلم ثمنا للعلاقات الاستراتيجية، تكون الدولة قد خسرت شيئا من روحها، ولو كسبت اعترافا دوليا مؤقتا.

إن الدفاع عن عزيز غالي، في النهاية، ليس قضية فردية ولا مطلبا إنسانيا فحسب، بل هو موقف سياسي من نوع الاختبار : اختبار لقدرتنا كمغاربة على التمييز بين الدولة التي تحمي شعبها، وتلك التي تسلم أبناءها على مائدة التطبيع.



#عزيز_الديش (هاشتاغ)       Aziz_Ddich#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوسيولوجيا في زمن الهيمنة الرمزية: مقاومة التطبيع المعرفي ...
- رسالة تضامن مع الاستاذ سعيد ناشيد - المغرب-
- أزمة التقسيم الترابي بالمغرب: نموذج اقليم بولمان
- المغرب: تأملات فيما أتت به مساعي الوساطة الجديدة اتجاه الريف ...


المزيد.....




- مسيرة أحمد طالب الإبراهيمي من جمعية العلماء المسلمين إلى وزا ...
- من هو المصري الذي فاز برئاسة اليونسكو؟
- نزوح جديد في غزة.. عائلات تُقيم خياماً على شاطئ دير البلح هر ...
- فريق دراجات إسرائيلي يتخلى عن هويته عقب تصاعد الاحتجاجات الم ...
- ما أبرز إنجازات وإخفاقات إسرائيل بعد عامين من حربها على غزة؟ ...
- أسطول -الضمير- يواصل إبحاره نحو غزة رغم التهديدات باعتراضه
- أولمرت: ترامب يمكنه وقف الحرب إن أراد ونتنياهو لا يستطيع مخا ...
- ورشة عمل في الدوحة تناقش خطة العمل الوطنية للأمن الصحي
- عامان من الإبادة.. أطفال غزة بقبضة الموت تجويعا ومرضا
- منظمة الصحة: 15 مليون قاصر في العالم يدخنون السجائر الإلكترو ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عزيز الديش - اختطاف عزيز غالي... حين تختبر السيادة المغربية على مذبح التطبيع.