أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزيز الديش - السوسيولوجيا في زمن الهيمنة الرمزية: مقاومة التطبيع المعرفي كضرورة أخلاقية














المزيد.....

السوسيولوجيا في زمن الهيمنة الرمزية: مقاومة التطبيع المعرفي كضرورة أخلاقية


عزيز الديش
باحث في العلوم الاجتماعية جامعة غرناطة - اسبانيا-

(Aziz Ddich)


الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 04:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في خضم الجدل الذي أثارته مشاركة وفود إسرائيلية في المنتدى العالمي للسوسيولوجيا بالمغرب، ومن موقعي كمشتغل في هذا الحقل المعرفي المتميز، ارتأيت ان أساهم بهذا المقال المختصر والذي حاولت أن انطلق فيه من سؤال عميق حول حدود استقلالية المعرفة، ومسؤولية الباحثين في زمن تتزايد فيه ضغوط التمويل والتطبيع الرمزي. من خلال مقاربة نقدية تستند إلى قيم حقوق الإنسان والعدالة الكونية، يناقش هذا المقال كيف يمكن للعلوم الاجتماعية أن تبقى وفيّة لدورها الأخلاقي؟ ويبرز أهمية إخراج السوسيولوجيا من جدران الجامعة إلى الفضاء العمومي، باعتبارها أداة للمساءلة والانحياز الواعي للكرامة الإنسانية، لا مجرد خطاب علمي محايد.
من الحكمة أن نعترف اليوم أننا نعيش لحظة مفصلية في تاريخ العلوم الاجتماعية، لحظة تعري فيها التحولات التي تشهدها الحقول الأكاديمية تحت تأثير شبكات التمويل والسياسات الدولية، وتضعنا أمام أسئلة شائكة عن أخلاقيات البحث، وحرية المواقف، واستقلالية الفعل المعرفي.

المشاركة الإسرائيلية في المنتدى العالمي للسوسيولوجيا بالمغرب لم تكن مجرد تفاصيل تنظيمية؛ بل كشفت عن تصدع عميق في تصوراتنا حول الوظيفة العامة للمعرفة، وعن هشاشة الحدود الفاصلة بين الانفتاح الأكاديمي وشرعنة ممارسات إقصائية وقمعية موثقة. ففي الوقت الذي تسعى فيه المؤسسات الأكاديمية إلى تعزيز التنوع، فإنها، في حالات كهذه، تُقحم مقاربة شكلية للتعدد، تتجاهل التفاوتات البنيوية وواقع الانتهاكات الفعلية التي يرتكبها بعض الفاعلين المشاركين.

إن إدماج ممثلين عن نظام يمارس انتهاكات جسيمة موثقة لحقوق الإنسان – وفق تقارير صادرة عن منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية – لا يمكن أن يفهم إلا كجزء من نمط جديد من "التطبيع المعرفي"، حيث يقدّم العنف البنيوي بلبوس أكاديمي، ويجرى طمس الحدود بين الجلاد والضحية من خلال خطاب عقلاني مزعوم. في هذا السياق، يصبح الحياد العلمي أداة وظيفية في خدمة سرديات القوة، وتختزل السوسيولوجيا إلى وسيط بلا موقف، أو إلى حقل خال من البوصلة الأخلاقية.

لكن علم الاجتماع، في جوهره، لم يخلق لينظر إلى العالم من موقع اللامبالاة. بل تأسس ليكون آلية لفهم علاقات السلطة، وتفكيك أنماط الاستغلال، وكشف أشكال الهيمنة التي تتخفى خلف خطاب النظام، سواء أكان سياسياً أم معرفياً. وفي لحظات الأزمات، لا يطلب من السوسيولوجي أن يكون "محايدا"، بل أن يكون مسؤولا. فالصمت، في حضرة الانتهاكات، يصبح انخراطا ضمنيا في إنتاج اللامبالاة. واللامبالاة هي، في نهاية المطاف، تساهل مع الألم الإنساني المشروع.

من هنا، فإن رفض مشاركة ممثلين عن منظومة استيطانية قمعية ليس انسحابا من النقاش الأكاديمي، ولا موقفا إيديولوجيا ضيقا، بل هو تعبير عن التزام بالقيم الكونية لحقوق الإنسان، وعن وفاء للمبادئ التي تقوم عليها المعرفة الحرة: النزاهة، الكرامة، والعدالة. لا يمكن أن نحاضر في السلم، بينما نمنح المنصات لممثلي أنظمة تقصف مستشفيات، وتعتقل وتعذب، وتمارس التمييز الممنهج ضد أبرياء عزل.

في ظل هذا الوضع، تبدو الادعاءات حول الانفتاح الأكاديمي غير كافية لتبرير هذا النوع من المشاركات. فليس كل "تبادل علمي" محايد بطبيعته، ولا كل "تعدد أصوات" يضمن العدالة الرمزية. هناك سياقات يكون فيها الانفتاح بوابة لإعادة إنتاج العنف الرمزي، والتعدد غطاء لفرض روايات تشرعن الاحتلال والتمييز. والسوسيولوجي الحقيقي لا يقع في فخ الشكل، بل يحفر في البنية، ويعيد مساءلة من يمنح حق الكلام، ومن يقصى منه.

من حسنات هذا النقاش، أنه أخرج السوسيولوجيا من جدرانها الجامعية، وجعلها محل نقاش عمومي، يساهم فيه الفاعلون المدنيون، والنشطاء، والمهنيون، والجمهور الواسع. وهذا بحد ذاته مكسب كبير، لأنه يعيد للعلم الاجتماعي مركزيته كأداة للمساءلة والتنوير، لا كمجرد حقل نخبوي منعزل عن التحولات المجتمعية الكبرى. لقد أصبح علم الاجتماع اليوم في قلب المعركة من أجل العدالة الرمزية، وحرية التعبير، وكرامة الشعوب.

غير أن هذه اللحظة، رغم رمزيتها، تضع الباحثين والباحثات في العلوم الاجتماعية أمام مسؤوليات كبرى. فالسؤال المطروح اليوم هو: كيف نحمي استقلالية الحقل المعرفي في زمن التمويل المشروط، والإملاءات الناعمة؟ كيف نصوغ أخلاقيات بحثية ترفض الانخراط في تبييض الانتهاكات تحت مسمى الشراكة الأكاديمية؟ وكيف نحافظ على التزامنا بقيم العدالة في عالم تتداخل فيه مصالح السياسة بالعلم، والسلطة بالمعرفة؟

الرهان الآن لا يقتصر على موقف ظرفي، بل على بلورة تصور متكامل لأخلاقيات الانخراط المعرفي. تصور يعتبر أن حقوق الإنسان ليست شعارا خطابيا، بل مرجعية حاكمة للممارسة الأكاديمية. وأن احترام كرامة الشعوب والضحايا يجب أن يكون شرطاً مسبقاً لأي انفتاح علمي أو تعاون مؤسساتي. وأن حرية البحث يجب أن تعني أيضا حرية الرفض، حين يكون القبول تكريسا لواقع عنفي.

إن التحدي المقبل يتمثل في تحويل هذه اللحظة إلى لحظة وعي جماعي داخل الحقل، تبنى فيها تحالفات أكاديمية مناهضة للهيمنة، وتفتح فيها مسارات للتفكير النقدي المستقل، وتصاغ فيها بدائل معرفية عادلة تضع الكرامة الإنسانية، لا فقط "الجدارة الأكاديمية"، في قلب الاهتمامات.

فالسوسيولوجيا التي تستحق اسمها، ليست التي تساير منطق السوق، بل التي تواجه. ليست تلك التي تخشى التوتر، بل تلك التي تعبره بوعي نقدي. وهي، اليوم، مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى استعادة صوتها، لتظل علما للعدالة، لا أداة لإخفائها.



#عزيز_الديش (هاشتاغ)       Aziz_Ddich#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة تضامن مع الاستاذ سعيد ناشيد - المغرب-
- أزمة التقسيم الترابي بالمغرب: نموذج اقليم بولمان
- المغرب: تأملات فيما أتت به مساعي الوساطة الجديدة اتجاه الريف ...


المزيد.....




- روسيا تحشد 110 آلاف جندي قرب مدينة أوكرانية استراتيجية وفقا ...
- رأي.. عمر حرقوص يكتب: لبنان المتحارب بين -أهلَين-.. صواريخ - ...
- بي بي سي داخل مبنى التلفزيون الحكومي الإيراني الذي تعرض لقصف ...
- إيران تُشيّع جثامين قادة عسكريين وعلماء نوويين قتلوا في المو ...
- السودان: البرهان يستجيب لهدنة إنسانية في الفاشر لمدة أسبوع
- تحوّل في خيارات التعليم بالصين: الشباب يصطفّون للانضمام إلى ...
- النمسا: عواصف قوية وبَرَد كثيف يشلّان مهرجانًا شهيرًا
- عراقجي يقول إن الإيرانيين -لم يستسلموا- والحوثيون يعلنون إطل ...
- صحف عالمية: إسرائيل تفشل إستراتيجيا بغزة وداخليا بعد حرب إير ...
- إعلام إسرائيلي: ما ندفعه من أثمان بغزة لا يستوعبه عقل وجنودن ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزيز الديش - السوسيولوجيا في زمن الهيمنة الرمزية: مقاومة التطبيع المعرفي كضرورة أخلاقية