أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الدول - رقصة بين ضفتي الإنسان














المزيد.....

رقصة بين ضفتي الإنسان


عادل الدول

الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 18:20
المحور: الادب والفن
    


في دهاليز الوجود، حيث لا يفصل بين الفجر والليل سوى همسة من الوعي، تسير الروح سير الحجاج في درب لا ترى معالمه إلا لمن ألف التأمل وسكن في قلب الغموض. رحلة لا تنتهي، لأنّها ليست مسافات تقطع، بل حالات تعاش، تتدفق في عروق الكينونة كأنها نفس أزلي لا يهدأ، بين جناحين متشابكين في جوهرهما، متباعدين في ظاهرهما: جناح العقل، ذلك المعمار الصارم الذي يبني صروح اليقين من حجارة البرهان، وجناح القلب، ذلك النهر الجارف الذي لا يسأل عن مجراه، بل يفيض حيث يشاء، يحيي ويدمر، يحب ويهرب، دون أن يطلب إذنًا من منطق أو يراعي حدًا من قيود.

نحن لسنا كائنات تسير على خيط واحد، بل نحن سيمفونية من التناقضات المتناغمة، نغمة تعلو حينًا وتخبو حينًا، لكنّها لا تنقطع، تعزفها ذات واحدة بآليتين تبدوان متعارضتين، لكنهما في العمق وجهان لمرآة واحدة: العقل المفكر، الحارس الأمين على بوابة الوعي، يحلل ويقيس ويزن ويقارن، لا يسلم إلا لما يبرهن، ولا يؤمن إلا لما يبصر، كأنه الفيلسوف الذي لا يرضى أن يمشي في الظلام دون أن يحمل مصباح الحقيقة بيده؛ والقلب الشاعر، ذلك البركان الكامن في صدر الإنسان، يثور بلا إنذار، يهدأ بلا سبب، يندفع نحو ما يشتهي بسرعة البرق، ويهرب مما يخاف كأنه ظل لا يمسك، صوت الحياة الأول، النبض الذي سبق اللغة، والغريزة التي حفظت الإنسان حين كان الوحش والليل والجوع أقرب إليه من نفسه.

وفي لحظات السكون، حين تستريح العاصفة وتنام الرياح على أجنحة الهدوء، يبدو العقل الربان الحكيم الذي يمسك بدفة السفينة بيد لا ترتجف. لكنّها لحظة قصيرة، إذ يكفي موقف يلامس وترًا في القلب لينقلب العالم رأسًا على عقب، فيصعد القلب كموجة عاتية تجرف كل ما أمامها، يقود بلا خريطة، يطلق الكلمة دون رجعة، والقرار دون تفكير، بينما يقف العقل في تلك اللحظة كالمتفرج خلف زجاج شفاف، يرى كل شيء ولا يستطيع أن يفعل شيئًا، كأنه سجين ذاته، يشاهد سفينته تغرق ولا يملك إلا أن يصمت.

لكن الحياة ليست معركة بين هذين الجناحين، بل دعوة إلى رقصة أزلية، إلى تناغم يحول التناقض إلى إبداع، والصراع إلى وعي أعمق. هنا يظهر الذكاء العاطفي، تلك القدرة الساحرة على أن ترى مشاعرك كأنك تراقبها من بعد، أن تفهم لماذا غضبت قبل أن تحرق بيديك ما بنيته سنين، أن تدرك خوفك قبل أن يشلك، أن تعرف فرحك فلا تطير بعيدًا عن أرضك. إنه الجسر الذي يربط بين ما يجب أن يُفعل وما يُتوق إلى فعله، بين العقل الذي يخطط والقلب الذي يلهم.

هذا الذكاء العاطفي لا ينحبس في سجن الذات، بل ينسكب كالضياء في ليل الغربة، يلامس القلوب قبل الكلمات، ويخترق الحجب قبل الأبواب.هي القدرة على أن تمسك بزمام عواطفك قبل أن تمتطيك، وأن تجعل انفعالاتك تنصت إليك بدل أن تجرّك خلفها عاصفةً عمياء. فكما يُعد التعاطف فنّ الانغماس في وجد الآخرين، فإن الذكاء العاطفي هو البوصلة التي توجه هذا الفن، لتفهم مشاعرك ومشاعر غيرك بوعي وحكمة، وتبني علاقات تنبض بالصدق والانسجام.فمن فهم دموعه ، تلك الأحرف الصامتة التي تكتبها الروح على خد الزمن فهم دموع غيره، حتى تلك التي لم تُسفك بعد، بل حتى التي ما زالت تتردد في عيون أصحابها كأنها استئذان خجول من الألم. ومن أدرك خوفه، ذلك الظل الخفي الذي يلتف حول صدره كلما هبت رياح المجهول، أدرك خوف من حوله، فلم يسخر، بل مد يده كأنه سند لا سؤال. ومن وعى غضبه تلك العاصفة التي تهدد أن تطفئ فيه نور الإنسانية ، وعى غضب الآخرين، فلم يضف زيت السخرية أو الاستفزاز إلى نارهم، بل وقف كالغيث الهادئ يطفئ لهيب اللحظة دون أن يطفئ كرامة صاحبها.

وهكذا، في منتصف الطريق بين برودة المنطق ، ذلك النقاء الذي قد يصير قسوة إن انفصل عن القلب ، وحرارة الوجدان ، ذلك الدفء الذي قد يصير لهيبًا إن انفصل عن العقل ، هناك تولد الحكمة. ليست ابنة للعقل وحده، فلو كانت كذلك لصارت جليدًا لا يذوب، ولا ثمرة للعاطفة وحدها، فلو كانت كذلك لاحترقت في نارها. بل هي ولادة نادرة من اتحاد النور بالدفء، من عناق الرؤية بالحنين، من مزج التحليل بالتعاطف. كأن الكون ذاته يهمس في أذن الإنسان: كن كليًا، ففي اكتمالك تكمن إنسانيتك.



#عادل_الدول (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولادة خارج الصندوق


المزيد.....




- هل يقترب أدونيس أخيرا من جائزة نوبل؟
- النزوح في الأدب الغزّي.. صرخة إنسانية في زمن الإبادة
- النزوح في الأدب الغزّي.. صرخة إنسانية في زمن الإبادة
- منتدى الفحيص يحتفي بأم كلثوم في أمسية أرواح في المدينة بمناس ...
- الطاهر بن عاشور ومشروع النظام الاجتماعي في الإسلام
- سينما الجائحة.. كيف عكست الأفلام تجربة كورونا على الشاشة؟
- فتح مقبرة أمنحتب الثالث إحدى أكبر مقابر وادي الملوك أمام الز ...
- الفنان فضل شاكر يُسلم نفسه للسلطات اللبنانية بعد 13 عاما من ...
- ابنة أوروك: قراءة أسلوبية في قصيدة جواد غلوم
- الطيب بوعزة مناقشا فلسفة التاريخ: هل يمكن استخراج معنى كلي م ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الدول - رقصة بين ضفتي الإنسان