|
جميل السلحوت يناصر المرأة، يكافح الشعوذة والسحر، ويحافظ على التّراث العربيّ الفلسطينيّ
روز اليوسف شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 13:33
المحور:
الادب والفن
د. روز اليوسف شعبان جميل السلحوت أديب فلسطينيّ، ولد عام 1949 في جبل المُكبّر في القدس حيثُ يُقيم حتّى الآن. عَمِلَ مُدرّسًا للّغة العربيّة في المدرسة الرّشيديّة الثّانويّة في القدس بين الأعوام 1977-1990، وعمل مُحرّرًا في الصّحافة بين الأعوام 1974-1998 ويُذكر أنّ السّلحوت عضو ومؤسّس لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين، وعضو مؤسّس لاتّحاد الصّحفيين الفلسطينيّين. وقد حصلت الأستاذة رولا غانم على شهادة الدّكتوراة من جامعة طنطا في مصر عن" القدس في روايات جميل السلحوت. كما كتب آخرون رسائل ماجستير عن كتاباته. فازَ جميل السّلحوت بجائزة “القدس للثّقافة والإبداع” عام 2018، ومنحته وزارة الثّقافة الفلسطينيّة لقب “شخصيّة القدس الثّقافيّة للعام 2012، وقد صدر لهُ أكثر من ستّين كتابًا تنوّعت بين الرّواية للكبار وللفتيان، وأدب الأطفال وأدب الرّحلات والسّيرة الذّاتيّة والغيريّة، واليوميّات والتّراث الشّعبيّ، والبحث والأدب السّاخر والنّقد الأدبي. وهو أحد المؤسّسين الرّئيسيّين لندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة الدّوريّة في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس والمستمرّة منذ عام 1991 حتى الآن. (موقع الحكواتيّ). عالج السلحوت في رواياته العديد من القضايا، منها سياسيّة، اجتماعيّة، الخرافات والسّحر والشّعوذة، حقوق المرأة، وغيرها من القضايا الهامّة. السلحوت يكافح الشعوذة والسحر كتب السلحوت في العديد من رواياته وقصصه، عن ظاهرة إيمان بعض الناس وخاصّة كبار السنّ، في الشعوذة والسحر. في رواية حمروش (2024)، يطرح الكاتب قضيّة إيمان بعض الناس، بالأولياء الصالحين، والخرافات، والأرواح، من خلال حكاية شعبيّة. تحكي الرواية عن حكاية غريبة خرافيّة آمن بها غالبيّة سكّان إحدى البلدات في بلادنا، عن مغارة تسكنها أرواح صالحة، هذه الأرواح، لا تقبلُ الأخطاء والخطايا، الّتي يرتكبُها البشر، لذا فهي تخرج من عالمِها الآخر؛ لِتردَعَ من يرتكب خطأً ما. ومن القصص التي يرويها أحد الرجال عن هذا الكهف:" إنّه رأى في مغارةِ الصّالحين امرأةً كاملة الأوصاف، غرّاء فرعاء، كانت الدّماء تسيلُ من شدقيها وبجانبِها موقدٌ، وأمامها رجلٌ ممدودٌ عارٍ تمامًا، وبيدها سيفٌ، تقطعُ أجزاءً من الرّجلِ، وتلقي بها فوق الموقد، فانسحب الرجل بخفّةٍ قبل أن تنتبهَ له، وعاد إلى بيته مرعوبا". ومن القصص الغريبة الأخرى، قصّة رواها أبو الوليد قائلا:” كنتُ عائدًا من البيادر وأنا أمتطي البغلَ -أجلّكمُ اللهُ-، ولمّا مررتُ من بابِ المغارة سمعتُ صوتًا غريبًا، فالتفتّ دون قصدَ منّي، وإذ بأفعى حجمُها أكبر من حَجْمِ الحصان، ورأيتُها وهي تبتلعُ خروفًا، كانت تفتحُ فمَها وهي تبتلعُ قدميه الخلفيّتين، فأرخيتُ رسنَ الحصانِ وضربتُه بعصًا على رقبتِه، فانطلق يسابقُ الرّيحَ، والعلمُ عندَ اللهِ أنّ البغلَ عدا بأقصى سرعتِه، لأنّه رأى الأفعى فخافَ منها هو الآخر". على أنّ أحد رجال القرية حدّث أبناء قريته عن حكاية تقول:" جاء القريةَ ثلاثةُ لصوصٍ يمتطي كلّ منهم حمارًا؛ ليسرقوا، ولمّا وصلوا طرف القرية كانوا مُنهكين من شدّة البردِ والتّعب، فاحتموا بالمغارة المذكورة من الثّلوج الكثيفة المتساقطة، وأشعلوا نارًا وقودها من حطب القرية ليتدفأوا. ومات حمارٌ من حميرهم، ودفنوه في المغارةِ بناءً على نصيحةِ أحدهم؛ لِيَجعلَ منه وليًّا صالحًا، وانطلت خديعتُهم على أهل القرية الّذين بنوا ضريًحا على القبر، وصاروا كلّهم يقدّسونه ويُقسمون باسمه" حمروش"، وتزوّجوا أجملّ ثلاثِ نساء في القرية، وواصلوا سرقةَ البيوت ويتقاسمون ما يسرقون، وذات يوم سرق أحدُ الّلصوص زميلَه، وأقسم بالشّيخ "حمروش" أنّه لم يسرقُه، فقال له الآخر: كيف تقسم بالشّيخ حمروش وتريدُني أن أصدّقك و"احنا دافنينه سوا"؟ يتطرّق الكاتب جميل السلحوت في هذه الرواية إلى قضيّة إيمان النساء بالسحر والفتّاحات، فعندما قدمت صبريّة النوريّة مع زوجها وأولادها إلى البلدة، سكنوا في المغارة، وأخذوا يبيعون للأهالي الكرابيل والغرابيل، زوجها عبده كان يغنّي ويعزف على الرّبابة وهي ترقص، كانت صبريّة تقرأُ الطّالعَ للنساء من خلالِ قراءةِ الكّفِّ أو فنجانِ القهوة، وتفتحُ بالودع. فالجأ إليها بعضهن ممّن يُردن الانجاب، فتعطيهنّ وصفات غريبة غير منطقيّة. يحارب الكاتب هذه الترهات، ويكشفها على الملأ؛ علّ النساء اللواتي يؤمنّ بهذه الترهات، ويلجأن إلى العرّافات، يمتنعن عن ذلك. الجميل في رواية حمروش، أنّ الكاتب جعل الحلّ والخلاص من الإيمان بالخرافات، بالجيل الصاعد من الفتيان، هذا الجيل الذي يرفض الإيمان بالمسّلمات والأمور غير المنطقيّة، فيثير الأسئلة ويستخدم العقل والمنطق، كما جعل الكاتب الفتى سعيدًا نموذجًا لهذا الجيل الذي لا يصدّق الخرافات، ولا يخشى الأرواح؛ لأنه لا يؤمن بوجودها، ويمتلك القوّة لمواجهة الكبار ويأتي لهم بالحجج المنطقيّة. تعرّض الكاتب لهذه الظاهرة في رواية الوبش أيضًا، من أبز المشعوذين والفتّاحين في الرواية، الفتّاح أبو ربيع والفتّاحة مبروكة. التفّ أبو ربيع على مجموعة محتالين يتستّرون بالدّّين ويتظاهرون بالورع، وصار واحدا من صبيانهم اللّصوص، الذين يسرقون لصالح مشغّليهم، علّموه فنون الدّجل والشّعوذة؛ فأطلق ذقنه وحلق شاربيه بناء على تعليماتهم، وهذا اللّباس واحد من متطلّبات خداع الناس للنّصب والاحتيال عليهم، ولما شبّ واشتدّت عضلاته انفصل عنهم وامتهن الشّعوذة؛ فوجدها مصدر رزق دافق لا ينضب" (ص 87-88). وحين كانت تأتي إليه النساء ليعالج عقمهنّ، كان يدّعي أنّ جنيّا يسكن أرحامهنّ، ولكي يطرده يجب عليه مضاجعتهنّ، وقد حملت منه عدّة نساء دون أن يجرؤن على البوح بما فعله بهنّ من أعمال مشينة، تخالف العرف والدين. كما عاشر الفتّاحة مبروكة وكان خليلًا لها قبل زواجها وبعده. وحين غادرت مبروكة البلد ورحلت دون علمه؛ خاف أن يفتضح أمره، فانعزل في بيته، حلق شعر رأسه وذقنه وغيّر ملابسه؛ كي لا يعرفه أحد، وحين قرّر أن يحجّ بيت الله، سرق في الحجّ محفظة أحد الحجّاج، وصدف أن رآه رجُلا أمن، فقدّماه للمحكمة الشرعيّة التي أقامت عليه الحدّ وقطعت يده اليسرى من الرسغ. وبعد عودته من الحجّ وافتضاح أمر السّرقة توفيّ في بيته. اتصّف أبو ربيع بكلّ صفات النّذالة وانعدام الأخلاق، ففتك بأعراض الناس، واحتال عليهم وجنى منهم الكثير من الأموال؛ فاستحقّ بذلك لقب الوبش. أمّا مبروكة فهي فتّاحة نصّابة محتالة، جنت الكثير من الأموال من الناس، والغريب أنّ الكثير من النّساء يصدّقنها، فكانت تبصق في فم المرأة لتعالجها، أو تدّعي أن جنيّا يتلبّسها وعلى أهلها ضربها لإخراج الجنّيّ من جسدها، وغير ذلك من التّرهات. وبينما تدّعي مبروكة الورع والايمان، تقيم علاقات جنسيّة مع العديد من الرّجال أمثال: أبو ربيع وعدنان الجحش. وعدنان هذا كان شابّا أصغر منها، فكانت تدفع له المال؛ كي يعاشرها ويشبع نزواتها، وبعد اختفاء مبروكة ورحيلها، ابتزّ عدنان الجحش الكثير من المال من أبي ربيع. استخفّ الشباب في رواية الوبش، بالمعتقدات غير المنطقيّة والواقعيّة لآبائهم وأجدادهم، وقد تكون رسالة الكاتب، تشجيع الشّباب لحمل راية الفكر والمنطق والعقل والدّين، لتكون نافذة لتغيير المجتمع إلى الأفضل والرقيّ بأبنائه بعيدا عن المعتقدات والخرافات والشّعوذة.
السلحوت نصير المرأة: عالج السلحوت قضيّة دونيّة المرأة، فدافع عنها وعن مكانتها في العديد من الرّوايات مثل، نساء في وجه العاصفة، الخاصرة الرّّخوة، المطلّقة، الأرملة- وهي رواية مشتركة مع الكاتبة ديمة جمعة السمّان- الخاصرة الرخوة والوبش. وممّا جاء في رواية الوبش (2024) أنّ عمر سأل والده ما الفرق بين طلاق المرأة والرجل. فأجابه الوالد:" الناس يا ولدي لا يرحمون النساء. ونظرتهم للمرأة المطلّقة لا منطق فيها"(ص29). هذا الأمر استفزّ عمر الذي قال:" من يغتاب ليلى بسوء سأقطع لسانه، ومن ينظر إليها بسوء سأقلع عينه". (ص 29). في إجابة عمر دليل على التّغيير الذي يحدث عند الشّباب في قضيّة طلاق المرأة، وهذا دون شكّ أمر جيّد. أمّا ليلى فقد بكت كثيرًا بعد طلاقها:" صحيح أنّها ارتاحت من ارتباطها بموسى، لكنّها تبكي حظّها العاثر، وكيف سيرافقها لقب مطلّقة وهي ما زالت عذراء". (ص 28). وقد استعان الكاتب بأمثال شعبيّة يتداولها النّاس وتظهر دونيّة المرأة منها:" البنات مثل خبيزة المزابل يكبرن بسرعة". ص84. :" شاوروهن وخالفوهن"(ص160). وفي رواية الأرملة (2023) للروائيين المقدسيين الشيخ جميل السلحوت وديمة السمان. الصادرة عن مكتبة كل شيء حيفا، 2023، صوّر لنا الكاتبان، جميل السلحوت وديمة السمان، في روايتهما، حياة الأرملة في المجتمع العربيّ، وما يواجهها من صعوبات وتحديّات ومضايقات ومعاناة، بل ونبذ من قبل النّساء الصّديقات والجارات خوفا من أن يقع أزواجهنّ في حبّ الأرملة. أمّا رواية اليتيمة (2020) فهي رواية اجتماعيّة بامتياز، فالكاتب يصوّر الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة الصّعبة التي تعيشها العائلات الفلسطينيّة في ظلّ الاحتلال. والعلاقات العائليّة التي أصابها الفتور لانشغال النّاس في أمور معيشتهم، كما تطرح الرّواية التّمييز بين الولد والبنت، في التّعليم، الميراث وغير ذلك.. والظلم اللاحق بالفتيات اليتيمات بشكل خاصّ. فالأمّ ترى بالولد امتدادًا لزوجها حاملًا اسمه، في حين تتزوّج الفتاة وتخرج من بيت أهلها دون أن تحمل اسم والدها. ولعلّ من المثير هنا، أنّ المرأة لا تنصف المرأة، فبدلا من تعويض الفتاة من حرمانها من عاطفة وسند الأب، نجد أنّ الأمّ في مجتمعاتنا الفلسطينيّة تقف مع الولد ضدّ البنت. وقد ظهر ذلك جليًّا في الرّواية، حين أهدت المعلّمات زميلات عبير مبلغًا كبيرًا من المال لها؛ بسبب تفوقّها، ليتسنّى لها التعلّم في الجامعة، فأخذت الأمّ النقود لولدها.:" بعد أن غادرت المعلّمات قامت والدة عبير بعدّ المبلغ فوجدته ألفًا ومئة دينار أردنيّ، فقالت:" هذا المبلغ سيساعدنا في خطبة عزيز، وأنا مع رأيك بأن تبحثي لك عن عمل، حتّى يبعث الله لك ابن حلال يسترك وتسترينه". (ص 30). لكنّ الجدّ يبدي موقفًا مغايرًا، فيقول لكنّته:" تعليم البنت درع يحميها في المستقبل يا لبنى، والزّواج ليس غنيمة يتسابق عليها النّاس". (ص31). كذلك عزيز حاول الدّفاع عن اخته قائلًا:" عبير ستتزوّج بعد أن أتزوّج أنا، فأنا أكبر منها عمرًا". (ص31) فهل ينصف الرّجل المرأة أكثر ممّا تنصف المرأةُ المرأةَ؟ تطرح الرّواية أيضًا موضوع زواج الأبناء والبنات وتدخّل الأمّهات في زواجهم، وزواج البدل بين معارضٍ ومؤيّدٍ. وفي رواية المائق (2024) بيّنت الرّواية تفضيل الولد على البنت، وخاصّة شيوخ العشائر، "فالأولاد عزوة"، والولد الذّكر هو من يرث المشيخة عن والده. لذا كان الشّيوخ يتزوّجون العديد من النّساء؛ ليلدن لهم الكثير من الأبناء الذكور، وكانت الأفراح تعمّ العشيرة برمّتها عندما تنجب نساء الشيخ أولادًا، في حين لا يكترث أحد لولادة البنت. وقد بيّن الكاتب أنّ لا علاقة للمرأة في تحديد نوع الجنين، فجاء بآية من القرآن الكريم تبيّن ذلك:" الله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذّكور". ص 46. كما بيّنت خضوع المرأة لزوجها ووجوب طاعته وعدم الاعتراض على زواجه من امرأة أخرى، أو توجيه أسئلة له عن الأماكن التي يذهب إليها، والاهتمام بجمالها حتى تبدو دائمًا جميلة في عين زوجها. وتلعب الأمّ دورًا هامًّا في تقديم النّصائح لابنتها وفي الحفاظ على جمالها خاصّة إذا كانت زوجةً لشيخ العشيرة. ومن نصائح زبيدة لابنتها صفيّة زوجة الشيخ مسعود ما يلي:" ضعي الولد في حدقتي عينيك، تجهّزي لتحملي ولتلدي كلّ عام طفلًا أو توأمين، فالشّّيوخ يحبّون العزوة، فكوني للشّيخ مسعود فراشًا؛ ليكون لك غطاءً. لا تظهري أمامه إلا وأنت كما يُحبُّ، تجمّلي له؛ لتقنعيه أنّّك المرأة الوحيدة على الأرض كي لا يأتيك بضُرّة". (ص 10). وقد وضعت زبيدة والدة صفيّة بصمة من الحنّاء على جبين صفيّة، وبصمة أخرى على منتصف لحيتها، طلبت منها أن تتمدّد على الفراش وترفع ثوبها، ليظهر بطنها وصدرها، وضعت دائرة من الحنّاء حول سُرّتها، رسمت بالحنّاء وردتين على نهديها، ووردتين على منتصف فخذيها وهي تقول: "عندما يرى الزّوج هذا على جسد زوجته فإنّه يهيم بها، ثم رسمت وردة على ظاهر وبطن كفّيها وذراعيها". (ص 19-20). مع ذلك فإنّ المرأة البدويّة كانت تعتبر من الحرائر، ولا تعيش حياة الحريم، وهذا يعني أنّها كانت تتصرّف بعفوية دون حرج كما الرّجال، وتتحدّث معهم دون خوف، وقد تمتّعت المرأة برشاقة الفرسان، وكانت فارسة تركب الخيل وتتعلّم الفروسيّة. القدس في مواجهة الاحتلال: تطرّق الكاتب في العديد من رواياته إلى موضوع القدس، وما يعانيه أهلها من إذلال واضطهاد على يد جنود الاحتلال. ظهر ذلك بشكل خاصّ في رواية اليتيمة (2020)، حيث يبيّن الكاتب اعتداءات المستوطنين على السكّان. يقول الكاتب:" المتطرّفون اليهود يقتحمون الأقصى تحت حراسة شرطة الاحتلال، المستوطنون يحرقون ويدمّرون المزروعات، يقطعون الأشجار المثمرة، يعتدون على المزارعين والأهالي تحت حماية الجيش". (ص 103). يصف الكاتب جميل السلحوت وصفًا مؤثّرًا، كيف يقوم المستوطنون بسرقة الفرح من الفلسطينيين حتّى في مناسباتهم وأفراحهم:" بعد صلاة المغرب مباشرةً بدأ الرّقص والغناء في بيت ام عزيز، وإذا بقنابل الغاز الخانق والمسيل للدّموع تنهال على البيت، صليات رصاص سريع تنطلق، صراخ يملأ الحارة. بدأ السّعال والصّراخ في البيت، في حين خرج أهالي الحيّ يستطلعون الأمر، وإذا عشرات المستوطنين ممّن يستوطنون بيوتًا في وادي حلوة مدجّجون بالسلاح، ويحرسهم العشرات من رجالات حرس الحدود الإسرائيليّ، يقفون في حالة استنفار. المستوطنون يقذفون الحجارة على البيوت ويعربدون…. تقدّم أحد شيوخ الحارة من ضابط حرس الحدود وصرخ في وجهه: هل جننت؟ لِمَ تهاجمون النّساء اللواتي يغنّين في حفل خطبة؟ ردّ عليه أحدهم: أوقفوا الغناء والأصوات العالية، فأنتم تستفزّون السكّان اليهود في الجهة المقابلة، وتخترقون حرمة ليلة السْبت وتزعجونهم في صلواتهم. ردّ عليه الشيخ: نحن نغنّي في بيوتنا، والمستوطنون يزعجوننا بشكل دائم بأصواتهم وأنتم تحرسونهم وتشجعونهم فانصرفوا وإيّاهم من هنا". (ص148-149). ورغم إصابة العديد من سكّان الحيّ بالعيارات المطّاطيّة، وإصابة آخرين بضيق التّنفّس والتّقيّؤ، واعتقال العديد من الشباب، وضربهم ومن بينهم العريس عزيز، الذي أعادته الشّرطة خوفًا من الصّحافة التي كانت تملأ المكان، إلّا أنّ أهل العريس تابعوا فرحهم وهذا يشير إلى إصرار الشّعب الفلسطينيّ على الحياة والفرح الذي هو حقٌّ لهم. يظهر لنا الكاتب أيضًا قوّة المرأة الفلسطينيّة ووقوفها في وجه الجنود واستبسالها في الدّفاع عن أهلها بكلّ بسالة. فها هي عبير تقف في وجه الجنديّ الإسرائيليّ وتمنعه من اعتقال أخيها قائلة:" هذا العريس لِمَ تعتقلونه؟ لن تخرجوه من هنا إلّا على جثّتي". ص150 السلحوت يدوّن التراث يكتب السلحوت في صفحته في الفيس بوك عن أهميّة التّراث ما يلي: التّراث الشّعبيّ جزء هامّ من الهويّة الوطنيّة لأيّ شعب، بل إنّه أحد مكوّنات هذه الهويّة، فمن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له أيضًا. والموروث الشّعبيّ بشقّيه القوليّ والماديّ هو إرث حضاريّ للشّعب، والتّنكر لهذا الإرث الحضاريّ، هو استجابة مقصودة أو دون قصد لطروحات الأعداء الّذين يرون في الشّعب الفلسطينيّ مجرّد تجمّعات سكّانيّة، وهم بهذا ينفون عنه صفة كونه شعب. يتعرّض التّراث الشّعبيّ الفلسطينيّ إلى السّرقة والتّشويه والضّياع، نتيجة نكبة فلسطين، وتشريد ملايين الفلسطينيّين عن أرض وطنهم. فمئات القرى الفلسطينيّة تمّ تدميرها بالكامل، ومُحي كلّ أثر لها، وما تبقى جرى تحريفه وتشويهه. وحتّى على مستوى المأكولات الشّعبيّة فإنّ الحمّص والفلافل يقدّم على اعتبار أنه أكلة شعبيّة عبريّة. أمّا على مستوى الأدب الشّعبيّ فقد تمّ تقديم أغنية " الدّلعونا " بنفس لحنها الشّعبيّ الفلسطينيّ بعد ترجمة كلماتها إلى العبريّة على أساس أنّها أغنية شعبيّة عبريّة. والآثار الفلسطينيّة تمّت سرقتها أيضّا. من هنا ومن منطلق أهميّة الحفاظ على هُوّيتنا، وحقّنا في هذه الأرض، اهتمّ جميل السلحوت بالتراث العربيّ الفلسطينيّ، باستحضاره في قصصه ورواياته، فنجد فيها الكثير من الحكايات الشعبيّة والأمثال، والأغاني الشعبيّة، والمهاهاة وأغاني الأعراس والمناسبات والأحاديث النّبويّة وآيات من القرآن الكريم. فقارئ رواياته يكتشف كنزًا من التّراث، الأمر الذي يساهم في حفظ هذا التّراث ونقله إلى الأجيال القادمة. من الأمثال الّتي وردت في رواية المائق ( 2024) ما يلي: " "النّساء أكثر من الهمّ على القلب"(ص 11). "إكرام الميّت دفنه"(ص 42). :" فرحنا للأقرع حتى يونّسنا، كشف عن قرعته وخوّفنا"(ص 29). :" الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"(ص 48).:" التّعارف من السُنّة"(ص 71).:" إذا كان صاحبك عسل لا تلحسه كلّه"(ص 76).:" بين حانا ومانا ضاعت لحانا"(ص 92). ومن المهاهاة ما يلي:" أويها يا شيخ بيتك مشرّع بفتيخه آويها شِقْ بيتك مقعد للشّيخه آويها يا شيخ بيتك مشرّع بالخاتم آويها وشِقْ بيتك مقعد للحاكم". (ص85). هاي ويا بيّ ماجد يا عامود رجالنا هاي ويا صاحب الهيبة وامشِ قدّامنا هاي ويا بيّ ماجد يا عامود أهالينا هاي ويا صاحب الهيبة وامشِ على هوانا"(ص 85).
كما قام السلحوت بكتابة روايات للفتيات والفتيان مستوحاة من الحكايات التّراثيّة، مثل رواية جبينة والشاطر حسن (2023)، لقد أخذ الكاتب جميل السلحوت بعض الأحداث من الحكايتين ودمجهما في روايته فبدت لنا واية حديثة تنبض بأصالة التّراث. جبينة والشاطر حسن رواية جميلة شائقة للفتيات والفتيان، تروي لنا عن الفتاة الجميلة جبينة التي ولدتها أمّها بعد معاناة، وذلك بعد أن استدعت بائعة اللبن والجبن لأمّ جبينة أن يحقّق لها الله ما تتمنّاه، فتمنّت الأمّ أن يرزقها الله فتاة جميلة بيضاء كقطعة الجبن. عاشت الفتاة سعيدة مع والديها اللّذين كانا يعيشان في باب حُطّة قريبًا من برج اللقلق في القدس القديمة. في جبينة والشاطر حسن لعب المكان دورًا هامّا ومركزيًّا، فقد دارت الأحداث في مدينة القدس وفي البراري المحيطة بها وفي أريحا، ومن خلال هذه الأمكنة استشعرنا عظمة القدس وأهميّتها للمسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء، يقول الرّاوي:" ترى الهلال على مآذن المساجد، يعانق الصّليب على أبراج الكنائس والأديرة، فيمتلئ قلبها إيمانًا". (ص 5). أمّا البراري فكانت مكانًا للأصالة والجمال والاسترخاء والهروب من صخب الحياة وضجيجها، فللبراري سحرها الخاصّ، لكنّها رغم ذلك تحفل بالمخاطر والحيوانات المؤذية. مع ذلك فإنّ هذا المكان هو جزء لا يتجزّأ من الوطن الجميل، لذا من الضّروري جدا أخذ الأطفال إليه وتعريفهم به. وقد لعبت المغارة دورًا مركزيًّا في تغيير مجرى أحداث الرّواية، فكانت المغارة المكان الذي جلب الغنى والسّعادة لأسرتيّ جبينة وزينب. أتساءل ماذا أراد الكاتب أن يوصل لفتياتنا وفتياننا من خلال روايته هذه؟ هل أراد لهم العودة الى التّراث وتحديثه بحيث يغدو ملائمًا لتطوّرات العصر؟ أم أراد لهم التعرّف على بلادهم وغرس حبّ الوطن في نفوسهم؟ أم أراد أن يغرس في نفوسهم قيم الإخاء والمحبّة بين الطّوائف والملل؟ وقيم الوفاء والمساعدة ومحاربة الأشرار؟ أو ربّما أراد أن يأخذ حكايات التّراث ويعيد صياغتها من جديد بحيث تواكب التّغييرات في مجتمعنا وتتماشى مع عقول فتياتنا وفتياننا، بهدف نقل القيم الجميلة المستقاة من الحكايات الشّعبيّة التّراثية وترسيخها في نفوس فتياتنا وفتياننا؟ أم أراد الكاتب جميل السلحوت أن يحقّق كل ما ذكر أعلاه؟ وتبقى الإجابة في جعبة الكاتب. في الختام أرى أن هذه الرّواية ستفتح المجال لكتّاب آخرين لاستحضار الحكايات التّراثيّة، وإعادة سردها بحلّة جديدة، تناسب فتيات وفتيان اليوم. وهذا بالتّأكيد يُحسب لصالح الرّوائيّ جميل السلحوت. للسلحوت أيضا قصص عديدة أخرى وكتب في السيرة الّذاتيّة والسيرة الغيريّة، وأدب الرحلات، وهو كاتب واسع الاطّلاع غزير الإنتاج، أثرى مكتباتنا العربيّة والفلسطينيّة والعالميّة بكتبه القيّمة التي تُرجم بعض منها للغات أجنبيّة. المصادر: السلحوت، جميل (2021)، اليتيمة، حيفا: مكتبة كلّ شيء. السلحوت، جميل (2023)، جبينة والشاطر حسن، حيفا: مكتبة كلّ شيء. السلحوت، جميل، السمّان، ديمة (2023)، الأرملة، حيفا: مكتبة كلّ شيء. السلحوت، جميل (2024)، الوبش، حيفا: مكتبة كلّ شيء. السلحوت، جميل (2024) المائق، حيفا: مكتبة كلّ شيء. السلحوت، جميل (2024) حمروش، كفر قرع: دار الهدى،أ. عبد زحالقة. السلحوت، جميل، صفحة الفيس بوك للكاتب. موقع الحكواتيّ القدس.
#روز_اليوسف_شعبان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفيفات يتحدّين الإعاقة البصريّة والإعاقة المجتمعيّة والفكريّ
...
-
صورة المرأة في المجموعة القصصيّة السباحة في عين الأسد للكاتب
...
-
الشعوذة والاستخفاف بعقول الناس في رواية الوبش
-
تأكيد العودة في رواية - والله راجع- للكاتب د. محمد كريّم
-
الإفراط في تدليل الأبناء في رواية المائق لجميل السلحوت
-
الإرادة تصنع المستحيل في كتاب شقيقي داود سيرة غيريّة
-
ساعة جدّي
-
النجاح والعطاء في السيرة الغيريّة لمحمد موسى السلحوت
-
جبينة والشاطر حسن: تراثٌ في حُلّة جديدة
-
رحلة الموت في رواية حقيبة من غمام
-
اللغة الشعرية ولغة المناجاة في كتاب همسات على عتبات الذاكرة
-
أسلوب الحداثة في رواية المهطوان للكاتب رمضان الرواشدة
-
الجهل والسذاجة في رواية- الليلة الأولى- للكاتب المقدسي جميل
...
-
بين تحقيق الذات والتحديات في رواية الأرملة
-
طموح المرأة ونرجسيّة الرجل في رواية - هذا الرجل لا أعرفه-
-
الشوق والحنين في رواية مايا للأديب المقدسيّ جميل السلحوت
-
هُيام
-
رواية-ذاكرة على أجنحة الحلم- والحداثة
-
-رسائل من القدس وإليها- لون أدبيّ جديد لتأريخ السيرة الذاتيّ
...
-
شذرات الصفيح
المزيد.....
-
سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم
...
-
عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على
...
-
الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على
...
-
تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
-
عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
-
جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة
...
-
قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
-
-الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
-
-حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
-
صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
المزيد.....
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
المزيد.....
|