أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيهم ديوب - قبل الصدمة وبعدها: قلم في وجه الكلمة، رسالة للاستمرار














المزيد.....

قبل الصدمة وبعدها: قلم في وجه الكلمة، رسالة للاستمرار


أيهم ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 11:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هويتنا ليست وجهًا واحدًا، بل مجموعة من الشخوص التي تنفصل وتلتقي تبعًا للعالم من حولنا. هل اتساع الهوة بينها علامة على خلل في شخصية الفرد؟ تخيّل شخصًا مرحًا وبسيطًا في مكان ما، ثم تجده في مكان آخر صعب المراس، جادًّا وحادًّا. ثم هناك وجهه وهو وحيد، لا يشبه الأول ولا الثاني. هذا هو سؤال الاتساق داخل هذا المجتمع الخفي من الشخوص، الذي يحكمه في النهاية إنسان واحد، يطبع عليها جميعًا صفة الواحد.

لكن هذا الاتساق ليس ثابتًا. أن نجد شخصًا يبدو متماسكًا بين وجوهه المختلفة لا يعني أنه سيبقى على هذا الحال دائمًا. قد يطرق الاضطراب بابه، وحتى لو انقشع فلن يعود بالضرورة كما كان. أحيانًا يترك الاضطراب دويًا صاخبًا في الذاكرة. يسمّيه الطب النفسي «الصدمة». لكن الصدمة لا تفضي دائمًا إلى الخراب. ما بعد الصدمة رحلة طويلة ومجهولة، لكن مسارها يظل في يد صاحبها ليرسمه، كما يرسم أي إنسان مسار حياته. الصدمة التي كسرت الاتساق وشرخت الروح هي نفسها التي منحت وعيًا بالشخوص وتعددها. تدفع صاحبها إلى مراقبة ذاته وتفكيكها أكثر، دعوة مؤلمة لاكتشاف الذات وإعادة بنائها من جديد. لا ضمانات، والنتائج في الغالب كارثية، لكن لسبب غامض تبقى هذه الدعوة ممكنة.

الاتساق لا يعني بالضرورة الخير كله، ولا هو الحالة «الطبيعية» التي يجب أن نتمسك بها. فالاتساق في ذاته ليس مفهومًا متسقًا. لا ألعب هنا بالألفاظ، بل أفرّق كيف أن الحالة تتغيّر بحسب مسار تكوينها. فالاتساق الذي يُنتزع بعد صراع قاسٍ ليس كالذي يُورّث بفضل امتياز اجتماعي-اقتصادي محض. قد نجد إنسانًا ينجح في الحفاظ على وحدة شبه مطلقة بين شخوصه، فيبدو متوازنًا في كل نواحي حياته. ربما يمنحه هذا الاتساق معظم السعادة التي يحلم بها البشر. لكنه قد يعني أيضًا أن ذاك الإنسان يعيش في حالة ركود، معزولًا عن الانقسام والفوضى، محبوسًا في فقاعة من التوازن. وانفجار هذه الفقاعة لا يرتبط عادة بجهده في الحفاظ عليها، بل بأسباب أعقد وأكثر تشابكًا: اقتصاد البلد، الاستقرار السياسي، والأنظمة الاجتماعية التي تمنح بعض الأفراد أرضًا صلبة للاستقرار، فيما تحفر لآخرين هاويات للاضطراب.

أما ذاك الذي جرّب الانقسام، وتمزقت شخوصه، ثم نهض من جديد بأجوبة حطمتها أسئلة أكبر، فعاد ليجرّب مرة أخرى، ثم مرة أخرى، حتى انتهى إلى الاستنتاج الأثقل: أنه سيظل يعاود الكرة دائمًا، وأنه لا جواب نهائيًا أبدًا—إلا امتلاك رؤية أعمق، وأسئلة أصعب، ونَفَس طويل يشبه الماراثون، وذلك الإصرار الغريب على النهوض والمحاولة من جديد—فهذا هو الطريق الأجدر للعيش. حياة ليست فوضى واضطرابًا وألمًا ومعاناة فقط، بل حياة أوسع تحتضن كل شيء: فرحًا وموتًا، لذة فكرية باكتشاف حقيقة مؤقتة أو السير نحو حقيقة أسمى، أو مشاركة قضايا ترفع من شأننا كأفراد مبعثرين في كون شاسع—شيء يلامس النبالة، شيء يشبه دفء الحب، شيء يشبه العدالة.



#أيهم_ديوب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إملأ الخنادق باللغة


المزيد.....




- مسلسل -اللوتس الأبيض- يفتح الأبواب على أجمل منتجعات تايلاند ...
- القضاء الفرنسي يدين ساركوزي بتهمة التآمر الجنائي في قضية الت ...
- زيلينسكي يضع موسكو بين خيارين: إما وقف الحرب أو الاستعداد لل ...
- دراسة: هذه أوجه التشابه بين النحل والمصابين بالتوحد!
- ساركوزي يعلق على حكم السجن الصادر بحقه.. فماذا قال؟
- قرار قضائي غير مسبوق في فرنسا.. حكم بسجن الرئيس الأسبق ساركو ...
- نتنياهو يتجنب الأجواء الفرنسية في طريقه إلى نيويورك خشية اعت ...
- كاتب إسرائيلي: نتنياهو جعل من 7 أكتوبر عيد استقلال فلسطيني
- الاحتلال يرصد إطلاق صاروخ من غزة ويعلن إحباط اختطاف جندي داخ ...
- خبراء ومحللون يقترحون للجزيرة نت خطوات لمواجهة التهجير في غز ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أيهم ديوب - قبل الصدمة وبعدها: قلم في وجه الكلمة، رسالة للاستمرار