أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الناصر بن رمضان - السلطة الشعبوية والتحركات الإحتجاجية















المزيد.....

السلطة الشعبوية والتحركات الإحتجاجية


الناصر بن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1) العوامل والمؤشرات :
تمثل التحركات الإحتجاجية في تونس إمتدادا للتراكمات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات ، وهي مؤشر هام من جملة مؤشرات احتدام الصراع الطبقي وتواتر موجاته الآخذة في التطور كميا ونوعيا.
وتظهر معطيات 2025 أن هذه التحركات تشتغل على ثلاثة محركات متقاطعة :
- قمع واستبداد سياسي متزايد
- ضغط اجتماعي – اقتصادي مزمن
- ديناميكية نقابية وحقوقية متصاعدة
فوفق المرصد الإجتماعي التونسي سجل خلال الثلاثي الأول من سنة 2025 عدد قياسي من التحركات بلغ 1132 تحركا بزيادة قدرها 238 في المائة مقارنة بالسنة الفارطة ، وهي قفزة نوعية تفسَر بانتقال الإحتجاجات من دائرة الملفات القطاعية إلى مطالب أوسع تتعلق بالحريات الديمقراطية ومستوى المعيشة ، كما تفسًر بتوسع خارطة الإحتجاج من مثلث الفقر والتهميش ( قفصة - سيدي بوزيد - القصرين ) إلى العاصمة وأحيائها المفقرة والمكتضة التي مثلت لوحدها 35 في المائة من مجمل التحركات . كما لم تقتصر التحركات على موضوع البطالة والمعطلين من أصحاب الشهائد كما جرت العادة ، بل تطورت لتشمل مطالب المشتغلين من قطاعات الوظيفة العمومية ومواضيع البنية التحتية المتدهورة باستمرار( انقطاع الماء والكهرباء ومد الطرقات وتوفير النقل ..) ، بل شملت في المدة الأخيرة الإحتجاجات الحقوقية ( إيقافات ومحاكمات ) والقضايا القومية ( الحرب المتواصلة على غزة ) .
ويواكب هذا الزخم المتنوع من الإحتجاجات المشروعة عودة المقاومة النقابية المتنامية تدريجيا وهي مقاومة مؤطرة من الإتحاد العام التونسي للشغل ، هذا المارد الذي استعصى على كل الحكومات الرجعية المتعاقبة والذي توصل رغم أزمته الداخلية العميقة إلى إنجاح إضراب هام في قطاع النقل وتجمعات مسيرات حاشدة للدفاع عن استقلالية العمل النقابي والتمسك بالحريات النقابية وفرض التفاوض الإجتماعي وإطلاق الحريات العامة والفردية ، علاوة على تأطيره وتحشيده لإحتجاجات ناجحة في قطاعات التعليم . كيف وهي القاطرات التاريخية لمراكز الإحتجاج النقابي في توقيت دقيق راهن فيه البعض عن عجزه واندثاره وحان وقت الإنقضاض عليه من قبل سلطة طاغية سعت وتسعى لتصفية العمل النقابي واجتثاث كل الأجسام الوسيطة والهيئات الرقابية والتعديلية .
على الضفة الإقتصادية - الإجتماعية سجل التضخم نسبا عالية (5.4) مع ارتفاع لافت في أسعار الخضروات والغلال (25.3) وارتفاع هام في أسعار المواد المدرسية والجامعية ( 10- 12 في المائة ) وارتفاع في نسب الفقر ( 29 في المائة من السكان تحت خط الفقر العالمي ) وتدهور مستمر في المقدرة الشرائية واستفحال في نسب بطالة الشباب ( 36.8) وغيرها من النسب العالية وأنبوبات الأضواء الحمراء المشتعلة التي تؤشر على الأزمة الإقتصادية والإجتماعية الحادة التي تفجر الإحتجاجات وتدفع خروج الفئات الشعبية المفقرة والمضطهدة للتعبير عن غضبها ورفضها لتحمل أزمة خانقة لم تتسبب فيها .
فكيف تعاملت سلطة الإستبداد الشعبوي مع هذه الإحتجاجات المتنوعة والآخذة في الإنتشار والتطور؟

2) من السطو إلى الغدر فالإحتواء والمواجهة :
بالرغم من أنها حركة لقيطة وغريبة عن الواقع التونسي ، عرفت الحركة الشعبوية كيف تستثمر في التحركات الإحتجاجية التي تأججت في جانفي – فيفري 2021 فسطت على نتائجها ونفذت انقلابا بسطت بموجبه سيطرتها الكاملة على السلطة من حيث لا يدري الجميع ولا يتوقع . هذا الإنقلاب الذي حشدت حوله جمهورا لا يهتم بالبرامج السياسية ، بل بالشعارات البراقة المغرية ، فتماهى معها طيف واسع من اليسار ومن أقصى اليمين وظن الفاعلون الإحتجاجيون أنذاك أن مطالبهم ستتحقق مع وعود الملهم والمنقذ بتوفير الشغل والقضاء على البطالة والتحكم في الأسعار وتعميم عدالة عمر بن الخطاب والقضاء على احتكار أباطرة السوق السوداء واسترجاع الأموال المنهوبة وتعميم الإصلاح الجبائي ... الخ فتراجعت تبعا لذلك التحركات الإحتجاجية وارتبكت بارتباك الحياة السياسية والجمعياتية العامة تحت تهديد الدبابات ووابل المراسيم وإعلام " ينصر من صبح".
لقد طعنت سلطة الإنقلاب الشعبوي التحركات الإحتجاجية المشروعة مرتين : مرة أولى عند السطو الإنتهازي على نتائجها وتوظيفها في الوصول إلى السلطة ، وثانية عند الغدر بها بعد الإنقلاب وعدم تحقيق مطالبها والتنكر لنضالات أصحابها بدءا بالإلتفاف على القانون عدد 38 للمعطلين عن العمل ، فغلق باب الإنتداب في الوظيفة العمومية تلبية لإملاءات صندوق النقد الدولي ، فالتحرير الكلي للأسعار بل حتى عدم توفير المواد الإستهلاكية الأولية لطوابيرالمواطنين من الفئات الشعبية ،وصولا إلى دهورة المرافق الإجتماعية و عدم تحقيق العدالة الجبائية ومحاربة الفساد الذي اشتغلت عليه كرافعة أساسية لبسط نفوذها وإحكام سيطرتها على المجتمع .
وتبع لذلك تراجع الإحتجاج الهادف المنظم وغير المنظم وانتشرت مظاهر الحلول الفردية وما يطلق عليه بالإحتجاج السلبي المتمثل في " الحرقة " والهجرة السرية عبر قوارب الموت كما تطور عدد حالات الإنتحار بصورة ملحوظة نتيجة البطالة وانسداد الأفق والإحساس بالخذلان ومرارة الوعود الكاذبة للبناء القاعدي الشعبوي .
وبالتوازي مع أسلوب السطو والغدر مارست سلطة الإنقلاب أسلوب الإحتواء للتحركات الإحتجاجية التي وجدت فيها خزانا لتعيين وتوسيع قاعدتها البشرية الجديدة من التبَع والسذج وسقط المتاع من العمد والمعتمدين والمستشارين والولاة الذين يفتقدون لأي تجربة في إدارة الشأن العام ولم تسجل مساراتهم المهنية أي مرور بجمعية أو نقابة أو حزب سياسي، مما أضفى الضحالة والرثاثة على إدارة مرافق الحياة العامة ، فيما سوَفت بقية المحتجين بقائمات الإنتظارالوهمية للإنتداب المؤجل ، وهو ما أدى لمزيد تشتيت صفوف المعطلين عن العمل والأساتذة وتفتيت أعداد المعلمين النواب وعمال الحضائر .
كما تطور سلوك السلطة الشعبوية تجاه بعض التحركات الإحتجاجية القوية في إتجاه القمع المفتوح والمحاكمات بموجب المرسوم 54 السالب للحرية والذي استهدف عددا كبيرا جدا من الشباب المحتج في الشوارع و في الفضاءات الإفتراضية ، وبلغ هذا القمع حد التعذيب في مراكز الإيقاف وصولا إلى القتل ( عقارب وجرجيس ) في سابقة خطيرة تعتبر الإحتجاج جريمة موصوفة بالخيانة تحركها أيادي خفية من منظومة ما قبل الإنقلاب .، في حين تجمع مراكزالبحوث و الدراسات وخبراء علوم الإجتماع والسياسة أن الإحتجاجات الرافضة للإضطهاد والإستغلال والتهميش هي شكل من أشكال التعبير عن الصراع الطبقي الآخذ في الإحتدام و تراجعها أو غيابها هو أمر مخيف وخطير ، ثم هي ظاهرة صحية وعلامة إيجابية معبرة على حيوية المجتمعات وديناميكية مكوناتها المختلفة على عكس ما تذهب إليه سلطة الإستبداد الشعبوي .
إن تجريم الإحتجاجات ومصادرة الحريات العامة والفردية وتصحير الفضاء العام واجتثاث الأجسام الوسيطة وإلغاء المفاوضات الإجتماعية ومحاصرة المعارضة السياسية يؤكد أن لا شريك سياسي ولا إجتماعي ولا جقوقي في الحكم الفردي المطلق للسلطة الشعبوية السائرة بخطى حثيثة نحو إقامة نظام فاشي مكتمل الصفات والشروط.
وبالرغم من إشتداد وتيرة القمع وتسييج الحياة العامة فإن جذوة الإحتجاج لازالت قائمة بل هي تعود اليوم بقوة من خلال شبكة الحقوق والحريات أو منظمات المجتمع المدني والسياسي - وإن لازالت تلازمها مظاهر الضعف والتشتت و التنافر – فهي واعدة ومصممة على مقاومة الإستبداد ومواجهة آلة القمع بأكثر جرأة للدفاع المستميت على مكاسب الحركة الديمقراطية والحركة الشعبية التي عبدتها بالدماء .إذ لا مجال للتفريط في مربع الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان ولا مجال أيضا للتفريط في السيادة والكرامة الوطنية والعزة القومية ، كما لا مجال للتفريط في الحقوق الإجتماعية والنقابية وعلى رأسها حق التظاهر والإضراب والحق النقابي وإقرار الحوار الإجتماعي .
3) خاتمة :
إن التحركات الإحتجاجية تنمو وتتطور ثم تتراجع لتعود بأكثر قوة من جديد في المجتمعات الطبقية ، وهي فتيل الإنتفاضات والثورات الإجتماعية عبر التاريخ ، في حاجة إلى الوعي الثوري كي تقضي على أوهامها التي تشدها إلى البرجوازية والأنظمة الإستبدادية فتحقق مطالب فئاتها وشرائحها الشعبية بكل استقلالية ، بنفس الحاجة إلى القيادات المتمرسة والمتدربة على النضال الإجتماعي العام ، أي بلغة أخرى في حاجة إلى التنظيم الذي يتجاوز النظرة القطاعوية والفئوية الضيقة والسكتارية . ولا نخال التحركات الإجتماعية في تونس اليوم أقل شأنا من مثيلاتها الجماهيرية في العالم بالنظر لتاريخها وتجاربها والشعارات التي رفعتها وهي تقارع أعداءها ، كما لا نخالها ستضل السبيل في مقاومة الشعبوية ودك حصونها عند إستيفاء كل شروط نضجها وتطورها وهو أمر موكول لقياداتها ورموزها وحملة فكرها الميدانيين.



#الناصر_بن_رمضان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي أفق لأزمة البيروقراطية النقابية؟
- في تلازم حرية الطبقة العاملة مع حرية المرأة
- إنتفاضة 3 جانفي 1984 .مجرى الأحداث
- خطر الشعبوية على العمل النقابي
- بعض أوجه القصور في عمل اليسار النقابي بالاتحاد العام التونسي ...
- بعض أوجه القصور في عمل اليسار النقابي بالاتحاد العام التونسي ...
- في تمثيلية النقابات
- جدلية النقابي والسياسي
- موقع الإستقلالية من أزمة الإتحاد العام التونسي للشغل
- جدلية الموقف والموقع في النقابات
- بوادر النهوض الجديد
- انتفاضة 26 جانفي 78: أسباب الأمس ودروس اليوم وأيّ منظمة نقاب ...
- حزب العمّال التونسي من التّأسيس إلى الثّورة
- وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة


المزيد.....




- -مع أمينتي-.. الملكة رانيا تنشر صورة دافئة مع حفيدتها أمينة ...
- بشار جرار يكتب عما يلي الاعتراف بـ-دولة فلسطين-: ملامح الحل ...
- الاتحاد الأوروبي يدرس فرض رسوم جمركية على واردات النفط الروس ...
- حلقت على علو منخفض وفشلت القبة الحديدية في اعتراضها.. مسيّرة ...
- توتر في ريف حماة بعد اختطاف عنصر أمن.. قتيل وجرحى ومخاوف من ...
- بتهمة التجسس.. محاكمة وشيكة لزوجين بريطانيين محتجزين في إيرا ...
- نازحو غزة: بين رحلة الهروب اليومية وقسوة العيش بلا مأوى أو ط ...
- ماكرون: العقوبات على إيران ستُعاد إذا لم تقدّم ضمانات نووية ...
- -تشكيك وتساؤلات-.. اختراق مسيّرات روسية أجواء دول بالناتو يث ...
- الشرطة اليمنية تقتل متهما باغتيال مسؤولة في تعز


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الناصر بن رمضان - السلطة الشعبوية والتحركات الإحتجاجية