|
في تمثيلية النقابات
الناصر بن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 8157 - 2024 / 11 / 10 - 03:09
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
يولي النقابيون أهمية قصوى للانتخابات في القطاعين العام والخاص ساعين من وراء ذلك لتمثيل منظوريهم والظفر من خلال ذلك بصلاحيات التفويض و الدفاع عن المكاسب المادية والمعنوية للشغالين. ولا يختلف إثنان أن موضوع التمثيل النقابي عبر الانتخابات المهنية أصبح الشغل الشاغل في حد ذاته لطيف واسع من عموم النقابيين وتتجاوز أهميته أهمية الدعاية للبرامج النقابية، وإنجاح الاضرابات والتظاهرات الجماهيرية فيما تحتل مسألة الدفاع عن الحريات النقابية والسياسية مرتبة أقل من مرتبة التمثيل الانتخابي والفوز بالمواقع . فأين يكمن سر هذا الإهتمام المبالغ فيه حد الولع والهوس بالنجاح في الانتخابات وهل أن الانتخابات هي هدف في حد ذاته ؟ وهل أن كل الانتخابات هي فعلا ممثلة وديمقراطية حتى تحتل كل هذه المرتبة المتميزة على حساب بقية القضايا الأكثر أهمية ؟ وهل أن كل النقابيين يتساوون في النظر لهذه المسائل النقابية ؟ 1) في التمثيلية الشكلية يظل النقابي الكلاسيكي المستند للرؤية الإصلاحية والنفعية الضيقة الأفق يلهث وراء الانتخابات للتموقع في سلم التمثيل والظفر بمنزلة مخاطب في أجهزة الدولة البرجوازية وتحقيق المكاسب والامتيازات المادية والمعنوية ، وهو إذ يظفر بذلك يعمل على تأبيد ذلك الموقع والدفاع عنه بشتى السبل ، ويساعد تخصص القيادات النقابية في النشاط المهني الصرف على انتشار هذا السلوك كما يؤدي الأفق المحدود المرتبط بالنضالات الاقتصادية المتناثرة بسهولة كبيرة إلى انتشار ضيق الأفق بين النقابيين ، و تتشكل تبعا لهذا السلوك السائد في النقابات شريحة واسعة من المنتفعين بالهدايا والعطايا والتمييز الإيجابي في الارتقاء المهني والأجور والراحات خالصة الأجر والسفر بعنوان الندوات الدولية للتكوين والتعيينات في مراكز مهنية وسياسية مرموقة ، شريحة بيروقراطية تنفصل يوميا عن الطبقة العاملة لا إقتصاديا فقط بل فكريا وإيدويولوجيا تسمى أرستقراطية العمالية تسعى لتلطيف الصراع الطبقي وفض النزاعات الشغلية عبر التفاوض السلمي دون اللجوء للإضرابات والمحافظة بالتالي على جوهر النظام الرأسمالي الإستغلالي . إن البيروقراطية النقابية هي لازمة من لازمات العمل النقابي في النظام الرأسمالي وهي وجه من أوجه إحتدام الصراع الطبقي ، إذ كلما إزدادت التناقضات الطبقية حدة وإحتداما ونزعت السلطة الحاكمة نحو حسمها بالقوة كلما إزدادت الحاجة لتدخل البيروقراطية لتلطيف هذا الصراع متنكرة للوعود في التمثيل النقابي الذي أخذته على عاتقها والدفاع عن مطالب الشغالين . 2) في التمثيلية الطبقية : وفي المقابل من ذلك يتميز النقابي الثوري بنظرة تقدمية للمسألة تتناقض جوهريا مع التموقع والوجاهة الاجتماعية وكسب المنافع على حساب طبقته الاجتماعية القادم من صلبها والمتبني لمواقفها ، إذ النضال من أجل تحرير الطبفة العاملة ليس نضالا من أجل الإمتيازات بل نضالا يجعل من النقابات مراكز مقاومة لتجاوزات رأس المال كما أن النضال من أجل تحسين ظروف العمل والمقدرة الشرائية ليس غاية في ذاته بل وسيلة لبلوغ الهدف الأسمى : القضاء على نظام العمل المأجور بكامله إذ الهدف النهائي لحركة الطبقة العاملة السياسية ليس سوى الإستيلاء على السلطة السياسية لصالحها . ويظل القائد النقابي الطليعي يعمل – لا في المناسبات الإنتخابية فحسب بل باستمرار على نشر الوعي الثوري الجديد والدعاية للأدب العمالي والاشتراكي مقتنعا تمام الاقتناع أن أجهزة الدولة وهيئآتها التمثيلية غير مقدسة بل مظللة ومخادعة وطبقية بالأساس و هي ليست سوى أجهزة قمع إيديولوجي لنشر الوعي الزائف واستدامة الاستغلال الطبقي والإضطهاد الإجتماعي ، ومن هنا يعمل هذا الإطار النقابي التقدمي مع جموع أترابه على تقويضها وتجاوزها ثوريا من أجل بناء أجهزة ديمقراطية ممثلة فعليا وبديلة عنها ، ومن هذه الزاوية تكتسي مسألة التمثيل النقابي لديه تكليفا لا تشريفا ، تكليفا ينبع من العمل الديمقراطي القاعدي في النقابات ويقع تحت طائلة الرقابة العمالية بل أكثر من ذلك خاضعا لسحب الثقة عند الإقتضاء . 3) نظرتان متناقضتان : ومن هنا أيضا تنشأ نظرتان متناقضتان للانتخابات النقابية ولمسالة التمثيلية في هذه الأجهزة الوسيطة ، نظرتان مختلفتان جوهريا تتصارعان في الحقل النقابي وتسعيان لكسب الأغلبية حسب الظرفية التي يمر بها العمل النقابي وحسب موازين القوى الطبقية المتغيرة. وإذا كانت النظرة الإصلاحية النفعية للتمثيل النقابي هي السائدة اليوم في النقابات عموما وفي الإتحاد العام التونسي للشغل تحديدا فذلك يعود بالأساس للدور التخريبي الذي اضطلعت به البيروقراطية النقابية في تونس طوال العقود المنصرمة وصولا إلى الأزمة الحالية ، حتى أنها أصبحت مرجعا للبيروقراطيات النقابية في الوطن العربي في الإستحواذ المطلق على المنظمة وديمومة السيطرة عليها عبر التوريث والتناسل والتوليد لتلامذة جدد يجددون خطابها ويتماهون مع مطالب الحركة الإجتماعية بإنتهازية للإلتفاف عليها في أول منعرج من منعرجات الصراع الطبقي عندما تنخفض يقظة الحركة أو تفتر قدرتها على المواجهة جراء استنزاف طاقاتها في المقاومة . ومن أجل إحتكار التمثيل النقابي تنزع البيروقراطية النقابية وأعوانها اليوم إلى خوض صراعات شرسة بين شقوقها ، صراعات تستعمل فيها كل الأسلحة المتاحة من أجل ربط المنظمة النقابية بعجلة رأس المال وقطع الطريق أمام كل محاولة لإستقلالها عن سلطة البرجوازية . 4) علاقة التمثلية بالديمقراطية : إن التمثيل النقابي منظور إليه من زاوية اليسار النقابي المناضل - علاوة على شروطه القانونية المتمثلة في ثلثي المنتسبين للنقابة – هو استبطان للمسألة الديمقراطية في المجتمع ، فأن تكون منتصرا ومنحازا كليا للطبقة العاملة والشعب يعني بالضرورة أن تدافع عن الديمقراطية العمالية في أوجهها المختلفة بدءا بشروطها التقنية الجوهرية ، مرورا بتبني المطالب المهنية والمعنوية الحيوية ، إلى توخي أشكال التنظيم الأفقية ، فالإنتخاب الحر الديمقراطي ، فالتمثيل الطبقي في المضمون وصولا إلى الرقابة والمحاسبة وسحب الثقة . وكل هذه المسائل المتشابكة ببعضها البعض تعكس رؤية النقابي الثوري للدور المحدد للطبقة العاملة في التاريخ ، هذا الدور الذي لا يقف عند حدود التمثيل البرجوازي الشكلي بل يتعداه إلى تمثيل طبقي بإمتياز ، إذ الإنتخابات ليست غاية في حد ذاتها بل آلية من آليات التمثيل في المؤسسات .إن الإطار النقابي اليساري والديمقراطي لا يتوانى لحظة واحدة عن الدفاع كأشرس ما يكون عن القانون الإنتخابي البرجوازي وفرض إحترام إجراءاته التقنية التي تقفز عليها البيروقراطية وتنتهكها يوميا في المؤتمرات المعدة سلفا والمعلومة النتائج . هذه المؤتمرات النقابية التي تعدها وتشرف عليها البيروقراطية النقابية هي نتيجة مسارات طويلة مركبة من الإنتهاكات والتعديات على القانون الذي وضعته بنفسها بدءا بالنظام الداخلي الذي يؤطر هذه العملية مرورا بحركة النقل الدورية والإستثنائية وما ينجر عنها من إجراءات إدارية فتسجيل القائمات الإنتخابية والتلاعب بأسمائها أثناء التحيين وعند إستشعار الخطر فتواريخ المؤتمرات فإقتسام النيابات وتوزيعها على النواب وصولا إلى يوم الإقتراع حيث التأثير على الناخبين والكيل بمكيالين لتزوير النتائج ، مما يفرغ العملية الإنتخابية من محتواها ومضمونها التمثيلي . 5) خاتمة : إن الإنتخابات بالمفهوم البرجوازي وتحديدا لدى البيروقراطية النقابية وتوابعها من الإطارات الإنتهازية اللاهثة وراء التموقع لا تعدو أن تكون مجرد تصيد لأصوات الناخبين المؤطرين والمسيجين بالقوانين الفوقية للمنظمة، وهي غاية وهدف في حد ذاته ثم هي عملية شكلية مفرغة من كل محتوى ومضمون عمالي هدفها الوحيد إحكام القبضة على الجهاز التمثيلي المتهرم من أجل إستدامة السلم الإجتماعية والوفاق الطبقي ، في حين تظل آلية التمثيل هذه لدى القيادات النقابية الديمقراطية والثورية سلاحا قويا ذو مضمون طبقي لا يقف عند الدور المهني التريديونوني الموكول له بل يفتح على المجتمع المدني والسياسي ويخلق التكامل بين الحزبي والنقابي ويرسم آفاقا لتحرير العمال وانتصار قضيتهم السياسية الكبرى وتمكينهم من مسك مصيرهم بأيديهم من خلال إدارة مؤسساتهم بكل حرية وديمقراطية مباشرة . سوسة في 4 / 11 / 2024.
#الناصر_بن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدلية النقابي والسياسي
-
موقع الإستقلالية من أزمة الإتحاد العام التونسي للشغل
-
جدلية الموقف والموقع في النقابات
-
بوادر النهوض الجديد
-
انتفاضة 26 جانفي 78: أسباب الأمس ودروس اليوم وأيّ منظمة نقاب
...
-
حزب العمّال التونسي من التّأسيس إلى الثّورة
-
وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة
المزيد.....
-
ألمانيا.. عشرات آلاف الموظفين في -فولكسفاغن- يعلنون الإضراب
...
-
“الحكومة العراقية” تزف خبر سار لجميع الموظفين الان.. أعرف ال
...
-
بلاغ اللجنة الوطنية للموظفين والموظفات ذوي الإعاقة
-
خبراء يوصون بتعزيز قدرات المجتمع المدني بالأردن لتحقيق العدا
...
-
خبراء يوصون بتعزيز قدرات المجتمع المدني بالأردن لتحقيق العدا
...
-
جهز محفظتك من دلوقتي “تبكير موعد صرف مرتبات الموظفين لشهر دي
...
-
ألمانيا.. إضراب جديد لدى فولكسفاغن وضغوط على إدارة الشركة
-
فوز السعودية باستضافة مونديال 2034: هزيمة قاسية لحقوق العمال
...
-
فوز السعودية باستضافة مونديال 2034: هزيمة قاسية لحقوق العمال
...
-
رواتب المتقاعدين في العراق 2025.. موعد الصرف وسلم الرواتب ال
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|