أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شادي احمد الصح - الانبهار بين الأمس واليوم: قراءة في قصة ملكة سبأ وواقع المرأة المعاصرة














المزيد.....

الانبهار بين الأمس واليوم: قراءة في قصة ملكة سبأ وواقع المرأة المعاصرة


شادي احمد الصح

الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 11:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في لحظة خالدة، سجّل القرآن الكريم مشهداً بالغ الرمزية من قصة ملكة سبأ، المرأة الحكيمة، القوية، ذات السيادة، التي أدركت بفطنتها أن المظاهر قد تخدع، وأن الحكمة لا تُقاس بالمظهر بل بالبصيرة والعقل.
يقول تعالى في وصف المشهد:
﴿قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا﴾
[النمل: 44].

لقد حسبت الملكة أن الأرضية الملساء المصنوعة من الزجاج النقي فوق الماء ما هي إلا لجّة، أي بحيرة أو ماء عميق. فتحركت بشكل عفوي، وفطري، وكشفت عن ساقيها استعداداً لعبور الماء، قبل أن يُقال لها إن ما رأته ليس إلا صرحًا ممردًا من قوارير.

المرأة والاحتشام: قراءة في الفطرة

هذا السلوك العفوي لم يكن “تعريًا”، بل رد فعلٍ تلقائي من امرأة محتشمة، ذات مكانة سياسية وقيمية. ما يلفت النظر أن القرآن الكريم اختار أن يُسجل هذه الحركة بدقة، لا للتركيز على جسد المرأة، بل لتبيان فطرتها السليمة، التي لم يكن التعري جزءًا منها.

كانت ملكة سبأ قبل إسلامها، وثنية العقيدة، لكنها احتفظت بما يمكن أن نسميه “بقايا الفطرة” أو “الحياء الفطري”، الذي يحكم سلوك الإنسان قبل أن تلوثه الثقافات المنحرفة.

ما إن أدركت الموقف، حتى استعادت وعيها الكامل، وتجاوزت الدهشة، وقالت:
﴿رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ﴾.

الانبهار المعكوس: حينما يُستغل الجمال ضد المرأة

في المقابل، نرى في واقعنا المعاصر مشهداً معاكساً تمامًا، حيث لم يعد الانبهار بالعلم أو بالحضارة يؤدي إلى الوعي والتسليم للحق، بل إلى الذوبان في قشور حضارية تركز على الجسد وتفكك الإنسان من الداخل.

لقد وقع كثير من النساء – تحت ضغط الموضة والإعلانات والثقافة الاستهلاكية – في فخ “الانبهار المعكوس”. لم ينبهرن بعظمة العلم، أو القيم، أو الهندسة، كما فعلت ملكة سبأ، بل بانبهرن بـ”نموذج الجسد” الذي تُصدّره ثقافة الاستعراض، فكان الانكشاف سلوكًا يوميًا، لا عفويًا، ولا بريئًا، ولا اضطراريًا.

صار التعري “حرية”، والاحتشام “تخلفًا”. صار الجسد هو بطاقة التعريف، بدلًا من العقل والقيم والوعي.

من الاحتشام الفطري إلى الاستعراض الممنهج

الفرق الجوهري أن كشف الساق في قصة ملكة سبأ لم يكن اختيارًا واعيًا أو قرارًا مدروسًا، بل حركة غير مقصودة أمام ظاهرة معمارية مبهرة. أما اليوم، فكثير من النساء يُدفعن دفعًا لكشف الجسد عمدًا، في إطار تسويقي، دعائي، تُغذّيه شركات الأزياء، وصناعة الموضة، ووسائل التواصل الاجتماعي.

والمفارقة أن معظم من يركضن خلف هذه “الموضة” لا يملكن حتى تفسيرًا مقنعًا لسلوكهن، سوى أنه “جميل”، “رائج”، أو “ما يلبسه الجميع”.

ماذا لو قابلت امرأة اليوم صرح سليمان؟

لو وُضعت امرأة اليوم أمام صرح ممرد من قوارير، هل كانت ستندهش بعقلها مثل ملكة سبأ، أم ستعتبره مجرد فرصة لالتقاط صورة “جذابة” على إنستغرام؟
هل كانت سترى فيه إبداعًا هندسيًا يثير التساؤل، أم مجرد خلفية للتسويق لنفسها؟

الفرق بين امرأة الأمس وامرأة اليوم – في هذا السياق – ليس في الجسد، بل في الوعي، في نوعية الانبهار، في مصدر القرار.

الستر ليس تخلفًا

لقد كانت الملكة امرأة قوية، ذكية، ولم يمنعها احتشامها من إدارة مملكة، ولا من التفاوض مع أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل.
ولم يكن إسلامها خضوعًا لرجل، بل خضوعًا للحقيقة، عندما تجلّت أمامها بوضوح.

وما أحوجنا اليوم إلى نساء مثلها: يقدّرن العقل، ويحتفظن بفطرتهن، ويحمين أجسادهن من عبث السوق والاستهلاك.
قصة الملكة تعلمنا أن الستر فطرة، وأن الانبهار قد يكون مفتاحًا للهداية، أو بوابةً للضياع، حسب ما تنبهر به.
فإما أن تنكشف الساق أمام حضارة عظيمة، ثم تعود لتتستر حينما يتجلى الحق،
وإما أن يُكشف الجسد كله أمام حضارة زائفة، فلا يبقى من الكرامة شيء، ولا من الوعي بقايا.



#شادي_احمد_الصح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يغتصب الضمير!


المزيد.....




- إسرائيل تغلق المسجد الإبراهيمي أمام الفلسطينيين بحجة أعياد ي ...
- إعلام عبري: ترمب سيعرض الثلاثاء على قادة دول عربية وإسلامية ...
- الرئيس الايراني يلتقي قائد الثورة الاسلامية قبل توجهه إلى ني ...
- الهباش بالمنتدى الإسلامي العالمي: دولة فلسطين سوف تتحرر رغم ...
- نجاح للاحزاب الخضراء في انتخابات الكنيسة السويدية
- 400 متطرف إسرائيلي يقتحمون المسجد الأقصى ويؤدون طقوسا تلمودي ...
- مبادرة ألمانية تطالب الكنيسة الكاثوليكية بوقف قانون التقادم ...
- 298 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- جيش الاحتلال يلغي إجازات الأعياد اليهودية ويعزز كافة الجبهات ...
- إعلام إسرائيلي: خسرنا الجميع حتى اليهود وثمن الحرب لم يعد مح ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شادي احمد الصح - الانبهار بين الأمس واليوم: قراءة في قصة ملكة سبأ وواقع المرأة المعاصرة