أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شادي احمد الصح - حين يغتصب الضمير!














المزيد.....

حين يغتصب الضمير!


شادي احمد الصح

الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 15:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين يُغتصب الضمير: عن الصمت، والدين، والمسؤولية



في عام 1988، في قلب مدينة شيكاغو، وقعت جريمة اغتصاب داخل محطة قطار. لم يكن المكان خالياً،بل كان مليئاً بالناس. عشرات الأعين شاهدت، لكن لم تتحرك يد واحدة. لم يتدخل أحد. مرّ الحدث كصفعة على وجه الإنسانية.



لم تُغتصب امرأة فقط تلك الليلة… بل اغتُصب الضمير الإنساني أيضاً.



هذه القصة ليست عن الجريمة، بل عن الصمت. عن أولئك الذين رأوا وسكتوا. عن الذين مرّوا كأن شيئاً لم يكن. لماذا لم يتدخل أحد؟ أكان الخوف؟ اللا مبالاة؟ أم أن فكرة “ليس من شأني” قد تحوّلت إلى عقيدة خفية في قلب المجتمعات الحديثة؟



هذا السؤال كان مدخلًا عميقاً للمستشرق البريطاني مايكل كوك، الذي اختار أن ينظر إلى هذه القصة وغيرها من خلال عدسة مبدأ عظيم في الإسلام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



دين يُعلّمك أن لا تسكت:



في الإسلام، لا يُترك الإنسان ليعيش في فقاعته الخاصة. لا يُقال له: “أنت حر ما دمت لا تؤذي أحداً"بل يُقال له: “أنت مسؤول حتى عن سكوتك أمام الأذى”. ليس الصمت حياداً، بل شراكة في الخطيئة.



مايكل كوك، وهو من المدرسة الاستشراقية الأكاديمية، لم يقترب من هذا المبدأ بروح المستشرقين الكلاسيكيين الذين يبحثون عن ثغرات، بل أراد أن يفهم كيف يمكن لدين أن يربط الإيمان بفعل الخير لا بالعبادة فقط. وجد أن الإسلام، في كل مذاهبه، يعطي الفرد صلاحية – بل مسؤولية – التدخل عندما يرى ظلمًا.



وهنا يكمن الفرق الجوهري.



في بعض المجتمعات الحديثة، المسؤولية تُلقى على الدولة. القانون هو من يتحرك، أما الفرد، فمطلوب منه فقط أن لا يتدخل. أما في الإسلام، فالفرد لا ينتظر الدولة. هو الدولة الأخلاقية في لحظة الحاجة. هو صوت الضمير، ويد العدل، إن سكت الجميع.



الصمت جريمة لا يعاقب عليها القانون، لكن يحاسب عليها الدين



عندما تمر جريمة أمامك وأنت قادر على منعها، ولا تفعل، فأنت – في المنظور الإسلامي – مشارك فيها. ربما لا تأخذ حكم الفاعل، لكنك لست بريئًا بالكامل.



والسؤال المؤلم هو: أولئك الذين وقفوا في محطة القطار، ولم ينطقوا، هل كانوا أحراراً ؟أم كانوا عبيداً لمنظومة أخلاقية ناقصة، لم تعلمهم كيف يكون الإنسان إنسانًا أمام الخوف؟



منظومة بلا إيمان… هل تكفي؟



يرى كوك أن كل منظومة أخلاقية تحتاج إلى جذور. القانون وحده لا يصنع الفضيلة. المجتمع الذي لا يؤمن بأن هناك قيمة أسمى من المصلحة، لن ينتج أفراداً يقاتلون من أجل الحق. لن ينقذ امرأة تُغتصب أمامهم، لأن لا شيء في داخلهم يقول لهم بوضوح: “تدخَّل، هذا واجبك”.



أما الإسلام، فيربط بين الإيمان والمسؤولية. لا يمكنك أن تكون مؤمناً وتبقى ساكناً أمام الظلم. هذه ليست مسألة طيبة قلب، بل عقيدة.



من نحن حين نصمت؟



هذا المقال ليس عن حادثة، بل عن نحن. عنّي وعنك. عن قدرتنا على أن نغض الطرف ونقول “ما شفت شيء”، وعن لحظات كان يمكن فيها أن نغيّر شيئاً، ولم نفعل.



حين ينكسر إنسان أمام عينيك، وتصمت، فأنت أيضاً انكسرت، لكنك فقط لا تشعر.



تعلمنا الأديان – ومنها الإسلام – أن الإنسان ليس فقط ما يفعله، بل ما يمتنع عن فعله. وأن الكلمة، حين تُقال في وجه الظلم، قد تُنقذ حياة، وقد تُعيد المعنى لما نسميه “الكرامة”.



مايكل كوك لم يُسلم، لكنه فهم شيئاً عميقاً في الدين الذي نحمله أحياناً دون وعي. فهم أن في تراثنا أمراً يستحق أن نحفظه، لا من أجل الماضي، بل من أجل اللحظة التي قد نُختبر فيها نحن… تماماً كما اختُبر أولئك في شيكاغو.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فوق السلطة.. وزير فرنسي سابق: الإسلام الدين الأكثر اعتناقا و ...
- كل ما تريد معرفته عن دورة العاب التضامن الاسلامي واماكن إقام ...
- ترامب يشتم النائبة المسلمة إلهان عمر ويدعو لعزلها.. فما الأس ...
- إنتخابات الكنيسة السويدية الأحد - ممارسة ديمقراطية في مؤسسة ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- عرض كتاب.. التهديدات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية والمسيحي ...
- نيويورك.. يهود يتظاهرون احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعات ...
- يهود يتظاهرون في نيويورك احتجاجا على مشاركة نتنياهو باجتماعا ...
- القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. نجاح مرهون بمراجعة التحا ...
- التعليم كجبهة في الحرب الناعمة: بين الاستخراب الغربي وبناء ا ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شادي احمد الصح - حين يغتصب الضمير!