أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى القرة داغي - الهِلال الشيعي بَين الولادة والمُحاق















المزيد.....

الهِلال الشيعي بَين الولادة والمُحاق


مصطفى القرة داغي

الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 22:15
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بَعد سُقوط جدار برلين عام1989، لم تعُد العَديد مِن دول الكتلة الشَرقية السوفييتية قادِرة على الصُمود، فتَساقَطَت أنظِمَتها الشيوعية الشُمولية واحِدة تلو الأخرى كقُطَع الدومينو. قد يَحدُث شَيء مُماثل الآن بالمَنطقة العَربية. فمِن المُمكن أن يؤدي سُقوط الأسَد إلى إنهيار النُظُم السياسية القائِمة في العراق ولبنان ورُبما اليَمن، ليسَ بالضَرورة كحُكومات، وإنما كتركيبة، تُمَثِّل إيران حاضِنَتَها الأم، كما كان الإتحاد السوفيتي الحاضِنة الأم لدول الكتلة الشَرقية.

"الهِلال الشيعي" مُصطلح أطلقه الملك الحَكيم الراحِل الحسين بن طلال، حين إستَشعَر قبل غَيره حَقيقة الأطماع التوَسّعية الإيرانية التي ترتَدي ثَوب الدين في المنطقة، وسَعيَها للسَيطرة عَليها عِبر غَسل عُقول شُعوبها وتَدجينها، مُستغِلة فِكرة التشَيّع لآل بيت النبي محمد، وتوظيف مَأساة حَفيده الإمام الحُسين لدَغدغة مَشاعِرهِم وتَأليبهم على بَعضِهِم، عِبر تَسويق نفسها كمُمَثِّلة وحامية للتَشَيّع، وتَصوير الآخرين كأعداء ونَواصِب لهُم. لتَحقيق ذلك سَعَت مُنذ عُقود لخَلق هِلال جُغرافي إفتراضي يَمتَد مِن لبنان الى اليَمَن، مُروراً بالعراق، وإفتِعال فَوضى في دُوَلِه لتَشكيل مليشيات مُرتزَقة بحُجّة الدِفاع عَن الشيعة، تُنَفِّذ أوامرها وأجندَاتها دون تفكير ولا نِقاش، وتعمَل بالتَوازي مَع حُكوماتها، كحِزب الله والحوثي، أو هي الحُكومة نفسَها، كالحَشد وحَماس ونظام الأسَد، كما كانت حُكومات دول المَنظومة الشَرقية العَميلة للإتِحاد السوفيتي.

طبعاً ما كان لهذا الهِلال أن يولَد أو يَرى النور، لولا جَهل وسَذاجة شَرائح واسِعة مِن مُجتمَعات هذه الدول، التي سَمَحَت لإيران بإستِغفالها وإستِغبائها، لتُصبح هي وسيلة وأداةً لتَحقيق هذا المَشروع، وأبنائها حَطباً لتنفيذ مَشاريعه. لذا فمَسؤولية ما أصاب هذه الدول مِن دَمار بسَبَب هذا المَشروع، لا تتحَمّله إيران وحدَها، فهي تسعى خلف مصالحها التي يَصدُف أنها تتَحَقق بتدمير هذه الدول. المَسؤولية الأكبر تقع على شُعوب هذه الدول، التي مَكّنَت إيران مِن أوطانها، مَرّة بإسم التشَيّع كما في لبنان والعراق واليمن، ومَرّة بإسم الإسلام كما في غزة، لأنها أساساً لا تَعتَبرها أوطان، ولم تَشعُر تجاهَها يوماً بالمواطنة، وَوَلائها الأول والأخير للدين والمَذهَب، ولا يُهمّها أن تعيش بكَرامة ورَفاهية كالبَشر الأسوياء، بقَدَر هَوَسَها بدخول الجَنة، إما للإستِمتاع بالحور العين، أو للقاء النبي وأهل البيت وتناول الغداء مَعَهم!

ولأن هذا الهِلال لم يولد بَين ليلة وضُحاها، بل إحتاجَت إيران لكثير مِن الوقت، وتَحَلّت بكَثير مِن الصَبر لخلقه، فلن تُفرّط به بسهولة رَغم أنه بدأ يَدخُل مَرحَلة المُحاق والتلاشي، لأنها كانت تطمَح أن يَتَحَوّل الى بَدر، إلا أن رؤية هذا الهِلال بدراً هي أحلام يقظة عَكس مَنطق العَقل والتأريخ! فالبَدر مُنير مُشِع، ومَشروعها ظلامي أشاع الجَهل والتخلف والطائفية في الدول التي إبتلعَها، فهي مُنهارة إقتصادياً وفاسِدة سياسياً ومُتخلفة مُجتمَعياً ومُتطَرّفة دينياً، كحال دول العُصور الوسطى، بل أسوء. فالعراق مُنهك تَحكُمُه مَنظومة فاسِدة مُجرِمة، قوامُها مليشيات مُرتزقة وأحزاب طائفية تَنشُر الجَهل والإرهاب وتمتَهن الفَساد لنَهب ثرَواتِه وتَسخيرها لخِدمة المَشروع الإيراني، وتَسعى لِتَرك بُنيَتِه التَحتِيّة مُنهارة، لإبقاء وعيه الجَمعي مَسطولاً بهُموم الحياة ومُنتشِيّاً بأفيون العَقيدة. أما لبنان فسُلطَته كانت مُتواطِئة مَع مافيا حزب الله وفَساده وعَمالته لإيران، وتَسمَح بتهريب الأموال والأسلحة له عِبر سوريا بحُجّة المُقاومة، والذي وَرّط لبنان وشَعبه بمُغامرة حَرب2006 المُدمّرة بتوجيه من إيران! أما حَماس فكانت تَسرُق أموال المُساعدات الإنسانية لشِراء أسلحة وبناء أنفاق إختَبَئَت فيها كالجِرذان بعد حماقاتها التي أمُرتها بها إيران، كجريمة7 أكتوبر2023 التي دَفَع شَعب غزة ثمَنها عَشرات آلاف الضَحايا مِن أبناءه.

بَعد أن فَر الأسَد فجأة إلى موسكو. وهو أمر ما كان يُمكن أن يَتحَقق بهذه السُرعة لولا ضُعف روسيا وإيران، اللتان كانتا تدعَمانه، وساعَدَتاه في الحِفاظ على مَنصِبِه الذي كاد يفقده قبل عَشر سَنوات، لا يَزال مُستقبل سوريا غير واضِح، فحَتى الآن لم يَتمَكن الحُكام الجُدد مِن فَرض سَيطرتهم على كل سوريا، بدليل أحداث الساحِل الدَمَوية مَع العَلويين وفي السويداء مَع الدروز، التي تنأى الحُكومة بنفسِها عَنها، رَغم أن مَن يَقوم بها هُم أتباعُها. لذا تغيير سوريا، رَغم سِلميته وسَلاسَته، لا يُشَجِّع على إتِّباعه، فمَن قامت به قوى مُسَلّحة ذات تأريخ مُتطَرّف، بَعضَها كان حَتى الأمس، وبَعضَها لا يَزال، مُصَنّفاً بقَوائم الإرهاب. والحكومة التي تمَخّضَت عَن التغيير مُلتحِية بطريقة سَلَفية، لا أحد يَعلم توجّهاتها الفعلية، وهل سَتتطابَق مَع ما أعلنوه مِن الإبتِعاد عَن السياسية، وحَصر السِلاح بيَد الدَولة عِبر حَل المليشيات وتسليم أسلحَتها الى الجَيش، ونقل السُلطة الى حُكومة ينتَخبَها الشَعب. لكن سَننتظر لنَحكُم على الأفعال لا الأقوال، والتي سَتكشِفها الأيام القادمة.

إن نَجاح التغيير في سوريا أصبَح مُمكناً في المَقام الأول، بعَكس ما كان مُتوقعاً له مِن قِبل إيران وحُلفائِها وأذرُعَها، أولاً نتيجة حَرب أوكرانيا التي شَغَلت بوتين عَن دَعم حلفائه، وحَرب غزة التي أنهَكَت حزب الله وحَماس. ضُعف هؤلاء مَنَعَهُم مِن الدِفاع عَن الأسَد. لكننا لا نَعلم كيف سَتَنتَهي حَرب أوكرانيا ولِصالح مَن! كما أن التغيير في سوريا مايَزال قَلِقاً، بعَكس التغيير الدراماتيكي الذي حَدَث للكُتلة السوفيتية بعد سُقوط جِدار برلين، لذا قد تلجأ إيران لزَعزعة إستقرار سوريا، كما فَعَلت في لبنان بالثمانينيات، وفي العِراق بَعد2003، في حال وَجَدَت أنها خَسِرت سوريا كقاعِدة أساسية لها في المَنطقة.

رَغم ذلك، ليس مُستحيلاً بأن يَكون تأثير ما حَدَث في سوريا على مُحيطه، هو نفس تأثير ما حَدَث بَعد سُقوط جدار برلين على دول المَنظومة السوفيتية، لكن أن تكون نتائِجه مُشابهة هو أمر بَعيد المَنال لعِدة أسباب جغرافية وتأريخية وإقتصادية وإجتماعية، والأخيرة هي التي تُهمّنا هنا لأن تركيبة مُجتمعاتنا غَير تركيبة مُجتمَعات دول أوروبا، حَتى الشَرقية مِنها، التي رَغم أنها تأخّرت عِلماً وإقتِصاداً وَوَعياً عَن قريناتها بأوروبا الغربية، إلا أنها كانت تمتلك مِن مَخزون الوَعي والبُنية الصِناعية ما مَكّنها مِن تحرير أوطانها وإعادة بنائها، وهو أمر تفتقده أغلب شُعوب مَنطقتنا.



#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالون إختبار لِقاء السوداني بالشَرع في قَطَر
- إيران لو تِلعَب.. لو تخَرُّب المَلعَب!
- التغيير السوري وشبح السيناريو العراقي
- أراد ترامب أن يُهين زيلنسكي فأهان نفسَه وأهان أمريكا
- اليَسار الألماني والإنقِلاب على الديمُقراطية
- مِن قِلّة أحصِنة بوتين، شَد على كيم وجَيشه سروجاً!
- قضيّتان تؤرقان الألمان
- حكم البعثيين.. لا شفنا وحدة ولا ذقنا حرية ولا عشنا اشتراكية
- حَكَم البَعثِيّة، لا شِفنا وحدة ولا ذِقنا حُرية ولا عِشنا إش ...
- الفِتنة غافِية، تحتاج فَقَط لِمَن يُصَحصِحَها
- جاك واوي البَعَث و جاك ذيب يَزيد!
- ألمانيا في مُفترق طُرُق بَعد عَطَل إشارة المُرور
- إيران ومُرتزقتها يُخَرّبون والعَرب يُعَمِّرون
- إيران وستراتيجية البَدائل لإستعمار الدول العربية!
- ظاهرة اليَسار الإسلاموي والرهان على العمامة!
- جِئنا لنُخَلّصكُم مِن صَدام، فخَلّصناه مِنكم!
- طُرُق تحرير فلسطين التي تمُر بغَيرها ولا تؤدي إليها!
- محوَر الشَر وسياسة -ضَرَبني وبَكى، وسَبَقني وإشتكى-
- الموسيقار رخمانينوف.. وَجه روسيا المُشرِق الحَزين
- عنتريّات السوداني بإخراج الأمريكان صَدى لرَغَبات إيران


المزيد.....




- الاحتلال يعتقل عضو مجلس ثوري ونائب أمين سر “فتح” في سلفيت
- عراقجي: وقف الإبادة الجماعية في غزة يتطلب تعاون الأمة الإسلا ...
- باريس تكشف من وضعوا -رؤوس الخنازير- أمام المساجد.. النيابة: ...
- قطر: قمة عربية إسلامية بالدوحة خلال أيام لإقرار رد يردع إسرا ...
- نائب رئيس مجلس الشورى الاسلامي يلتقي نبيه بري
- القدس: الاحتلال يعتقل مدير لجنة رعاية المقابر الإسلامية
- هيومن رايتس ووتش: هجمات تنظيم الدولة الإسلامية تتصاعد في الن ...
- رئيس الشؤون الدينية التركي: نبذل قصارى جهدنا لضمان حرية فلسط ...
- الرئيس الإيراني: على الدول الإسلامية إدانة جرائم الكيان الصه ...
- دعوى ضد مسؤولة أممية بعد اتهامها منظمات مسيحية بتمويل -الإبا ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى القرة داغي - الهِلال الشيعي بَين الولادة والمُحاق