أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لمى سلمان حميد - من -عبارة الموصل- إلى -الطفل موسى-.. ترندات تبتلع صوت الوعي














المزيد.....

من -عبارة الموصل- إلى -الطفل موسى-.. ترندات تبتلع صوت الوعي


لمى سلمان حميد

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 21:54
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن غرق عبارة سياحية في وسط نهر دجلة في مدينة الموصل، مجرد خبر عابر في كومة الأخبار العراقية المزدحمة، كانت صدمة مؤلمة بحق، أجّجت مشاعر الغضب لدى أغلب العراقيين وأيقظت النقاشات في مجالس المثقفين من جديد: هل يمكن أن يكون للرأي العام في العراق قوة حقيقية تتجاوز لحظة الترند؟
الرواية الرسمية قالت أن سبب الحادثة يرجع إلى انقطاع سلك مثبت بأحد الأعمدة المسؤولة عن سحب وتثبيت العبارة فأدى ذلك إلى غرقها؛ إلا أن مصدر أمني أفاد خلاف ذلك، بأن العبارة كانت تحمل عددا من الركاب يفوق قدرتها الاستيعابية، أمر رئيس الوزراء العراقي حينها عادل عبد المهدي تحت ضغط الجمهور بفتح تحقيق فوري بحادث غرق العبارة في الموصل، ورفع تقرير لهُ خلال أربع وعشرين ساعة لإظهار الحقيقة وكشف المسبِّبين.
هذا السيناريو لم يبدأ مع عبارة الموصل، ولن ينتهي عندها، يكفي أن نستذكر قصة الطفل موسى الذي عُذّب حتى الموت أو حريق هايبر ماركت الكوت، لندرك أننا عالقون في دائرة مغلقة: صدمة، ترند، نسيان. فالحوادث تُثير موجات من التعاطف، لكن سرعان ما يبتلعها روتين النسيان، فيما تبقى الأسباب الجذرية بلا معالجة.
سيكولوجية الجماهير: بين لوبون وغرامشي
في كتابه الشهير سيكولوجية الجماهير، يقول غوستاف لوبون: "الجماهير لا تفكر بعقلانية، بل تتحرك بالصور والانفعالات، ومن يسيطر على خيالها يقودها كما يقود الراعي قطيعه." هذه المقولة تكاد تكون وصفاً دقيقاً لمشهدنا الرقمي، فالجماهير في العراق تتحرك بعاطفة لحظية، والشعارات المتكررة والهاشتاغات تصنع هالة من الوهم بقدرتها على التغيير، لكنها سرعان ما تتلاشى في غياب تنظيم أو إرادة جماعية واضحة.
أما أنطونيو غرامشي، المفكر الإيطالي، فيؤكد في كتابه كراسات السجن أن "الهيمنة الثقافية لا تُمارس بالقوة فقط، بل عبر السيطرة على الأفكار والوعي الجماعي." إذا طبقنا هذا المفهوم على الواقع العراقي، نجد أن الهيمنة الثقافية اليوم مرتبكة ومجزأة: المؤثرون والفنانون والإعلاميون- الذين أزاحوا المفكرين وعلماء الإجتماع عن الساحة الإعلامية الرقمية- لا يتبنون قضايا مستدامة أو رسائل واضحة، بل يلهث معظمهم خلف الترند أو مايسمى عراقياً (الطشة)، يعكسون تقلباته بدل أن يقودوا مساراً ثابتاً، وهكذا يبقى الجمهور مثل بندول الساعات القديمة يتأرجح مطنطناً بين موجة وأخرى.

الإعلام وصناعة الواقع
الواقع أن وسائل الإعلام الحديثة لا تكتفي بعكس الأحداث، بل تُسهم أحياناً في صناعتها، هذا ما أشار إليه إدغار موران في كتابه روح العصر، حين قال إن الإعلام يعيد تشكيل الواقع أكثر مما ينقله، وفي العراق، أصبح المؤثرون واجهة إعلامية جديدة، لكن حضورهم محكوم بلحظة الترند أكثر من كونه مشروعاً طويل الأمد.
فبدلاً من أن يتبنى هؤلاء قضية إنسانية أو اجتماعية ويجعلوها جزءاً من رسالتهم، كما يفعل فنانون ومؤثرون في مجتمعات الدول المتقدمة (حيث الدفاع عن حقوق الطفل أو المرأة أو البيئة يتحول إلى هوية عامة)، نجد أن أغلب نجوم العراق ينشغلون بإعادة تدوير الفوضى الرقمية والنتيجة للأسف أن قضايا كبرى تتحول إلى ألعاب نارية تلمع في الفضاء الرقمي ثم تختفي بلا أثر.
البعد الأخلاقي: الحرية مسؤولية
لابد أن نتذكر بأن الحرية مسؤولية، أي أن نعي أثر (بوستاتنا وكومنتاتنا وشيراتنا) على الآخرين، هذا البعد الأخلاقي يكاد يكون غائباً في خطاب معظم المؤثرين العراقيين، الذين يبدلون مواقفهم بين ليلة وضحاها بما يفرضه مزاج مواقع التواصل الإجتماعي، فترتبك قناعات الجمهور، بين التضامن والتجاهل، بلا أرضية صلبة لبناء وعي جمعي، يؤدي إلى إصلاحات ترتقي بالواقع اليومي الذي يعيشه المواطن.
إن الدفع بتشكيل قوة الإرادة العامة للمجتمع لابد أن يرافقه حذر من أنها قد تتحول إلى أداة فوضى إن لم تُنظم ضمن نسق اجتماعي واضح. وهذا ما نراه في العراق: اسبوع افتراضي من الغضب يليه أسبوع من الإستسلام، دون ترجمة مؤسسية أو سياسية تعيد تنظيمه نحو تغيير حقيقي.
سؤال النهاية
إن مأساة عبارة الموصل، والطفل موسى، وحريق الكوت ليست مجرد حوادث منفصلة، بل مرايا تعكس هشاشة العلاقة بين الغضب الرقمي والإصلاح الواقعي، الرأي العام لا يُقاس بعدد الهاشتاغات، بل بقدرته على الاستمرار، وعلى بناء وعي جماعي يقوده مثقفون وناشطون ومؤثرون يتحلون برؤية ومسؤولية.
يبقى السؤال الموجع: هل يمكن أن نكسر هذه الحلقة المفرغة من حوادث وغضب وترند ونسيان، ونحوّل المآسي إلى منطلقات لتغيير الوقع فعلياً؟ أم أننا سنظل عالقين في لعبة انفعالات سريعة، يبتلعها الزمن قبل أن تتحول إلى وعي وإرادة؟.



#لمى_سلمان_حميد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من -عبارة الموصل- إلى -الطفل موسى-.. ترندات تبتلع صوت الوعي


المزيد.....




- الرئيس الإسرائيلي يستعد لزيارة بريطانيا قُبيل اعترافها المرت ...
- إسرائيل أمام لحظة حرجة.. تململ بين جنود الاحتياط وصورتها تهت ...
- غريتا ثونبرغ لبي بي سي: -وعدنا أهل غزة بالعودة وقافلة الصمود ...
- الجامعة العربية تحذر من خطر إسرائيل على المنطقة وتدعو لوقف م ...
- ما الذي يعنيه توسيع نطاق الاعتراف بدولة فلسطينية؟
- سائحة تثير جدلا بـ-ممارسات غريبة- في مقبرة فرعونية والسلطات ...
- ماذا نعرف عن انتخابات مجلس الشعب السوري الأول بعد مرحلة الأس ...
- نحو 70 شهيدا بغزة منذ الفجر والاحتلال يعزز قواته
- جدعون ساعر: لا -مجال- لزيارة ماكرون إلى إسرائيل مع استمرار م ...
- متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: نسيطر على 40% من مدينة غزة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - لمى سلمان حميد - من -عبارة الموصل- إلى -الطفل موسى-.. ترندات تبتلع صوت الوعي