-الصحة النفسية بين القلق والاكتئاب وعدم تقدير الذات- الثالوث المرعب ج1 Mental health between anxiety, depression and lack of self -esteem

سعيد عطيف

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 08:43
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

"الصحة النفسية بين القلق والاكتئاب وعدم تقدير الذات"
الثالوث المرعب ج1

القلق (Anxiety) ذلك الاضطراب الهاجس الذي يجذب كل مكونات الذات الإنسانية نحو ظلام مهول ويبعث ذاك الشعور الأكثر تأثيرًا على الصحة العقلية للفرد والمجتمع.
لعله أبرز الموضوعات التي حظيت باهتمام واسع وخاص في مجالات علم النفس والطب النفسي، ولكونه أحد الاضطرابات النفسية من حيث الانتشار.
القلق في الأدبيات العلمية هو حالة انفعالية مركّبة تتسم بشعور داخلي بالتوتر والترقّب مقروناً بجملة من التغيرات الفسيولوجية والسلوكية والمعرفية. ويُعتبر استجابة طبيعية وضرورية لمواجهة المواقف المتعددة المهدِّدة أو المثيرة للضغط النفسي، لكن تحوّله إلى حالة الإفراط يجعله يندرج ضمن الاضطرابات المرضية التي قد تعيق الأداء اليومي وتضعف جودة الحياة.

التفاعل بين اللوزة الدماغية (Amygdala) والقشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex)، حيث يتم تفسير المثيرات المهدِّدة وإطلاق استجابات دفاعية عبر تفعيل الجهاز العصبي الذاتي، يجعل الأمر مرتبطا بالجذور الفزيولوجية للقلق إلى الجهاز العصبي المركزي، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أنّ اضطرابات القلق ترتبط بخلل في توازن عدد من النواقل العصبية، أهمها السيروتونين (Serotonin) والنورأدرينالين (Norepinephrine) وحمض الغاما-أمينوبيوتيريك (GABA)، وهو ما يفسّر الفعالية السريعة للعديد من الأدوية النفسية التي تستهدف هذه النواقل.

إكلينيكيا، تتعدد صور القلق لتشمل اضطراب القلق العام (GAD)، اضطراب الهلع (Panic Disorder)، الرهاب الاجتماعي (Social Phobia)، والرهاب النوعي (Specific Phobia)، إضافة إلى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الذي يُعد من أبرز الاضطرابات المرتبطة بالخبرات الصادمة. وتشير الإحصاءات إلى أن نسب انتشار اضطرابات القلق تتراوح عالميًا بين 15% و20% من السكان، ما يجعلها من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا وتأثيرًا على النظم الصحية والاجتماعية.


يمكن اعتبار اضطرابات القلق حالات تتميز بالقلق المرضي الذي لم يكن ناتجا عن مرض جسدي، ولا يرتبط بالتعاطي من جهة ثانيا، وليس جزءا من مرض ذهاني. لذلك، يعتمد مفهوم اضطرابات القلق إلى حد كبير على استبعاد العديد من أسباب القلق المرضي.

اختلفت النماذج في تفسير اسباب اضطرابات القلق ما بين البيولوجية والنفسية في محاولة للوصول إلى فهم أكثر شمولا لمسببات اضطرابات القلق.
تفترض النماذج البيولوجية أن الأفراد لهم تهييئ مسبق للإصابة باضطرابات القلق بسبب التركيبة الجينية ، في حين أن النماذج النفسية تجعل الاستعداد في أحداث الطفولة المبكرة ، أو في بعض سمات الشخصية ، أو في الطريقة التي يتم بها إدراك الأعراض وتقييمها. مهما كانت طبيعة الاستعداد.
تعددت الدراسات بخصوص دور العوامل الوراثية في مسببات اضطرابات القلق. وهي تشمل دراسات الأسرة (دراسات الأقارب من الدرجة الأولى للمصابين باضطراب قلق معين) ، ودراسات التوائم ، ودراسات الارتباط الجيني. تم إجراء الدراسات العائلية..
تشير الدراسات الجينية عموما إلى أنه قد يكون هناك استعداد وراثي لبعض اضطرابات القلق لدى بعض المرضى. لكن من غير المعروف على ما ينطوي هذا الاستعداد وما هو موروث.

تشمل النماذج النفسية لاضطرابات القلق الأكثر صلة بالممارسة السريرية الأساليب السلوكية والمعرفية والنفسية الديناميكية. وترتكز أساسا على نظرية التعلم.

تؤكد النماذج المعرفية لاضطرابات القلق على دور المعتقدات المحددة وتقييمات التهديد وقدرة الفرد على التأقلم. أصبحت هذه النماذج شائعة، ربما لأنها تحاول تقديم وصف شامل إلى حد ما لاضطرابات القلق وتبدو ذات مصداقية في القيام بذلك. ومع ذلك، فقد خضعت النماذج المعرفية بشكل عام للتدقيق العلمي بشكل أقل من النماذج السلوكية، ولم يثبت العلاج القائم عليها بعد ما إذا كان فعالا مثل العلاج السلوكي. تكمن جاذبية النماذج المعرفية - والعلاج المعرفي - أيضا في تفكيكها الجذري للآليات النفسية في اضطرابات القلق وفي اقتراحها بأن التغيير العلاجي يجب أن يحدث نتيجة للتغيرات في أنماط التفكير الأكثر جوهرية.

وانطلاقًا من هذه الأهمية، تركز البحوث المعاصرة على تطوير استراتيجيات تشخيصية دقيقة وعلاجات متكاملة تجمع بين التدخلات الدوائية (مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية SS Ris) والعلاجات النفسية (مثل العلاج المعرفي السلوكي CBT)، إضافة إلى الاهتمام بالبرامج الوقائية القائمة على تعزيز مهارات إدارة الضغوط والمرونة النفسية. ويعتبر هذا التكامل بين الجوانب العصبية والبيولوجية والنفسية والاجتماعية مدخلاً ضرورياً لفهم القلق بشكل شامل ووضع خطاطات كمراحل علاجية أساسية.

#سعيد_عطيف (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل