|
الإنتماء شكلاً ومضموناً
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 20:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ماذا يعني الإنتماء شكلأ ومضموناً اذا ارتبط بدين او بمذهب ما ، او بقومية ما ، او بوطن او مساحة جغرافية ما ، او بكل ما تفرزه مفردة الإنتماء هذه عما يربط المنتمي فكرياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً بما ينتمي اليه ؟ التوسع في مفهوم أطروحة الإنتماء هذه يفرض علينا بعض المعطيات التي تقودنا الى كثير من التوجهات الفلسفية والفكرية التي تتشعب فيها الحوارات التي قد لا تفضي الى نتائج ثابتة يمكن للمتحاورين تقديمها للجماهير على انها مرتكزات فكرية يمكن الإنطلاق منها لتفسير الواقع المعاش. وعلى هذا الأساس ارغب في هذا المجال حصر النقاش على أطروحة الإنتماء الوطني الذي تشكل ، اليوم بالذات ، واحدة من الأطروحات التي تمس جوهر وجودنا في وطننا العراق الذي يشكل لدى من يرجعون اليه في كل ما هم عليه ،المرجعية التي لا توازيها سوى المرجعية للإنسانية ولمجتمع الفصيل البشري المتميز بالعقل باعتباره بوصلة الحياة. فهل المرجعية الوطنية تعني مجرد التواجد على ارض الوطن ولادةً ومواصلة الحياة عملاً واجتماعياً بكل ما تفرضه ظروف الحياة على هذه البقعة من الأرض ؟ الجواب على هذا السؤال سيكون ، من وجهة نظري على الأقل بلا ، ولا كبيرة جداً ، حيث عاش ويعيش على ارض العراق، خاصة في عراق ما بعد 2003 وبعد سقوط دكتاتورية البعثفاشية المقيتة وتولي خلفاؤها من عصابات الإسلام السياسي وحلفاؤها من القوميات العنصرية وحاملي الفكر الخرافي المتخلف ، مَن تولوا مهام إدارة وطن له خلفية حضارية تجاوزت الآلاف من السنين إلا انهم يتنكرون لهذا الوطن الذي يعيشون فيه وهذا ما يؤكد هذه اللا التي عبر عنها كثيرون من المنتمين الى هذا الوطن شكلاً إلا انهم بعيدون عنه مضموناً من خلال ارتباطاتهم خارج حدوده الجغرافية. وإذا ما اعتبرنا المرجعية الوطنية تعني الشكر والولاء للأرض التي اطعمت وآوت واعطت كل او اغلب ما يساعد على تواصل الحياة في مجتمع يسوده الأخاء والقيَّم المتوارثة في نشر السلام الاجتماعي ، تتجلى امامنا هنا كافة الجرائم التي يرتكبها المتسلطون على زمام وطننا العراق ، وما نهبوه لحد الآن من أموال اهل هذا الوطن وبكل ما تدره ارضه وسماؤه من خيرات شرعنوا سرقتها بفتاواهم الشيطانية واساليبهم الماكرة التي شكلت التجارة بالدين لحمتها وسداها. وهل المرجعية الوطنية تعني الإعتزاز بهذه الأرض التي اوجدت للبشرية أولى الحضارات الإنسانية واسست لمنابع القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية من خلال أولى القوانين التي عرفتها البشرية على ارض الرافدين؟ الجواب هنا باننا لا نرى او نلمس هذا الإعتزاز من خلال الأطروحات التي جاء بها حكام العراق اليوم بكل توجهاتهم الدينية والقومية المتخلفة التي لا تنظر الى وطننا إلا من خلال الطائفة او القومية او حتى العشيرة او المنطقة ، حتى اصبح مصطلح الوطن لديها يعني مقدار الإخلاص لكل هذه الإنتماءات الثانوية حتى وإن كانت خارج حدود هذا الوطن ، وحتى وإن كان توجيهها لا علاقة له بارض هذا الوطن ولا باهله ولا بكل حضاراته وتاريخه. المتسلطون على أمور العراق اليوم بكل ما تحمله عصاباتهم ،المسلحة منها والمنزوعة السلاح، وكل ما يعكسونه من فكر متخلف ومن نوايا بشعة تسير نحو امتصاص كل ما يمكن ان يعطي لأهل هذا الوطن مجالاً ، ولو ضيقاً ، من الحياة الإنسانية الكريمة ،لا ينتمون الى أي توجه يشير الى وجود ما يربطهم بالوطن الذي يتحكمون به اليوم كرابط انتماء شكلاً ومضموناً. انهم يرون ارتباطهم الشكلي كوسيلة افتى بها شياطينهم لمواصلة النهب والسرقات وحرمان اهل وطننا من خيرات وطنهم من خلال تسخيرها لإثراءهم وتضخم حساباتهم المصرفية وتوسع مساحات عقاراتهم لا في الوطن نفسه ، بل وعلى الأغلب خارجه، بل وحتى يقدمونها كهدايا الى اسيادهم خارج الوطن ، فيؤكدون بذلك مقولتهم التي تؤكد بين الحين والآخر بان خيرات الوطن مجهولة المالك، لذلك يمكنهم التصرف بها كما يشاؤون . ما دعاني الى تناول هذا الموضوع تسجيل فيديو يرينا بالصورة المتشحة بالدموع ويُسمعنا بالصوت الباكي المخنوق ما تقوله سيدة يهودية من أصول عراقية ، أحاول هنا ان انقل بالنص الذي جاء به الفيديو ، محاولاً نقله على هذه الصفحة كاملاً بقدر ما تسمح به المعطيات الفنية: https://www.facebook.com/reel/1464397268047769 "إحنا اطلعنا من بغداد اما بغداد ما طلعت من عدنا ( بعبرة بكاء ). أنا مولودة بإسرائيل في بيت عراقي،اطبعنا على الأكل العراقي يعني كل اشي سوينا في البيت كان زي ما كان بالعراق ، من الطبخ ، العيد، من الفرح ، واعياد اليهود ، كل اللي سوينا زي ما كان ابغداد. وسمونا بالأول عراق الزغيرة يعني احنا كنا مع اهلينا عمامي وخوالي ، كلهم كانوا جنبنا.وتعلمنا من الأول الأكل العراقي وكلشي كنا انسويه زي العراق.وكمان الأغاني، يعني امي كانت تخبز وتغني ( وتشير بيديها عملية الخبز وهي باكية ). وينتهي المقطع باختناق الصوت في حنجرتها وسكوتها." صوت هذه السيدة التي تتكلم عن العراق وعن بغداد وهي لم تعش في العراق ولم تر بغداد، وكل تصورها عنها تكَّون من خلال ما يعيشه أهلها من أجواء عراقية بغدادية مارسوها في العراق وظلت مرافقة لهم بالرغم من كل ما لاقوه من تعسف وظلم واظطهاد النظام الملكي الجائر الذي استجاب للمخطط البريطاني الذي اوجد المقولة الزائفة " بنقل اليهود كشعب دون ارض الى ارض بدون شعب " الذي استند اليه وعد بلفورد للصهيونية العالمية في الثاني من نوفمبر عام 1917. فأين من هذا الصوت العراقي الذي يعبر عن اسمى وارفع درجات الإنتماء للعراق ، من أصوات من يحكمون العراق اليوم ، من اللصوص الذين لم يكتفوا بسلخ جلد العراق وامتصاص دماء وخيرات اهله كامتصاص الجراثيم القاتلة لدماء ضحاياها، بل انهم يتسابقون على بيعه لمن يخدمونهم خارج حدوده غير خجلين من عمالتهم وتآمرهم وتخريبهم وسرقاتهم لأرض وهبت الحياة لكل شعرة من اجسامهم القذرة ، ولشعب ينازع ويصارع حياته اليومية بعدما سلبوه مقومات الحياة الحرة الكريمة ليبنوا على انقاضها ضخامة حساباتهم المصرفية واتساع ممتلكاتهم العقارية والبذخ في حياتهم المعاشية بعد ان كانوا قبل ان يأتي بهم الغزو الأمريكي لوطننا شلة مشردين حفاة عراة في شوارع السيدة وايران او ممن يتلقون المساعدات من الدول التي لجأوا اليها. لا نهاية لسرد جرائم عصابات الإسلام السياسي وكل من يساهم معها بامتصاص دماء أهلنا ، وبيع ارض ومياه واجواء وطننا ، واغتصاب خيرات البلد وسرقة كل ما تجود به ارضه من مقومات العيش الكريم ، وتنكرهم للعراق الذي يضعونه في صفوف العدو حينما يُصار الى تصادم مصالح اسيادهم مع مصالحه ومع تطلعات اهله نحو العيش الكريم والسيادة على ارضهم ، حيث انها جرائم لا يستوعبها العقل الإنساني السليم. إلا ان أي عقل انساني سليم يمكنه ان يستوعب المقارنة بين هؤلاء الأوباش الذين يدينون للعراق وأهله وخيراته بكل خلية من خلايا أجسادهم العفنة ثم يتنكرون له هذا التنكر العدائي المقيت، وبين هذه السيدة اليهودية التي يعيش معها العراق لا عبر عطاء اخذته منه ولا عبر مأوى لها فيه ولا من خلال ما يمدها من مقومات الحياة ، إذ انها وُلدت خارجه وتعيش بعيدة عنه ولم تره او تعشه إلا من خلال ما حمله أهلها معهم من ذكرياتهم فيه ،ثم تقف هذا الموقف من العراق ومن بغداد الذي لم تذكرهما إلا وتتكسر العبرة على حنجرتها. ما هذا الحب والعشق الصوفي لوطن لم تره هذه السيدة مقارنة بالكره والحقد والتنكر الذي يجازي به حكام العراق الوطن الذي يدينون له بكل شيئ من وجودهم القبيح. حينما يتجه أي عقل منصف الى تقييم هذه السيدة ، مقارنة بحكام العراق جميعاً وبكل مسمياتهم وهيئاتهم ، فإنه سوف لن يتوانى عن استعارة بعض مفردات الجواهري الكبير ليقول بان هذه السيدة اشرف من خيرهم ونعلها من رأسه اكرم. الدكتور صادق إطيمش
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن الأعلون ..... لأننا مسلمون
-
الصراع الطائفي لم يعد فقهياً...بل على احتلال مقعد الأكذب
-
منطق ومنطق
-
مع الناقد هاشم مطر في قطوف التجربة
-
خيار الإسلاميين بين السلطة والأخلاق
-
بيتنا .... ملاذنا
-
مع واهبة الحياة دوماً
-
خاطرة ايمانية
-
نصوص وهمية لتسييس الدين ـ القسم الثالث اليهود شعب الله المخت
...
-
نصوص وهمية لتسييس الدين ـ القسم الثاني القدس لنا
-
نصوص وهمية لتسييس الدين ارض الميعاد التوراتي مثالاً
-
- علماؤنا - واطفالهم
-
مدى ما تفرزه الإنتخابات للمساهمة في تغيير النظام السياسي في
...
-
سياسيو العراق .... والدروس العصيَّة على عقولهم
-
ماذا ننتظر من وزير جاهل ومتخلف ومزور ايضاً
-
الإعلام الليبرالي والتزاماته الفكرية.... منبر تشرين مثالاً
-
حينما تحاول الراسمالية المتوحشة تشويه نضال الطبقة العاملة
-
رائحة الوقت رواية لهاشم مطر
-
طائر التلاشي رواية محمد رشيد الشمسي
-
جرائم البعث لن تمحها السنين
المزيد.....
-
ترامب يعلق على فيديو -إلقاء كيس أسود من نافذة في البيت الأبي
...
-
مذكرة توقيف فرنسية بحق بشار الأسد في قضية مقتل صحافيين
-
بكين: تحالف الشرق في مواجهة الغرب
-
-ما وراء الخبر- تناقش تصريحات ترامب عن تراجع مكانة إسرائيل
-
الحرب على غزة مباشر.. يوم دامٍ بالقطاع وتوتر بين قيادات إسرا
...
-
صحفي يسأل ترامب عن رد فعله على شائعة وفاته.. شاهد كيف أجاب
-
صورة صادمة لترامب.. هل تكشف مرضه فعلاً؟
-
ماذا تعني -الإبادة الجماعية-؟ ومَن الذي استخدم المصطلح لحرب
...
-
مناشدات أممية للمساعدة عقب انزلاق أرضي في دارفور أوقع 1000 ق
...
-
الـسـودان: تـعـددت الـكـوارث وغـابـت الـحـلـول؟
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|