علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا
(Ali M.alyousif)
الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 10:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
1. شذرة اولى
حين نعقد مقارنة بين عبارة ميرلوبونتي (أنه لا فكر خارج العالم أو الكلمات ) وعبارة سارتر ذات العلاقة (أن الوعي الخالص هو فينامينولوجيا جامعة تذهب الى ما يقصد اليه الوعي من أشياء ). نجد ميرلوبونتي في عبارته لم يكن موفقا في أشتراطه سببيا الجمع بين الفكر في العالم الخارجي ومثله في الكلمات كتعبير صامت في الذهن أو أفصاح معبّر عنه باللغة في أدراك ومعرفة الاشياء في وجودها المادي الخارجي...
الفكر في الذهن داخل العقل كتفكير استوعبته اللغة صمتا صوريا. هو غيره الفكر المعبّر عنه في أدراك العالم الخارجي خارج العقل بلغة تواصل قد تكون اللغة التداولية المعهودة أو تكون غيرها من وسائل التواصل التي تعتمد حركات الجسد الأيمائية.. الفكر داخل الذهن هو تفكير تجريدي لا يعوّل كثيرا على تعبير اللغة فهمنا له, والفكر خارج العقل هو تفكير لغوي ناجز في تعبيره عن المدركات في وجودها الخارجي المستقل, وهنا بضوء تأويلنا معنى عبارة ميرلوبونتي يكون تداخل الفكر بالعالم الخارجي هو أفصاح تعبيري لغوي مرة أو أفصاح تواصلي غير لغوي مرة أخرى بغية أثبات أدراك وجود الاشياء ومعرفتها, فليس باللغة المنطوقة أو المكتوبة فقط يتم التعبير عن الموجودات المدركة عقليا المادية منها والخيالية,, فالصمت والحركة لغتان تواصليتان سيميائيا حركيا موحيتان بالمعنى التواصلي المطلوب أيضا لكنهما غير منطوقتين صوتيا ولا مكتوبتين أبجديا... أما أن الفكر لا يكون خارج الكلمات حسب تعبير ميرلوبونتي, فهو خطأ في الفكر قبل خطأ في تعبير اللغة المخاتل, ناقشنا عدم صحته في سطور سابقة, أذ يمكن أن يكون الفكر خارج الكلمات المنطوقة والمكتوبة, في فعالية العقل التفكيرية بالاشياء والمواضيع تجريدا خياليا مثل الفكرة الصامتة في الذهن المستمدة من الواقع الخارجي أو من مواضيع خيال الذاكرة, أو التفكير الصامت المعبّر عنه في أيحاءات وأيماءات وحركات الجسد الذي لا تلازمه اللغة أو الكلمات المنطوقة ولا يحتاج ملازمة اللغة التعبيرية عنه وأنما يحتاج صور الاشياء المفكربها وترجمتها بلغة الجسد أيحاءا تواصليا حركيا في حمولته المعنى اللامحدود.
2. شذرة ثانية
أستحالة أنعدام الكلمات يكون عندما يراد التعبير عن الاشياء والموجودات تواصلا أجتماعيا في تبادل الافكار بلغة الكلام الشفاهي لمعرفة الواقع المدرك الذي هو موجودات العالم الخارجي حيث تكون الكلمات وسيلة تواصل وحوارمن دونها يبقى أدراكنا لها حبيس الذهن فقط..وما يتعلق بلغة الجسد وفعالية الذهن المفكر الصامت فلا تمتلك لغة الكلمات تلك الضرورة في وجوب حضورها..فالذهن لا يفكر بالكلمات التعبيرية عن المدركات بل يفكر بالافكار وصورالاشياء المتمثلة فيه..
3. شذرة ثالثة
مفهوم سارتر أن الوعي الخالص هو ما يقصده الوعي من أشياء, هو وعي أدراكي قصدي غرضي هادف كما هو عند هوسرل, فسارتر أراد بهذه العبارة التوفيقية أخراج الانسان من عدمية الوجود الى نوع من الوعي المطلوب وجوديا هو الوعي (لذاته) بدلا من الوعي الخالص الذي هو الوعي السلبي بذاته الى وعي مفارق أيجابي هو الاندماج في الكليّة المجتمعية بحرية مسؤولة, كي لا يخرج سارترعن فهم هوسرل للذات المشروطة بالقصدية والهدف المسبّق بالذهن,....ويلتقي مع فهم هيدجرأيضا أن وعي الذات يمتلك ديناميكية شغّالة تربطها بالاشياء والعالم الخارجي في تخارج جدلي مفروض على الوعي الذاتي الوجودي. ونجد من نافل القول هنا الاشارة أن وعي الذات عند الفيلسوف الامريكي جون سيرل هو السعي لاشباع قصدي يحتاجه الشخص المدرك لوعيه الذاتي ولموضوعه..وهذا الاشباع نوعان اشباع غريزي بيولوجي واشباع قصدي معرفي..
4. شذرة رابعة
سارتر في فلسفته الوجودية العدمية السوداوية أراد انقاذ وتدارك الوجودية أن تميت الانسان الف مرة وتقعده عن ديناميكية الحياة, وهو منعزل عن الاخرين الذين هم الجحيم, لذا عمد الى مهادنة الماركسية والفلسفات المثالية في البنيوية في أقراره الصاغر بأن الوعي الخالص لا ينطبق على وجود أنساني الا بانتسابه لمنظومة أجتماعية تحتويه شاء أم أبى ذلك, متغاضيا سارتر عن حقيقة أن الوعي الخالص لا يمكن تحققه في مجتمعية تحتويه بل في أنفرادية تمايزية سلبية عن غيره يعيشها بشل قدراته أراديا في فهمه العميق لا جدوى ولا معنى الحياة....ولا يمكن تحقق الوعي الخالص ألا في مدركات عقلية منفردة لا علاقة لها تربطها بالمحيط المجتمعي..وفي هذا أستحالة وجودية..للموجود هناك الدزاين على حد تعبير هيدجر.. يدرك سارتر جيدا أن الوعي الخالص في محاولة وعي الانسان لذاته خيالا عقليا مجردا من أي أنتماء أو موضوع يتخارج معه هو محال فقال عبارته الشهيرة (يتوجب علينا مغادرة انا افكر اذن انا موجود), وأدرك هوسرل قبله هذه الحقيقة قائلا وعي الذات يقترن ب(قصدية) كما أدركها بعده هيدجرقائلا وعي الذات الحقيقي يقترن ب(الديناميكية) في وجود الذات متحققة - في - عالم. ثم اصبح الوعي القصدي ايقونة فلسفية لدى الفلاسفة الاميركان ريتشارد رورتي, جون سيرل, سانتيانا, وغيرهم.
5. شذرة سادسة
ما عدا فلاسفة المثالية , جميع فلاسفة الماركسية والوجودية والبنيوية بأستثناء فيلسوفا التفكيكية والعدمية ( جاك دريدا, وجياني فاتيميو) خرجوا على الكوجيتو الديكارتي, في أقرارهم صاغرين بأن التفكير عقليا في صمت اللغة كوسيلة أدراكية لا يمكنها تحديد أو فهم الوعي الخالص, بمعزل عن أقتران ذلك الوعي بهدف يجعل منه جزءا من منظومة أجتماعية وجودية تعيش الحياة بأي شكل من الاشكال...لكنهم أبتدعوا مثالية أبتذالية جديدة (تفكيكية دريدا) بما لايقاس مع الفلسفات المثالية , تلك هي فلسفة اللغة بأعتبارها معضلة مركزية يتوقف عليها حل جميع اشكاليات الفلسفة التي كانت اللغة سببها في سوء أستخدامها متناسين أن قصور وعجز فكر الفلسفة كتفكير منطقي تجريدي هو المبتدأ والمنتهى, واللغة في كل الاحوال هي وعاء الفكرألذي لا تمّثل اللغة كل الفلسفة فيه ولا يمثل الفكر كل اللغة...خطأ الفكر يسبق خطأ اللغة من حيث أن الفكر فعالية عقلية يحتاج قالبا أدراكيا يحتويه هو اللغة..عليه يكون خطأ المضمون(الفكر) لا ينسحب على تخطئة (الشكل) اللغة..
في هذا المنحى نجد هيدجر أراد أن يخرج وعي الذات من المجرد الفكري داخل منظومة العقل, الى أثبات الوعي وجودا وكينونه في وعيه الاشياء كمتعّين انطولوجي خارج العقل, فلا يمكن أدراك الذات من غير وعي العالم الخارجي وأدراكه ... فوجود الاشياء في العالم الخارجي لا يرتبط بعلاقة مع الفكر, من دون أن يجعل الوعي منها وبها تفكيرا أدراكيا لوجودها, موضوعا وكينونة متعيّنة مدركة عقليا وذهنيا في أسبقية الفكر على اللغة أن جاز مثل هذا الفصل الافتعالي بينهما....لتوضيح أكثر نقول لا يمكن أنفصال الفكر عن اللغة في التعبير عن مدركات الاشياء خارج العقل في حين يكون مثل هذا الفصل الافتراضي واردا في معالجة العقل للاشياء ذهنيا داخله في صمت اللغة وفي تفكيرالذهن صوريا لغويا تعبيريا في وصف مدركاته معرفيا..
7.شذرة سابعة
يقول سارتر:( أن مسألة اللغة تسير جنبا الى جنب مع مسألة الجسم), وهي عبارة سليمة في توكيد بديهة بايولوجية فيزيائية, أن اللغة لاتفارق جسم الانسان العاقل الناطق بأعتبارها خاصية أنسانية انثروبولوجية يتمايز بها الانسان ويحتازها عقله لوحده من دون الكائنات الحية في الطبيعة... الانسان وجود لغوي ينضح بانسانيته قبل أي خاصية آخرى يحتازها الانسان ولا يمكنه الافصاح عن وجوده الفاعل بالحياة كما تفعله اللغة..
ويقول ميرلوبونتي (الكلمة أيماءة حقيقية لأنها تحمل معناها, وليست عشوائية أو طبيعية ) . الانسان في جنبة محورية جوهرية من كينونته الطبيعية هو أنه وجود عقلي مفّكر لغوي تواصلي ... فالانسان يفكر وهو يتكلم ويفّكر وهوصامت ويفّكر لا شعوريا وهو نائم, ويفكر وهو في حلم اليقظة, ويفكر وهو ماشيا لوحده أو مع مجموع... وفي كل حالات الصمت يحتاج الانسان التعبير اللغوي أو الكلامي ألشفاهي عن بعض الاشياء والموضوعات, ويكتم أو يستعصي عليه التعبير عن بعضها, أو يتعّذّر عليه الافصاح التواصلي في بعضها الآخر. أذن الانسان وجود مفكر في صمته وفي الافصاح أو الأحجام عن بعض تفكيره الصامت في الكلام أو اللغة أو الكتابة...والانسان هو كينونة عقلية أدراكية تفكيرية, ولغوية ناطقة,وخيالية تجريدية, تحتويها كل خصائص الانسان المادية وجودا,,والانسان كائن لغوي في وجوده الانثروبولوجي الفاعل...
8. شذرة ثامنة
يذهب ميرلوبونتي(أذا كانت اللغة كيان باطن, فان هذا الباطن ليس فكرا مغلقا على ذاته وواعيا بها). أنه لمن المهم أدراكنا أن اللغة في التفكير الباطني العقلي أي الصامت داخليا, هي وسيلة العقل أن يعقل نفسه ووسيلة العقل في وعي الاشياء المادية وغير المادية أي الخيالية تجريدا ذهنيا...كما أن العقل هو الوسيلة الوحيدة في أدراك وعقلنة وفهم الوجود الخارجي ولا بديل عنه...أما أذا بقي هذا الادراك العقلي منغلقا على العالم الخارجي, في عدم أدراك تواصله الجدلي مع الاشياء والموضوعات, فهنا يصبح الانسان كيان لغوي حواري داخلي صامت فقط ومفارقا في صمته لجوهر أنسانيته الاجتماعية, وهو محال أن يكون وضعه هذا دائميا بالنسبة لأنسان سوي عاقل وناطق أيضا سواء يعيش منعزلا أو يحتويه مجتمع...ومحال أيضا أن يكون الانسان خارج طبيعته بخصائصها الانسانية,أن لا يوجد ويكون جزءا من الطبيعة متفاعل تواصليا مع مظاهرها ومكوّناتها, لا أن يكون كيانا مفكرا بذاته فقط , منعزلا عن واقعه ومحيطه الاجتماعي. ولا في تعطيله لغة الحوار التواصلي مع الآخر.
9. شذرة تاسعة
الصمت الانساني هو حوار لغوي داخلي يعمل في الذهن البشري المفكر, بينما يكون صمت الحيوان (عدما) غير متعيّن لا عقليا ولا ذهنيا ولا تفكيرا منطقيا ولا تعبيرا لغويا... فهو صمت يغيب عنه تفكير العقل المعقد بخلاف الانسان... وفي عجزالحيوان الصامت أن يكون صمته تفكيرا خياليا تجريديا محكوما بوعي زماني ومكاني, كما عند الانسان حيث يقوم العقل ومن ثم اللغة على تنظيم ذلك التفكير الخيالي في وعيهما أدراكات الزمن للمكان...في هذا تكون علاقة الانسان بالطبيعة أثراءا لوجوده المتطور, وبقيت علاقة الحيوان بالطبيعة أفقارا لوجوده الحيواني, وكذا مع موجودات النبات في الافقار التدريجي الذي يقود الى أختلال بيولوجي مفزع في الطبيعة يقود الى أنقراض العديد من الكائنات الحيوانية والنباتية, ومن هنا كان الانسان كائنا وجوديا مستقبليا, أي يفكربالزمن المستقبلي بما لايتوفر للحيوان ذلك الا مع تدّخل الانسان بالطبيعة في جعل الذئب يرعى مع الغنم عندما تنتفي الحاجة الى القتل والافتراس الحيواني لأسكات الجوع في محميات الحفاظ على التنوع البيئي الطبيعي... في قانون وضعي لم تألفه الطبيعة هو التطبّع يروّض الطبع.
لغة التعبير الفني مثلا في النحت والرسم وفي جميع جماليات الفنون التشكيلية, هي أيضا لغة حوار داخلي صامت معبّرا عنه بوسائط توصيل هي غير لغة الكلام أو الكتابة...وتكون لغة الحوار التواصلي في الفن حالة كمون يستنطقها الانسان المتلقي للفن والجمال ويفهمها حسب ثقافته وتكوينه النفسي والجمالي...واللغة الصامتة بالفن منتج عقلي للفكر المتداخل مع تداعيات اللاشعور...أما لغة التعبير الانساني الكلام أو اللغة المكتوبة فهي منتج مصنع الحيوية العقلية الانسانية المتفردة خياليا أو فكريا تواصليا, وبذلك يصبح الانسان كائنا لغويا يفكر وهوصامت وفي مخياله حضور وعي الزمن كتحقيب ماضي وحاضر ومستقبل... وهذا النوع من الادراك بالزمن والمستقبل لا يتوفر عليه الحيوان.فالحيوان لايعي الزمن لافوضويا ولا منتظما مثل الانسان, حتى وأن كان هذا الوعي الزمني يمارسه الانسان أفتراضا وجوديا أستدلاليا لا غنى عنه في ادراكه ومعرفته الاشياء..من الملاحظ أن الزمن المدرك حدسيا لم ينّظم هو حياة الانسان من الفوضى الزمنية التي يستتبعها حتما فوضى الوجود والحياة , كما أن الزمن بعلاقته بالانسان لم يكن هو منّظما لحياته,, وأنما كان تنظيم الانسان لحياته مستمدة من تنظيم الانسان للزمن أدراكيا كتحقيب بالوقت بدءا من أختراعه توقيتات الثانية والدقيقة والساعة وليس انتهاءا بتحقيب الزمن تقويميا في توالي الليل والنهار وتقويمات السنة والفصول الاربعة وهكذا.. .
10. شذرة عاشرة
وعي الذات والصوفية الانسان كينونة فينومينولوجية من ذات وظواهر,, وماهيته وجوهره المعبّرعنها في جميع صفاتها وكيفياتها تجعل من الانسان كائنا متمايزا في هوية جوهرية ماهوية مستقلة, وفي هذه الخاصية يتأكد أستحالة الاتحاد الانساني غير القابل للتسوية بين الوجود في ذاته (الانسان), والوجود بذاته (الله), ومثال هذه الاستحالة تتمثل في محاولة الصوفية الاتحاد الانجذابي الاتحادي المؤقت بين الله الذي هو وجود أفتراضي (بذاته), مع الانسان الذي هو وجود (لذاته) في كيان مادي ماهوي متعيّن,الله كيفية أفتراضية لا يمكن أتحادها بكيفية أنسانية مغايرة مادية. والله كائن نوراني خارج محدودية المكان والزمان لا يدرك عقليا وغير متعيّن ماديا بالنسبة لادراك الانسان في محدودية أدراكه في اللانهائي الكوني... وفي هذا الفارق الجوهري الكبيرممثلا في تغاير (كيفيتين) أحداهما روحانية لا يدركها عقل الانسان والاخرى مادية تتمايزماهويا ذاتيا عنها, كما تتمايز بعلاقتها مع قوانين الطبيعة التي يتحكم بها مطلق الزمان ولا محدودية المكان...وبهذا فالانسان كيفية لا تلتقي الا مع كيفيات أخرى تشترك معها بالصفات الجوهرية المادية من نوعها تتجانس معها في كل أو بعض الصفات والماهيات ضمن ضوابط قوانين الطبيعة.لذا يكون الادعاء الصوفي في الحلول او الاتحاد بالذات الالهية حتى على مستوى الجوهر والماهية باطلا وعجزا لا يمكن التغلب عليه..
11. شذرة حادي عشر
وعي الذات جماليا لغة التخييل الانساني هو قسمة مشتركة بين وعي ذاتها ووعي المدركات المادية وغير المادية الخيالية, كذلك مفهوم الخيال في وعي الانتاجية الفلسفية أو الجمالية ,وفي نظم الشعرية الادبية والفنية, وفي أية فعالية فنية جمالية ينتجها الانسان ويلعب الخيال الفاعل دورا مهما فيها, وفي مجمل الفنون التشكيلية والنحت والجماليات وغيرها, كذلك الحال في أبداعات الاجناس الادبية الشعر والرواية والقصة ومختلف السرديات التي تعبر عن جماليات الادب والفنون عامة...في كل ما ذهبنا له يكون الخيال اللاشعوري المنتج حاضرا. رغم أني في عدة مقالات منشورة لي تناولت فيها علاقة التعبير اللغوي كقاسم مشترك يتوسط التعبيرين الفلسفي والشعري, الا أني أجد في نهاية هذه المقالة المرور السريع بهما... فالشعر بخلاف فلسفة افلاطون القريبة لغتها من الشعر, أكثر أنواع التعبير الانساني الذي يتعالق تواشجيا أرتباطيا بالتعبير الفلسفي كما يذهب له نيتشة وهيدجر وغيرهما.
لغة الخيال العقلي غير الانفصامي المرضي المنتج ,هو قسمة مشتركة بين الفلسفة والشعر بأختلاف أن لغة التعبير الفلسقي تلتقي بالشعر في ناحية أنها أيضا تتعامل بمنطق التعبير اللغوي التجريدي الذي يتداخل فيه الخيال مع الفكر,لكن التعبير الفلسفي التجريدي لا يلغي هيمنة العقل ورقابته الصارمة, على العكس من الشعر الذي يطغى فيه الخيال وتداعيات المنطق اللاشعوري في تهويمات اللغة, في الخيال اللاشعوري تكون اللغة متراخية غير متماسكة على صعيد البنية.. لأنها لا تتوّسل العقل في التنظيم اللغوي بل تعتمد تهويمات الخيال, ولا يستدعي الشعر العقل في لجم الخيال المتداخل في جوهر منطق التعبير الشعري الذي ينتهك اللغة المنظمّة ويعمل على جعلها لغة تهويم خيالي يخرج باللغة عن مألوفيتها التواصلية التداولية في أبتداع لغة خاصة خارج التنميط العادي.في وقت ترى الفلسفة لغتها التعبيرية في حضور صرامة العقل على التفكير الفلسفي المنطقي أن تكون صياغة الافكار فيها تقترب جدا من صرامة منطق العلم ورياضيات التفكير.
الفلسفة في خروجها عن التنميط اللغوي التواصلي, تذهب باللغة الى مجاهل الفهم الاستعصائي على التلقي المباشر, فهي تستدعي العقل في رقابته الصارمة أن لا يخرج التعبير الفلسفي العقلي, عن منهجية اللاشعور في غلبة الخيال في أنتاج تعبير اللامعنى وأعدام نظام اللغة التقليدي كما في الشعر.
12. شذرة ثاني عشر
عبقرية اللغة سابقة على عبقرية الفكر, كما أن جمالية اللغة أسمى من جماليات التعابير الاخرى التي لا تتوسل اللغة قيمة عليا في التعبير. رغم أن تراتيبية أنتاجية العقل للغة لا يسبق أنتاجية العقل للفكر. وفي حال صمت الانسان, تكون اللغة هي الفكر ولا تفريق بينهما خارج الذهن كما لا تفريق بينهما داخله ايضا. فاللغة هي الفكرداخل العقل وخارجه في ترابط لا أنفكاك بينهما.
13. شذرة فلسفية ثالثة عشر
بمجيء القرن الرابع الهجري قام عبقري اللغة العربية والشعرالعربي خليل بن احمد الفراهيدي 100 - 170هجرية بوضع بحور الشعر الستة عشر كما قام بتنقيط القرآن الكريم ووضع نحو وقواعد اللغة العربية وتنقيط حروف اللغة العربية ووضع العلامات النحوية الاربعة الضمة والكسرة والفتحة والسكون والتنوين والشدّة على حروف اللغة العربية التي اجملها ب28 حرفا وبعضهم يعتبرها 29 حرفا باضافة الهمزة كحرف له شكل وصوت.
لم يكن الشعر الجاهلي يسري تناقله بين القبائل العربية مكتوبا بل مشافهة. وقل مثل هذا مع اللغة العربية الفصحى الام اذ كانت تتناقلها القبائل بلهجات تقوم على سليقة وملكة فطرية خالية من النحو والقواعد. واثبت الدارسون نشأة اللغة في حياة الانسان إذ لا زالت بعض القبائل البدائية تحتفظ بلغات تقوم على السليقة والفطرة ولا يعرفون شيئا عن محكومية اللغة التزامها بقواعد نحوية وصرفية تميّزها عن اللغات واللهجات لدى اقوام اخرى. فاطلق باحثي وعلماء اللغة واللسانيات مصطلح ما فوق اللغة. التي هي لغة فطرية لا تحكمها القواعد والنحو.
14. شذرة رابعة عشر
هل حقا كان ديكارت فيلسوف النزعة العلمية وهوسرل بعد ثلاثة قرون اراد إحياء هذا التراث العلمي الديكارتي بمنهج الفينامينالوجيا في القرن العشرين. ولنا هنا وقفة نقدية توضيحية حول هذه الاطروحة.
اولا لم يكن ديكارت (علميا) في فلسفته بل كان في منهج الشك مثاليا ميتافيزيقيا بوضوح شديد. ديكارت وليس هذا معيبا كان متاثرا بافكار فرانسيس بيكون 1561- 1626, كما كان لثورة كوبرنيكوس 1543 في نظريته الفلكية التي قال فيها ان الشمس هي مركز مجموعتنا الكوكبية بما عرف بدرب التبانة وان الارض تدور حول الشمس مرتين احدهما يومية امدها 24 ساعة والثانية فصلية امدها 364 يوما.
محاولة ادموند هوسرل بالقرن العشرين احياء النزعة العلمية الديكارتية انما جاءت مع ظهور الفلسفة البنيوية بروادها المتطرفين الذين هاجموا بشدة كل ما جاءت به الحداثة في تمجيدها العلم والعقل ومركزية الانسان. وسنأتي لاحقا على تفسير هذه الحلقة الإنعطافية بتاريخ الفلسفة. فقد كان لشتراوس والتوسير وفوكو وجيل ديلوز وميرلوبونتي تاثيرا قويا في مهاجمتهم السرديات الكبرى تتقدمها السردية الماركسية وسرديات لاهوت الاديان ولم يسلم منهم انكارهم العقل والانسان كما فعل فوكو بكتابه (الكلمات والاشياء) ولا شتراوس في مهاجمته الماركسية في كتاب راس المال الذي احتذى حذوه التوسير بأشد إبتذالية فلسفية مهاجمته كتاب راس المال.
انه لمن حقائق تاريخ الفلسفة الاعتراف أن ديكارت كان إبن عصره تماما لكنه كان في هذا الحضور براجماتيا في مقولته التقيّة (يسلم من يعش بالظل) وكان معذورا بهذا المنحى تجنبا بطش وتنكيل لجان التفتيش سيئة الصيت. ورجال الكنيسة الكاثوليكية في معاقبة كل من يخرج على ما جاء به ارسطو الذي حكمت افكاره اوربا الفي سنة بما اطلق عليه القرون الوسطى الاوربية.
15. شذرة فلسفية خامس عشر
علمية ديكارت الافتعالية انه حاول ترويج منهج الشك في طرحه توليفة لمتناقضات لا يمكنها الالتقاء المجدي مع بعضها. فقد اراد جمع (الدين والعلم والفلسفة) في نوع من التكامل المعرفي والتخارج البيني في تعايش غير متقاطع بينيا لهذه الاقانيم الثلاث. كما طرح ديكارت إحياء مقولة اليوناني برتوغوراس قوله (الانسان مقياس كل شيء بالوجود). فقال بمركزية الانسان واعتبره قيمة عليا علينا الاهتمام الكلي بها وهذه اقصى شجاعة فلسفية تنسب لقائلها ديكارت. وتمجيده العقل التجريدي واعتبره جوهرا خالدا خلود النفس.مركزية الانسان هاجمته افكار وفلاسفة ما بعد الحداثة بضراوة شديدة بعد ثلاثة قرون على وفاة ديكارت. ديكارت تجنب ليس عن عدم فهم بل لقصد ذاتي يؤمن به ان يتناول العقل بما هو جوهر بيولوجي مرتكزه الدماغ. ومقولته الابتذالية حول الغدة الصنوبرية التي تتوسط الدماغ كانت اضحوكة لا حقته حتى وفاته.
طبعا فشلت توليفة ديكارت في جمعه (العلم والدين والفلسفة) لانه حاول جمع ما لا يمكن اجتماعهم والتعايش معا. ما دعاه الهرب لهولندا واستقر بها متنقلا ومتنكرا تحت اسماء مستعارة عديدة خوفا من ملاحقة لجان التفتيش سيئة الصيت التابعة للكنيسة الكاثوليكية. الذي اراد ديكارت اجتناب خطرها بدون جدوى.
الاشارة التي يتوجب عدم مغادرتها حول محاولة ديكارت احياء اقنومة الفلسفة مبحث الابستمولوجيا إذ كان له الفضل الكبير بذلك بالنسبة لظروف عصره الصعبة.ديكارت بذر البذرة الاولى لاحياء مبحث الابستمولوجيا في الفلسفة الحديثة. اما مسالة أن يعتبر فلاسفة فرنسا وامريكا من بعده بقرون مبحث الابستمولوجيا مبحثا ميتافيزيقيا لا جدوى فلسفية ولا جدوى علمية منه بعد ثلاثة قرون على وفاة ديكارت من قبل فلاسفة ما بعد الحداثة الذين تكلمنا عنهم في سطور سابقة. والاكثر من هذا ان الفلاسفة الاميركان ذهبوا بعيدا في التطرف الذي تبنته الفلسفة البنيوية كما سنوضحه لاحقا تحت عنوان فرعي من هذه المقالة.
شذرة فلسفية سادس عشر
قد يبدو غريبا قولي ان ارضية انبثاق التيارات الفلسفية الامريكية هي فرشة وصول فلسفة اللغة واللسانيات ونظرية المعنى اوربيا قاريا طريقا مسدودا في تيارات مابعد الحداثة الفلسفية كما سيتضح معنا لاحقا فاستقبلت التيارات الفلسفية الامريكية حطام كل الفلسفات الاوربية الفرنسية حصرا بضمنها الوضعية التحليلية الانكليزية التي استنفدت طاقتها التجديدية في اطلاق تيارات الفلسفة الامريكية رصاصة الرحمة عليها وعلى الفلسفة الاولى التي سادت قرونا ولم يبق لها رصيد يذكر هو احتضار مبحث الابستمولوجيا والتغافل عنه من تاريخ الفلسفة امريكيا نهائيا. بعد طغيان مباحث فلسفة اللغة واللسانيات ونظرية التحول اللغوي وفائض المعنى في النصف الثاني من القرن العشرين.
شذرة فلسفية سابع عشر
كانت تغطية لما يتفرع عن الذرائعية الامريكية الفلسفة الأم من تيارت فلسفية امريكية انجبها التاثير الفلسفي المباشر الذي انبثق في فرنسا بداية القرن التاسع عشر ووصل ذروته حين انتقلت نظريات التحول اللغوي وفلسفة اللغة واللسانيات ونظرية المعنى وعمّت المانيا وانكلترا والنمسا.
كانت هذه الانعطافة الكبيرة جدا في الفلسفة هي وليدة مفاهيم ما بعد الحداثة ممثلة في الفلسفة البنيوية الفرنسية مرتكزا اساسيا. ثم تلتها الفلسفة التاويلية لبول ريكور واخيرا فلسفتي التفكيكية لجاك دريدا والعدمية لفانتمينو التي وصل فيها التطرف اللغوي اوج ذروته قبل ان يهزل تدريجيا ويفقد بريقه في ظهور تيارات الفلسفة الامريكية الجديدة. هذه الفلسفات جاءت على انقاض موت وانحلال الوجودية والماركسية والبنيوية على السواء.
#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)
Ali_M.alyousif#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟