إبراهيم سعد حميد
الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 23:53
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
كلما زاد المجتمعات قهرا زاد ايمانها بالخرافات
( مصطفى حجازي ، من كتاب سيكولوجيا الانسان المقهور)
الإنسان العصري اصبح من الصعب ان يفوتهُ شيء ما يحدث في العالم يتفاعل معهُ بسرعة كبيرة ويتأثر به ، ويصبح انسانًا مؤدلجًا يسير ضمن دائرة لا نهائية من المتاهات ، الانسان يظنُ بأنه مستقل فكريًا وذو نباهة ولا يستطيع أحد التغلب على فِطنتهِ او سرقتهِ او حتى سلبَ ايمانهُ و وكما نعلم ان السرقة انواع كثيرة منها سرقة الإيمان، سرقة الفكر، وسرقة الدين .
قد نلاحظ في الأوانة الاخير بدخول افكار او سلوكيات او عادة جديدة في المجتمع ، وسرعان ما تتلقى القبول السريع والأخذ بها والتداول عنها ، ان دل على شيء ، فعلى ماذا يدلُ ذلك ؟
صديقي مصطفى يبلغُ من العمر ٢٨ عامًا يعمل في احدى الشركات النفطية في البصرة يبدو مكتئبًا بعض الشيء ، عتق في اقبية سجن افكاره لما تأثر من اوهام يؤمن بها كما يؤمن البصير بوجود الضوء ، أخبرني بأنه سرعان ما يؤمن بكل موجة جديدة من الافكار والخرافات التي تكتسح مواقع التواصل بكل سهولة يصبح رائجًا ..
اكثر ما شدني حين قال ، كنتُ تحت تأثير علوم الطاقة والجلسات وغصتُ في العمق حتى نسيتُ نفسي من انا ؟
جهلتُ امر نفسي لكثرة ما ألفتُ الوهم وابتعدتُ عن الواقع
وخسر ما خسر ماديًا لما يدفعهُ لمدربي الطاقة أو ما يسمى المعالجين بالطاقة .
صديقي الموهوم ذكر انهُ كل ذلك جاء نتيجة الملل وعدم الرضا عن حياتي فوقعتُ في فخ الدجل !
(لقد اوهموني بأنو سأصبح ما اريد بفترة قليلة !)
( الأوهام التي تأتي نتيجة الملل و الضجر هي السبب آلاكبر في جعل الفرد مسلوب الحياة والإرادة وتراه ينتظر دائما حدوث شيء ما خلف تلال من التراكمات التي لم يستطيع التخلص منها نتيجة البيئة والمجتمع وغيرها من العوامل التي تؤدي الى زيادة الكبت والحزن والبؤس ، فلا نضع كل اللوم والسبب على عاتق الفرد الموهوم ، بل على كل شيء او شخص ادى إلى جعل البيئة هكذا وكل اللوم واللعنة على كل دجال في اي مجال كان ، يتاجر بنفوس واحلام وأهداف و أرواح الناس وفطرتهم وسلب ارادتهم لغرض تلبية مصالحهم الشخصية )
مجتمعاتنا يحيطها الجهل الاجتماعي حتى وان كثر فيها المتعلمين وأصحاب الشهادات الاكاديمية فهذا ليس مقياسًا على ان الفرد لا يتأثر بتلك الخرافات ،
مروة فتاة تبلغ من العمر ال ٣٤ عامًا تعمل دكتورة في مستشفى النفط طرحت بحزنٍ كبير مشكلتها قائلة لي برسالة طويلة ، بأختصار شديد قالت ( لقد تعرضت للاحتيال من قبل مدربة طاقة ، وكان آنذاك عن طريق اختي التي رأت بوستر الجلسات الطاقية كما يسمونها على انها تُغير الواقع وتدفعُ بكَ بسرعة نحو تحقيق الأهداف، والزواج وكل شيء يتيسر بسهولة ، اختبرتني اختي عن ذلك وقالت انها فرصة لا تفوت و سعر الجلسة لكل شخص 200,000 دينار عراقي ، دفعنا 400,000 لكلانا , هناك الجلسة كانت على شط العرب ، ووسط اجواء تحفيزية واغماض العينين والتأمل مع المدربة ؟ واخيرًا اخبرتني بحسرة كبيرة ، بأنها مثلما ذهبت عادت مع اختها خائبتان لا شيء جديد يُذكر سوى خسارة المادة و تعاسة جديدة وخذلان جديد ..)
والكثير من القصص الاحتيال التي حدثت لكثير من الناس تحت بند ( العلاج بالطاقة )
قديمًا وعلى مر العصور ، كان كل ما هو غريب عن المجتمعات ، مثل تقليد معين او سلوك معين او ظاهرة معينة او اكتشافات او بداية فكرة جديدة او عظيمة
او اي شيء غير مألوف ( حتى ممكن الأنبياء والرسل ) ، يا أما يُزندق هذا الشيء و هذا الإنسان اي بمعنى يكفرونه او يكذبونه و يتهمونه بالباطل
او يتحرون عنه ، اي بمعنى هناك مرحلة التحري والسؤال ،
فئة معينة من القرى والمدن تبدأ تتسائل؟
اي هناك من طلبوا البرهان او الدليل ؟ فحصلوا عل البرهان
فأمةٍ آمنت ، وقالت نعم لهذا الدليل وأساس ..
وأمة او فئة أصروا بأنهم لا يرون الحقيقة ولا يعترفون بالبرهان او الادلة مهما كان دامغة ولا مجال للمناقشات !
اما الجزء الاكبر هو الذي يتأثر بسرعة ويؤمن بكل شيء نتيجة جهله مع الأعم الاغلب ،
فربما يبدأ يصدق بالخرافات ويتم تداولها لغاية ما تصبح منتشرة وحقيقية كما هو الحال لما يكدث الآن..
اي تصبح بذلك ، الخرافة حقيقة بدون اي برهان ولا دليل
مجرد ان الاغلبية آمنت بيها وتصبح بذلك خط أحمر وسلوك حياة جديد !
من مقدمة ابن خلدون ذكر عبدالرحمن ( ان الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها، وإذا طال تهميش إنسانها يصبح كالبهيمة، ولا يهمه سوى اللقمة والغريزة )
و بالعودة للدكتور مصطفى حجازي بأن كل ما زاد جهل المجتمعات زاد ايمانها بالخرافة ، فالذي يحدث الآن من مهازل هو نتيجة جهل الأمة وتغلغل الأفكار بسهولة ويؤمنوا بها دون اى برهان او دليل نتيجة البؤس والقهر والأمراض النفسية الي عدهم وخصوصا الافراد الى نولدوا فى مجتمعات مقهورة نتيجة الحروب والجوع والقتل والكبت بجميع انواعه .
وهذا يقودنا لقول ابن سينا (كلُّ ما قرع سمعك من الغرائب فذرهُ في بقعة الإمكان ما لم يذُدك عنه قائم البرهان )
اي ان لا يمكننا رفض او قبول اية فكرة جديدة نسمعها او نقرأها ما لم يكن هناك دليل وبرهان عقلي ومنطقي
مع ان كل الادلة والبراهين تدعوا بأن غالبية هذه الممارسات لها خطر واثر كبير على شخصية الفرد ونفسيته ايضا الا ان هناك من استمروا بهذه الممارسات، وكأن قد اصابهم ولاء عاطفي تجاه مدربينهم الذي يأخذون الأموال منهم ..
فهذه دعوة لكي نتجنب هكذا ممارسات احتيال ، سواء نحن او من يهمنا أمرهُ ان ناخذ بعين الاعتبار بأن الامر له أبعاد كبيرة ومؤثرة مستقبلا ما لم نحيط وأسرنا الحذر من هؤلاء المحتالين ، لنفكر قليلًا ، لماذا يحتاج الانسان إلى شيء وهمي ويجاهد ان يصدقهُ ؟ أمِن اجل الاطمئنان اللحظي ام الأمل الزائف ام التعبيرعن العجز او الخذلان الذي مر بهِ ؟
نختتم بما ذكره عبد الرحمٰن بن مُحمَّد بن خلدون الحضرمي
في مقدمة ابن خلدون ( عندما تنهار الأوطان يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون و المدعون و القوالون والمتصعلكون، وضاربوا المندل وقارئوا الكف والطالع، والمتسيسون و والمداخون والإنتهازيون فيختلط ما لا يختلط، ويختلط الصدق بالكذب والجهاد ، بالقتل، ويسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف، ويعلو صوت الباطل ويخفت صوت الحق، وتشح الأحلام ويموت الامل، وتزداد غربة العاقل، ويصبح الإنتماء إلى القبيلة أشد الصاقأ وإلى الأوطان ضربأ من ضروب الهذيان )
#إبراهيم_سعد_حميد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟