أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نور الدرعي - ثالوث الهيمنة: الرأسمالية المتوحشة والأبوية والشعبوية ضدّ تحرّر النّساء















المزيد.....

ثالوث الهيمنة: الرأسمالية المتوحشة والأبوية والشعبوية ضدّ تحرّر النّساء


نور الدرعي

الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 14:27
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


ما بعد الثورة: ويتواصل الصراع من أجل تجذير النضال النسائي

مثّلت ثورة 2011 لحظة كسر احتكار الدولة للخطاب حول المرأة خاصة مع خروج اليسار للعلن وفضحه زيف نسويّة الدّولة، وخروج أصوات التونسيين والتونسيات تطالب بالمساواة التامة والفعليّة، وبإقرار الحق في الميراث المتساوي، وبسنّ قوانين شاملة لمناهضة العنف. وقد ظهرت العديد من المنظمات والجمعيات النسوية الجديدة بمختلف المرجعيات التي تعكس مقاربات متنوعة تتجاوز النظر إلى النّساء كفئة موحدة ومهمشة، بل تسعى إلى فهم أشكال القمع المركّب الذي يتجاوز النّوع الاجتماعي ليشمل التمييز الطبقي والعنصري والجنسي وتقاطع أشكاله بطرق مختلفة. وقد فسح ذلك المجال أمام النساء من مختلف الفئات الاجتماعية الانخراط في هذا الحراك وطرح مطالب أكثر تجذرا.

لكن هذه اللحظة سرعان ما واجهت هجوماً من التيارات الرجعية والمحافظة التي حاولت التصدي لمساعي القوى الديمقراطية. فقد عملت حركة النهضة على التصدي لتكريس المساواة في مسودّة دستور 2014 عبر إقرار مفهوم التكامل بين المرأة والرجل بديلاً عنها، في محاولة لإعادة إنتاج الدور التقليدي للنساء المحصور في المجال الأسري وأعمال الرّعاية، لكن الإرادة الحرة للمناضلات هي التي انتصرت آنذاك بالتصدي لهذا المشروع الظلامي. وقد لعبت رفيقاتنا النّسويّات ومناضلات الجبهة الشعبية وغيرهنّ من نصيرات العدالة اللاّتي كان لهنّ دور عظيم في سنّ القانون عدد 58 لسنة 2017 لمكافحة العنف ضد المرأة الذي وضع تعريفات جديدة للعنف بمختلف أنواعه منها العنف السّياسي والاقتصادي وشدّد في عقوباتها في حالات معيّنة، كما تضمّن جملة من الآليّات والضمانات التي تحمي النّاجيات عند محاولاتهنّ لكسر حلقة العنف، لكنّ حلما آخر نحو الانعتاق من التّسلّط الأبويّ على أجساد النّساء بقي حبرا على ورق، بلا تطبيق فعليّ على أرض الواقع ولا إستراتيجية واضحة لتفعيله وظلّ مجرد نص قانوني مفرغ، وشعارات بروتوكولية تُتلى في المناسبات الرسمية كالتشدّق بالدعوة إلى المساواة في الميراث في البرامج الانتخابية.

نحن في صراع متواصل نحو تحقيق رهانات عديدة أهمّها تثوير مجلة الأحوال الشخصية التي تجاوزها تطور الواقع، وأهمية تفعيل القانون عدد 58 وتطبيقه وتكريس الإجراءات والموارد اللّازمة لتوفير خلايا الإنصات ومراكز الإيواء للنّاجيات من العنف الأسريّ والزوجيّ والتّصدي لسياسات الإفلات من العقاب خاصة مع ارتفاع منسوب العنف وجرائم تقتيل النساء في السنوات الأخيرة نتيجة العنف الزوجي، والنساء المقتلاّت بحوادث شاحنات الموت جرّاء السياسات الخاوية وتهميش عاملات الفلاحة حيث لا يتمتّعن بظروف عمل إنسانيّة، ولا بنقل آمن ولا ضمان اجتماعي.

وها هي بلادنا في زمن الشعبوية تجد نفسها أمام موجة من الرّدة والالتفاف على مكاسب النساء تريد العودة عقودا إلى الوراء، وها هي الأوضاع تتراوح كما وصفها أنطونيو غرامشي: “الأزمة تكمن في أنّ القديم يموت والجديد لا يستطيع أن يولد، وفي هذا الفراغ تظهر أعراض مرضية كثيرة”.

مكتسبات النّساء: الحلقة الأضعف في منظومة الهيمنة الثلاثية

إنّ الوضع الراهن للنّساء في تونس لا يمكن قراءته بمعزل عن تفاعل ثلاث قوى رئيسية تشكّل معاً جداراً صلباً أمام أيّ تحرّر فعلي وهي الأبوية والرأسمالية المتوحشة والشعبوية الحاكمة. هذه القوى تلتقي في الدفاع عن نفس البنية الطّبقية التي تُبقي النساء في موقع التابع والضعيف، فالأبوية ليست بنية مستقلة عن الرأسمالية، بل هي إحدى أدواتها التاريخية لضمان إعادة إنتاج قوة العمل بأقل تكلفة، عبر حصر النساء في أدوار الإنجاب والرعاية والعمل المنزلي غير المأجور، مع استغلالهن في سوق العمل بأجور منخفضة وفي ظروف هشّة. هنا، يصبح اضطهاد النساء جزءاً من البنية الاقتصادية نفسها، لا مجرد إرث ثقافي أو ديني.

عندما تدخل الأنظمة البرجوازية مراحل الأزمات، تلجأ إلى الشعبوية كأداة سياسية لإعادة بناء شرعيّتها المهتزة، كما أشار أرنستو لاكلو في تحليله للشعبوية بوصفها منطقاً لتشكيل الذات السياسية عبر استدعاء إرادة الشعب ضدّ العدو المشترك. غير أنّ هذه الإرادة الشعبية غالباً ما تُعرّف على نحو يستثني النّساء أو يعيدهنّ إلى الفضاء الخاص بٱسم الهوية أو الأصالة والتمسّك بالقيم الدّينية.

الشعبوية هنا لا تُحدث قطيعة مع الرأسمالية أو الأبوية، بل تُعيد صياغتهما في خطاب تعبويّ قادر على حشد القاعدة الاجتماعية وحمايتها من أيّ تغيير جذري يهدد البنية الاقتصادية القائمة، الخادمة لمصالح رأس المال الأجنبي، في هذا السياق طبعا تصبح مكاسب النّساء الحلقة الأضعف لأنها تُقدَّم كتنازلات نُخبوية أو غربيّة يجب مراجعتها حفاظاً على الأصالة والوطنية ومقاصد الإسلام الحنيف.

لقد عبّرت المنظومة الاستبدادية الشعبوية عن نظرة ذكورية معادية للنساء منذ ضربت آلية التّناصف الأفقي والعمودي في القانون الانتخابي وأقصت النّساء من المسار الانتخابي، وحاولت إبعادهن عن الحياة العامة من خلال سياسات الترهيب وتكميم أفواههنّ، فالعديد من الناشطات التونسيات اليوم محتجزات في السّجون فقط لرفضهنّ المسار الانقلابيّ والسياسات العنصريّة والالتفاف على الحريات من خلال المرسوم 54 الفاشي.

في المقابل تُروّج صورة ورديّة أخرى للنّظام، فتحت حكم قيس سعيد تولّت لأول مرةّ في تاريخ تونس امرأة منصب رئاسة الحكومة نجلاء بودن ثمّ سارة الزعفراني ليدخل كإنجاز تاريخي مضاف للحاكم بأمره. إنّ ما يغيب عن البعض من جماهير الشّعب أنّ رئيس الجمهورية حسب دستوره الصادر سنة 2022 لم يترك أيّ صلاحيّات مهمة لرئاسة الحكومة وصلت حدّ سحب بساط السلطة الإدارية منها، وجعلت من رئيس الحكومة مجرد منصب صوريّ وٱستشاريّ.

وطبعا لا يمكن فهم المقترحات الرّجعيّة لبرلمان الدّمى والتي يتداولها بجديّة كالعفو العام للأزواج الذين صدرت بحقهم أحكام جزائية لعدم دفع معاليم النفقة وتنقيح الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية الذي يُقترح فيه إسناد النظر في الطلاق بالتراضي لعدول الإشهاد.

هذا التوجه يختزل إجراءات الطلاق ويهمّش الإطار القضائي الذي شكّل لعقود ضمانة أساسية لحماية حقوق الزوجة والأبناء رغم أن المقترح يُسوّق كإجراء لتبسيط إجراءات الطلاق، فإنه في الواقع يمهّد لمراجعات أوسع تستهدف الحقوق المكتسبة للمرأة، وذلك في إطار الانسجام مع التوجهات الشعبوية المحافظة التي تحولت الى خط فكري سياسي رسمي. إن مشروع التنقيح هذا يلغي عملياً دور قاضي الأسرة، المخوّل الوحيد لمحاولة الإصلاح بين الزوجين والتثبت من أسباب الطلاق، ويحرم الطرفين من المسار القضائي الكامل الذي يتيح التراجع أو تعديل صفة الدعوى، بالإضافة إلى ذلك يظل الانفصال مرتبطاً بحقوق أساسية مثل الحضانة والسكن والنفقة والتعليم والسفر وتنظيم الزيارة، وهي مسائل لا يمكن حسمها إلا عبر القضاء.

بهذه الطريقة يتحوّل الطلاق من مسار قضائي بضمانات متكاملة إلى إجراء إداري سريع، يخدم الطرف الأقوى اقتصادياً وٱجتماعياً، ويضع المرأة والأطفال في موقع هشاشة أكبر أمام الضغوط المادية والمعنوية.

إن الظاهر اليوم في الحياة العامة التونسية هو هيمنة الشعبويّة المستبدّة التي تحتكر السلطة وتريد تدجين المجال العام، وهي شعبوية تستمدّ مشروعيتها من الأفكار والقوى الرجعية والمضادة للثورة والحرية وهي تحاول أكثر من أيّ وقت مضى ضرب مكاسب الشعب وخاصة المتعلقة بحقوق النساء وحرية الرأي والتعبير، ومن خلال ترسانة القوانين القمعية التي تعتمد للزّج بمعارضي النظام في السجون، ومن خلال المقترحات الرجعية التي سبق ذكرها. إن مواجهة هذا التحالف الثلاثي تتطلب استراتيجية نسوية لا تفصل النضال الجندري الخصوصي عن النضال الطبقي والتحرر الوطني. فالأبوية ليست مجرّد مسألة ثقافية، بل هي أداة إنتاج وإعادة إنتاج داخل النظام الرأسمالي، والشعبوية ليست إلا وجهه السياسي في أزمنة الأزمات. من هنا، يصبح النضال النسوي في تونس جزءاً من معركة أوسع ضدّ كل البُنى التي تكرس الاستغلال والهيمنة، ولا يمكن ٱختزاله في تعديلات قانونية أو رمزية على أهميتها، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية، لا هي شكلية ولا انتقائية، تُترجم إلى أفعال ملموسة وموارد حقيقية تُكرس لدعم النساء في مواجهة العنف والتمييز وإعادة بناء القوة الاجتماعية والتنظيمية للقوى الديمقراطية وللنساء العاملات والمهمشات، وتوحيد صفوفهن مع بقية الفئات الشعبية من أجل تحرر شامل من النظام الاستبدادي الشعبوي الذي يسعى للفتك بمكتسباتهنّ.



#نور_الدرعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثالوث الهيمنة: الرأسمالية المتوحشة والأبوية والشعبوية ضدّ تح ...


المزيد.....




- اختفاء غامض لعشرات النساء في لبنان وروايات عن تورّط عصابات س ...
- خبير عسكري: جيش الاحتلال يعاني نقصا حادا في الجنود ويلجأ لتج ...
- خبير عسكري: جيش الاحتلال يعاني نقصا حادا في الجنود ويلجأ لتج ...
- -المرأة الخارقة- تنقلب على نتنياهو .. طالبت بوقف الحرب على غ ...
- جراحة معقدة أعادت لامرأة عمياء بصرها.. سنها كانت الوسيلة
- ارتفاع أسعار الذهب في المغرب يدفع النساء إلى البدائل
- ممرضة أميركية في غزة: المجاعة بدأت تضرب الطواقم الطبية
- ممرضة أمريكية فلسطينية: المجاعة وسوء التغذية ينهكان المرضى و ...
- ممرضة أميركية في غزة: المجاعة بدأت تضرب الطواقم الطبية
- أونروا: مليون امرأة في غزة تواجهن مجاعة جماعية


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نور الدرعي - ثالوث الهيمنة: الرأسمالية المتوحشة والأبوية والشعبوية ضدّ تحرّر النّساء