أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عزيز الحنبلي - بين حرية التعبير وقدسية المعتقد: رسالة النقيب الجامعي إلى الرميد… من يحرّض مَن؟














المزيد.....

بين حرية التعبير وقدسية المعتقد: رسالة النقيب الجامعي إلى الرميد… من يحرّض مَن؟


عزيز الحنبلي

الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 09:20
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تُعيد الرسالة المفتوحة التي وجّهها النقيب عبد الرحيم الجامعي إلى وزير العدل الأسبق الأستاذ مصطفى الرميد إيقادَ نقاشٍ قديمٍ متجدّد حول تخوم حرية التعبير وحدود حماية المقدسات، وحول موقع الفاعل السياسي والحقوقي حين يتناول قضايا رأي عامّ ملتهبة. فبين قراءةٍ ترى في تدوينة الرميد تحريضًا يزكّي “قضاء الشارع”، وأخرى تعتبرها دعوةً مشروعة إلى تطبيق القانون، يجد الرأي العام نفسه أمام اختبار دقيق: كيف نحتكم للمؤسسات دون أن نؤجّج العواطف، وكيف نحمي الثوابت دون أن نُقصي حقّ الاختلاف؟
ينطلق النقيب الجامعي من نقدٍ حادٍّ لِما اعتبره “وعيدًا” و”تحريضًا” تضمّنته تدوينة للرميد عقب تصريحات منسوبة للناشطة ابتسام لشكر. في تصوّر الجامعي، تجاوزَ الرميد حدَّ إبداء الموقف إلى ارتداء “عمامة المفتي” و”ثوب القاضي”، محدِّدًا التهم ومُعدِّدًا مواد القانون، بما قد يحرّك “قضاة الشارع والحانات والمناسبات” ويُشعل الكراهية ضدّ امرأة بعينها. ويذكّر الجامعي بأنَّ استقلال القضاء وعلانية المساطر يقتضيان ترك القضية تسير في مجراها المؤسّسي، بعيدًا عن منصّات التحشيد، وأنّ دور المحامي—ومن باب أولى وزير العدل الأسبق—ليس إصدار التعليمات ولا قيادة محاكماتٍ عبر الفيسبوك، بل خوض المواجهة داخل قاعة المحكمة وفق شروط المحاكمة العادلة إنْ رأى نفسه طرفًا متضرّرًا.
من جانبه، يرفض الرميد توصيف “التحريض”، ويرى أن ما صدر عنه “دعوة إلى تطبيق القانون” لا تحريض على فعلٍ غير مشروع. ويُسند موقفه بأربع حججٍ رئيسية:
التحريض، لغةً وقانونًا، لا يتحقّق إلا مقترنًا بفعل جرميّ؛ أمّا الدعوة إلى تحريك المتابعة فهي تمسّكٌ بمقتضيات قانونية.
التحريض يلازمه عادةً وعدٌ أو هبةٌ أو إساءة استعمال سلطة، وهو ما لا يتوفّر في الحالة المطروحة.
الدعوة إلى المسطرة القضائية تحُول—برأيه—دون انزلاق الجماهير إلى عدالة انتقامية، إذ تعيد النزاع إلى أحضان الدولة وقضائها.
التطبيع مع الإساءة للمقدسات يهدّد السلم الأهلي، والإساءةُ—كما يفهمها—تخرج من نطاق حرية التعبير إلى دائرة الاعتداء على الثوابت.
ويتقوّى بناءُ دفاعه باستحضار اجتهاداتٍ دولية، منها قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية E.S. ضد النمسا (2018) التي قرّرت أن حرية التعبير ليست حقًا مطلقًا، وبالاستناد إلى الدستور المغربي الذي يقرّ ثوابت دينية جامعة، وإلى مقتضيات الفصل 267.5 من القانون الجنائي المتعلق بحماية هذه الثوابت.
العقدة ليست في اختلافٍ أخلاقي حول عبارةٍ جارحة فحسب، بل في “تعيين الأدوار” داخل المجال العام. فحين يتكلم وزير عدلٍ أسبق ومحامٍ بارز، تتجاوز كلماتهما حدَّ الرأي العابر إلى أثرٍ مؤسّساتي ورمزي. لذلك تبدو دعوة الجامعي إلى “خفض منسوب التأثير الخارجي على القضاء” مفهومة بقدر ما تبدو حُجّة الرميد في “ردّ الأمر للقانون” مشروعة. الإشكال إذن في الشعرة الرفيعة بين التأثير الممنوع والنقاش المباح: متى يصبح توصيف الفعل “إساءةً موجبةً للمتابعة” تحريضًا، ومتى يكون “تنبيهًا قانونيًا”؟ ومتى يتحوّل الاعتراض الأخلاقي إلى وقودٍ لـ”عدالة الرعاع”، ومتى يُسعف في صون السلم الديني؟
قانونًا، يميل كثير من الفقه إلى ربط التحريض بعناصر مادية ومعنوية محدّدة؛ غير أنّ الواقع الرقمي يربك هذا التصنيف: منشورٌ واحد بصياغةٍ قاطعة قد يستنهض جموعًا ويصنع ضغطًا على مسار الملف. هنا تكمن وجاهةُ تحذير الجامعي من “تأثير المنصّات”، كما تكمن وجاهةُ دفاع الرميد عن حقه في التعبير عن موقفٍ قيميٍّ وقانوني—شرط ألّا ينقلب إلى توجيهٍ لِمآلات الدعوى أو وصايةٍ على القضاء.
النقاش اليوم يحتاج الى
تحكيم المؤسّسات: لا مناص من ترك المسطرة—إن وُجدت—تسير بهدوء، مع صون قرينة البراءة والحق في الدفاع.
ضبط الخطاب العام: استعمال لغةٍ دقيقة لا تُصدر “أحكامًا” ولا تحشد جمهورًا، ولا تُسقِط الأوصاف القيمية على أشخاصٍ قبل حكم القضاء.
توازن الحقوق: حماية المقدسات مطلبٌ دستوري، كما أن حماية فضاء التعبير شرطٌ لديمومة النقاش المدني. واجب الفاعلين العموميين أن يُبرهنوا أنّ الجمع بينهما ممكن عبر القانون لا بالرغبة في الانتقام.
مسؤولية المكانة: حين يتكلم رموزُ المهنة والسياسة، يتضاعف أثر كلامهم. ومن ثمّ، يتحمّلون مسؤوليةً أخلاقيةً إضافية في انتقاء الألفاظ وتقدير المآلات.
تُظهِر مراسلات الجامعي والرميد أنّ الخلاف، حين يحافظ على قواعده، يمكن أن يكون نافذتنا لتقوية دولة القانون لا لهشاشتها. فإذا كانت الإساءة للمقدسات—وفق تأويلٍ غالب—فعلًا مدانًا قانونًا وأخلاقيًا، فإنَّ الطريق إلى تجريمها يمرّ عبر قاضٍ مستقلّ لا عبر منصّة مُستفزّة؛ وإذا كانت حرية التعبير أصلًا دستوريًا، فإنّ سقفها لا يُحدِّده الغضب اللحظي، بل يُنظّمه النصُّ ويُهذّبه الاجتهاد القضائي.
في المحصلة، لا يحتاج المغرب إلى “قضاة فيسبوك”، ولا إلى وصايةٍ فكريةٍ مضادّة؛ يحتاج إلى نقاشٍ عام يُحسن تعريف المصطلحات، وإلى فاعلين يضبطون عاطفتهم بقدر ما يحرصون على ثوابتهم. وما بين رسالة النقيب وردِّ الوزير، فرصةٌ لتذكير أنفسنا بأن الهيبة تُبنى من إنصافٍ هادئ، وبأن العدالة تُرى حين تُمارَس داخل المؤسسات لا خارجها.



#عزيز_الحنبلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نتنياهو يكشف حلم «إسرائيل الكبرى»: الدلالات، السياق، والاستح ...
- ابتسام لشكر: مسار ناشطة على تخوم الحريات الفردية والجدل العا ...
- رابطة الشرفاء البودشيشيين تنفي “بيان التخلي” وتؤكد شرعية تول ...
- بسبب نظام الكفيل في السعودية الفيلم الهندي “حياة الماعز”يثير ...


المزيد.....




- ممرضة أميركية في غزة: المجاعة بدأت تضرب الطواقم الطبية
- ممرضة أمريكية فلسطينية: المجاعة وسوء التغذية ينهكان المرضى و ...
- ممرضة أميركية في غزة: المجاعة بدأت تضرب الطواقم الطبية
- أونروا: مليون امرأة في غزة تواجهن مجاعة جماعية
- أونروا: مليون امرأة في غزة تواجهن مجاعة جماعية
- الأونروا: مليون فتاة وامرأة في قطاع غزة يواجهن مجاعة جماعية ...
- الأونروا: مليون فتاة وامرأة في قطاع غزة يواجهن مجاعة جماعية ...
- -الأونروا-: مليون فتاة وامرأة في قطاع غزة يواجهن مجاعة جماعي ...
- الأونروا: مليون امرأة وفتاة في غزة يواجهن مجاعة جماعية
- -الإمارة الإسلامية- التي تُعلِّم الفتيات الانتصار في الحروب ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عزيز الحنبلي - بين حرية التعبير وقدسية المعتقد: رسالة النقيب الجامعي إلى الرميد… من يحرّض مَن؟