أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إكرام فكري - بين بريق الشاشة وواقع القاع: قصة جيل ضائع














المزيد.....

بين بريق الشاشة وواقع القاع: قصة جيل ضائع


إكرام فكري

الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 10:54
المحور: المجتمع المدني
    


في زمن السوشيال ميديا، صار الحلم بالنسبة لكثير من الفتيات مشهدًا متكررًا: هدايا فاخرة، بيوت مستقلة، سفريات، وحياة مليئة بالترف تُعرض يوميًا على إنستغرام. صور لا تعكس الواقع، لكنها زرعت في النفوس تطلعات لا تعترف بالحدود، تطلعات بعيدة كل البعد عن الإمكانيات المتاحة في بيئة اقتصادية تعاني من البطالة وقلة الفرص، حيث يتصادم الحلم مع حقيقة لا تعرف الرحمة.

هناك من يستغل هذا الفراغ النفسي والاجتماعي، ويحوّل هذه الأحلام إلى أدوات في يد مافيات غسيل الأموال والتجارة بالبشر... الهدايا الفاخرة، الرحلات المدفوعة، والمنتجات الفخمة التي تصل إلى تلك المؤثرة فجأة ليست مجاملات بريئة، بل وسائل مدروسة بعناية لإدخال أموال مشبوهة إلى السوق عبر قنوات تبدو مشروعة. هذه الهدايا تُستخدم كغطاء يبيّن للعيان صورة زائفة من النجاح والثراء، في حين تكون الباب الخلفي لصفقات مالية غامضة. ثم تبدأ الاتصالات التي قد تصلك من شركات وعلامات تجارية تعرض فرص "الإعلان" والترويج، والتي غالبًا ما تكون مدخلًا تدريجيًا لعالم أكثر ظلمة. حيث تتحول العلاقات الاجتماعية إلى شبكة من التزامات غير معلنة، يُطلب فيها من الفتيات تقديم خدمات قد تصل إلى بيع أجسادهن مقابل استمرار هذا "النجاح" المزيّف. لا يصبح الأمر مجرد حلم زائف، بل فخًا يُحتجز فيه الكثيرات، يصعب الخروج منه دون أن تدفع النفس ثمنًا باهظًا. هنا تتحول الأحلام البريئة إلى براءة تُقايض، والكرامة إلى تجارة.

أما الشاب، فقد نشأ في بيئة تشعره بأنه فوق النقد، يملك الحق دون مساءلة. هذه التربية، التي لم تبنِ شخصيته على المسؤولية والعمل، أفرزت شخصية متعجرفة ترفض التحديات، تتبنى الخمول المرفه، وتطالب بحقوق مبالغ فيها، مما خلق فجوة عميقة بينه وبين الواقع. الشاب لا يقبل بأجر بسيط في العمل، ويرى أن فرص العمل التي قد تتاح له لا تليق بمكانته، فلا يبذل جهدًا حقيقيًا، ولا يرغب حتى في المحاولة.

وبينما يرفض هو العمل على أجر متواضع، يفضل أرباب العمل توظيف الفتيات أكثر، لأنهن يظهرن التزامًا ومسؤولية ظاهرة، وأكثر استعدادًا لقبول الأجور المنخفضة، ليس بدافع المساواة أو العدالة، بل استنادًا إلى منطق اقتصادي بارد يرى فيهن أداة ربح تُستخدم وتُستغل. في هذا السوق، يصبح الجسد الأنثوي ليس مجرد كائن بشري بل سلعة وأداة تسويق تُوظف في الإعلانات وعلى شاشات التلفاز، أو حتى في تجارة أكثر ظلمة. هكذا، تُستغل الفتاة بطرق عدة، بينما يحاول الشاب الحفاظ على مكانته بلا حركة ولا تغيير.

في هذا السياق، تتلاقى أحلام الفتاة مع تعجرف الشاب في دوامة من الانفصال عن الواقع، يولد منها جيل يحمل آمالًا خادعة ويعيش جروحًا لا تُرى، وصولًا إلى عزوف جماعي عن الزواج، ارتفاع غير مسبوق في نسب الطلاق، وخلق علاقات هشة لا تصمد أمام أصغر اختبار. هذه الظاهرة تتغذى على تناقضات مجتمع لا يعرف كيف يوازن بين أحلامه وإمكانياته، وبين الماضي الثقافي الراسخ والحداثة التي تفرض نفسها بقوة عبر شاشات الهواتف الذكية.

نحن إذن أمام مأساة اجتماعية أعمق من مجرد أوهام رفاهية مزيفة. إنها مأساة ضياع القيم، وانتكاس روح المسؤولية، وتحول الإنسان إلى دمية في مسرحية تديرها مافيات المال والسطحية الإعلامية. مأساة تجعل من كل واحد منا، مهما كان موقفه، جزءًا من هذه الدوامة: إما لاعبًا يستغل الآخر، أو ضحية تنقاد خلف صور براقة لا تحمل سوى الظلال.

في عصر تسرع فيه كل شيء، وتختصر فيه اللحظات في وميض شاشة آيفون، يصبح الإنسان أقل اتصالًا بذاته، وأكثر تعلقًا بصورة زائفة للذات. هذه السرعة التي لا تتوقف، والتي جعلتنا نعتقد أن النجاح يُقاس بالسرعة والسطحية، ليست سوى غطاء لعتمة أعمق، تجعل من الحلم الحقيقي، ذاك الحلم الذي يُبنى على العمل، الاحترام، والصدق، ضربًا من الخيال.

وهكذا، في صمت الليل، حين تُطفأ شاشات الهواتف وتعود الأرواح إلى مواجهتها الحقيقية، تبقى هذه الأسئلة معلقة: هل سنقبل أن نعيش في وهم الرفاهية حتى نفقد ذواتنا؟ وهل يمكننا أن نعيد بناء مجتمع لا يُخدع بالبهرج، بل يقيم على صلابة الواقع، وعلى حلم يُحترم لأنه مبني على الحقيقة؟

هذه هي معضلتنا، التي لا تحتاج فقط إلى تغيير اجتماعي أو اقتصادي، بل إلى ثورة في الوعي، تبدأ بأن نعود لنعرف أنفسنا بعيدًا عن الصور، بعيدًا عن التوقعات المزيفة، بعيدًا عن كل ما يُشعرنا أننا أقل مما نحن عليه حقًا.



#إكرام_فكري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الهويتين
- خبر عاجل
- إعادة لحظة البداية
- المرأة بين الحرية و الاستغلال
- المرأة بين الاستغلال التسويقي وتفكك الأسرة: وهم التحرر أم فخ ...
- عندما تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- حين تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- الماضي الذي لا يتركني
- هواتفي
- الغرائز الطبيعية: ممارستها بانسانية
- الإرث الاستعماري: بين مظاهر التحضر والاستغلال الطبقي
- تحسين النسل بين الماضي والحاضر: من سياسات الاستعمار إلى التع ...
- عندما يصبح الاختيار رحلة لفهم الذات
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- القوة الموازية في الفرد و المجتمع
- المجهول : الرحلة بين الحياة و الموت
- المجهول: الرحلة ما بين الحياة و الموت
- العشرينات
- عالم التسليع


المزيد.....




- السعودية.. إعدام مهرب مخدرات في الرياض والداخلية تكشف تفاصيل ...
- مشهد من إعدام ميداني على أيدي مستوطنين بالضفة
- الأمم المتحدة: أعمال العنف في الساحل السوري استهدف المجتمعات ...
- مراسل رؤيا: اعتقال 8 فلسطينيات فجر الجمعة في محافظة قلقيلية ...
- رايتس ووتش: غارات إسرائيل على سجن إيفين الإيراني جريمة حرب
- رايتس ووتش: غارات إسرائيل على سجن إيفين الإيراني جريمة حرب
- الخارجية الفلسطينية تحمل حكومة الاحتلال المسؤولية عن حياة ال ...
- رئيس هيئة شؤون الأسرى قلق على حياة البرغوثي بعد اقتحام بن غف ...
- جرائم الساحل السوري.. انتهاكات ترقى لجرائم حرب!
- فتوح يحمل الاحتلال المسؤولية عن حياة البرغوثي وكافة الأسرى


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إكرام فكري - بين بريق الشاشة وواقع القاع: قصة جيل ضائع