ألين مايرز
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 10:13
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
قامت حكومة الولايات المتحدة، قبل ثمانين عامًا، بتفجير قنبلتين نوويتين فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، قنبلتين نوويتين لم تستُخدما قط في الحرب ضد سكان مدنيين. لم يسبق في تاريخ البشرية أن تسبب سلاح واحد في هكذا قدر من الموتى والدمار.
وقدّر تقرير صادر عن مهندسي وعلماء مشروع مانهاتن (المشروع الأمريكي الذي طور القنبلتين)، استنادًا إلى تحقيق أجري في عام 1946 في المدينتين، أن أكثر من ثلثي مباني هيروشيما، البالغ عددها 90 ألف مبنى، قد دمرت أو ألحقت بها أضرار بالغة، بما في ذلك كل شيء في نطاق ميل واحد (1.6 كم) من نقطة الانفجار، باستثناء عدد قليل من الهياكل المصنوعة من الخرسانة المسلحة. وفي ناغازاكي، انهارت مبانٍ ذات جدران خرسانية مسلحة بسمك 25 سم، على بعد أكثر من 600 متر من نقطة الانفجار.
وفي هيروشيما، دمرت القنبلة 26 محطة إطفاء من أصل 33، ما أسفر عن مقتل أو إصابة ثلاثة أرباع أفرادها بجروح بالغة. كما قتلت أو جرحت أكثر من 1800 من أصل 2400 ممرضة وممرض، ولم يتبق سوى 30 طبيبًا من أصل 298 طبيبًا مسجلًا قادرًا على معالجة الناجين. وقد لقي العديد ممن لم يموتوا فةرا حتفهم حرقًا في العاصفة النارية التي أعقبت الانفجار، أو غرقوا أثناء محاولتهم الهروب منها في الأنهار، أو ماتوا في غضون ساعات أو أيام ضحية عواقب الإشعاعات.
قدر تقرير مشروع مانهاتن أنه مات في هيروشيما 135 ألف ضحية – أكثر من نصف سكانها – و في ناغازاكي 64 ألفًا من أصل 195 ألف نسمة. وكان كلا الرقمين أقل من الواقع إذ لم يشملا أسرى الحرب والأجانب الآخرين، مثل آلاف العمال الكوريين القسريين الموجودين في المدينتين.
لم يكن الناجون من الآثار المباشرة للانفجارات في مأمن بالضرورة. بعد عامين من عمليات القصف، كانت ثمة زيادة ملحوظة في معدل الإصابة بسرطان الدم بين الناجين الأوائل، والتي ارتفعت بشكل حاد بعد أربع إلى ست سنوات. كان الأطفال هم أكبر عدد من الضحايا.
لكن برغم أن قوة القنابل كانت غير مسبوقة، لم تكن المذابح الكثيفة للمدنيين جديدة. فقد شنت جميع القوى الكبرى المشاركة في الحرب هجمات متعمدة على المدنيين أو ساعدت في ذلك: اغتصاب نانجينغ على يد اليابان في 1937-1938، الذي أودى بحياة ما يصل إلى 300 ألف مدني صيني وجندي أعزل؛ والغارة الجوية الألمانية على بريطانيا، التي أودت بحياة حوالي 43 ألف شخص؛ وقصف دريسدن بالقنابل الحارقة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، الذي دمر 90 في المائة من مركز المدينة وقتل ما لا يقل عن 25000 شخص، كثير منهم ماتوا اختناقاً بسبب استهلاك الحريق لكل الأكسجين المتوفر؛ وهناك أمثلة عديدة أخرى.
إذا كان لدى الطبقات الحاكمة في البلدان المتحاربة نفس الحس الأخلاقي (الاعتقاد بأن أي مذبحة ترتكبها مبررة)، فإن مسار الحرب والتفوق التكنولوجي أعطى الحكام الأمريكيين الفرصة والثقة بأنه يمكنهم الإفلات من العقاب على ارتكاب أكبر الفظائع. في العام الأخير من الحرب، دمرت الغارات الجوية الأمريكية طوكيو بشكل منهجي، مستغلة العدد الكبير من المنازل شديدة الاشتعال لإشعال حرائق هائلة. في وقت مبكر من يوم 10 مارس 1945، قصفت حوالي 279 طائرة قاذفة أمريكية معظم شرق طوكيو، مما أسفر عن مقتل 90000 إلى 100000 شخص وتشريد مليون شخص؛ وكان الدمار أكبر من الذي لحق بهيروشيما وناغازاكي.
كانت القنابل الذرية أكثر ”فعالية“ من الغارات الجوية السابقة: في غارة 10 مارس على طوكيو، جرى إسقاط 14 طائرة أمريكية. لكن القرارات الاستراتيجية الموجهة ضد الاتحاد السوفيتي كانت اعتبارًا أكثر أهمية. لخص ذلك نيلسون مانديلا، رئيس جنوب أفريقيا، في عام 2003:
“قبل 57 عامًا، عندما كانت اليابان تتراجع على جميع الجبهات، قررت [الولايات المتحدة] إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي. قتلت الكثير من الأبرياء، وما يزال من يعانون من آثار تلك القنابل. لم تكن تلك القنابل موجهة ضد اليابانيين. كانت موجهة ضد الاتحاد السوفيتي. لكي يقولوا لهم : انظروا، هذه هي القوة التي نمتلك. إذا تجرأتم على معارضة ما نفعله، فهذا ما سيحدث لكم”.
كان استباق الحرب التالية بين ”الحلفاء“ واضحًا أيضًا في مذكرة صدرت إلى الطيارين البريطانيين في ليلة الهجوم على دريسدن جاء فيها:
”الهدف من الهجوم أن نضرب العدو في أكثر نقطة حساسية، خلف جبهة باتت منهارة جزئيًا، لمنع استخدام المدينة لمواصلة التقدم، وأن نظهر للروس عند وصولهم ما بوسع سلاح القاذفات أن يفعل “.
عندما اختبر الاتحاد السوفيتي قنبلته الذرية الأولى في أغسطس 1949، في وقت أبكر بكثير مما توقعت الولايات المتحدة، أدركت هذه الأخيرة بسرعة الحاجة إلى ”التفوق“ على منافسيها، وبدأت خطوات جادة نحو تطوير قنبلة حرارية نووية (هيدروجينية). وخلصت دراسة حول مدى صواب وإمكانية صنع القنبلة الجديدة، برئاسة روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي الذي ترأس مختبر لوس ألاموس التابع لمشروع مانهاتن، إلى أن ”الخطر الشديد على البشرية الكامن في الاقتراح يفوق تمامًا أي ميزة عسكرية“.
كان الخطر الشديد على الجنس البشري أقل أهمية من الحاجات العسكرية للإمبريالية. وافق الرئيس الأمريكي هاري ترومان على تطوير القنبلة الهيدروجينية في يناير 1950. تم اختبار أول قنبلة حرارية نووية في 1 نوفمبر 1952. كانت قوتها أكثر من 450 ضعف قوة قنبلة ناغازاكي، بقوة تفجيرية بلغت 15 ميغاطن من مادة تي إن تي.
استمر احتكار الولايات المتحدة للقنبلة الحرارية النووية أقل من عام، حيث اختبر الاتحاد السوفيتي أول قنبلة هيدروجينية في أغسطس التالي. وعلى الرغم من أن 15 ميغاطن كانت قوة لا يمكن تصورها بالفعل، فقد اختبرت الحكومة السوفيتية في عام 1961 قنبلة بقوة 50 ميغاطن. داخل منطقة الاختبار، دمرت المباني المبنية من الآجر على بعد 55 كيلومترًا من نقطة الانفجار. كانت حرارة الانفجار قادرة على إحداث حروق من الدرجة الثالثة على بعد 100 كيلومتر.
كان هذا الاختبار، جزئياً، تجربة تروم اكتشاف ما إذا كان هناك حدود متأصلة في القوة التفجيرية المحتملة للقنبلة النووية. لم يكن هناك أي حدود؛ وخلص الفيزيائيان إنريكو فيرمي وإيزيدور إسحاق رابي، في تقرير للجنة الطاقة الذرية الأمريكية، إلى أن لدى القنابل الهيدروجينية”مقدرة تدميرية غير محدودة“.
آنذاك، كانت القنبلة الحرارية النووية التي تبلغ قوتها 50 ميغاطن ثقيلة للغاية بحيث لا يمكن حملها بواسطة أي صاروخ أو طائرة موجودة. لكن ”التقدم“ التكنولوجي أدى منذ ذلك الحين إلى صنع قنابل هيدروجينية خفيفة بما يكفي بحيث يمكن حمل عشرة منها أو أكثر بواسطة صاروخ واحد.
ومع ذلك، فإن جميع الدول التسع الحائزة للأسلحة النووية – الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية – تحاول اليوم ’تحديث‘ ترسانتها، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ”من خلال تحسين الأسلحة الموجودة وإضافة أخرى أحدث“.
يقدر معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام أن ترسانة الأسلحة النووية في العالم تبلغ 12241 رأساً حربياً. ”يُقدر أن 3912 من هذه الرؤوس الحربية تم نشرها مع صواريخ وطائرات… وحوالي 2100 من الرؤوس الحربية المنشورة تم الاحتفاظ بها في حالة تأهب قصوى على صواريخ باليستية. وتعود ملكية جميع هذه الرؤوس الحربية تقريباً إلى روسيا أو الولايات المتحدة، لكن الصين قد تحتفظ الآن ببعض الرؤوس الحربية على صواريخ في أوقات السلم“.
أبرمت الولايات المتحدة وروسيا معاهدة (New Start) للحد من مخزوناتهما النووية وعدد الرؤوس الحربية المزودة بصواريخ استراتيجية. لكن هذه المعاهدة تنتهي في فبراير المقبل، ولم يبد أي من الطرفين أي اهتمام حقيقي بتجديدها، لذا من المتوقع أن يزداد عدد الرؤوس الحربية الممكن إطلاقها في غضون دقائق إن لم يكن ثوانٍ.
برغم أن معظم الترسانات النووية توصف بأنها ”رادعة“ من قبل من يمتلكونها، لا توجد حكومة تحتفظ بقنابل نووية لأغراض سلمية؛ فهي مخصصة للاستخدام عندما تقتضي الظروف العسكرية والسياسية ذلك. في حين أن الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان أكبر مخزونات، هل يتصور أحد أن الاعتبارات الأخلاقية أو الإنسانية سيكون لها تأثير كابح على بنيامين نتنياهو أكثر من تأثيرها على دونالد ترامب أو فلاديمير بوتين؟ لقد دعا وزير واحد على الأقل في الحكومة الإسرائيلية علناً إلى استخدام قنبلة ذرية ضد غزة، التي ألحقت بها إسرائيل بالفعل دماراً يضاهي ما حدث في هيروشيما وناغازاكي.
باختصار، لم ينخفض خطر قيام الحكومات الرأسمالية بإطلاق العنان للأسلحة النووية بشكل كبير منذ عام 1945؛ بل إنه أكبر في كثير من النواحي.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟