أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عامر عياد - الإعلام التونسي بين سندان الانقلاب ومطرقة الترويض














المزيد.....

الإعلام التونسي بين سندان الانقلاب ومطرقة الترويض


عامر عياد

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 15:15
المحور: الصحافة والاعلام
    


منذ انقلاب 25 جويلية، يعيش الإعلام التونسي مرحلة خطيرة تتّسم بإعادة تشكيل العلاقة بين السلطة والإعلام على نحو يعيد إلى الأذهان ممارسات الأنظمة الشمولية. لقد مثّل الإعلام دائمًا مرآة لمدى احترام السلطة للحرية، لكنه بات اليوم أداة في يد سلطة تسعى إلى احتكار الكلمة، وتكميم الأصوات المستقلة، وضرب كل ما يمت بصلة إلى التعدد والرقابة.

البوادر الأولى لهذا المنحى القمعي ظهرت مباشرة صبيحة الانقلاب، حين داهمت قوات الأمن مكتب قناة الجزيرة وأغلقته دون أي سند قانوني، في رسالة واضحة بأن العهد الجديد لا يحتمل أي صوت مستقل. تكررت هذه الرسالة مع غلق قناة الزيتونة، وملاحقة الصحفيين العاملين بها، بمن فيهم مديرها، فضلًا عن ملاحقات طالت صحفيين آخرين من قنوات وصحف ومواقع لا تتماشى مع سردية السلطة. ليس الأمر مجرد تضييق عابر، بل هو سياسة ممنهجة هدفها تدجين الإعلام وخلق مشهد صوت واحد يعيد إنتاج سردية الحاكم دون تمحيص.

ولم تكن هذه الممارسات معزولة عن السياق العام الذي أُعيد فيه تشكيل السلطة على نحو فردي، حيث تُمركز كل السلطات في يد رئيس واحد لا يملك أي مشروع سياسي واضح سوى الوعد المتكرر بـ"التطهير" و"التحرير". في هذا المناخ، يتحول الإعلام من سلطة رقابية إلى بوق دعاية، ومن ناقل للوقائع إلى صانعٍ للغشاوة.

وقد أعادت هذه الانزلاقات إلى الأذهان نموذج الإعلام في الأنظمة الشمولية مثل مصر بعد انقلاب 2013، حيث أُعيد تشكيل المشهد الإعلامي بالكامل ليخدم النظام، وتم طرد الأصوات المعارضة ومحاصرتها، في الداخل والخارج. أما في تونس،فقد سبق لن خاضت بعض وسائل الإعلام المعارضة مثل جريدة الموقف ومواطنون والطريق الجديد خلال فترة الاستبداد التي سبقت الثورة، معارك شاقة ضد القمع والرقابة، وتمكنوا رغم محدودية الحريات من المحافظة على صوت نقدي مستقل ضمن هامش ضيق نسبياً من حرية التعبير. غير أن المشهد الإعلامي اختلف تماماً بعد انقلاب 25 يوليو، حيث وجد هذا الإعلام نفسه مكبلاً بأدوات قمع أكثر تطوراً وشمولاً، شملت إغلاق قنوات تلفزية مستقلة مثل قناة الجزيرة مباشر تونس والزيتونة، وحجب مواقع إلكترونية، وفرض مراقبة شديدة على المحتوى الإعلامي، وملاحقة الصحفيين والنشطاء بالاعتقالات والتضييق القضائي.
لقد انتقل القمع من رقابة تقليدية محدودة إلى منظومة متكاملة تستهدف إخماد أي صوت حر، ما يشير إلى عودة وسائل الإعلام إلى حالة استبدادية أشد قسوة من سابقاتها، بفعل تحول السلطة إلى حكم استثنائي يستخدم الإعلام كأداة رئيسية لتشويه المعارضة وتضليل الرأي العام.

والأخطر أن الإعلام الوظيفي عاد للتموقع في مركز المشهد. لم تعد المهنية هي معيار البروز، بل الولاء للسردية الرسمية، وهو ما جعل الإعلام التونسي يتخلف عن أدواره في مساءلة السلطة وكشف الحقائق، كما تفعل المؤسسات الإعلامية في تجارب ديمقراطية ناشئة أخرى، كالإعلام الكولومبي أو الجنوب إفريقي، اللذين واجها ضغوطًا مشابهة لكنهما صمدا بفضل دعم المجتمع المدني، واستقلالية القضاء، ونقابات حية.

ورغم تعاظم القبضة السلطوية، فإن المعركة لم تُحسم. لا يزال في تونس عدد من الأصوات الإعلامية الحرة والمواقع المقاومة، رغم هشاشتها. لكن هذا لا يكفي.

آفاق ومداخل للإنقاذ الإعلامي

استعادة الهياكل التعديلية المستقلة: لا يمكن ضمان حرية الإعلام دون هيئة تعديلية مستقلة فعلًا، مثل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا). يجب إعادة هيكلة هذه الهيئة وتحصينها من التوظيف السياسي.

دعم الصحفيين والمؤسسات المستقلة: من خلال سنّ تشريعات تحمي الصحفيين من الملاحقات الأمنية، وتمويل الصحافة المستقلة، ودعم المنصات الناشئة.

تحالف الإعلام والمجتمع المدني: لا يمكن للإعلام أن يصمد بمفرده. يجب بناء جبهة دعم عريضة تشمل النقابات، وجمعيات القضاة، ومكونات المجتمع المدني، من أجل الدفاع عن الكلمة الحرة.

التكوين المستمر ومقاومة الإعلام الوظيفي: يجب استثمار أكبر في تدريب الصحفيين على التحقيقات الاستقصائية، وحثّ المؤسسات التعليمية على تأهيل أجيال جديدة تؤمن بدور الإعلام كسلطة مضادة، لا كخادم للسلطة.

إطلاق مبادرات مقارنة وتجريبية: من المفيد النظر إلى تجارب إعلامية أخرى في مراحل انتقالية مشابهة، مثل صربيا بعد سقوط ميلوسيفيتش، أو تشيلي بعد بينوشيه، من أجل التعلّم من آليات التحصين، والتخطيط للخروج من الوضع الراهن.
في ظل هذه التحديات، يبرز دورُ المؤمنين بالثورة ودعمهم الإعلام المقاوم كعامل حاسم في استمرار مقاومة الانقلاب، لا سيما من خلال تمويل وسائل الإعلام المستقلة من رجال الأعمال الوطنيين الذين يحملون هم الوطن ويؤمنون بالقضية. كما أصبح من الضروري التفكير بجدية في تطوير ودعم وسائل الإعلام البديل كالبودكاست ومنصات التواصل الاجتماعي الحديثة (تيك توك، إنستغرام، وغيرها)، التي توفّر مساحة أوسع للتعبير الحر وتجاوز القيود المفروضة على الإعلام التقليدي، ما يمكن أن يعيد الحيوية إلى المشهد الإعلامي ويخلق جبهات مقاومة جديدة في مواجهة القمع الإعلامي.
ختامًا، لا ديمقراطية بلا إعلام حر، ولا إعلام حر في ظلّ سلطة تكره النقد وتخشى التعدد. إنّ مقاومة ترويض الإعلام ليست معركة الصحفيين وحدهم، بل هي معركة كل مواطن يريد استعادة صوته، وكل فاعل يسعى إلى إعادة العقل لمكانته الطبيعية في المجال العام.



#عامر_عياد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية في دراسة الدكتور محمد التومي موقف الطرق الصوفية ...
- تونس/مشروع مجلة التعمير بين الرغبة في التثوير وواقع بيروقراط ...


المزيد.....




- أرسلوا له دراجة بطائرة مسيرة.. ابتكار جنوني ينقذ جنديًا أوكر ...
- بين القصف والاحتجاج: الانقسام يتعمّق في إسرائيل حول حرب غزة ...
- البرتغال تستنفر آلاف رجال الإطفاء لمواجهة حرائق الغابات
- بنين تحتفي بمهرجان الأقنعة السنوي تخليدًا لذكرى الأجداد
- -بدي شي من ريحته-.. طفل غزاوي يبكي أبًا قُتل قرب موقع توزيع ...
- الجوع يجبر السودانيين في مدينة الفاشر على أكل علف الحيوانات ...
- أوكرانيا تعول على المسيرات الاعتراضية كدرع جوي.. ما ميزاتها؟ ...
- نتانياهو سيجتمع بمجلس الوزراء الأمني لتحديد الأهداف التالية ...
- سلاح حزب الله على طاولة الحكومة اللبنانية.. سيناريوهات الجلس ...
- من الاستعمار والصراعات القبلية إلى غزّة.. تاريخ التجويع كسلا ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عامر عياد - الإعلام التونسي بين سندان الانقلاب ومطرقة الترويض