أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر حادي عبدالله - الدولة العميقة














المزيد.....

الدولة العميقة


عامر حادي عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 15:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدولة العميقة: قلب النظام الذي لا يتغير… والسلطة التي لا تُرى
بقلم الدكتور عامر حادي عبد الله
مستشار قانوني ومدرب معتمد في مجال انفاذ القانون.
تُعد الدولة العميقة من أكثر المفاهيم السياسية إثارة للجدل في العصر الحديث، إذ تشير إلى قوى خفية تمارس الحكم من وراء الستار، دون أن تكون خاضعة للشرعية الدستورية أو المساءلة القانونية، إنها الوجه غير المُعلن للدولة، والسلطة غير المرئية التي لا تغيّرها صناديق الاقتراع، ولا تطالها يد القانون، والتي تنجح دومًا في إعادة إنتاج ذاتها حتى في أكثر لحظات الاضطراب والانهيار في تاريخ الأمم.
انبثق هذا المفهوم في سياق سياسي مضطرب، وتحديدًا في تركيا حيث ساد الاعتقاد أن المؤسسة العسكرية والأمنية تسيّر البلاد فعليًا، بغضّ النظر عن نتائج الانتخابات أو التوجهات المدني، وقد وُصف هذا الكيان بأنه يملك مفاتيح الدولة الحقيقية، بينما تظل مؤسسات الحكم مجرّد واجهة شكلية لكن هذا النموذج ليس حكرًا على تركيا، فالدولة العميقة ظاهرة تتجلى في أماكن تغيب فيها الشفافية، وتضعف فيها مؤسسات الرقابة، وتُختطف فيها الدولة لصالح نخبة تملك أدوات النفوذ، وغالبًا ما تتكوّن من أجهزة أمنية واستخباراتية، وقوى اقتصادية متنفذة.
ان ما يميز الدولة العميقة عن النظم الشمولية التقليدية أنها لا تظهر على السطح، ولا تطرح نفسها كبديل صريح للحكومة، بل تتغلغل في مفاصل الدولة من الداخل، وتُمسك بالخيوط من خلف الكواليس، وتعمل عبر مؤسسات أمنية، وشبكات اقتصادية، وأذرع إعلامية، وتحالفات قضائية، وتستطيع توجيه السياسات، بل وحسم مصائر القادة، وربما التخطيط لإسقاط حكومات، أو إشعال أزمات أو اغتيال شخصيات إذا لزم الأمر.
فالدولة العميقة لا تسعى إلى استقرار الدولة بقدر ما تسعى إلى استقرار سلطتها الذاتية، لذا فهي تحتفظ بميزان القوى داخل أجهزتها، وتُفجّر الأزمات حين تتهدد مصالحها، وفي السياق العربي، تظهر هذه الملامح بوضوح، ففي مصر مثلًا، كثير من المراقبين يرون أن المؤسسة العسكرية ظلت لسنوات تمثّل الدولة العميقة، ومستمرة في الهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي حتى بعد ثورة يناير 2011، حيث عادت بوجه أقوى بعد أن أجهضت تجربة مدنية انتخابية قصيرة.
بينما في سوريا، تتجسد الدولة العميقة في تحالف الأجهزة الأمنية والقيادة العسكرية والعائلية الحاكمة، إذ استمرت في التحكم بالدولة رغم الثورة والحرب، ونجحت في الحفاظ على بنيتها بفضل دعم خارجي وتماسك داخلي أمني صارم. أما في العراق، فقد تشكلت الدولة العميقة بعد 2003 عبر شبكات متداخلة من المليشيات، والأحزاب المسلحة، ومراكز النفوذ الديني والسياسي، التي تحكم فعليًا بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، وتملك أدوات تعطيل أي مسار إصلاحي أو تقني لا يخدم مصالحها.
وبذلك فإنه في مثل هذه الحالات، تصبح الدولة الرسمية أقل تنظيمًا وفاعلية من الدولة العميقة، لأن الأخيرة لا تتأثر بتغيّر الوزراء أو تبدّل الحكومات، وتبني نفوذها عبر شبكات الولاء، وتحفظ استمراريتها من خلال التغلغل في مفاصل القضاء، والإعلام، والمال، والبيروقراطية، وتصبح مؤسسات مثل البرلمان أو الأحزاب مجرد واجهات لتجميل المشهد دون أن تملك القدرة الفعلية على التغيير.
ان أخطر ما في الدولة العميقة أنها تفرغ السياسة من مضمونها الأخلاقي، فهي لا تؤمن بالصراع السياسي كأداة للتوازن والمساءلة، بل تعتبره تهديدًا للنظام، لذا فإنها تروّج خطابًا يخوّف الناس من الفوضى، ويُقدّس الاستقرار، ويُبرّر القمع، حتى يتحوّل المواطن نفسه إلى مدافع شرس عن بنية قمعية لا يدرك أنه أحد ضحاياها.
ورغم قوتها الظاهرة، تبقى الدولة العميقة كيانًا هشًا بطبيعته، لأنها قائمة على التناقضات، ومبنية على تحالفات مصلحية لا على مبادئ دستورية، إنها تتقن إدارة الأزمات لكنها تعجز عن بناء مستقبل، وتُبدع في الصراع لكنها تفتقر إلى رؤية وطنية موحدة، لذا فإن لحظة سقوطها تكون عنيفة، ولأن المؤسسات التي تسيطر عليها لم تُبنَ على الاستقلال والكفاءة، بل على الولاء والتبعية.
فمواجهة الدولة العميقة لا تتم بالشعارات، بل ببناء دولة حقيقية تقوم على الشفافية، واستقلال القضاء، وفصل السلطات، ومجتمع مدني فعّال، وإعلام حر، ومساءلة حقيقية لا تعرف الخطوط الحمراء. ولان المعركة في جوهرها ليست بين الدولة العميقة والدولة السطحية، بل بين دولة مغتصبة تدار في الظل، ودولة ممكنة تُبنى في النور.
ختامًا، فإن الدولة العميقة، مهما بلغت من نفوذ أو منعة، تبقى ككل سلطة جائرة، مرشحة للانهيار مع صحوة الناس واستعادة وعيهم، فكما أن الاستبداد لا يدوم، فإن الحكم من الظلال، مهما طال، لا يستطيع أن يحجب النور عن الأفق إلى الأبد.



#عامر_حادي_عبدالله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجال الدين في الكنائس والاعتداءات الجنسية على الأطفال
- عقوبة الاعدام بين الرفض والقبول


المزيد.....




- تقرير: الاحتلال يعتقل 18 ألف فلسطيني بالضفة منذ طوفان الأقصى ...
- استمرار فعاليات التضامن مع غزة في ألمانيا
- جامعة بجنوب أفريقيا تطلق مشروعا لحماية وحيد القرن من الصيد ا ...
- توترات بين الأطراف المسلّحة بإقليم تيغراي الإثيوبي
- ما دلالات تصاعد الأحداث المتزامن في السويداء والشمال السوري؟ ...
- نقاط انتظار المساعدات.. كمائن قتل للمجوعين في غزة
- قادة أجهزة أمنيون سابقون بإسرائيل: إنجازاتنا محدودة وحرب غزة ...
- يوميات اللبنانيين مع المسيّرات الإسرائيلية بين التعود والإنك ...
- هل بدأت إسرائيل علنا تقسيم -الأقصى- مكانيا؟ وكيف يمكن ردعها؟ ...
- إدارة ترامب توقف خطط تطوير مشاريع طاقة الرياح البحرية


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عامر حادي عبدالله - الدولة العميقة