قراءة في ألبوم ”حالة طوارئ“ نجوى كرم

فارس خاشو

الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 08:46
المحور: الادب والفن
    

في كلّ مرّة تُصدر نجوى كرم ألبومًا جديدًا، تُثار أسئلة عن الإضافة الّذي سيحمله للمكتبة الموسيقيّة اللّبنانيَّة، لمسيرة نجوى كصوت وخطها الأدائي، أيضًا نسمع آذان تُسَن لتتابع صوت له أكثر بكثير مِمَّا عليه ومرَّ عليه الكثير. إذا ما استثنينا ”أيَّا أنا بدّك“ و”يلعن البعد،“ ألبوم ”حالة طوارئ،“ آخِر ألبومات الفنّانة اللّبنانية من إنتاج شركة روتانا، جيد لكنه أقل مِمَّا يُنشد مِن صاحبة ”وكبرنا“ ”أوعى تكون زعلت“ ”العمر مشوار“ ”عاشقة“ ”مجبورة“ ”خِلص السّهر“ ”مغرومة“ ”شو هالحلا“ ”كمّل على روحي“ وقائمة طويلة من الأعمال الّتي تُصعِّب على نجوى مهمّة بزّها. لكن في الألبوم تقدّم كبير على صعيد التّوزيع الموسيقي مع هادي شرارة تحديدًا.

لو سألوا حبيبي
كلمات: بدر بن عبد المحسن | ألحان: طلال | توزيع: فادي جيجي
في ”لو سألوا حبيبي،“ تدخل نجوى كرم أرضًا موسيقيّة لا نسمعها بها كثيرًا: اللّحن من مقام العجم مع تعريجات نهاوندية، تركيبة وسير مألوف من د. طلال—سكبة تستحضر ألحان ملحم بركات الّذي حاول أن يأخذ كرم إلى هذه المنطقة بأعمال أجود وذات حمولة إبداعيّة أهم.
في هذه الأغنية، تلمع المنطقة الوسطى من صوت نجوى—عند F4 تحديدًا—بطيف رنيني ثري يقارب ثراء رنين نجوى في اللّا الرّابعة (A4)، مع فيبراتو أوبرالي النكهة في المدود.1 الاستفادة من تقنيات الغناء الكلاسيكي واضحة، لا سيّما في المدود المفتوحة، لكن ثَمَّ خزّة مرافقة للصوت، هواء ينسرب جرَّاء عدم التحام وتري الصّوت فيخلق تنافرًا في الطيف الرّنيني، أثرٌ من آثار عقدٍ من الإنهاك والألم الشّخصي الّذي رافق نجوى بين 2011 و2021. لذا أرجّح أنّ الأغنية سُجِّلت في فترة سابقة.
تعذّر انغلاق الوترين انغلاقًا تامًّا يُحدث خلخلة طيفيّة نسمعها على شكل خزّة ترافق الصوت. هنا، تُغنّي نجوى من صندوق مصوِّت لم يستعد عافيته تمامًا، لكن عضلتيه تملكان من الذّاكرة اللّحنيَّة ما يجعلها قادرة على تطويع الصوت في حنيات ما تختاره من ألحان.
الأداء به جُملة من الحليات الجميلة: ستكّاتو (staccato)1 ترعيداتت (trills). في ”عن اسمي حبيبي“ نسمع كيف يسبق النفس العين، فيعمّق الحمولة الشعوريَّة للأداء.
لكن، للأسف، تسجيل الصوت ضعيف، والمكسجة والمسترة كاتمة ودون الجودة المأمولة. تفقد الأغنية من قيمتها جرّاء عدم أخذها حقّها بالتنفيذ المُتقن. والنتيجة: لحن جميل وصوت جميل في علبة كاتمة، لا بدّ لنجوى المُدركة تمامًا للطبيعة الخام لصوتها وما يحتاجه لحرفيّة عالية في التقاط مكامن جماله بالتسجيل، لِمَ لا تُسجله في استديوهات أمستردام المشهود لها على هذا الصّعيد، أو أن تستثمر بطاقات لبنانيَّة شابّة تتخصّص في هذا الجانب وتؤمّن لها التّقانة اللّازمة؛ فتُسهم بتوطين جزء مهم من صناعة الموسيقى المغنّاة في لبنان.
على مستوى النص، فبدر بن عبد المحسن كتب فكرة الفناء/الوجود في الحبيب بطريقة تقترب من الذوبان الصوفي: ”أنا إنت، يا إنت أنا،“ ”اسمي ومين أنا،“ ”انسى من أنا.“ التكرار هنا ليس تكرارًا بسيطًا، بل تدوير طقسي للمعنى.
لكن أين التعبير الصوتي الذي يوازي هذا الذوبان؟ نجوى لا تُرقّق، لا تُبدّل في الرنين، لا تُعرّي مفردات مثل ”حبيبي“ و”انت أنا“ كما تستحق. الأداء يعتمد على القوة المباشرة بدل الانسراب إلى القلب. يا حبّذا لو استخدمت التّنوّع الأدائي الّذي لمسناه في ”كمِّل على روحي“ في تنويع استخدام الصّوت ما بين طرحه وترقيقه والتّنقّل ما بين الصريح، الكامل، الهامس، ورنين الرأس. .
التوزيع لم ينقذ الأغنية. لا بناء فعليّ يأخذ اللحن إلى مكان أوسع. وكأن الأغنية، رغم مقاماتها ونصّها، لا تزال عالقة في مصعد موسيقي لم يُضغط على أي زرّ.

تعا نقعد سوا
كلمات وألحان: عماد شمس الدّين | توزيع: هادي شرارة
هذه الأغنية ليست درسًا في الغناء. خفيفة الظل، مُبهجة، بها مزيج توزيعي تسمع في أطيافه سنث-بوب، فانك، هيب هوب. هادي شرارة، في هذا العمل، هو البطل الحقيقي. التوزيع هنا ليس خلفية بل بطل العمل. ”إذا حاسس بشي، إذا قلبك بو شي، أنا عندي الدوا.“ جملة واحدة تكفي لنعرف أن هذه أنثى تمسك بزمام الأمور، تُشخّص وتصف، لكن من دون أن تُصاب بالعدوى. لا رومانسية زائدة، لا استجداء. لكن، ولنقلها بلا مجاملة، الأغنية تظلّ أقل مما يمكن لكرم تقديمه في مثل هذا النوع، لنأخذ مثلًا أداءها في ”أوعى تكون الزعلت“ وهي أغنية قلّما نسمع كرم تؤديها على المسرح لصعوبتها على صعيد المساحة والإيقاع والتّنويع التقني في الصوت.

يلعن البُعد
كلمات وألحان: إيفان نصوح | توزيع: هادي شرارة
”يلعن البُعد“ ليس مرثيَّة، بل احتجاجًا وفجورًا حنجريًّا بديعًا للثورة على البُعد والجفاء، تأخذ الغياب من رقبته وتصفعه على المقام.
نجوى كرم لا تتذمّر هنا، بل تلعن. والصوت لا يتدلّى في المظلومية، بل تُطلق صوتها حتّى نبرة الهادئة تبطّنها نبرة الرّاسية. ”مِتْوَعِّد ضِمَّك ضَمِّي كَسِّر فيها ضلوعك“4 عبارة صادمة لكيان يرفض أن يكون حطام لأفاعيل البُعد والشوق، فصارت شوقًا يُحطّم.
تبدأ كرم الغناء من أواسط قرارها راسية، ثم تمضي بزخارف ممدودة مرشوشة بترعيدات حرَّاقة5 وصولًا إلى السنيو ”يلعن البُعد“ تؤدِّيه بنبرة غاضبة دون أن تفقد الشّجن. القفزة إلى جواب دو#5 هي لحظة جريئة، تقسم المستمعين: بين من يراها قفزة تعبيرية شجاعة، ومن لا يرى فيها سوى أمارات العمر في صوت يقرع أربعين عامًا من الغناء المُتطلِّب، خاصة أنّه صوت امرأة. وفي كلتا الحالتين، لا يمكن تجاهل ما في الأداء من صدق، فنجوى معروفة بمواقفها المناهضة للغربة ودعوات صوتها الكثيرة لعودة المغتربين.
يتوهج أداء نجوى في ”ببقى مِش أنا.“ نسمع عُرب دمجية كجرحات تتسلّل كتنهيدة غاضبة تواري شجنًا، الأهم أنّ الحليات والتّصاعد في الأداء يخدم المعنى.
أما التوزيع، فحكاية أخرى. خط الوتريات غني. وإن من مأخذ، فليت نجوى تقلل من النصوص الّتي تحمل أصوات حلقية بهذا الكم كونها تُرجع الصوت للخلف وترهقه في الجوابات. ولولا تمرّس نجوى، لخرجت الكلمات مشروخة. في آخِر شدو لمفردة الـ ”الحيل،“ تُلفظ الحاء بين الحاء والعين، كأن الصوت يقولها وهو يختنق.
”يلعن البُعد“ قطعة تُذكِّرنا بمقدرة صوت نجوى، فيها اعتراف بديع بالزمن، وتمرد عليه.

عتوقيت قلبي
كلمات: مازن ضاهر | ألحان: عماد شمس الدين | توزيع: هادي شرارة
يحاكي نصّ ”عتوقيت قلبي“ نَفَس الأغاني العاطفية التي يتقدّم فيها الحب على حساب الهوية، والتي لا تميّز فيها المرأة بين نبض قلبها ونبض الآخر.
مازن ضاهر يكتب بلغة بسيطة تعلب على تعابير من العاميَّة. غير أن الحنين الزائد أوقع النص في فخ: صورة المرأة المُستسلمة، المتعلّقة، فاقدة لذاتها بغياب الرجل.
على مستوى الأداء، لا جديد. لا مغامرة، ولا جرأة في إعادة تشكيل الجملة الموسيقية. ربما البطانة الصوتية تُخفي قرارًا عميقًا، لكنه يُترك هناك، في العمق، فلا يخرج للضوء ولا يصير له أثر فعلي في البناء العام.
من يُمسك بمقود الأغنية هو هادي شرارة. التوزيع متين، مشغول بنظافة. التآلفات، المؤثرات، التنسيقات، جميعها تعمل بتناغم بديع، لكنّها تفتقر للحن يجاريها.

زين الزين
كلمات محمّد درويش ألحان أحمد بركات توزيع سليمان دميان
“زين الزين” مبنيّة على مقام نهاوند مع مسحة حجازية عابرة، مساحة اللحن ضيقة تقل عن ديوان، لكنها تمتد إلى قرابة أوكتافين إذا ما احتُسبت الأراضي المخفية في الكورس الّذي تؤدّيه نجوى الّذي تدنو فيه إلى الري ما دون الوسطى (D3) .
السينيو أقرب إلى شعار مظاهرة: ”زين الزين، زين الزين، مثلك انت ما في اتنين،“ جُمل مباشرة، إيقاعية، لكنها قشرية، لا تُشبه البنت البدويَّة الّتي غنّتها في ”خيروني، حبيب الزين“ مثلًا. بعض الأشطر، نحو ”وكِل مَا حدّ يسأل عن الشبّ المهيوب،“ متعثّرة بازدحامها فنشعر أنّ اللحن يعالجها تصريفًا.
التوزيع جيّد، نظيف لكن ديمان قادر على عمل الأفضل، خاصّة أنَّ الأغنية خالية من التسييك، كان يمكن أن تُثرى بتآلفات أكثر تجريبية. ربما البيات، لا النهاوند، كان سيكون أنسب لهذا المزاج. وربما، الأهم من المقام، أن المضمون نفسه كان يحتاج إعادة نظر. فالأغنية، بكل بساطة، لا تقول شيئًا جديدًا وإن قالته بحماسة كبيرة!

حالة طوارئ
كلمات وألحان: عماد شمس الدين | توزيع: هادي شرارة
هي أغنية العنوان، لحن راقص، لكنه ليس عابرًا؛ نصّ خفيف، وشكل موسيقي لا تخوضه نجوى كثيرًا.
عماد شمس الدين كتب ولحّن حكاية امرأة خسرَت توازنها بسبب الحب. المفارقة أن هذا الاضطراب مُغنّى برأس مرفوع، لا بانكسار: ”بركان عم يغلي غلي؟“
من نقاط توهّج الأداء مقطع ”قلبي أنا بغرامك مبتلي“ تصل فيها لجواب الدو، حيث تعطينا نجوى نبرة منزوعة الدبلوماسية، رنّانة، تُنقّزنا.
الحليات في الأداء بديعة. ترعيدات معلّقة، غروبتّو متعرّج، وعقد خماسي على ”ياي“ يُقطع عمدًا في منتصف الطريق، كل ذلك لتجسيد عدم الاستقرار. هنا، الغناء لا يُسلّي، بل يُحاكي ارتجاف النبض.
لا تكف نجوى عن الغرف من هامش مفردات العامية الشامية/اللّبنانية مثل ”سقيل“ وذلك يُحسب لها.
لكن نجمة العمل مجدّدًا هو توزيع هادي شرارة. توزيعه ليس استعراضًا تقنيًا، بل مشهديّة صوتيَّة مُحاكة بذكاء: إن فرفطت الخطوط واحدًا واحدًا فلن تذهلك، لكنّها حين تجتمع تُنجب تآلفات غنيّة متينة ترفد اللحن لا يطغى عليه.
وفي لحظة طريفة/عبقرية، يدخل شرارة صوت زمّور إسعاف في الدقيقة 0:45 من نسخة الفيديو، وكأنّه يُذكّرنا. حتى الكورال، وإن استُخدم باقتصاد، استُثمر بجمال: تراكب صوت نجوى مع ذاتها يعطي تأثيرًا خاصًّا كان يمكن توسيعه أكثر.

شريك قلبي
كلمات وألحان: إيفان نصوح | توزيع: هادي شرارة
في ”شريك قلبي،“ تسمعنا كرم على مقام الكرد. البداية راسخة، هادئة في نعومتها، خالية من الافتعال. تطلّ علينا نجوى بهدوء، في إحدى أنقى حالاتها الصوتية في الألبوم، حيث الرنين الصافي تقريبًا لا تزاحمه خزّة.
بعد المطلع الواعد يدخل السينيو بتصاعد وهبوط دون مبرّر نصّي، رغم جمال الجملة اللّحنيَّة. الزّحلة في جملة “وإنت الحب الأبدي.. لحالك” رصين وبديع.
الأداء، رغم نضارته، يُثير تساؤلًا: لماذا هذا الزخم الصوتي في قولٍ كـ”إنت شريك قلبي“؟ ما الحاجة إلى كل هذا الدفع النغمي لاعتراف حميمي؟ ثمة تناقض بين نبرة تُريد أن تكون همسًا، وأداء يصرّ أن يُدوّي.
أمَّا النَّص، فيقف على الحد الفاصل بين شاعرية المراهقين وتعابير من معجم طبي! جُمَل مثل ”جسّ النبض، فحصلي دمّاتي“ تبدو كأنها تسلّلت من عيادة إلى نصّ عاطفي. قد تكون مرحة، لاذعة، جذّابة لبعض اليافعين واليافعات، لكنها تفقد حرارة الشعر الذي يُفترض أن يرافق هذا اللحن.
مع ذلك، لا يمكن إنكار أنّ التنفيذ محبوك. صوت نجوى حاضر ولامع. توزيع هادي شرارة هو أجمل ما في القطعة: يجمع عدَّة أنماط، منها الإلكترونيك، والبوب، واللاتيني، فيخلق مشهدًا صوتيًّا تجريديًّا.

أيّا أنا بدّك
كلمات: نزار فرنسيس | ألحان: عماد شمس الدين | توزيع: هادي شرارة
هي درّة ألبوم حالة طوارئ. نصّ يتّسع يُقدّم تحديًّا مختلفًا، لحن يفسح المجال لاعترافات مكتومة، وتوزيع به شطحات تجريبيَّة بديعة. ”أيّا أنا بدّك“ ليست سؤالًا، بل امتحان صغير للآخر، ضمن علاقة فيها المرأة قادرة أن تكون الحضور والغياب. ”بين الأنا وبين الأنا“ تُكرّرها نجوى لا لتحار، بل لتُعلن: أنا لا أُختزل، حتى حين أحب.
اللحن مبنيّ على مقام الكرد في حدود ديوان، تزيده وساعة في العُرب. صوتها يتضوّع جمالًا في جملة ”أكتر حدا بيترك أنا وأكتر حدا بيبقى أنا آه.“7 شجن رصين وناضج. الدخول في الأغنية كان يمكن أن يكون أخفض درجة، أو أن يُؤدّى مرّة من علو وأخرى من القرار أو من درجة تآلفية أخرى. في أول الأغنية، بعد "قلت اللي عندي"، تختبئ "آه" ملفوفة بحرفنة تُراعي ضخامة صوت نجوى. واحدة من أجمل اللحظات اللحنيّة في الألبوم تأتي حين تقفز نجوى من قرار اللا إلى جوابها في "أيّا أنا بدّك" وثبة ليست فقط تقنية، بل نفسية؛ الصوت هنا لا يصعد لأنه يستطيع، بل لأنه يجب أن يفعل.
توزيع هادي شرارة يزيد العمل حُسنًا. تُفتتح الأغنية بنبضات قلب—تداول مُحبّي الفنّانة إنّها مسجّلة فعلًا من نبض نجوى—8ثم تُطرّز بأصوات من الطبيعة تُذكّرنا بألبومات الأيسلندية بيورك، حين يتحوّل الغلاف الصوتي إلى بيئة لا خلفية.
”أيّا أنا بدّك“ عمل يُضيف لمسيرة نجوى كرم: ناضج؛ متحدٍ، شَجِن، بلا خنوع؛ واثق، بلا صراخ.

وينك حبيبي
كلمات: طلال حيدر | ألحان: د. طلال | توزيع: فادي جيجي
يُفتتح النص بجملة بديعة: ”نطرتك والدني ليل... لحالي وغريبة.“ في تلك العبارة وحدها كل ما يبرّر وجود الأغنية: عتمةٌ مشغولة بالعزلة، وزنٌ متماسك، وجرسٌ شعري يُذكّرنا بطلال حيدر الذي نعرفه. لكن للأسف، بعد هذا السطر، نفقد أثر طلال حيدر.
ما تبقّى من الأغنية يقع في تركيبات مكرورة، قشرية، لا تتطوّر دراميًا ولا تتوسّع دلاليًا. تُكرّر نجوى جملة ”وينك حبيبي؟“ نحو سبع مرّات، دون أن يرتفع معها السؤال ولا يتهدّل. المُنتَظَر يظل مجهولًا، غائبًا بلا ملامح، وكأنّ الأغنية تعيد طقوس النداء دون استحضار الكائن المنادى عليه. ما الذي يُميّز هذا الغائب؟ لا نعرف. وباتساع هذا التعميم، تتحوّل الأغنية إلى خطاب يمكن أن يُوجَّه لأب، أو حبيب، أو ابن. .
اللّحن على مقام البيات، وتبدأ به نجوى كمن يخطو على أرض تعرفها. أبعاد المقام تُعفَق بتقاليد لبنانية/شامية، والعُرب9 في ”لحالي“ و”الليل“ تبرق كتمويجات حنين لا تزال تعرف كيف تُدهش. ثم تأتي النقلة المقاميَّة الأولى: انتقال أنيق من البيات إلى الحجاز، تنفّذه نجوى باتزان، قبل أن تمضي إلى الجواب من الكرد، ثم إلى الراست. البناء به صنعة جيدة جدًا وممتعة في حد ذاتها، لكن لا تشعر أنّها على تماس مع النص. من الجماليّات أيضًا أن المسار اللحني يُعاكس العادة: إذ ننتقل من الراست إلى الكرد، لا العكس كما ألفنا في الغناء المشرقي. نجوى، بانسيابية المتمرّسة، تعبر بنا هذا الخط اللحني وكأنها تعبر شارع الحمرا صبيحة أحد. ورغم هذه الصنعة الجميلة، يبقى الانفصال بين النص واللحن صارخًا: الأغنية تشبه مطرّزة متقنة من بعيد، لكن ما أن تقترب حتى تدرك أن موتيفاتها، وإن كانت بديعة، فإنها لا تُكمل بعضها البعض.10

”حالة طوارئ،“ في مجمله، ألبوم يحاول محاكاة المشهد الموسيقي الرّائج بما يُرضي الذّائقة الشعبيّة السّائدة، لكن السؤال هل الرّائج هو ما ينتظره مُحبّو هذا الصّوت منه. كاسمه يشعر المُستمع أنّ الألبوم حالة طوارئ إلى أن يتم التّحوّل في المرحلة المقبلة بعيدًا عن الاحتكارات وتوجّهات شركة مالت دفّتها إلى الإنتاجات الموسيقيّة المغنّاة في الخليج ومِصر.

1 أغنية ”لو سألوا حبيبي“ (كلمات: بدر بن عبد المحسن، ألحان: طلال، توزيع: فادي جيجي)، النسخة الرسمية من قناة نجوى كرم على يوتيوب: https://youtu.be/Xd2AWe-v7tg?list=RDXd2AWe-v7tg&t=26.
2 حلية ستكّاتو في أغنية ”لو سألوا حبيبي“ (كلمات: بدر بن عبد المحسن، ألحان: طلال، توزيع: فادي جيجي)، النسخة الرسمية من قناة نجوى كرم على يوتيوب: https://youtu.be/Xd2AWe-v7tg?list=RDXd2AWe-v7tg&t=187
3 حلية ترعيد في أغنية ”لو سألوا حبيبي“ (كلمات: بدر بن عبد المحسن، ألحان: طلال، توزيع: فادي جيجي)، النسخة الرسمية من قناة نجوى كرم على يوتيوب: https://youtu.be/Xd2AWe-v7tg?list=RDXd2AWe-v7tg&t=223
4 أغنية ”يلعن البُعد“ (كلمات وألحان: إيفان نصّوح، توزيع: فادي شرارة) — النسخة الرسمية من قناة نجوى كرم على يوتيوب: https://youtu.be/5FSEO7ejLjo?list=RD5FSEO7ejLjo&t=23
5 ترعيدات في أغنية ”يلعن البُعد“ (كلمات وألحان: إيفان نصّوح، توزيع: فادي شرارة) — النسخة الرسمية من قناة نجوى كرم على يوتيوب: https://youtu.be/5FSEO7ejLjo?list=RD5FSEO7ejLjo&t=41
6 حليات دمجيَّة في أغنية ”يلعن البُعد“ (كلمات وألحان: إيفان نصّوح، توزيع: فادي شرارة) — النسخة الرسمية من قناة نجوى كرم على يوتيوب: https://youtu.be/5FSEO7ejLjo?list=RD5FSEO7ejLjo&t=151
7 مقطع "أكتر حدا بيترك أنا. ." ”أيّا أنا بدّك“ (Official Visualizer) | كلمات: نزار فرنسيس، ألحان: عماد شمس الدين، توزيع: هادي شرارة: https://youtu.be/iALR2TN76PQ?list=RDiALR2TN76PQ&t=110؛ https://youtu.be/iALR2TN76PQ?list=RDiALR2TN76PQ&t=22
8 وفق ما أشار ن kallexx على X (سابقًا Twitter)، تم تسجيل دقات قلب نجوى كرم باستخدام تقنية Heart Sound Mapping لتُستخدم في توزيع الأغنية: https://x.com/nkallexx/status/1934765074943455258
9 حليات في أغنية ”وينك حبيبي” (كلمات: طلال حيدر، ألحان: د. طلال، توزيع: فادي جيجي) — النسخة الرسمية من قناة Rotana على يوتيوب: https://youtu.be/Z62qZrMBu9E?list=RDZ62qZrMBu9E&t=39؛ https://youtu.be/Z62qZrMBu9E?list=RDZ62qZrMBu9E&t=44؛
10 النقلات المقاميَّة في ”وينك حبيبي” (كلمات: طلال حيدر، ألحان: د. طلال، توزيع: فادي جيجي) — النسخة الرسمية من قناة Rotana على يوتيوب: المطلع على البيات. ثم نقلة إلى الحجاز: https://www.youtube.com/watch?v=Z62qZrMBu9E&list=RDZ62qZrMBu9E&start_radio=1. ثُمَّ إلى الكرد: https://youtu.be/Z62qZrMBu9E?list=RDZ62qZrMBu9E&t=98. ثُمَّ إلى الراست: https://youtu.be/Z62qZrMBu9E?list=RDZ62qZrMBu9E&t=117.

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل