ناهد علي
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 15:16
المحور:
الادب والفن
صاحب مكتبة «جدل»: المكتبة كلّفتني الملايين وأوصيت بتحويلها إلى وقف ثقافي وطني مفتوح للباحثين والطلبة
الجمعة 1 أغسطس 2025
الحرز: أحتفظ بإصدارات قديمة لـ«الأيام».. وهي صحيفة متميزة على مستوى الوطن العربي
أرشيف المكتبة يضم أكثر من 40 ألف كتاب ومتحف تراثي يضم أكثر من 3 آلاف قطعة نادرة
أصرف ثلث راتبي على الكتب ورفضت عروض بيع المقتنيات التي جُمعت من جميع القارات
أكد المثقف السعودي علي الحرز، صاحب «مكتبة جدل» والمتحف المرافق لها، وهي أكبر مكتبة منزلية بالشرق الأوسط، أن شغفه بجمع الكتب والمقتنيات التراثية الممتد لأكثر من 50 عامًا لم يكن يومًا من أجل التجارة أو العرض، بل هو مشروع ثقافي متكامل يرغب بأن يُوقَف للوطن ويُفتح للباحثين وطلبة المدارس والزائرين، مشددًا على أن كل ما اقتناه هو ذاكرة حية لا تُقدّر بثمن ولا تُستبدل بالمال.
وتحدّث الحرز في حوار خلال زيارة «الأيام» لمقر المكتبة، عن رحلته مع الكتاب منذ سن الرابعة عشرة، وعن بداياته المتواضعة التي تحوّلت لاحقًا إلى مكتبة تضم أكثر من 40 ألف عنوان موزعة على خمس قاعات، إلى جانب متحف تراثي يحوي أكثر من 3000 قطعة نادرة، بينها أجهزة ومقتنيات تعود إلى تسعين عامًا مضت، وفي أروقة «مكتبة جدل» التي تقع بمنطقة أم الحمام بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية يتسلل إليك شعور غريب، وكأنك تمشي في ممرات الذاكرة، فرائحة الورق العتيق تعبق في المكان، والأرفف الخشبية التي تحمل آلاف العناوين تبدو كأنها جدران حياة لا كتب فقط، وما أن تدخل حتى تقع عينيك على فنارات قديمة، وساعات، وآلات كاتبة، وأجهزة تلفزيون من زمن آخر، في مشهد يُعيد الزائر إلى دهشة البدايات، حيث لكل قطعة حكاية، ولكل غرض روح، ولكل زاوية صوتٌ من الماضي يتردّد في الحاضر.
وأوضح الحرز، أن المكتبة لا تقتصر على الحفظ فقط، بل تحمل رسالة معرفية مستمرة، وأنه أوقف ثلث راتبه الشهري منذ سنوات لشراء الكتب وصيانتها وتوسيع القاعات، مؤكدًا أنه لا يسافر إلا عبر القراءة، ولا يتنفس إلا من بين الصفحات، على حد وصفه، وبيّن أن أغلب المقتنيات جُمعت من قارات العالم المختلفة ومن دول عدة مثل مصر والكويت وبريطانيا وروسيا، وبعضها وصل عن طريق الزائرين كهدايا، مشيرًا إلى أن المتحف المرافق يهدف إلى توثيق أدوات وأغراض عاش بها الأجداد، لتكون شاهدًا على تحول الزمن، وذاكرة للأجيال القادمة.
كما دعا الحرز الجيل الجديد إلى الحفاظ على مقتنياتهم وموروثاتهم، قائلًا: «ما يبدو عاديًا اليوم، سيصبح بعد عقود من النوادر».
وفيما يلي نص الحوار:
■ حدثنا عن هذه المكتبة الفريدة.. ما هي فكرتها وما الذي يميزها؟
ـ المكتبة تتكون من أربع قاعات: ثلاث منها مخصصة للكتب، أما الرابعة فهي مزيج بين متحف مصغر، معرض صور، ومجلس في آنٍ واحد، والفكرة بدأت كمكتبة، لكنها تطورت شيئًا فشيئًا لتصبح مكانًا متعدد الوظائف يعكس روح التراث والتاريخ والثقافة المعاصرة.. والمتحف وقاعته إضافة للمكتبة جاءت من أجل خلق تجرِبة شاملة للزائر، حيث لا يكتفي فقط بزيارة المتحف، بل يجد نفسه مندمجًا مع المكتبة والكتب والمجلس في الوقت نفسه.
■ لماذا اخترت «جدل» كاسم للمكتبة؟
ـ الجدل جاء في النصوص الدينيّة وهو دعوة إلى الحوار، وكذلك هو مفهوم فلسفيّ، ورد عند فلاسفة كأرسطو وأفلاطون وهيجل في الديالكتيك؛ وغيرهم.. لذلك جاء اسم المكتبة لتكون مكانًا يفتح بابًا للحوار والتكامل الفكري بين الناس.
■ متى بدأت العمل على هذا المشروع؟ وكم استغرق منك من وقت؟
ـ شرعت في العمل عليه قبل قرابة عشر سنوات.. وتدريجيًا بدأت أجمع المقتنيات، بعضها تم إهداؤه إليّ، وبعضها الآخر قمت باقتنائه من عدة دول، من داخل المملكة وخارجها.
■ من أي دول حصلت على هذه المقتنيات؟
ـ من مصر، والبحرين، والكويت، وعمان، وبقية دول الخليج.. ومن داخل السعودية أيضًا ومدنها المختلفة كمدينة الرياض، وأيضًا عبر الإنترنت من أماكن متعددة حول العالم، بما في ذلك بعض الدول الأوروبية وأمريكا وبريطانيا وغيرها من دول العالم بما فيها روسيا وغيرها من الدول.
■ وهل أسهم الزائرون في إثراء محتوى المتحف؟
ـ نعم، كثير من الزائرين يحملون معهم هدايا نادرة، خصوصًا الكاميرات القديمة وأشياء من أمريكا، وبريطانيا، وحتى من روسيا. أشجعهم دائمًا على المشاركة في بناء ذاكرة هذا المكان.
■ متى بدأ شغفك بجمع هذه المقتنيات التراثية؟
ـ الشغف بدأ منذ وقت طويل، لكنه تعمّق مع مرور الزمن.. وكلما كبرت، زادت رغبتي في التوثيق واقتناء الكتب والقراءة.. فعمر واحد لا يكفي.. وأنا لا أسافر ولا أحب السفر كثيرًا ولكنني أسافر بين الكتب.. وأتطلع لأن تخدم هذه المكتبة الجيل الجديد بشكل خاص.. المدارس والشبيبة الذين يزورون المكتبة ويتعرفون على تاريخ أجدادهم وعلى الكتب بطريقة حيّة.
■ ما الذي يحتويه المتحف بشكل خاص؟
ـ هو متحف مصغّر يعرض مقتنيات استخدمها أجدادنا وآباؤنا في حياتهم اليومية.. هذه الأشياء ليست فقط معروضة، بل هي حاملة لقصص وحياة مضت، مما يشد الزائر ويمنحه إحساسًا بالانتماء لجذوره.
■ كم عدد المقتنيات؟ وماذا تشمل؟
ـ يضم المتحف أكثر من 3000 قطعة، منها ساعات وأجهزة قديمة، فنارات، أدوات كهربائية، وأشياء من حياتنا اليومية كانت تُستخدم قديمًا كالتلفونات وشاشات التلفزيون وغيرها وعلب الاطعمة وغيرها، وبعضها يعود إلى ما يقرب من تسعين عامًا، مثل جهاز البشتختة الألماني الذي يعمل دون كهرباء.
■ كم أنفقت على هذه المقتنيات؟
ـ التكلفة الإجمالية تصل إلى مئات الآلاف الريالات. لا أملك رقمًا دقيقًا؛ لأن بعض القطع كانت هدايا.
أما أغلى المقتنيات، فتتراوح أسعارها بين 1500 إلى 3000 ريال سعودي كبعض أجهزة البشتختة.
■ هل من بين المقتنيات أشياء نادرة؟
ـ بالطبع. كل ما هو قديم اليوم، سيُعد نادرًا غدًا.. وعلى سبيل المثال، آلة كاتبة من نوع «تابل رايتر»، قد لا تكون قديمة جدًا، لكنها لم تعد تُستخدم في هذا الزمن، حتى التلفزيونات الصغيرة والكبيرة، أصبحت جزءًا من ذاكرة منسية اقتنيتها لأُذكر بها الأجيال.
■ هل تلقيت عروضًا لشراء بعض المقتنيات؟ وهل تفكر بالبيع؟
ـ كثيرًا ما يُعرض عليّ شراء بعض القطع، لكني لا أبيع.. فلست تاجرًا، بل مقتنٍ، وأحتفظ بهذه الأشياء لأنها
جزء من شغفي وتاريخي.
حتى لو قُدمت لي مبالغ مضاعفة، لن أفرّط بها، لأنني أعتبرها رسالة أكثر من كونها مجرد ممتلكات.
■ وإلى أين تأخذك هذه الرحلة؟ هل هناك سقف لهذا الشغف؟
ـ لا أظن أن هناك نهاية.. هو شغف يتملك الإنسان، ولا يمكن الفكاك منه، وكل قطعة أجمعها تفتح لي بابًا جديدًا من الذكريات والمعرفة.
■ ما هي رسالتك إلى الجيل الجديد؟
ـ رسالتي بسيطة: حافظوا على أشيائكم.. فما يبدو عاديًا اليوم، سيكون بعد عقود من النوادر، كما هو حال ما نعرضه اليوم. ثقوا أن كل قطعة تحتفظون بها، قد تصبح وثيقة تاريخية في المستقبل.
■ وما هي حكمتك في الحياة؟
ـ أقول كما قيل: كن كشجرة الصندل، تعطر الفأس الذي يقطعه.. وهذه الحكمة تلخص فلسفتي في الحياة: أن تكون مفيدًا حتى مع من يؤذيك.
■ عودًا إلى المكتبة.. أعطنا لمحة عامة عن هذه المكتبة الفريدة؟
ـ المكتبة كما ترون، بدأت صغيرة جدًا، متواضعة، هذا قبل خمسين عامًا تقريبًا.. وفي بداياتها، لم تكن سوى مساحة بسيطة، لكن كما هو حال كل فكرة شغوفة، تنمو وتتضخم مع الزمن، ومنبع الشغف كان والدتي، وكانت خطيبة، ومنها بدأت أتعلق بالكلمة، ثم انفتحت أمامي عوالم الأدب، فقرأت الملاحم، العربية كـ «سيرة عنترة»، واليونانية كـ «الإلياذة والأوديسة»، والفارسية كـ «الشاهنامة»، وحتى الملحمة الهندية «المهابهاراتا».
■ وهل أثّرت هذه القراءات في تحولك الفكري؟
ـ بالتأكيد، هذه الملاحم صنعت تحولات داخلية عميقة، نقلتني من الأدب إلى الفلسفة والفكر والتاريخ.. كانت «سيرة عنترة» أول كتاب اقتنيته، وأنا في الرابعة عشرة من عمري، وأثرها لا يزال يسكنني حتى اليوم، فقد نقلتني من حالة إلى أخرى، إلى عالم الأدب والفروسية والكرامة.
■ هل كنت تحفظ الشعر؟
ـ نعم. في سن الخامسة عشرة، حفظت المعلقات السبع. وأعترف أني ما زلت أحفظها حتى اليوم دون تغيير.
■ هل هناك عنوان لا تنساه في مكتبتك؟
ـ نعم، كتاب «جواهر الأدب» لأحمد الهاشمي، له وقع خاص في نفسي.
■ وماذا عن عنوان تتمنى أن يوجد في كل مكتبة عربية؟
ـ أتمنى لو وُجدت كل كتب العالم في كل مكتبة عربية.. لكن إن أردنا أن نختار، فأقول: نحن بحاجة لترجمة كل ما كُتب عن «سبارتاكوس» قائد ثورة العبيد في روما، خصوصًا ما كتب عنه باللاتينية والرومانية، فهو مغيب تمامًا عن المكتبة العربية.
■ كم عدد الكتب الموجودة اليوم؟
ـ المكتبة تضم أكثر من 40 ألف عنوان، موزعة على خمس قاعات، ثلاث في الأسفل، وقاعتين في الأعلى. وهناك قاعة سادسة مخصصة لأرشيف الصحف والمجلات.
■ ألا تسبب هذه الكمية الهائلة من الكتب مشاكل عائلية؟
ـ «يضحك».. في البداية كان هناك استغراب، لكنهم استوعبوا إدماني، بل صار غريبًا عندهم أن أدخل البيت من دون كتاب. قبل زيارتكم بخمس دقائق فقط كنت قد اشتريت عشرين كتابًا عبر الإنترنت من مصر.
■ وهل يقرأ أحد من العائلة؟ الأولاد؟ الزوجة؟
ـ للأسف لا يقرؤون كثيرًا، وهذا ليس طموحي، وكنت بالبداية أحزن لذلك.. لكني تقبّلت الأمر.. وقلت لنفسي: هل أبناء طه حسين مثله يقرؤون ويكتبون؟ هل أبناء توفيق الحكيم أو العقاد أو علوي الهاشمي البحريني ورثوا أدبهم؟ لا يلزم أن يتوارثوا هذا الشغف.
■ وكم أنفقت على المكتبة؟
ـ صرفت عليها ملايين، دون مبالغة.. أصبحت منذ زمن إلى الآن أقسّم راتبي إلى ثلاثة أثلاث: ثلث للمكتبة، وثلث لعائلتي، وثلث للنظافة أو إدارة المنزل، ولا أسافر إلا من خلال الكتاب، وقراءتي هي رحلتي الوحيدة.
■ وماذا عن مستقبل هذه المكتبة؟ هل وضعت لها خطة؟
ـ نعم، رغبتي أن تُوقف للوطن، أن تكون وقفًا ثقافيًا، بمكانها الحالي، مفتوحة للباحثين والطلاب والطالبات والزائرين.
■ كيف تختار عناوين الكتب؟
ـ مع السنين الطويلة، تطورت لدي حساسية عالية تجاه الكتاب، أنظر إلى اسم المؤلف، دار النشر، جودة الطباعة، نوع الورق، التغليف، اللون، التجليد... كلها تدخل في حساباتي.. أصبحت بوبلمانيًا، أي مهووسًا بالكتب. هذا النوع من الناس موجود في كل مكان من العالم.
■ كيف ترى واقع القراءة لدى الجيل الجديد؟
ـ في البحرين، هناك نهضة ثقافية واضحة يقودها الشباب، أبرزها مبادرة «القرّاء البحرينيون»، وهي مبادرة تضم أكثر من 600 عضو، يقدمون عملًا رائعًا. وكان هناك صديق راحل عزيز، الدكتور جعفر الهدي، أطلق مبادرة مهمة، لكنه رحل قبل أن تكتمل.
■ البعض يقول إن الشباب اليوم يبتعدون عن الفلسفة ويميلون للرواية؟ ماهو السبب؟
ـ هذا صحيح. وهذا ما تنبأ به الدكتور جعفر العصفور، حين قال إن المستقبل للرواية لا للشعر، وصدقت نبوءته.. الرواية اليوم هي المتسيدة للمشهد الأدبي العربي، وهناك أسماء كبيرة بدأت من نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.
■ لماذا ابتعد العرب عن الفكر والفلسفة؟
ـ المغرب العربي – تونس، الجزائر، المغرب – شقوا طريقًا واضحًا نحو الفلسفة، بسبب تقاطعهم الحضاري مع أوروبا، خصوصًا فرنسا.. لكن في المشرق، خصوصًا مصر، شهدنا انحسارًا بسبب نكسة 1967 وما بعدها.
■ هل ترى أن المفكرين مثل محمد أركون وغيرهم اختفوا؟ وهل هناك امل في ان نرى مفكرين عرب بذات الحجم والمستوى؟
-نعم، هناك شبه انمحاء لهذا النوع من المفكرين. لكن في المغرب العربي، ما زالت الفلسفة والفكر حيّة ونشيطة حتى اليوم.
■ هل ترى مستقبلًا للكتاب الورقي؟
ـ مستقبل الكتاب الورقي في خطر، كما اختفت الطباعة الحجرية، سيأتي يوم يصبح فيه الكتاب الورقي مجرد «متحف». ليس قريبًا، ربما بعد ثلاثين سنة، لكنه آتٍ لا محالة.
■ وماذا عن تأثير وسائل التواصل؟ هل تصنع مثقفًا؟
ـ السوشيال ميديا سطّحت العقول، للأسف، لكن لمن يحسن استخدامها، فهي مليئة بالمحاضرات الفلسفية والدروس القيمة.. المشكلة أن الغالبية لا يستثمرونها بشكل جيد ويغوصون في امور بلا فائدة وليس لها قيمة معرفية حقيقية.. ونتمنى ان يكون المستقبل مختلف وان يهتم الشباب بالجوانب الفكرية والمعرفية المختلفة.
■ كيف تفسّر هذا التراجع؟
ـ تذكّر مدرسة فرانكفورت التي تأسست عام 1923 في ألمانيا.قالوا إن الإنسان إذا اعتمد على الأتمتة والتكنولوجيا، سيُحوّل إلى «شيء»، ويفقد إنسانيته.. والأتمتة سلبت العقل جوهره، وهذا ما نراه اليوم.
لمشاهدة الصور ارجو فتح الرابط
https://www.alayam.com/alayam/local/1102422/News.html
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟