ناهد علي
الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 20:07
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
النظام الإيراني يهدد عائلة فتاة قتيلة ويمنعهم من التصريح للإعلام
بينما يتلهف الرأي العام في إيران لكشف خيوط جريمة مقتل الشابة إلهه حسين نجاد، تنشغل أجهزة الأمن والشرطة الإيرانية ليس بكشف الحقيقة أو تحقيق العدالة، بل بإحكام قبضتها على عائلة الضحية ومحيطها، في محاولة واضحة لطمس الأصوات وتقييد الروايات.
وأفادت صحيفة "شرق" الإيرانية، في تقريرها الصادر يوم السبت 7 يونيو (حزيران)، بأن الضغوط الأمنية لا تقتصر على العائلة والمعارف فحسب، بل حتى بعض الجيران باتوا يتحدثون عنها بحذر؛ خوفًا من العواقب.
وذكرت الصحيفة أنه في يوم الجمعة 6 يونيو، خيّم صمت بارد على أحد الأزقة قرب تقاطع قائم في مدينة "إسلام شهر"، جنوب غربي طهران، فـ "لا صوت قرآن يُسمع، ولا أنين نواح. الناس بوجوه مكلومة يترددون على منزل يعلوه السواد، وهم الشاهد الوحيد المتبقي على فاجعة أصابت المجتمع بالذهول".
إلهه، فتاة تبلغ من العمر 24 عامًا كانت تعمل في صالون تجميل بمنطقة سعادت آباد بطهران، غادرت عملها يوم 25 مايو (أيار) الماضي مبكرًا لرعاية شقيقها المعاق، لكنها لم تعد إلى المنزل. كانت قد أخبرت عائلتها: "سأصل بعد 20 دقيقة"، لكنها لم تصل أبدًا.
قلق العائلة دفعها إلى التحرك، فيما تناقلت وسائل الإعلام خبر اختفائها، وفي نهاية المطاف، عُثر على جثتها بعد عشرة أيام في صحارى ضواحي طهران. وأعلنت النيابة العامة أن الجاني سائق سيارة أجرة غير رسمي قتلها طعنًا بالسكين بدافع سرقة هاتفها المحمول.
وقد صرّح المتهم، بعد اعتقاله، بأنه وجّه إليها طعنتين في الصدر أثناء محاولته سرقة هاتفها، ثم تخلص من جثتها في الصحراء.
لكن مأساة مقتل إلهه حسين نجاد ليست مجرد جريمة قتل عادية؛ فما يزيد هذا الملف تعقيدًا وألمًا هو المساعي المنهجية لإسكات صوت أهلها ومنع تداول المعلومات حول الجريمة.
وقيل للعائلة: "لا تُجروا مقابلات، أقيموا المراسم بصمت، لا تُفصحوا عن موعد تسلّم الجثمان، ولا تُعلنوا موعد مراسم التشييع". إنه سيناريو بات مألوفًا للعائلات، التي ارتبط مصابها الجلل بحساسية اجتماعية.
وبحسب صحيفة "شرق"، فقد كان الزقاق المقابل لمنزل عائلة حسين نجاد، صباح الجمعة 6 يونيو الجاري، صامتًا ومفعمًا بالحزن. لافتات التعازي عُلّقت على جدران المنزل، لكن لا صوت يصدر من الداخل. الصحافيون الذين جاؤوا لتغطية المراسم اصطدموا بأبواب مغلقة ووجوه صامتة.
ورفضت عائلة إلهه التحدث. وقال رجل من أقارب العائلة للصحافيين أمام المنزل: "قالوا لنا في شرطة التحقيقات الجنائية ألا نتحدث مع أي وسيلة إعلامية، وألا نقوم بأي إجراء حاليًا".
لكن الباب كان مفتوحًا أمام وسائل إعلام النظام، إذ دخلت وكالة "مهر"، التابعة لمنظمة الدعاية الإسلامية، إلى منزل العائلة، وأجرت مقابلة مصوّرة مع أحد أفراد الأسرة، تضمنت شكرًا لشرطة التحقيقات وانتقادًا لوسائل الإعلام الأجنبية.
غير أن أحد المقرّبين من العائلة صرّح لصحيفة "شرق" بصوت مرتجف: "قالوا لنا ألا نُخبر أحدًا بموعد تسلّم الجثمان. لا يجوز أن يُعرف أي يوم هو، حتى لا تحدث مشكلة". وأضاف باكيًا: "ليس هذا حقنا. لقد قتلوا ابنتنا، والآن يطالبوننا بدفنها بصمت".
وجرت مراسم تشييع جثمان إلهه، دون إعلان مسبق وبمشاركة أفراد العائلة المقربين فقط، مساء أمس الأول، الخميس 5 يونيو، وحتى ظهر أمس الجمعة لم تكن وسائل الإعلام على علم بموعد المراسم. وأظهر مقطع فيديو نُشر لاحقًا على مواقع التواصل الاجتماعي أنها وُريت الثرى في مقبرة دار السلام بمدينة إسلام شهر.
وطوال هذه الفترة، التزمت العائلة الصمت، ولم يُسمح لها بالكشف عن تفاصيل المراسم.
هذا التعتيم والصمت القسري يعيدان إلى الأذهان عشرات الحالات المشابهة في السنوات الأخيرة، من عائلة مهسا أميني إلى حديث نجفي ونيكا شاكِرمي، حيث تعرض الجميع لضغوط أمنية لمنعهم من الإدلاء بتصريحات إعلامية، أو إقامة مراسم عامة، أو رفع صوت الاعتراض.
تكرار هذا السلوك من قِبل أجهزة النظام الإيراني يعكس نمطًا منهجيًا للقمع؛ هدفه الأساسي احتواء ردود الفعل الاجتماعية، ومنع ظهور مطالبات جماهيرية إثر الكوارث الإنسانية.
وفي ملفات مثل مهسا أميني ونيكا شاكِرمي، وُضعت العائلات تحت الضغط والتهديد قبل أي تفاعل إعلامي. فُرضت إجراءات أمنية مشددة خلال مراسم التشييع، قُطع تواصلهم مع وسائل الإعلام، وفي بعض الحالات صُدرت شهادات وفاة مزوّرة.
وإلهه حسين نجاد، بخلاف بعض الضحايا الآخرين، لم تكن ناشطة مدنية ولا شخصية سياسية؛ بل كانت فتاة شابة من الطبقة المتوسطة تعمل بهدوء، وكانت المعيل لعائلتها. لكن هذه البساطة بحد ذاتها جعلتها رمزًا لحالة انعدام الأمان المتفاقمة في شوارع طهران؛ انعدام أمان نابع من غياب الرقابة، الفقر البنيوي، وفوضى قطاع النقل العام.
لم يكن قاتل إلهه سائق أجرة رسميًا، ولا من سائقي تطبيقات النقل، بل إنه واحدًا من آلاف السائقين غير النظاميين الذين يجوبون شوارع طهران بلا رخصة أو هوية.
وأعلنت شرطة التحقيقات الجنائية في طهران أن المجرم لديه سوابق جنائية، لكن جرى اعتقاله في أقصر وقت ممكن. ومع ذلك، لا يزال الرأي العام مقتنعًا بأن الجهات المسؤولة، من البلدية إلى الشرطة، قصّرت في منع وقوع مثل هذه الجريمة. وكثيرون يتساءلون: "لماذا استغرق تعقّب هاتف فتاة شابة 11 يومًا؟".
جريمة تتجاوز حدود القتل
وفاة إلهه حسين نجاد ليست مجرّد قضية قتل. إنها تمثّل كارثة اجتماعية متعددة الأبعاد: انعدام الأمان في الشوارع، والفقر البنيوي، وغياب العدالة الاجتماعية، والأهم من كل ذلك، قمع العائلات ومحاولات دفن الفاجعة في صمت.
هذا هو النمط الذي دأب النظام الإيراني على تطبيقه طوال سنوات: من الرقابة الإعلامية إلى تهديد ذوي الضحايا، كلها أدوات في سياق السيطرة على الرأي العام.
وكما في كل مرة، حاول النظام الإيراني دفن الحقيقة؛ لكن التاريخ أثبت مرارًا أن صوت العدالة سينبعث عاجلاً أم آجلاً.
إن الضغوط لإسكات عائلة حسين نجاد ليست مقلقة فقط من منظور إعلامي؛ بل تقوّض أيضًا ثقة المجتمع في مؤسسات القضاء والأمن. ويعتقد المنتقدون أنه في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى الشفافية والمساءلة أكثر من أي وقت مضى، فإن مثل هذه التصرفات لا تفضي إلا إلى تعزيز حالة انعدام الثقة.
اخبار ذات صلة بالموضوع
العثورعلى جثة فتاة إيرانية مؤيدة للاحتجاجات والسلطات تؤكد مقتلها
https://www.iranintl.com/ar/202506050076
مقتل فتاة يعكس عجز النظام الإيراني عن توفير الحد الأدنى من الأمن
https://www.iranintl.com/ar/202506064856
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟