أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام عبد العزيز البريفكاني - القتل بالسيف المستعار: استراتيجية أمريكا في إدارة صراعات الشرق الأوسط














المزيد.....

القتل بالسيف المستعار: استراتيجية أمريكا في إدارة صراعات الشرق الأوسط


حسام عبد العزيز البريفكاني

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 21:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عالم السياسة الدولية، غالبًا ما تُدار الحروب والصراعات ليس عبر المواجهات المباشرة، بل من خلال وكلاء وأدوات محلية تُستخدم لتحقيق أهداف القوى الكبرى دون أن تتورط هذه القوى علنًا أو تتحمل تبعات المواجهة. ومن بين أبرز الأمثلة على هذا النمط من التدخل، تبرز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والتي يمكن وصفها بمبدأ “القتل بالسيف المستعار”.
إن نظرية “القتل بالسيف المستعار”، أو ما يُعرف في بعض الأدبيات السياسية بـ “الحرب بالوكالة” أو “استخدام الوكلاء”، ليست مجرد مصطلح حديث، بل لها جذور فلسفية وتاريخية قديمة، وتمثل مبدأً استراتيجيًا في العلاقات الدولية يهدف إلى تحقيق المكاسب بأقل كلفة مباشرة وأدنى درجات الظهور. وفيما يلي عرض لأصول هذه النظرية:

1- الأصل التاريخي والفلسفي:
يؤكد القائد الصيني “سون تزو” في كتابه الشهير فن الحرب (القرن السادس قبل الميلاد) أن: “أفضل الحروب هي تلك التي تُخاض دون قتال مباشر”. ويُعد هذا المفهوم نواة لفكرة القتل بالسيف المستعار، أي إضعاف العدو باستخدام أدوات غير مباشرة، سواء بالحيلة أو عبر أطراف ثالثة. كما أشار “نيكولو مكيافيلي” (القرن السادس عشر) في كتابه الأمير إلى ضرورة استخدام القوة غير المباشرة والخداع السياسي في الحكم، وأن الأمير الذكي هو من يجعل الآخرين ينفذون “أعماله القذرة”، كي لا يتحمل هو المسؤولية أمام الشعب.

2- الأصل القانوني والدبلوماسي:
في العلاقات الدولية، خصوصًا بعد الحربين العالميتين، نشأ مبدأ السيادة وعدم التدخل، فغدا من المحرَّم أن تتدخل دولة في شؤون دولة أخرى عسكريًا بشكل مباشر. لذلك، لجأت بعض الدول الكبرى إلى تجنيد قوى محلية للقتال بالنيابة عنها، خصوصًا خلال الحرب الباردة (1947–1991)، إذ قامت الولايات المتحدة بدعم المجاهدين في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي، كما دعم الاتحاد السوفيتي حركات يسارية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وهكذا، كان كل طرف يقتل بسيف الطرف المحلي الذي يتبنى فكره أو تتقاطع مصالحه معه.

3- الأصل في الفكر العسكري الحديث:
في العقيدة العسكرية الحديثة، ظهر مصطلح “القتال غير المتماثل”، وهو جزء من استراتيجية أوسع تشمل العمليات السرية، ودعم الحركات المسلحة، والاستفادة من الصراعات الداخلية في دول معينة. فهذه الاستراتيجية تسعى إلى تقليل التكاليف المباشرة، سواء كانت بشرية أو سياسية أو اقتصادية، مع تحقيق أهداف كبيرة باستخدام أدوات غير رسمية.

أما عن توظيف الولايات المتحدة سياسة “السيف المستعار” في منطقة الشرق الأوسط — تلك المنطقة المعروفة والمليئة بالتوترات الدينية والعرقية والسياسية — فإنها وجدت بيئة خصبة لتنفيذ هذه السياسة، سواء عبر دعم الميليشيات، أو تمويل جماعات معارضة، أو استثمار الخلافات الإقليمية. وقد مارست ذلك بعدة أشكال، منها:

1- الحروب بالوكالة:
يقول الدكتور الكويتي عبد الله النفيسي، في أحد حواراته التي كرر فيها موقفه أكثر من مرة، ردًا على سؤال: “من يحكم من؟ هل الولايات المتحدة تحكم إسرائيل أم العكس؟” — أجاب دون تردد: إن إسرائيل “هراوة” (عصا) بيد أمريكا، تضرب بها العرب ودول المنطقة. وليس بعيدًا عن هذا التصور ما فعلته إسرائيل من اعتداءات وعدوان على الدول العربية القريبة والبعيدة، كلبنان وسوريا واليمن، فضلًا عن حربها الأخيرة على إيران.

2- استخدام الميليشيات:
في العراق وسوريا، اعتمدت الولايات المتحدة على قوى محلية لمحاربة تنظيم “داعش”، أبرزها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تحالف من الجماعات الكردية والعربية. وقد حصل هذا الدعم في وقت كانت فيه واشنطن تتحاشى التدخل المباشر واسع النطاق، ما وفّر لها نفوذًا ميدانيًا دون خسائر كبيرة في الأرواح أو التورط في مستنقع عسكري جديد.

3- إشعال التوترات بين دول المنطقة:
سعت أمريكا دائمًا إلى حفظ نوع من التوازن الهش في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه غذّت الصراعات بين دولها عبر بيع الأسلحة، وتقديم دعم سياسي غير متكافئ، وخلق تحالفات مؤقتة تُبقي على حالة اللا استقرار، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، وعلى رأسها أمن إسرائيل وضمان تدفّق النفط.
خلاصة الكلام، إن نظرية “القتل بالسيف المستعار” تنبع من مزيج من الفكر الفلسفي والتاريخي القديم، والتطور القانوني الدولي، والتكتيكات العسكرية الحديثة. فهي أداة ذكية للهيمنة والنفوذ، تُستخدم حين لا ترغب الدولة القوية في التورط المباشر أو تحمّل المسؤولية السياسية، وتُفضّل بدلًا من ذلك أن تحرّك خيوط اللعبة من وراء الستار. كما أن مبدأ “القتل بالسيف المستعار” ليس فقط عنوانًا لاستراتيجية أمريكية، بل هو جوهر السياسة الواقعية التي ترى في الأدوات المحلية والإقليمية وسيلة لتحقيق المصالح العظمى دون المخاطرة المباشرة. وما لم تنتبه شعوب المنطقة إلى هذا النمط الخفي من السيطرة، فإنها ستظل وقودًا لصراعات لا تخدم إلا من يُحرّك السيوف من وراء الستار.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور مصر الإقليمي في إبادة أهل غزة: قراءة نقدية للحياد السلبي


المزيد.....




- بسرعة ودقة.. شاهد لحظة اقتحام مستودع وسرقة مجوهرات بمليون دو ...
- زلزال عنيف بقوة 8.8 درجة يوقظ المحيط ويهدد قارات العالم في ل ...
- لماذا يُعتبر قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية، تغيّراً في ...
- وسط معارضة إسرائيلية وأمريكية.. بارو يعلن أن 15 دولة أخرى تع ...
- إسرائيل تبدأ ترحيل ناشطي سفينة -حنظلة- بعد محاولتهم كسر الحص ...
- تسعة أشهر على فيضانات فالنسيا.. مظاهرات تطالب باستقالة الحكو ...
- ألمانيا تطلق خطة مشتريات دفاعية ضخمة -بهدف تعزيز قدراتها ال ...
- عمليات إخلاء وتحذيرات من تسونامي عبر دول المحيط الهادي
- هندسة المناخ: باحثون من جامعة واشنطن قاموا -سرا- بتجربة مثير ...
- إسرائيل ومحمد: عرض مسرحي عن علاقة الأبناء بالآباء وصدمات الط ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام عبد العزيز البريفكاني - القتل بالسيف المستعار: استراتيجية أمريكا في إدارة صراعات الشرق الأوسط