غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 00:48
المحور:
قضايا ثقافية
شعوب يصنعها الخوف من السلطة تعيش تحت ضغوط نفسية واجتماعية كبيرة حيث تفرض الحكومات أو السلطات قيودًا صارمة على الحريات الشخصية وحرية التعبير، مما يؤدي إلى مناخ من الخوف والترهيب. يسعى الأفراد في هذه الأنظمة وتحت غطاء مهترئ من الديمقراطية إلى الامتثال للقواعد حتى لو كانت غير عادلة، خوفًا من العقوبات أو الانتقام ويفضل الناس العزلة أو الانسحاب من الحياة العامة، مما يؤدي إلى ضعف الروابط الاجتماعية والتواصل ويعيش الأفراد في حالة من القلق والترقب، مما يؤثر سلبًا على صحتهم الجسدية والنفسية وتنعدم الثقة بين أفراد المجتمع، غالبًا ما تصاحب هذه الأنظمة اقتصاديات ضعيفة، حيث تُصرف الموارد على القمع والإرهاب بدلاً من تحسين مستويات المعيشة ،ويفتقر الأفراد إلى الأمل في التغيير أو التحسن، مما يؤدي إلى شعور باليأس والتشاؤم حول المستقبل، هذه الخصائص يمكن أن تعزز استمرار دورة الخوف في صناعة الانسان.
دور السرديات التاريخية
السرديات التاريخية تلعب دورًا كبيرًا في تعميق سلطة الخوف في هذه المجتمعات. حيث تُستخدم لتشكيل الهوية الجماعية، وغالبًا ما تُبرز تهديدات الماضي، مما يعزز الشعور بالخوف من التكرار، كما تُستخدم لتبرير وجود السلطة، حيث تُصور الحكومات نفسها كحامية من الأخطار، مما يسمح لها بتعزيز قبضتها على المجتمع. تلعب السرديات التي تركز على الصراعات التاريخية والانقسامات بين الجماعات في تعزيز الخوف من الآخر كما تقوض الروابط الاجتماعية. السيطرة على السرديات التاريخية تعني السيطرة على المعلومات، مما يحد من استخدام الأفراد التفكير النقدي وتشجع على استخدام الأحداث المأساوية كوسيلة لتذكير الأفراد بالماضي من خلال اعادة سرد أحداث مروعة، وخلق أساطير حول اعداء و تهديدات اسطورية، تُعيد السرديات التاريخية إنتاج أنماط من الخوف والاستبداد، حيث تُعتبر تجارب الماضي دروسًا تُستخدم لتبرير القمع في الحاضر كما تُستخدم لتوجيه سلوك الأفراد، حيث تُشجع على الخوف من المعارضة أو الانحراف عن القيم السائدة وتُزيد الانقسامات مما ينمي سلطة الخوف ويعزز الصراعات الاجتماعية.
شعوب تحكمها قوة الخوف
في العديد من المجتمعات الشرق اوسطية، تُعتبر القوة (سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو اجتماعية) عاملاً رئيسياً في تشكيل هويات الأفراد. حيث تتحدد قيم الأفراد ومعتقداتهم وأدوارهم الاجتماعية بناءً على مراكز القوة والسلطة التي تُنتج علاقات غير متكافئة، حيث يمكن للأقوياء أن يفرضوا معاييرهم وأيديولوجياتهم، مما يؤثر على سلوك الأفراد ويساهم في تشكل تصوراتهم عن أنفسهم. تاريخ المجتمعات الشرق أوسطية مليء بالصراعات والنزاعات، هذا يؤدي إلى شعور الأفراد بأنهم مُشكلون من خلال هذه الظروف، والحاكم هو تجسيد للقوة، حيث يُنظر إليه كأعلى سلطة، ولكن ليس بالضرورة كعامل مُؤثر في بناء الإنسان. بدلاً من ذلك، يكون الحاكم سببًا في تعزيز سلطة الخوف والامتثال بالتالي يمكن أن يُنظر إلى تأثير القوة على الأفراد كنوع من "الاستعمار الداخلي"، حيث يفرض الحاكم قيمًا معينة تُعزز من تبعية الأفراد، مما يُعيق تطورهم الذاتي وتجعلهم يتكيفون مع الظروف القاسية التي تخلق إنسانًا يُعبر عن نفسه من خلال قوة البقاء، لكنه يفتقر إلى الحرية الحقيقية أو القدرة على التعبير عن الذات. في ظل هذه الديناميات، يسعى بعض الأفراد إلى البحث عن هويتهم الحقيقية بعيدًا عن تأثير القوة، مما يؤدي إلى صراعات داخلية تمتاز بالاعتلال، ان تقديم فكرة الخوف والقوة تصنع الإنسان في المجتمعات الشرق أوسطية ذو شخصية ازدواجية لا يفتح المجال لفهم أعمق للعلاقات الاجتماعية والسياسية، ويبرر التوترات بين الهوية الفردية والتأثيرات الهيكلية التي تفرضها السلطة الى مرجعيات ميتافيزيقية وهمية.
الثقافة وتشكيلات القوة
تحدد الثقافة القيم والمعايير السائدة التي تُفسر أنواع معينة من القوة، مثل السلطة السياسية أو الاقتصادية، مما يؤثر على كيفية رؤية الأفراد للسلطة ومكانتهم في المجتمع، تعمل الثقافة على تعزيز الهويات الجماعية، مما يؤثر على كيفية استجابة الأفراد للسلطة. فالهويات الثقافية يمكن أن تُعزز التضامن أو الانقسام، تساهم الثقافة في تشكيل الروايات التاريخية التي تُستخدم لتبرير السلطة أو تحديها. الروايات التاريخية المدعومة ثقافيًا يمكن أن تُعزز من شرعية السلطة أو تُضعفها وتسهم في كيفية تفاعل الأفراد مع السلطة، مما يؤثر على السلوك الاجتماعي وسقف التوقعات. الممارسات الثقافية تُعزز نوع معين من الطاعة، حيث يمكن أن تُستخدم لتعزيز سلطة القوة وتأثيرها، مما يؤثر على كيفية رؤية الأفراد للواقع من حولهم، تلعب اللغة دورًا في تشكيل القوة من خلال قوة الخطاب والرموز التي تُستخدم لنقل الأفكار والمشاعر. اللغة يمكن أن تُعزز من قوة السلطة مثل السلطة الأبوية والسلطة الدينية، مما يؤثر على كيفية تنظيم المجتمع. المعرفة والثقافة ليست فقط تنتج القوة، بل هي عامل رئيسي في تشكيلها وتوجيهها. التفاعل بين المعرفة والثقافة والقوة يُعقد من فهم الديناميات الاجتماعية والسياسية، مما يُظهر كيف يمكن أن تتداخل العوامل الثقافية مع الهياكل السلطوية.
العولمة هيمنة ثقافية وتنميط عالمي
تؤدي العولمة، مدفوعة بقوة وسائل الإعلام والتكنولوجيا والشركات متعددة الجنسيات، إلى نشر ثقافة استهلاكية عالمية تهيمن عليها النماذج الغربية، وتحديداً الأمريكية. هذا الانتشار لا يقتصر على المنتجات مثل الوجبات السريعة (ماكدونالدز) والمشروبات (كوكاكولا)، بل يمتد ليشمل القيم، الأفكار وأنماط الحياة، تواجه الثقافات المحلية تحدياً كبيراً في الحفاظ على خصوصيتها وهويتها أمام هذا المد الثقافي العالمي. يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع اللغات المحلية، والعادات والتقاليد، وتغيير الأذواق الفنية والاستهلاكية لدى الأجيال الشابة. تُستخدم الثقافة كـ "قوة ناعمة" لتعزيز الهيمنة السياسية والاقتصادية. فالدول التي تملك القوة الإعلامية والإنتاجية الثقافية، مثل الولايات المتحدة، تستطيع التأثير على وعي الشعوب وتوجيه الرأي العام العالمي بما يخدم مصالحها، تتأثر هياكل السلطة التقليدية داخل دول الشرق الأوسط بفعل العولمة بطرق متباينة، كما تساهم العولمة في إضعاف دور الدولة الوطني من خلال تجاوز الحدود السياسية والثقافية بواسطة تدفق المعلومات ورؤوس الأموال وتصبح الدول( خاصة دول الشرق الأوسط)، غير قادرة على ادارة الحكم، ويدار المشهد الداخلي وإدارة الدولة بمنهجية لا وطنية تلتقي مع بعض الطروحات المتطرفة دينيا، في المقابل تستغل بعض الأنظمة السلطوية خطاب "أخطار العولمة" لتبرير سياساتها القمعية وتغطية إخفاقاتها الداخلية، مدعية أنها تحمي الهوية الثقافية من "الغزو الخارجي". رغم ذلك لا تُقابل العولمة بالاستسلام التام دائمًا، بل تولّد أشكالاً متنوعة من المقاومة التي تعيد تعريف العلاقة بين المعرفة والثقافة والقوة كرد فعل على التنميط الثقافي حيث تسعى العديد من المجتمعات إلى إحياء تراثها الثقافي والتأكيد على خصوصيتها كشكل من أشكال المقاومة. هذا يحفز الثقافات المحلية على التطور والمنافسة بدلاً من الذوبان.
العولمة تعزز سلطة الخوف
العولمة ليست مجرد عملية أحادية الاتجاه، بل تؤدي إلى تفاعل وتمازج بين الثقافات المختلفة، مما ينتج عنه "ثقافات هجينة" جديدة تجمع بين المحلي والعالمي. هذا التهجين يمكن أن يكون مصدراً لتشكل حركات اجتماعية وسياسية عالمية تهدف إلى مقاومة الهيمنة الاقتصادية والثقافية للعولمة، وتدعو إلى نظام عالمي أكثر عدالة يحترم التنوع الثقافي ويعيد رسم خريطة القوة الثقافية في العالم، من جهة تخلق قوة ثقافية عالمية مهيمنة تميل إلى التنميط وإضعاف الخصوصيات المحلية وتعزز سلطة الخوف من السلطة بما يخدم مصالح القوى السياسية والاقتصادية الكبرى من خلال تسويق تكنولوجيا الرعب النووي والأسلحة الذكية، إن العلاقة بين المعرفة والثقافة والقوة في عصر العولمة هي علاقة صراع وتفاوض مستمر بين قوى أحادية التوجه من ناحية اقتصادية وقوى التنوع لتجاوز سلطة الخوف في بناء الانسان.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟