أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني صالح الخضر - -الأسد يبني ليراقبك-: كيف تحوّلت العمارة في سوريا إلى أداة قمع وحرب؟















المزيد.....

-الأسد يبني ليراقبك-: كيف تحوّلت العمارة في سوريا إلى أداة قمع وحرب؟


هاني صالح الخضر

الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 15:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في سوريا، لم تكن الأبنية مجرد إسمنت وحديد، بل تحوّلت إلى أدوات للسيطرة، وإخضاع السكان، وتمزيق النسيج الاجتماعي. في بلدٍ عُرف بتعدديته وتجاور مآذنه وأجراسه، جاء التخطيط العمراني في ظل حكم آل الأسد ليُعيد تشكيل المدن بما يخدم القبضة الأمنية، ويُطفئ أي إمكانية للانتماء الحر، أو المقاومة.

◾ العمارة كعيون لا تنام

يرتفع قصر حافظ الأسد على جبل قاسيون، مشرفًا على دمشق كعين لا تنام. لم يكن موقع القصر اعتباطيًا؛ فقد أعاد إنتاج نموذج "البانوبتيكون" الذي تحدّث عنه ميشيل فوكو، حيث يشعر الجميع بأنهم تحت المراقبة الدائمة، وإن لم يروِ أحدًا يراقبهم فعليًا.
هذا الشعور لم يكن خيالًا: الأفرع الأمنية انتشرت في جسد المدينة كأورام صامتة، تعززها الأبنية الرسمية، وتماثيل الأسد، وأسماء الشوارع التي تُعيد تكرار رموز الطاعة والسطوة، بينما تُحاصر المواطن من كل زاوية.

◾ منسوجات اجتماعية تم تمزيقها

في حمص مثلًا، المدينة التي كانت تجسّد التنوع والانفتاح، جاء مشروع "حلم حمص" ليُحيلها كابوسًا. تحت شعار "التطوير"، هُدمت أحياء تاريخية، وزُرعت ناطحات تجارية على أنقاض الذكريات. لم يكن الهدف الجمال أو الراحة، بل إحداث شرخ عمراني واجتماعي دائم، يدفع الفقراء والمهمّشين إلى الهامش، ويعيد تموضع النخب المتحالفة مع السلطة في القلب.
لقد أصبحت الفضاءات العامة ساحات حرب صامتة. الشوارع العريضة لم تكن للمشاة، بل لتمرير الدبابات. الأبراج العالية لم تكن لتوفير السكن، بل لمواقع القناصة.

◾ العشوائيات: سلاح خفي في يد النظام

حين لم يعد بالإمكان منع توسّع المدن، لم يعمد النظام إلى التخطيط، بل ترك العشوائيات تتكاثر، لا بوصفها عبئًا، بل بوصفها أوراقًا رابحة في لعبة السيطرة. مُنحت بعض العشوائيات شرعية شبه رسمية لأن سكانها من الطائفة الموالية، كما في "المزة 86"، بينما تُركت أخرى رهينة قانونية، إذ يمكن تصنيف سكانها كمخالفين في أي لحظة.
بهذا الشكل، تحوّل نصف السوريين إلى "مواطنين على الهامش"، لا يملكون حقوقًا ثابتة، ويخشون من هدم منازلهم أكثر مما يخشون الجوع.

◾ الثورة تكشف هندسة الطغيان

حين اندلعت الثورة السورية، لم يكن مفاجئًا أن تبدأ شرارتها من قلب تلك المناطق المهمشة. بابا عمرو، القابون، التضامن، اليرموك… كانت أحياءً وُلدت من رحم التهميش، وتحولت إلى منصات تحدٍّ.
ردّ النظام؟ كان معماريًا أيضًا. الهدم، ليس فقط للتخلص من المقاتلين، بل لإعادة هندسة المكان، وسحق الروح، وقطع الجذور. القصف، الحصار، إعادة رسم الخرائط وفق خطط طائفية، كلّها كانت أدوات إعادة تشكيل المجتمع على مقاس الطاعة.

◾ "إعادة الإعمار": اسم ناعم لسياسة قاسية

ما بعد الحرب لم يحمل للمدن سوى مزيد من العنف، مغلّف هذه المرة بمشاريع "إعادة الإعمار". لكنها لم تكن عودة للمهجّرين، بل إقصاء إضافي، يضمن ألا يعود من "تمرّد" إلى بيته، ولو عاد، فلا بيت له يعود إليه.
أحياء بأكملها، مثل باب السباع وبابا عمرو والخالدية، مُسحت عن الخريطة، وعوّضتها مشاريع سكنية واستثمارية تخدم الأثرياء والموظفين في الدولة، بينما بقي الفقراء في الشتات، أو في أحياء لا تملك وثائق ملكية، كأنها لم تكن موجودة أصلًا.

◾ بين تمثال وتمثال.. ذاكرة تُمحى

هل يبدو الأمر مبالغًا؟ انظر إلى خان شيخون: بعد سنوات من المجازر والهجمات الكيماوية، كان أول ما فعله النظام عند "استعادة" المدينة هو نصب تمثال جديد لحافظ الأسد، وسط الركام، بين أطلال منازل لا تزال تئن من الفقد.
التمثال لا يواسي، بل يهدّد. يقول للسكان: "أنا باقٍ، أنتم المؤقتون."

● خلاصة: عمارة بلا روح، وطن بلا بيت

ليست المسألة فقط في الخرسانة والحديد. إنها في الهوية، والذاكرة، والانتماء. لقد استخدم نظام الأسد العمارة ليحوّل المدن إلى سجون مفتوحة، والمواطنين إلى نزلاء. وبدل أن يكون البيت موطنًا، صار خطرًا، بدل أن يكون الملجأ، صار التهمة.
وها نحن بعد عقدٍ ونصف من الثورة، ما زلنا نحاول ترميم ما لا يُرمَّم: البيت، والمعنى، والحق في المكان.
.................
▪︎يمكنك الرجوع إلى كتاب عمار عزوز "قتل الموطن": العمارة، والحرب، وتدمير البيت في سوريا
Domicide: Architecture, War and the Destruction of Home in Syria .

▪︎Domicide = القتل المنهجي والمتعمد للموطن.

لطالما ركزت الاستجابات المعمارية للحرب على "التراث الثقافي"، وعلى تدمير البنية التحتية والمعمار القديم، لكن في هذا العمل، ينقل عمار عزوز التركيز إلى مستوى أكثر حميمية: "البيت". في كتاب "قتل الموطن" (Domicide)، يستخدم عزوز مفهوم "البيت" — مدينته الأم حمص في سوريا — ليعالج مسألة تدمير المدن وتشريد الناس داخليًا وخارجيًا خلال الحروب، ويستكشف كيف يمكن إعادة بناء المدن دون التسبب في مزيد من الضرر للمجتمعات التي تعيش فيها.
استنادًا إلى مقابلات مع مهنيين في البيئة المعمارية، يقدم الكتاب أيضًا رؤى من أناس من مهن أخرى اضطُروا لأن يصبحوا "معماريين" بأنفسهم أثناء إعادة بناء منازلهم؛ كاشفًا كيف يصمدون، ويقاومون، ويواصلون العيش في ظل صراعات طويلة الأمد، تتجاوز اللحظات الدرامية للتدمير التي تعرضها الأخبار.
بالرغم من تركيزه على سوريا، يقدم الكتاب خريطة طريق لإعادة بناء المناطق الحضرية المتضررة في أماكن الصراع حول العالم. إنه يقدم رؤى جديدة حول دور المعماري خلال فترات الحرب، ويؤكد أن إعادة الإعمار في المستقبل يجب أن تعكس رغبات واحتياجات، وتقاليد، وأساليب حياة المجتمعات المحلية.
هذا الكتاب يُعد قراءة أساسية للباحثين في مجالات العمارة، وتخطيط المدن، ودراسات التراث، ودراسات النزاع.
المؤلف: عمار عزوز
الناشر: Bloomsbury Visual Arts
سنة النشر: 2025

Domicide: Architecture, War and the Destruction of Home in Syria

Architecture, War and the Destruction of Home in Syria

Domicide = the systematic and deliberate killing of home.

So much architectural response to war has focused on cultural heritage , the destruction of infrastructure, and of ancient architecture – here, Ammar Azzouz moves the focus somewhere more personal: the home. In Domicide, he uses the notion of the home – his native city of Homs in Syria – to address the destruction of cities and the displacement of people both externally and internally during times of war, and to explore how cities can be rebuilt without causing further damage to the communities that live there.

Drawing on interviews with built environment professionals, the book also offers insights from those from other professions who were forced to become architects as they rebuilt their homes by themselves showing how they cope, resist and carry on in long-term conflicts, beyond the dramatic moments of destruction shown in the news.

Focusing on Syria, but offering a blue-print- for other urban areas of conflict across the wider world, Domicide offers fresh insights into the role of the architect during time of war, and explores how the future reconstruction of cities should mirror the wants and needs, the traditions and ways of living, of local communities. This book is essential reading for researchers in architecture, urban planning, heritage studies and conflict studies.
Ammar Azzouz
Bloomsbury Visual Arts
2025



#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية... من مشروع تحرر إلى أداة استعمار ناعم


المزيد.....




- مشهد أثار الغضب.. رجل يجر كلبا بلا حراك ثم يضرم النار فيه وي ...
- نتانياهو: لا مزيد من الأعذار للمنظمات الدولية بعد إعلان الجي ...
- سائح إسرائيلي يتعرض للعض في اليونان على يد مهاجر سوري
- السودان: كيف يؤثر الإعلان عن حكومة موازية في أزمة البلد ومست ...
- رقم قياسي.. السعودية تعدم 338 شخصا عام 2024 بينهم إيرانيون
- عاجل| سانا عن رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري ...
- تركيا تكافح حرائق الغابات وتجلي الآلاف في خضم حرارة قياسية
- القرية الأولمبية لألعاب 2026 الشتوية تواجه تحقيقات فساد
- ألمانيا وبريطانيا تطالبان بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات ...
- هآرتس: نتنياهو يقر بفشل الحصار ويبدأ بتسهيلات محدودة


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني صالح الخضر - -الأسد يبني ليراقبك-: كيف تحوّلت العمارة في سوريا إلى أداة قمع وحرب؟